|
الحرب والسلام بقلم طارق مصباح يوسف
|
04:04 PM June, 25 2016 سودانيز اون لاين طارق مصباح يوسف-ايرلندا مكتبتى رابط مختصر
الحاقا لمقالنا السابق (سودانيزاونلاين, 4 يونيو 2016) و الذى تطرّق للقانون الدولى الانسانى الخاص بضبط سلوك الأطراف المتقاتلة أثناء الحروب و حماية المدنيين, يتناول هذا المقال بايجاز بعضا من الأمور المتعلّقة بالحرب العادلة و مراحل عملية تحقيق السلام. الحرب العادلة Just war مفهوم الحرب العادلة مأخوذ من التعبيراللاتينى Jus ad bellum وهو باختصار مجموعة من الضوابط المعيارية الأخلاقية التى لا بدّ من توفرها قبل تقييم و اتخاذ القرار الذى يبرر لشن الحرب و اصباغ الشرعية عليها. من أبرز ما جاءت به نظرية الحرب العادلة من معايير:- 1. وجود سلطة شرعية (حكومة دولة ذات سيادة) لديها التفويض باعلان قرار الحرب, 2.وجود قضية عادلة مثل رد العدوان الخارجى و الدفاع عن النفس (هذا ما عزّزته المادة 51 من ميثاق1* الأمم المتحدة للعام 1945), 3. استنفاد كل الوسائل الدبلوماسية السلمية و فرض الحرب كخيار أخير. 4. التناسبية (عدم الافراط فى استخدام القوة باستهداف المدنيين و غير المشاركين فى القتال). من الواضح أنّ ما تقدم ينطبق على الحروب بين الدول Interstate wars و التى يرى مؤيدو النظرية الواقعية حتمية هذه الحروب فى ظل علاقات دولية تتسم بالتنافس المحموم فى عالم تسوده الفوضى. كما هو معلوم يواجه العالم فى الوقت الراهن ما يعرف بالحروب داخل حدود الدول Intrastate wars, و هى الأكثر انتشارا فى العالم (سوريا, السودان, جنوب السودان, الصومال, نيجريا, العراق, أفقانستان ..... و القائمة تطول). هذا النوع من الحروب غالبا ما يكون مواجهات مسلحة بين الحكومة و و أطراف أخرى داخل حدود الدولة المعروفة. لا بدّ من التنويه الى أنّ هناك نظريات لا ترى أى مبرر لشن الحروب (خلافا لما طرحته نظرية الحرب العادلة). فعلى سبيل المثال يعتبر نبذ العنف مبدأ أخلاقى فى النظرية السلامية (أو اللاعنفية) Pacifism التى لديها موقف أخلاقى من استخدام القوة العسكرية لحسم الخلافات بين الدول و كذلك حل النزاعات المسلحة داخل الدول. اذن فالمقاومة السلمية (و ليست السلبية) ذات الوسائل المعروفة هى البديل للحروب و استخدام العنف. هناك أيضا موقف مناهض للحرب (على الرغم من محدوديته), تضمنته النظرية الكونية Cosmopolitanism التى تحكم العلاقات بين الأفراد باعتباراشتراك بنى الانسان فى انتمائهم لمجتمع واحد تسود فيه مساواة جميع بنى البشر و عيشهم فيه بسلام. السلام السلام فى أبسط تعريفاته هو غياب العنف (و التهديد بالعنف), اختفاء الحروب, الشعور بالأمان, الطمأنينة و الراحة النفسية Serenity. و فى ظل تعقيدات الصراعات المسلّحة و الحروب الأهلية التى يشهدها العالم حاليا, يتم تناول قضايا السلام فى اطار منظومة شاملة تشارك فيها عدة أطراف و تسعى لانهاء الاحتراب و ما يترتب عليه من فظاعات و اهلاك للحرث و النسل. و قد انتشرت فى السنوات الأخيرة معاهد السلام و غيرها من المؤسسات الأكاديمية التى تهدف لسبر غور أسباب اللجوء للعنف و المواجهات المسلّحة و ايجاد الاستراتيجيات المناسبة للحيلولة دون اندلاع الحروب و العمل من أجل سلام مستدام فى العالم. بصورة مقتضبة هناك ثلاث مراحل يجب أن تمر بها العملية السلمية:- 1. صنع السلام Peace making: غالبا ما تبدأ هذه المرحلة بوساطة دبلوماسية محايدة و مقبولة لدى الأطراف المتحاربة و حث هذه الأطراف على التفاوض المفضى الى توقيع اتفاقية سلام من شأنها و ضع نهاية للاقتتال. فى الغالب يتواصل دور الوساطة (اقليمية كانت أم دولية) بالاشراف على المفاوضات متى ما تأكّد لها جنوح الأطراف المتقاتلة الى السلام. 2. حفظ السلام Peace making: ارتبط حفظ السلام بعمليات الأمم المتحدة التقليدية التى تهدف لدعم اتفاقيات السلام الموقّعة بين الأطراف المتحاربة (باعتبار أنّ الصراع المسلّح يشكّل تهديد للأمن و السلام الدوليين) و مراقبة وقف اطلاق النار. غالبا ما يتم ارسال قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام بناء على دعوة من حكومة البلد المعنى. 3. بناء السلام Peace building: ليس الغرض من عملية بناء السلام (و هى أهّم مراحل العملية السلمية) اعادة تعمير ما دمرته الحرب, بل يتعداها لبذل كل ماهو ممكن للحيلولة دون العودة الى مربع الحرب و انفجار الأوضاع الأمنية مرة أخرى. فبالاضافة لرصد و متابعة تنفيذ اتفاقية السلام, تتركّز أنشطة هذه المرحلة فى البناء و اعادة الاعمار و تعزيز هياكل و مؤسسات مجتمعات "ما بعد مرحلة الحرب" بغرض خلق بنيات تحتية متينة و نشر ثقافة السلام بين أفراد هذه المجتمعات. باختصار هذه المرحلة من العملية السلمية تتطلب تضافر جهود أطراف متعددة تقودها المنظمة الدولية لضمان ديمومة العملية السلمية و عدم حدوث انتكاسات تعود بالجميع الى المربع الأول. بالطبع لا بدّ من التركيز فى هذه المرحلة على قضايا احترام حقوق الانسان, سيادة حكم القانون, الديمقراطية و التنمية الاقتصادية المستدامة (أى معالجة الأسباب الكامنة للصراعات المسلحة). هذا ما يمكن تسميته بالسلام الايجابى Positive*2 peace و الذى يتطّلب المبادرة باحداث تغيير سياسى, اقتصادى و اجتماعى شامل (تشارك فيها منظمات المجتمع المدنى), يتم بموجبه ازالة جميع مسببات اللجوء للعنف كوسيلة لحسم الخلافات.
طارق مصباح يوسف- ايرلندا Tarig M. Yousif (PhD) is a freelance researcher in the field of forced migration and human displacement. He worked for many years as an aid worker in refugee camps in Sudan. He now lives in the Republic of Ireland. Email: [email protected]
*1 المادة 42 من من الفصل السابع للميثاق تعطى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التفويض باستخدام القوة العسكرية للحفاظ على الأمن و السلام الدوليين. 2* هناك أيضا السلام السلبى Negative peace الذى ينحصر فى وقف العنف والعداءيات.
المراجع
Atack, Iain (2005). The Ethics of Peace and War. Edinburgh University Press. Coates. A, J (1997). The Ethics of War. Manchester university press.
أحدث المقالات
- هل امريكا مستعدة لفرض حظر جوي في جبال النوبة والنيل الأزرق؟ (1-2) بقلم الفاضل سعيد سنهوري
- الصادق المهدي ..لماذا يربك الجميع.. ومتى يستقر على طعام واحد ..! بقلم مبارك ابراهيم
- لماذا رجع السودان الى الوراء! بقلم سعد عثمان
- دردشات وافكار في الشأن الوطني بقلم سميح خلف
- أتحدى وأحلق (شنبي) إذا رفض البرلمان الصفقة السعودية بقلم جمال السراج
- الدين السياسي سر البلاء على العباد بقلم سفيان عباس التكريتي
- أساليب نضالات الطبقة العاملة، في ظل النظام الرأسمالي المعولم.....5 بقلم محمد الحنفي
- إسرائيل بين تركيا العلمانية وتركيا الإسلامية بقلم د. فايز أبو شمالة
- حساب بدرية وطلوع النواب ،وروح الشعب !! بقلم حيدر احمد خيرالله
- مرة واحد شايقي..... بقلم فيصل محمد صالح
- زلزال.. بريطانيا!! بقلم عثمان ميرغني
- دماء في ليلة الزفاف ..!! بقلم عبد الباقى الظافر
- و(دا لوحده) !!! بقلم صلاح الدين عووضة
- عمر مصطفى المكي تحت الأرض (1958-1964): أبارو مر من هنا بقلم عبد الله علي إبراهيم
- الشرطة الكندية توجه اتهامات لطبيب بيطري بالاعتداء علي بعض الكلاب بقلم محمد فضل علي ..كندا
- الحلو مر أشهر المشروبات الرمضانية في السودان بقلم نورالدين مدني
- حكومة المؤتمر الوطني تذبح العدالة في قضية الطالب بقاري. بقلم محمد نور عودو
- الإعلام السوداني و غياب الاستنارة بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن
- التكرار لن يفيدك شيئا أيها العرَّاب المريب حامد فضل الله! (2) بقلم محمد وقيع الله
- ربيع اوروبي بنكهة بريطانية بقلم سميح خلف
|
|
|
|
|
|