كنت في زيارة قرية "الكرفاب" القريبة من "العفاض" بالولاية الشمالية و التي تشهد هذه الأيام حدثا غريبا هو موضوع الفتاة العفاضية صاحبة الثمانية أعوام التي قيل انها تعالج كافة الأمراض بواسطة الماء ، و علي اثر ذلك تداولت الوسائط المختلفة و مجالس الانس العديد من الروايات الكاذبة و المفبركة ، و قد سمعت بأذني من احد الذين قابلتهم حيث ذكر انه أخذ غرفة ماء بيده من هذه الفتاة و قام بقذفها علي كيس التمباك و جاء احد أصدقائه و طلب منه "سفة" و عند تناولها شعر بشيئ غريب جعله يلقي بالسفة بعيدا حيث ذهبت رغبة التمباك عنه و توقف تماما عن تناول التمباك ، و لعل القصد الأساسي من هذه الاكاذيب هو الهاء الناس و العودة بهم الي عهود الظلام و التيه في زمن المستعمر و السادة الذين كانوا سببا في تخلف المناطق في الشمالية و تهميشها و بعدها عن التطور عشرات السنين و ربماالي الان ، فقد عرف المستعمر ذكاء و فطنة أهالي هذه المناطق فكانوا يخافون علي مستقبل حكمهم فطفقوا يحيكون الإشاعات عن سوءات المدارس الحديثة حتي يمنع الناس ابناءهم من التعليم و يظل الناس و مناطقهم متخلفون و بعيدون عن التطور و النهضة و يكونوا عجينة لينة لتصديق مثل هذه الاوهام و التعامل معها اما السادة و الشيوخ الكبار و بمساعدة المستعمر كانوا يرسلون ابناءهم للدراسة في أرقي المدارس و الجامعات و يمنعون الأهالي من ممارسة هذا الحق . عودة و انتشار مثل هذه الظواهر المقصد الأساسي منه ان تكون هذه المناطق عبارة عن محمية بعيدة يرجع اليها أولئك المثقفون و المتعلمون و السياسيون و الشعراء كي يستمتعوا بطبيعتها و تخلفها و لا يريدون ان تمسها أيادي التطور حتي لا تذهب عنها الجمال و النكهة التي يفهمونها هم ، و هو نفس رأي و فكرة الغربيين الذين يريدون لبلدان العالم الثالث ان تكون منتزها محميا يحضرون من وقت لآخر لالتقاط الصور الفوتغرافية و قضاء الأوقات الخيالية بعيدا عن صخب النهضة و الحضارة .ان تداول مثل هذه المقاطع الخيالية و المفبركة المقصد منه ان يظل اهلنا بعيدون عن الوعي و التطور و هو ذات الرأي و الفكرة التي تريدنا العودة للوراء. للاسف هناك جهات لا تريد لنا التطور و النهضة و الرقي و يريدوننا ان نظل قابعين في مكاننا لذلك يقوما بالترويج لمثل هذه الأشياء. خاصة بين النساء و هذا الامر معروف منذ القدم فقد روي انه في أربعينيات القرن الماضي ظهر شيخ في احدي مناطق الشمالية و كان له رأي مغاير عن الشيوخ التقليديين اذ انه يري ضرورة ان تتعلم المرأة مثلها مثل الرجل و ان تجلس في حلقات العلم و الذكر و تأخذ حقها و يري ان تعليم المرأة من شانه ان ينهض بالمجتمع كافة و يحارب هذه الاوهام و الخزعبلات و لما كان هذا الرأي يتعارض مع منهاج الحرس القديم و انه ربما يزلزل عروشهم بدأوا في الكيل و بث الإشاعات و السموم بين الأهالي لمحاربة هذه الفكرة الجديدة و من ضمن ما روي انهم أشاعوا ان هذا الشيخ الجديد يجمع النساء و الرجال في حلقات الذكر و في ساعات متاخرة من الليل يقول للحضور : (اطفوا النور و اكبسوا الحور ) فأصبح الأهالي يخافون و حاربوا هذه الفكرة سنين عددا . انه نفس الذي يحدث الان يريدون للأهالي ان يظلوا بعيدون قابعين في تخلفهم و تهميشهم . لابد من محاربة مثل هذه العادات السيئة و نشر المعلومات الصحيحة و علي الجهات الرسمية ان تقوم بدورها في الكشف عن هؤلاء المروجين الذين لا يقل ضررهم عن مروجي المخدرات و الخمور بل اخطر، و علي أئمة المساجد و الشيوخ ان يبصروا الناس و ان تكون لهم منهجيات و طرق جديدة مقبولة و متماشية مع التطور التقني الحديث ، كذلك علي الناشطين في المواقع و المنصات الالكترونية ان يقوموا بدورهم في محاربة اصحاب الاجندة و الاغرا السيئة ، و هناك دور كبير يجب ان تطلع به منظمات المجتمع المدني الطوعية و الجهات المختصة بتنمية الموارد البشرية و مراكز التدريب و ذلك بإقامة الدورات التثقيفية و نشر المعلومات الصحيحة . صلاح الدين حمزة الحسن / باحث [email protected]
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 05/29/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة