زلزال أصاب العالم أمس بتصويت الشعب البريطاني (بفارق طفيف) لصالح قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي.. أول آثار الزلزال الاستقالة الفورية لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون.. رغم أن غالبية رد الفعل ظهر في الاهتزازات الاقتصادية وتوتر الأسواق العالمية، إلا أنني مُوقن أن قضية بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمر أعمق من السياسة والاقتصاد معاً. واحد من أهم الخصائص التي تتميز بها المنظومة الغربية في أوروبا وأمريكا.. إنها رغم الحداثة والمواكبة العصرية إلا أنها تتحرك وتتطور عبر الزمن ككتلة تاريخية هائلة.. تتحكم فيها الجينات الوراثية التي تصنع مستقبلها. وأوروبا الغربية بالتحديد رغم تقاربها الوجداني والجغرافي، إلا أنها هبة صراع إمبراطوري مديد عبر التاريخ الإنساني، هو الذي صنع مجدها بل وترفها الاقتصادي.. هذا الصراع (الأوروبي - الأوروبي) رغم أنه انعكس خارج أوروبا في ألوان الخارطة الاستعمارية في العالم خلال القرون الماضية، إلا أنه ظل عميقاًBuilt in في النفسية والمزاج الأوروبي إلى اليوم.. ليس على مُستوى التنافس (الأوروبي) السياسي والاقتصادي فحسب، بل حتى في الرياضة كما يظهر في بطولة كرة القدم الأوروبية الجارية الآن في فرنسا. ولئن كان العالم اليوم يعترف ويحجز مقاعد الصدارة ليميز (الدول الكبرى).. فيمنح خمس دول مقاعد دائمة في مجلس الأمن وحق الفيتو.. ويحدد (8) دول "كبرى" هي الأولى صناعياً. فإن في أعماق الضمير البريطاني دائماً أن هناك درجة تاريخية أرفع منسية أو مسروقة من قائمة التميز الدولي هي درجة (العظمى) التي ظلت جزءاً من اسم بريطانياGreat Britain طوال تاريخ طويل. فإذا كان في العالم (8) دول كبرى، فإنه فيه دولة واحدة في درجة (عُظمى).. مُستحقة تاريخياً.. في أعماق البريطانيين الذين صوتوا بنعم لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي أنهم ليسوا مجرد دولة في منظومة أوروبا، كما تقتضي عضوية الاتحاد الأوروبي.. وربما لهذا يخشى البعض أن تنتقل العدوى لمكونات بريطانيا نفسها التي قد لا ترضى أن تكون مجرد (جوهرة) في التاج الملكي.. اسكتلندا مثلاً.. خلال فترة انضمامها للمنظومة الأوروبية اجتهدت بريطانيا في (تمييز) عضويتها باستثناءات كثيرة .. جعلتها أقرب إلى (عضو خاص).. يضع رجله داخل القطار والأخرى خارجه.. ولهذا ربما لن يتأثر الاتحاد الأوروبي – عملياً - رغم الهزة المعنوية المحبطة.. بكل يقين لن يتأثر الاتحاد الأوروبي كمنظومة.. لكن دوله ستُعاني من (عدوى) اليمين المتطرف الذي اعتبر خروج بريطانيا هدية السماء.. فيبقى مصير أوروبا مُعلقاً في مصير وقدرة اليمين المتطرف استثمار هذا الحدث مُستقبلاً.. لتفكيك الوحدة الأوروبية..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة