اتعجب جدا عندما يحكي أبي عن ذكرياته الجامعية وعن اصدقائه الذين اتوا من مناطق مختلفة من أرجاء البلاد خصوصا صديقه احمد الغنى وصاحب النفوذ الكبير الان وكيف ان ابي يحكي عنه ويقول انه-احمد- عندما اتي طالبا للجامعة كان يحمل مخلاية في داخلها جلبابين وقد أكمل بها السنة الأولى كله وكيف انه لم يملك المال الكافي للرجوع في الإجازات فلزم الداخلية"البركس" لمدة أربعة أعوام وان كان أبي قد اتي للجامعة من قرية في أقصي ولاية نهر النيل تدعى ارتولي الا ان حالته الاقتصادية أفضل والطريق إليها أقرب من المزورب-قرية صديقه احمد-في غرب السودان كل هذة الحقائق التي يرويها ابي لي لا تثير اهتمامي بقصصهم المضحكة ولا بمجد جامعة الخرطوم العريقة ولا بالمدينة في نظرهم كقرويين ولكنني اسرح بعيدا واتفكر في مقدار العدل الذي كان يصنعه التعليم في طبقات المجتمع فابي وأحمد القادمين من افقر المجتمعات بعد التخرج سينافسون في نفس الوظائف التي تقدم إليها زميلهم القادم من اغنى عائلات الخرطوم3 والخرطوم2 وقد تميزهم درجاتهم العالية في ذلك علي زميلهم ذو المال الوفير . لا أعنى موضوع الورثة والأموال المنقولة من الاب لأبنائه فتلك عتبة تقدم الطالب الغنى علي زملائه في حالة أراد"دخول السوق"كما يقول البعض لكنهم كخريجين من نفس المؤسسة الأكاديمية سواء في كل الامتيازات ويظفر بها اعلاهم درجة أكاديمية. يتحقق ذلك العدل في التقديم للمؤسسات الحكومية دعوني لا ادخل لمواضيع المحاباة والوساطة التي تحصل فإن افترضت انها وليدة عصرنا فالقول فيه اجحاف، ولكن لنقول أنه في الماضي لم تكن بذلك التأثير الكبير والمحسوس بالنسبة للمجتمع والا لما كانت مستنكرة بشدة في وقت مقبول. فالنتفترض مثلا-في يومنا- تقدم طالبين إحداهما خريج جامعة مأمون او الرباط والثاني من أقصى جامعات السودان جغرافيا زالنجي،دنقلا،كسلا اتحدي الوظائف في شركة عامة او خاصة ، هل طالبى الوظيفة سواء أمام المدير او لجنة الاختيار ام هناك اعتبارات قد لا تكون مفهومة أمامنا مثال لذلك لأنه يعرف الرباط ومامون لان احد اقاربه يدرس بها في نفس الوقت الذي يستغرب من لقظ زالنجي وكسلا وجامعة دنقلا فهولاء غرباء بالنسبة إليه وان كانوا بنفس الشكل والمظهر دي ، هل يبدو كلامي غريبا بعض الشئ! شاركوني التفكير ... اذن ما عدد الموظفين الذين تعرفهم في احدي الشركات الكبرى في العاصمة(دال ،زين،ام اي ان،سوداني،سي تي سي..الخ ) ؟ كم نسبة خريجى الجامعات الإقليمية من العدد الكلى ؟؟في حسابي الخاص يظهر الصفر كرقم كبير ولكن لتنتبه تلك الحسابات بدون وضع اعتبار لموضوع الوساطة وبعيدا عن الاعتبارات العرقية انا اتكلم عن القرب الاقتصادي والأخلاقي فقط او لنقل القرب الطبقي . وبما ان السودان بلد يعاني من مشكلة توزيع الموارد والخدمات بالمساواة نجد أن معظم الطبقات العليا اقتصاديا موجودة في الوسط او في الخرطوم لكن بدون اصطناع صراع هامش ومركز مرة اخرى لعل ذلك السبب الرئيسي في قيام أطول الحروب الأهلية علي ارض السودان العدالة الاجتماعية. والتي كان يمثل التعليم العالي جزءا كبيرا منها تخلطهم الجامعات وتخرجهم مزيجا واحدا متساوى التماسك. كل ذلك تم بطرق مقصودة وغير مقصودة في آن واحد فسياسة الدولة القاضية بمحاولة جعل طلاب الولاية بالالتحاق بجامعاتهم الولاية له تأثير طبعا كما نعرف تم ذلك بدون إنشاء وتطوير تلك الجامعات بنفس مقاييس جامعات المركز دليلا علي ذلك فلم تدخل جامعة ولاية واحدة في المراكز ال5 الأوائل في تصنيف الجامعات السودانية-حسب تصنيف صدر في الصحف لا اعلم مصدره الحقيقي للاسف- اما بعض الاسباب الغير مقصودة بشكل مباشر يمكن ان تكون بسبب الهجرة الي المراكز او النمو التعليمي والتطور الأكاديمي فنسبة طلبة الجامعات تختلف في زمن أبي عن زمننا هذا فجدي لابي مزراع او راعى حال حاله معظم اباء زملاءه لكن ابي مثلا الان موظف حكومي تلك الوظيفة التي تجبره علي اختيار المركز-المدينة- سكنا له وحالة اقتصادية لا يمكن القياس بها . اخيرا...علي كل ناظر الي الحقوق المدنية والمهمشين وقضايا العدالة وقسمة الثروة عليه النظر إلي التعليم كونه الركن الرئيسي لتلك العدالة الأجتماعية المرئية التي يراها المجتمع في نفسه في أبناءه وأبناء عمومته عدالة تصبح معها كل قضايا الهامش غريبة بعض الشئ العدالة الاجتماعية تعنى توفير العتبة الأولي بالتساوى بين كافة طبقات المجتمع العتبة دي كان بوفرها التعليم العالي بالأخص وفي حالة انهيار العتبة الاولي حينهار السلم كاملا بالنسبة لبعض الطبقات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة