نشر المرحوم عمر مصطفى المكي ذكرياته عن اختفائه طوال فترة الحكم العسكري الأول (1958-1964) في حلقة المتفرغين الشيوعية مسلسلة في جريدة الميدان في نحو منتصف 1965. وكان عنوانها "ست سنوات تحت الأرض: ذكريات لا بأس من تسجيلها". وقال لي التجاني الطيب أن أستاذنا عبد الخالق استثقلها لسبب ما. وكان يقول للتجاني: "إنتا المسلسل البلا بطلة دا حينتهي متين". وكان أستاذنا حسن الظن بعمر مع ذلك. فذكر له تفرغه للحزب سرعان ما تخرج من جامعة الخرطوم لا يلوي على شيء بينما كانت شركة شل، أسخى المخدمين أيامها، قد وضعت عينها عليه. وقال لي محمد نور السيد إن أستاذنا كان أحرص ما يكون على استرداد عمر مصطفى المكي بعد الانقسام 1970 دون الآخرين. وقال له إن كان من خليفة لي أثق فيه فهو هذا العمر. وسمعت نفس الرواية عن رغبة أستاذنا في عودة الدكتور فاروق م إبراهيم من الانقسام دون الآخرين. وأعترف أن تلك الذكريات مما كنا نتطلع لقراءته في الميدان لرومانسية مُغَامرة هي طبع في الشباب أمثالنا. وأهم من ذلك فتحت لنا المذكرات طاقة لنعرف الفداء الذي من وراء نبل الحزب الشيوعي وجسارته اللذين مكنا لولائنا له ومحبتنا. وأكثر ما طربنا للشاعر عبد العزير سيد أحمد في نشوات آخر الليل وهو يتبتل حباً فيه: إذا قلت حزبي ولا أذكر بقيتها ولكنه يعدد بعد هذا المقاطع حقول الجمال التي تترامى بعد قولنا "حزبي" كأنك تقول "يا الكباشي" مثلاً. (هل من يمدني بنص القصيدة). ويجد القارئ أدناه تلخيصاً للحلقة السادسة عن موقف حرج زار فيه السيد أبارو زعيم البوليس السياسي "وكرا" للشيوعيين: في 1961 استأجر الشيوعيون نصف منزل لتأمين مكنة طباعتهم بعد بحث. وكان المنزل مناسباً سوى أن مالكه ضابط كبير بالشرطة ويسكن بالنصف الثاني من المنزل. وتجاوز الشيوعيون عقبة جيرة الشرطي بحكمة إن أردت أن تخفي شيئاً عن أعين الناس فضعه في مكان ظاهر. ودار المكن ينتج منشورات ومطبوعات. وكان الشيوعيون فخورين بحقيقة تكثيف الأمن لحملات الكشف عن "وكرهم" بينما هم أقرب إليه من حبل الوريد. وأقام الضابط الجار حفلاً لسماية. وتوافد المدعون أغليهم من الشرطة بالطبع. وطرق باب الشيوعيين ضيف اختلط الأمر عليه. وخرج له أحدهم ووجده ابارو مدير الأمن: "ابارو: بالله دا مش منزل . . . الشيوعي: أيوه. أبارو: موجود؟ الشيوعي: ايوه موجود بس الحفلة في الجانب الآخر. هذا الجانب مؤجر. أبارو: شكراً جزيلاً يا خي. الشيوعي: العفو يا خي. وأنصرف أبارو إلى مكان الحفلة. وكانت مكنات الطباعة في تلك اللحظة تدور بأقصى سرعتها". وعاد الشيوعي إلى حفله بين الرونيو والشمع.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة