|
Re: تأملات في الأحداث (Re: Sinnary)
|
هنالك حديث إستباقي غير مبرر عن هوية الإنتفاضة الحالية وخطر إنحراف أو سرقة ثمارها، فهنالك من يطمح لطرح إشتراطاته على واقع ما بعد الإنتفاضة، وهنالك من يبني الآمال العريضة في أن تصفي هذه الإنتفاضة الأحزاب القديمة، رغم إنها مجرد إنتفاضة لا سلطة تمتلكها حتى وإن إزالت النظام ، وهي لم تسمي نفسها باسم أي تجمع أو حزب ولا حتى عرضت تصوراً بديلاً يتجاوز شعارات حرية سلام وعدالة. إن السمة الجديدة والمختلفة في هذه الإنتفاضة هي أن وسائل الإتصال الحديثة قد إستحدثت أدوات جديدة لتنظيم وتعبئة الجماهير ألغت معها دور الحزب التقليدي بحسبانه همزة الوصل بين القيادة والجماهير، وإن لم تلغي تأثير الزعامات التاريخية على طوائفها. لقد ادت التكنولوجيا الوظيفة التواصلية كما تنبأ هيكل من قبل بشكل أفضل من الهياكل الحزبية، لكنها لم تسفر عن لون أو طعم أو رائحة خارج صندوق شعاراتها الشهيرة من شاكلة حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب. لذا واضح لمن يتملكهم الجزع من سرقة ثمار الهبة الحالية (الآملة وعاملة على تغيير النظام) أن المشتركين فيها لا ينتمون لطبقات إجتماعية بعينها (حتى يتحدث البعض عن أنها ثورة المهمشين) ولا منظومات آيديولوجية أو سياسية، بل كتلة جماهيرية غلابة تضم الكل وتمثل الكل، بمن فيهم الإسلاميين والعروبيين وطلائع السودان الجديد واليساريين والليبراليين وغيرهم . إنها كتلة من الجماهير متباينة المصالح والأهواء، لكنها متحدة الهدف. ذكرت في المداخلة السابقة أنه من المهم جداً تعدد المراكز والتنظيم في هذه الإنتفاضة حتى تشمل الجميع وتستوعب الجميع وتستقطب المزيد. وللمتخوفين من تكرار الماضي، سواء من سرقة الإنتفاضة أو مشكلة أن الإنتفاضات السابقة كانت تؤمِّن الديمقراطية وتفشل في تصحيح الخلل الإجتماعي بسبب سرقة الطائفية لثمار التحول. أقول لهم مع إيماني بحق الطائفية في التداول السلمي على السلطة أن خوفكم مبرر، لكن أدوات الحل ليست التسلط بل الديمقراطية نفسها، عبر ضخ الوعي الجديد والأجيال الجديدة في شرايين الممارسة السياسية حتى تتمكن من تأمين معادلة ديمقراطية على أرضية دستور يؤمن العدالة الإجتماعية، لأنه ودون تصحيح هذا الخلل الإجتماعي الذي أدي بطلائع الهامش إلى حمل السلاح ستنفتح ثغرات كبيرة في نسيج الحالة السياسية المرتقبة وهي الثغرات التي تعودت القوة الطائفية أن تنفذ منها في الماضي لسرقة ثمار التحولات. لكنني أحب أن أطمئن نفسي وآخرين بأن هذه الأجيال الجديدة لم يتخلق وعيها في الإعلام الرسمي ولا الفراغ ولم تنجبها الروح القدس، لكنها إرتبطت بمنابر الوعي الحديثة والحرة وأهمها منابر الشبكة العنكبوتية التي تحولت كما ذكر الزميل عزت الماهري إلى وطن من لا وطن له، وأضيف له حزب من لاحزب له. نعم إرتبطت هذه الكتل الشبابية بحركة المد والجزر الثوري المنظمة في منابر الملتيميديا الحرة ولم تأتي ككائن ميتافيزيقي من الفضاء الخارجي، وبالتالي لا يمكن النظرلحركتهم الحالية كمغامرة أو مقامرة مجهولة النتيجة سهلة الوقوع في براثن الثورة المضادة (الأصولية) أنا أدعو أولئك الذين ينظرون للقوى الثائرة في كل الشوارع كقوى مؤدلجة أو محسوبة على فئات بعينها (كانت تمثل سوداناً جديداً أو قديماً) بأن يتريثوا لأن ما يستبطنه هذا التوجه هو عدم الإيمان الحقيقي بهؤلاء الشباب وقدراتهم في تأمين وطنية وديمقراطية بل وتقدمية إنجازهم، ولكن هذا لا يجب أن يدعونا إلى حرمانهم من حقهم في التنوع والتباين، سواء الفكري أو الإجتماعي. ويحتاج هذا التباين إلى أوعية تنظمه بعد إنجاز التحوّل السياسي. أوعية متفاعلة مع عمقها الجماهيري، تستهم باسمها على السلطة في فضاء تداولها الحر والسلمي. هذه الأوعية ستمثل البديل الحقيقي لحكم الفرد، وإنشاءالله حكم الطائفية، لأن أدوات التواصل الحديثة قد خلقت وعياً جديداً، لكن أدوات التواصل قد تنتج وعياً وقد تنتج ثورة ولكن الناس وحدهم من يحولونها لواقع حي يعيشه الناس، واقع حرية وعدالة إجتماعية كمقدمة حقيقية للوحدة الوطنية
| |
|
|
|
|
|
|
|