للتاريخ قولٌ، وهناك من يسميه قانوناً ( هيجل، ماركس) في تحديد إتجاه حركة الأحداث (صيرورتها) وعند الإجابة على سؤال هل يحافظ أي وضع راهن على حاله أم تعصف به رياح التغيير! ولكن في الجانب المقابل للتاريخ، هنالك عوامل أخرى لا تقل اهمية في تحديد إتجاه حركة الأحداث ليس أضعفها عامل الصدفة ولكن أهمها عامل الإرادة الإنسانية، وما تمتلكه من فاعلية في توجيه حركة الأحداث. فمن يقول من المعارضين ان تاريخ الإنتفاضات ونجاحاتها يؤكد نجاح هذي الإنتفاضة، يحكم حكماً متسرعاً على حالة دينامية وليست ميكانيكية فقطـ، ومن يقول من ألمتحدثين باسم السلطة أنّ المحاولات السابقة للإنتفاض على الحكومة أثبتت فشلها بفعل قدرة الحسم التي تمتلكها الحكومة ومليشياتها الإحتياطية، وأننا سنحسمهم هذه المرة ككل مرة، يحكم أيضاً حكماً متسرعاً على حالة دينامية وليست ميكانيكية، متناسياً دور العوامل المتعددة التي تشترك في تحديد حركة الأحداث. وفي هذه الحالة الراهنة أحسب أن عامل الإرادة الإنسان في الطرفين هو ما سيكون له الدور الأعظم في تحديد مصير هذه الإنتفاضة. الطرف ذوالإرادة الأقوى (الإصرار والعزيمة) سيحدث إرتباكاً في الطرف الآخر يفكك مفاصله ويوهن معنوياته. النظام يجتهد هذه الأيام في مسارين. مسار وضع إستراتيجية رادعة ومكلفة في التصدي للمنتفضين عليه (شعبه) ومسار الإستئناف مرة أخرى للراي العامة في محاولة مستميتة لإقامة الدليل على شرعية بقائه. هذا ما حاوله البشير في الساحة الخضراء وعلي عثمان في 24 والفاتح عزالدين في إجتماعه بوحدة دارفور في التنظيم ولكن كان أداء ثلاثتهم ضعيفاً ومهاتراً بشكل لا يطمئن حتى العقلاء ممن كانوا يوالونه دعك من عامة الشعب. أضف إلى ذلك أن من إعتاد الناس على تسميتهم بشعب كل حكومة، أولئك الذين إعهتادوا على التحالف مع والإستسلام لمن يملك العصا والثروة تشهدهم اليوم يقدمون رجلاً ويؤخرون الأخرى. إن ما يتأسف له المتساقطون من سفينة النظام أن هذا النظام وخلال ثلاثين عاماً من حكمه لم يحقق لشعبه الحد الأدنى الذي يحفظ ماء وجوههم في هذه اللحظات أو يحميهم من سخط الناس، ذلك أن النظام الذي لا زال يتحدث عن إنجازاته، ظلّ في حقيقة الأمر يضاعف في إخفاقاته عاماً بعد عام وسط جشع الفئات المرتبطة به في مضاعفة ثرواتها وتوسيع الهوة بينهم والطبقات الكادحة في المركز بينما يعاني الشعب في الأطراف أوضاع إنسانية جد مهينة بحيث أصبح من المستحيل أن تتوقع أن تتعاطف معه أي نسبة ولو دنيا من فئات الشعب وحتماً ستفشل الجيوب المتورمة بالثروة الحرام في حماية أي نظام لأن أولويتها دوماً هي أن حماية مصالحها الشخصية مقدمة على حماية النظام لذا لن تجد أموالهم المخزنة بأشكال تمويهية في خارج البلاد طريقها لخزنة البنك المركزي أو خلايا الظل الأمنية لتردع بها شعبها. في هذه اللحظة التي ينقلب فيها السحر على الساحر يتأكد للنظام عبثية تحالفاته الملفقة التي أقامها مع من شقهم من شرائح عن أحزابها ضمن إستراتيجيته في التآمر على معارضيه وهذه التحالفات رغم أن ثمرتها الناضجة كانت من نصيب النظام وثمرة المسئولية الأخلاقية المرة يلعقها المتحالفون لا سيما من استوزروا منهم فستجد جماهيرهم هي أول من ينفض يديه عنهم وهم يعلمون أن النظام قد نقض كل المواثيق التي أمضاها في حوار المصالحة مع رموزهم. من العوامل التي ستؤثر في سير الأحداث عامل طرح المبادرات الخلاقة حتى ولو بشكل عفوي ينتج داخل مظاهرة، وعلى وجه الخصوص مبادرات الطلبة والشباب من الجنسين أو منسقياتهم المهنية، لا بد أن تتلاحق هذه المبادرات بشكل متواصل لدفع الدم في شرايين الإنتفاضة ومن كل الأحياء والمدن بشكل يخلق إضطراباً في النظام لم يعرفه من قبل ويشل قدرته على التصدي. لا بد لهذه المبادرات أن تمتلك قدرة على التواصل مع القواعد والتكيف وفقاً لمنطق الظرف المحدد في الموقع المحدد، ولا بد لهذه المبادرات أن يتولاها أفراد ذوي وعي سياسي مقدر حتى تتجنب الوقوع في المنزلقات التي تصادف معظم الحركات التلقائية. يجب أن نتذكر بأن حدوث الأخطاء هو أمر وارد جداً في هذه الظروف لكن هذا يجب ألا يوقف عجلة الإنتفاضة فليس أمام النظام حيالها إلا أن يغرق وحده في بالوعات التصدي المخجل لشعبه والدماء النازفة والأشلاء والجماجم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة