|
النازحون و اللاجئون بين مطرقة الذل و سندان المركز
|
12:16 PM May, 17 2020 سودانيز اون لاين Esameldin Abdelrahman-إيطاليا مكتبتى رابط مختصر
النازحون و اللاجئون بين مطرقة الذل و سندان المركز
تنقل إحصائيات هيئة الأمم المتحدة بأن هنالك ثمانية اشخاص من المستضعفين حول العالم يفرون كل دقيقة تاركين خلفهم كل شيئ إما بسبب الحرب , الإضطهاد أو الإرهاب. تفرز حالات الفرار تلك و التي في مجملها تكون بحثا عن السلام , الأمن و الطمأنينة حالات من النزوح الداخلي أو اللجوء إذا تم فيه عبور الحدود الدولية إلي بلد آخر.
عمدت حكومات المركز التي تعاقبت على حكم الدولة السودانية منذ ( الإستغلال ), إلى مواجهة و محاربة الثورات التي تنطلق من الهامش بإتباع سياسة الأرض المحروقة , و التي ترتكز أساسا على الإبادة الجماعية للمدنيين , خاصة كل الإمتدات الإثنية و الثقافية المكونة للجماعات و الشعوب التي تنتفض ضد السلطة المركزية بحثا عن دولة العدالة و الحقوق و المساواة . و بعيدا عن الظواهر الطبيعية مثل الجفاف و التصحر الذي ضرب بعض من مناطق السودان في القرن الماضي , و كان سببا في حدوث بعض من حالات الهجرة و النزوح الداخلي , نجد أن لسياسة الأرض المحروقة التي إتبعتها الدولة , القدح المعلي في التهجير القسري الذي مورس بحق معظم سكان الهامش السوداني في جنوب السودان , النيل الأزرق , جبال النوبة و دارفور .
و بالرغم من الأوضاع الغير إنسانية , و التي أجبر النازحون خاصة على العيش فيها بمواقع نزوحهم , و التي تكون في غالب الأحيان معسكرات في أطراف المدن تفتقد لأبسط مقومات الحياة الكريمة , نجد في تاريخ حكومات المركز المخزي في صراعها العبثي ضد الهامش , جنوحها المتعمد للإمعان في إذلال النازحين و مواصلة للجرائم ضد الإنسانية في حقهم , إستمرار سياسات حرق المعسكرات , الإغتصاب و ممارسة القتل و الترويع بين حين و آخر , إتباع سياسات محاولات التركيع و التجويع القائمة على عرقلة عمل المنظمات الطوعية الدولية , التي تتدافع وفقا للمعاهدات و البروتوكولات الدولية لتقديم العون و المساعدات الإنسانية , إضافة إلى إخضاع عمل تلك المنظمات الطوعي إلى مساومات غير إنسانية كتلك التي كانت تحدث بين الفينة و الأخرى إبان عمليات شريان الحياة , او كتلك التي كانت تحدث حتى الأمس القريب ضد النازحين بالمعسكرات بدارفور.
إن قضايا النازحين في السودان و اللاجئين إلى خارجه , هي قضايا إنسانية بحتة , بالرغم من أن محركها و مسببها الرئيسي هو إنتقام المركز من الهامش , لإنتفاضه ضد إختلال التوزيع العادل للسلطة و الثروة , و عوضا عن معالجة الأسباب التي أفرزت هذا الواقع الأليم من جذورها , يتجه المركز دائما إلى تسييس تلك القضايا و بالتالي إخضاعها لتسويات الإبتزاز السياسي على طاولات التفاوض في مواجهة قيادات ثورات الهامش . و في ذات الوقت يتعرض النازحون و بعض اللاجئون لأبشع أنواع الإستغلال كعمالة رخيصة في مهن هامشية , تارة يمنعون من دخول المدن , و أخرى يتم تجميعهم و ترحليهم قسرا مرة اخرى بحجة مخاوف أمنية أو حفاظا على وجه الثقافة العروبي للدولة السودانية بالرغم من أنها متعددة الشعوب و الثقافات و الأعراق .
يتمثل المدخل السليم لحل قضايا النازحين و اللاجئين في تصدى الدولة لمسئولياتها الأخلاقية تجاه مواطنيها بغض النظر عن الثقافة , العرق أو الدين , و يقوم ذلك بشكل اساسي و تحت الإشراف المباشر لمنظمات المجتمع المدني , على تبني سياسات التعويض المادي الفردي لكل المتضررين و القائم على أسس و معايير عادلة , و كذلك التعويض الجماعي و الذي يمكن له أن يكون على سبيل المثال عبر بوابة مشروعات البنى التحتية و الخدمية , مع تمكينهم من العودة الطوعية إلى مواقعهم , قراهم أو أوطانهم التي أجبروا على مغادرتها قسرا. و لكن يعمل إصرار المركز على تحويل تلك القضايا الإنسانية إلى سياسية تحت مسميات مختلفة مثل أصحاب المصلحة او غيره , على إستمرار معاناة النازحين و اللاجئين , و تسويف و تغييب المعالجات الجذرية للأسباب السياسية و الإقتصادية لإنطلاق ثورات الهامش . كما يعمل الفشل المستمر لنخب المركز في تحقيق دولة العدالة و المساواة منذ العام 1956 على الإبقاء على ثلثي سكان السودان بمعسكرات النزوح و اللجوء و خارج دائرة الإنتاج , خاصة الزراعة و الرعي و الذي كان يمكن أن يكون لهم الأثر الكبير في تحقيق الإستقرار السياسي و الإقتصادي متبوعا بتقدم و رقي الدولة السودانية , و خاصة التطور الطبيعي للشعوب و المجتمعات السودانية و إنصهارها في بوتقة نحو تكوين الأمة السودانية . و في النقيض , يعمل التجاهل المستمر لمعالجة قضايا النازحين و اللاجئين على تعميق الإحساس بالمرارات و يجعل من التوقيع على أي إتفاقية سلام في أي من مناحي السودان سلام هش غير دائم , خاصة إذا أخذنا في الإعتبار عمق الإحساس بالظلم و عدم العدالة التي يتذوقها النازحون و اللاجئون , و كذلك الأجيال التي نشات و ترعرت في معسكرات النزوح و اللجوء و التي ستجبر لأن تظل دوما ثائرة حتى تحقيق العدالة , المساواة و دولة القانون .
تكتمل معالجة قضايا النازحين و اللاجئين بعد المعالجات السياسية و الاقتصادية من خلال إتباع وسائل التعلم الإجتماعي و العاطفي لضبط مشاعر اليأس ، الإحباط و في بعض الأحيان الكره التي إنتابتهم طيلة فترة الأزمة ، و يكون ذلك بتصدي الدولة الكامل أيضا لمعالجة الآثار و الضغوطات النفسية السالبة التي نجمت عن النزوح و اللجوء ، خاصة عند الأطفال الذين شاهدوا عمليات القتل ، التعذيب ، الإغتصابات و كل الجرائم ضد الإنسانية في مرحلة حاسمة من مراحل نموهم العقلي ، و كذلك ضغوط محاولات التأقلم مع البيئات الجديدة ، و في بعض حالات اللجوء صعوبة العلاقات المجتمعية بين اللاجئين و المجتمعات المضيفة .
عصام الحاج مانديلا
|
|
|
|
|
|