، وهو يحمل هذا العمق العميق ، فما بالكم بمحتواها كاملاً؟ الذي سنطالعه في سبرنا هذا حيث يقول :( هيئ .. أقيفن .. نورا فيكن ؟ + .. نورا نقاحة الجروف .. نورا حلابة اللبيني، للصغيرين والضيوف .. نورا ساعة الحر يولع، تنقلب نسمة و تطوف .. تدي للجيعان لقيمة وتدي للعطشان جغيمة .. والمخلي الحال مصنقر .. في تقاة الليل تندقرتدي لي باكر بسيمة ..تكسي للماشين عرايا .. وفوقا ينقطع هديما) .. + ابتدرها بتساؤل عن حسناء غائبة أو مغيبة عن اللحاق بركب صويحباتها المنطلقات بسرعة نحو البناء والنماء والتحضر، ولإن كان الشاعر يرمز للوطن بنورا، فالمخاطبات الأخريات بهذا السؤال تأكيداً، هُن البلدان الأخرى، (هيئ اقيفِن نورا فيكِن؟)، لماذا لم تتوسطكن نورا في هذا الموكب التقدمي ؟، لماذا لم تكن بلدي في قلب ركب الحضارة، وما الذي يؤخرها عنكُن؟ وهي التي تنوء بحمل كل مقومات التطور، بل تفوقكن من حيث الزرعُ والضرعُ (نقاحة الجروف وحلابة اللبيني) باراضيها البكر الشاسعة، ودوابها الكثر الراتعة، مع صفة الكرم التي ربما تتفوق بها عليكن، (للصغيرين والضيوف)؟ بل تنطلق وتتمدد خيراتها فتعم العالم بأسره، وتمنحه الغذاء والدواء وتهدي الحائرين سواء السبيل.
11-24-2022, 08:53 AM
دفع الله ود الأصيل دفع الله ود الأصيل
تاريخ التسجيل: 08-15-2017
مجموع المشاركات: 13688
وليس غريبا عن الشاعر حميد، مثل هذا التجلي مع قرين الشعر هذا النظم بهذه السردية البديعة المباتعة الماتعة اسلوبا محبوباً وخيالا وجمالاً وحبكا وسبكاً،ولكن الأعجب والمثير لكوامن الدهشة هنا، قوله : (تكسي للماشيين عرايا وفوقا يتقطع هديما)، في إشارة عجيبة الى كميات مهولة من القطن كانت تخرج عبر المواني والبراري لكل البلاد (ذهبا ابيضا) خالصا تتمتع به الدول الأخرى ولاتجني منه نورا سوى السراب.
+ ثم يطرح الشاعر سؤالاً يستبطن سخرية وتهكما من تكلم البلاد التي تجاهلت عمدا بلده، ولم تأخذها يداً بيدٍ في معية ركب التقدم، بل أراد بعضُها عرقلتها وتأخيرها، لذلك جاء هذا التساؤل الساخر القاتل : (ما عرفتن نورا إنتن .. قولن إنتن شن عرفتن ؟ نورا بت الواطة أخيتي .. نورا اخت كل الغلابة .. نورا حاحاية الشقاوة .. نورا هداية الضهابة .. الأراضي الياما أدت .. نورا بقت من ترابا .. وماشي في الأعماق سحابة .. مشتهنها والله جابا .. الله جابا .. الله جابا .. للجنوب طبلاً يهدهد ليل مشاعر ناس تعابا وللشمال طنبور يسكت دمعة الميتين كآبة .. ما عرفتن نورا إنتن .. قولن إنتن شن عرفتن ؟)
11-24-2022, 08:55 AM
دفع الله ود الأصيل دفع الله ود الأصيل
تاريخ التسجيل: 08-15-2017
مجموع المشاركات: 13688
+ ولم ينتظر الشاعر إجابة من هذه الدويلات، فأردف مجيبا عن نفسه مبينا أربع صفات حميدة قل ان تتوافر كلها في شعب واحد، فحملها اهل هذه البلد، وجهلتها تلك البلاد أو تجاهلتها، اولها صفة التواضع، (نورا بت الواطة)، وثانيها الإنسانية الكبيرة التي يتحلون بها، (اخت كل الغلابا)، وثالثها صفة التكاتف، (حاحاية الشقاوة)، ورابعها البصيرة والعلم، (هداية الضهابة)، وبهذه الصفات أخرجت نورا من أرضها شعبا مشعاً كما الانوار، (نورا بقت من ترابا)، معطاءً كما السحاب، (ماشي في الاعماق سحابة)، وهو شعب يشابه بلده كأنما خلقه الله لها وخلقها له، (مشتهنها والله جابا)، تراحما وتلاحما بين جنوبها وشمالها. + ثم يضيف الشاعر ويشرح أسباب تأخر نورا عن الركب، بعد أن عاتب تلك الدول بقوله آنفاً، وهو الذي عودنا في شعره طرح العلة وشرح أسبابها ومسبباتها، ومن ثم بذل الحلول،
10-19-2023, 05:54 PM
دفع الله ود الأصيل دفع الله ود الأصيل
تاريخ التسجيل: 08-15-2017
مجموع المشاركات: 13688
قبل أكثر من أربعين عاماً تقريباً في العراق تثاءب بعض الحضور في قاعة ملتقى المربد الشعري وأوشك آخرون على مغادرتها! لمّا قام شاعر يمني كفيف بشعره الأجعد وآثار الجدري تكسو وجهه وسار بهدوء وهو يمسك بالرجل الذي يقوده وصعد إلى المنبر وهو يمسح أنفَه بِكُمِّ معطفِه مما أثار بعضاً من اللغط والدهشة في القاعة التي كانت تغصُّ بجمهور حسَّاس محب للشعر - تنحنحَ عبدالله البردوني ثم بدأ يقرأ قصيدته بعنوان : أبو تمام وعروبة اليوم والتي يعارض بها قصيدة الشاعر العباسي حبيب بن أوس الشهير بأبي تمام التي يقول في مطلعها : السيف أصدق إنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب فألقى البردوني قصيدته بصوت أخَّاذ جميل وبأداء تستحقه تلك القصيدة الجميلة فقال : ما أصدقَ السيفُ إنْ لم ينْضِهِ الكذِبُ وأكذبَ السيف إن لم يصدق الغضبُ وأدهشت المفاجأة الجميع ! ووقف الحضور إعجاباً وفي القوم فطاحل الشعراء أمثال : نزار قباني والبياتي وغيرهم إذ لم يكن من المتوقع أنَّ رجلاً كفيفا بمثل تلك الهيئة يمكن أن يُفاجئ القاعة بمثل هذه الأبيات!!وسجل البردوني إبداعه بأحرف من نور وهو يخاطب أبا تمام بقوله : حبيب وافيتٌ من صنعاء يحملني نسرٌ وخلف ضلوعي يلهثٌ العرب وتصاعد البردوني في إلقائه حتى شدَّ الحاضرين من أدباء وشعراء ،وجمهور على مستوى عال من الاستجابة إلى قصيدته وهو يقول : تسعون ألفاً لعمّورية اتَّقَدوا وللمنجم قالوا : إننا الشُّهُبُ قيل انتظارِ قطافِ الكرم ما انتظروا نُضْجَ العناقيد لكنْ قبلَها التهبوا واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا نضجاً وقد نضجَ الزيتونُ والعِنَبُ ماذا أحدِّثُ عن صنعاء يا أبتي؟ مليحةٌ عاشقاها السِّلُّ والجرَبُ ماتتْ بصندوقِ وضَّاحٍ بلا ثمنٍ ولم يمُتْ في حشاها العشقُ والطرَبُ وعندما نزل من على المنبر ظل التصفيق يتوالى ثم التفَّ حوله العشرات في القاعة وفي صالة فندق الإدارة المحلية ، وظل يستقبل العشرات من المعجبين وهم يُشيدون بقصيدته لأنه كان بحق نجمَ المهرجان . رحم الله البردوني إنساناً وشاعراً وأديباً . "الملتقى الثقافي العربي "
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
دفع الله ود الأصيل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست