عندما وصف النميري انقلاب حسن حسين بالفاشل، لم يكتفِ بذلك، بل قال أنه انقلاب عنصري، وكان السبب الوحيد لذلك أن الانقلاب جاء من أحد الغرابة من كردفان. فالإنقلابات لا بد أن يقودها ضباط من الشمال، كعبود ونميري والبشير واب نعوف والبرهان. كذلك قيادات الأحزاب. نعم كان تمرد حسن حسين هو محاولة فاشلة لكسر دائرة الهيمنة الشمالية على الانقلابات التي بمجرد أن تنجح تقوم توزيع المناصب الحساسة فيها لأبناء تلك المناطق. طوال سبعين عاماً، هيمن الشمال عبر الأحزاب والعسكر على القضاء والجيش والأمن وراس المال والبنوك. وبالتاكيد لا يمكن أن تتحقق تلك الهيمنة دون شربكة المصالح، ولا يمكن شربكة المصالح إلا عبر اللوبيهات، لوبيهات للدولار وأخرى للبنزين وثالثة للدقيق ورابعة للدواء وخامسة للأراضي وسادسة للقضاء وسابعة وثامنة.. في عهد البشير هيمنت شندي على الدولة، وتم توزيع مليارات البترول على شركاتهم في شندي الماليزية وشندي التركية وشندي الاماراتية وشندي مدغشقر وشندي جزر الكاريبي..الخ، وأصبح هناك مليارديرات، وازدادت أعداد أسر الشمال المسيطرة على الوزارات والمرافق وغيرها، وأصبحنا رهائن hostages لأبناء شندي حتى في من سيتلقى أنبوبة أوكسجين في المستشفى. ومن سيبرم صفقات لشركات الحكومية، ومن سيكون قادراً على مقابلة جهلاء العسكر من الفاقد التربوي من أبناء الفلاحين. هكذا وقعنا وقعة (شينة). اغتنى هؤلاء القادمون من الخرارات والجخانين، وامتلكوا القصور، دون أن تتغير ثقافتهم إلى الثقافة البرجوازية الرفيعة، وهكذا بدأ صراعهم ينحو منحاً أشد رعونة ضد كل من لا ينتمي إليهم، واستغلوا ضعف التعليم في أقاليم الشرق والغرب والجنوب، وبثوا في تلك الأقاليم الفتن. سبعون عاماً من البؤس، حتى أن الرقعة التي كان من المفترض أن تكون دولة، أصبحت كهف علي بابا ولكن بأربعين مليون حرامي. استاثروا بكل شيء، بالمال والأمن والقضاء ودمروا وحرقوا وقاموا بجرائم حرب طوال تاريخ حكهم، حرقوا وأبادوا في الجنوب وكردفان ودارفور والشرق، ملايين قتلوا هنا وهناك، ملايين من المدنيين العزل، أحرقت أكواخهم الواهنة، واغتصبت نساؤهم وأطفالهم، حتى أنه في جنوب السودان كانت بعض المناطق تسمى بأسماء الجرائم التي كان يرتكبها عسكر الشمال من الفاقد التربوي، فهناك مثلاً منطقة "قلعنا"، حيث كان جيش الجلابة كلما هجم على تلك المنطقة اغتصب نساءها فأصبحت النسوة يخلعن ملابسهن كلما دخل الجيش، لذلك اسميت "قلعنا". أما في دارفور فحدث ولا حرج، ولولا أن شرق السودان هو المنفذ الذي تدخل به بضائع شركات الجلابة للشمال، لدمروه كما فعلوا بدارفور والنيل الأزرق وجنوب السودان، لكنهم سعوا سعياً حثيثاً لتعميق الصراع والفتن بين الهدندوة والبني عامر وخلافه من مكونات الشرق، ويحاصرونهم حصاراً كثيفاً لمنعهم من تهديد مصالح الشركات. سبعون عاماً وقعت فيها حكومات الشمال عشرات الاتفاقيات الوهمية، وعينت فيها عشرات الوزراء بلا عمل، حتى تمنع الأقاليم الاخرى من المساس بمصالح الاسر الشمالية المهيمنة. ولذلك هم اليوم يشعرون بالخطر المحدق الذي بات يهدد تلك العروش القديمة، ومهما بدوا مختلفين، فهم متحدون من أجل مصالحهم ويعرفون جيداً من هو عدوهم؛ إنه كل شخص ماعداهم. (الشمال عضو مريض يجب بتره)
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق December, 23 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة