في سياق تسويقه لبحوث الإلحاد والتطاول على القرآن الكريم وعلى ذات الله تعالى ذكر الدكتور حامد فضل الله أن صاحبه الملحد الدكتور محمد أحمد محمود قد صدَّر العدد الأول من مجلته (العقلاني) بدراسة عن (قصة الخلق والعصيان في القرآن). وعسى ألا يكون الدكتور محمود قد سطا في مقاله هذا على أطروحة أستاذ جامعة هارفارد الذي نشر كتابا في هذا الموضوع، ذكر فيه أن إبليس كائن مظلوم مضطهد في القرآن. وأرود بعض الحجج المغلوطة لتأييد هذا الزعم. وقد لحظت من قبل أن الكاتب السوري الملحد الدكتور صادق جلال العظم كان قد أغار على كتاب أستاذ هارفارد هذا، وانتهب منه جلَّ أفكاره دون أن يشير إليه، وذلك في فصول كتابه (نقد الفكر الديني) الذي صدر في أعقاب هزيمة حزيران. وقد حاول الدكتور العظم في الفصل الذي سماه (مأساة ابليس) من كتابه آنف الذكر أن يثبت أنه قد كان ثمة تناقض في تصرفات الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا. ففي تحليل العظم للآيات القرآنية الكريمة التي جاء فيها ذكر خبر خلق الإنسان ورفض إبليس السجود له كما أمره الله تعالى، ومنها آيات سورة الحِجر: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ). ومنها آيات سورة البقرة: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ). في تحليله لهذه النصوص القرآنية الكريمة زعم الدكتور صادق جلال العظم أن إبليس رفض أن يسجد لآدم لأنه لو سجد لخرج عن حقيقة التوحيد التي تقضي بألا يسجد البشر إلا لله. ومن ثم وجد نفسه إبليس في محنة أليمة: إما الشرك أو معصية الله بعدم السجود لآدم. وهنا ادعى العظم وجود تناقض في أوامر الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا! وقد جاء العظم بهذه الحجة الواهنة لمجرد المغالطة والتشويش. وهي حجة لم يذكرها صاحبه إبليس فيما ذكر لنفسه من تبرير. وقد اختلق العظم هذه الحجة اختلاقا لأن السجود الذي أمر به إبليس، كما أمرت به الملائكة، لم يكن سجود عبادة لآدم عليه السلام. وإنما كان سجود عبادة وطاعة لله تعالى. وسجود قربة يتقرب بها إليه جل وعلا. وكان بالنسبة لآدم عليه السلام بمثابة التشريف والتكريم والتعظيم، وليس العبادة. وقد زعم الدكتور العظم أن صاحبه إبليس كان منطقيا جدا إذ كيف يسجد العنصر السامي وهو النار للعنصر الوضيع الذي هو الطين؟! وكيف يسجد الكائن البرئ إبليس للإنسان الذي تنبأت الملائكة بأنه سيفسد في الأرض:( قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ). من الآية 30 في سورة البقرة. وهكذا استنتج العظم من أن إبليس كان مصيبا في منطقه، وأنه ظلم بالعقاب الذي أوقع به. ودافع عنه دفاعا حارا واعتبره المستضعف الأول والأبدي في الكون. ولكن إذا نظرنا إلى هذه الآيات نظرة محايدة، فهل هذه هي الدروس والعبر التي يمكن أن نأخذها من هذه الآيات؟! إن الله تعالى عندما قال للملائكة:(إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) قد سمح لهم بأن يسألوا، وسمحوا هم لأنفسهم بأن يسألوا. فلم يؤيدوا على الفور وسألوا ربهم قائلين:(أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ). ولم يعاقبهم الله تعالى على هذا السؤال الذي بدا منه الاعتراض، بل أثبت لهم بالدليل العملي خطأ ظنونهم:(وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ). وعندها اقتنع الملائكة بخطأ ما كانوا يرون، وصحة ما رأوا عقب الاختبار العملي:(قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). وعلى عكس هذه القيمة المشرقة في الحوار فقد كان إبليس أول من خرج على إجماع الرأي، وأفسد مبادئ الحوار، ثم رفع لواء العنصرية كأول داعية لها في الكون:(قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) الأعراف: 12. ولذلك فقد أخرج من الجنة جزاءٍ على عنصريته وتكبره:(قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) الأعراف:13. وهكذا لم ير الدكتور العظم شيئا يعتد به في هذه القيم السامية الباهرة التي احتوتها الآيات الكريمات، وأجهد نفسه في تحليلها وتفسيرها على نحو ملتوٍ ليأتي منها بنتائج مغلوطة يحاجُّ بها الدين الحنيف. فهذه تحليلات الملحد خالد جلال العظم مسروقة عن بروفيسور هارفارد ونرجو ألا يكون الملحد محمد أحمد محمود قد تورط في سرقتها عن أحد المصدرين. ومما ذكره الدكتور حامد عن الدكتور محمود أنه نشر في العدد الثاني من مجلته (العقلاني) مقالا بعنوان عن شيخه في الحزب الجمهوري بعنوان (في الذكرى الثلاثين لإعدام محمود محمد طه). وعسى ألا تكون هي المقالة الباهتة التي نشرها قبل أشهر على موقع (سودانيز أون لاين) مجاريا فيها المنتحبين بسفك الدموع من أمثال بروفيسور الجهل باللغة والدين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة