ويقول طرفة بن العبد "وَمَـــــن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتـَمِ" و "مَــــــــن لا يُكَرِّم نَفسَهُ لا يُكَرَّمِ" أوتاوا تناقلت وسائل الإعلام في الأيام القليلة الماضية أنباءا مفادها أنه، استنادا إلى مسؤولين سعوديين، دعت الرياض الرئيس السوداني عمر البشير إلى حضور القمة التي سيلقي أمامها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطاباً عن الإسلام، وستناقش خلالها مخاطر التطرف والإرهاب ونشر قيم التسامح والتعايش المشترك. أضافت جهات أخرى، نقلاً عن مصادر دبلوماسية وصفت بأنها رفيعة المستوى، ترجيحها أن يصل البشير إلى السعودية قبل القمة بيومين، وأن يجري في الرياض مشاورات مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز. في سياق متصل تناقلت وسائل الإعلام أيضاً أن الرئيس السوداني عمر البشير أعلن في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الشرق" القطرية أن حضوره قمة يشارك فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقلة في علاقات السودان مع المجتمع الدولي، وأنها رد على من يحرضون الدول على عدم دعوته لمؤتمرات دولية على أراضيها. أضافت المصادر التي تناقلت تصريحات الرئيس البشير أنه لفت النظر إلى أن الأوروبيين في المؤتمرات السابقة كانوا يرفضون المشاركة في أي قمة يحضرها الرئيس السوداني، ويمارسون ضغطا كبيرا على الدول لعدم دعوته، بما في ذلك للقمم الإفريقية، مضيفا في هذا السياق أن مجرد مشاركته الآن في قمة فيها الرئيس الأمريكي، نقلة كبيرة جدا في علاقات السودان مع المجتمع الدولي، وأكبر مؤشر لمن يخوِّفون الآخرين من مشاركته في قمة يشارك فيها الرئيس الأمريكي. من جهة أخرى، أوردت وسائل الإعلام أن دبلوماسيين غربيين قاطعوا مراسم افتتاح مؤتمر في قطر يوم الأحد يحضره الرئيس السوداني عمر حسن البشير بسبب أنه مطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية لضلوعه في جرائم حرب. أعقب ذلك بيان السفارة الأمريكية بالخرطوم الأخير والذي دفعها و"استفزها" لإصداره ما تمَّ تناقله مؤخراً، على سبيل "التفكير الرغبوي" أو كبالونات اختبار وإيحاءات، والذي مفاده أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف ترفع ما تبقى من عقوبات مفروضة على السودان، سوف تزيل اسمه من قائمة الدول الداعمة للإرهاب والمحظور دخول مواطنيها للولايات المتحدة الأمريكية وغير ذلك من ضروب التعامل الإقصائي المهين، وأن الرئيس البشير سيشارك في قمة أمريكية عربية من ضمن حضورها الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب". صاحب ذلك أن وكالة "اسوشيتد برس" نقلت عن مسؤول رفيع في الخارجية الأمريكية "أن واشنطن ترفض دعوة الرئيس السوداني عمر البشير لحضور القمة الإسلامية الأمريكية التي ستعقد في الرياض الأحد المقبل وأنها تتشدد في ذلك. فيما يخص حضور أو مشاركة البشير في القمة الأمريكية الخليجية، إن صحَّ أنه قد تمت دعوته بالفعل، وبالنظر إلى الرفض الأمريكي السافر، العنيف والقوي لذلك، فإن تطور الأمور على ذلك النحو يمثل سقطة، بالعامية "جلطة" و"دقسة"، دبلوماسية شنيعة من قبل المملكة العربية السعودية والسودان. قبل الإقدام على هكذا أمر كبير وخطير، كان من المفترض أن تقوم وزارتا الخارجية في البلدين بما يستحقه الأمر من دراسة وتحليل واتصالات ومعرفة موقف الجهات المعنية، الخليجية والأمريكية، قبل الإعلان عنه في حالة الموافقة والسكوت بل التكتم عليه في حالة الرفض. المشاركة في تجمع مثل هذا ليست كالذهاب إلى حفل عرس أو مكان عزاء أو التوجه إلى نادي أو مقهى عام، فالأمر يحتاج إلى ترتيب وأعدادٍ بعضه ما ذكرنا. لو أن السعودية كانت قد سهت فدعت بالفعل في حسن نية ولا أود أن أقول سذاجة البشير، ولو أن السودان قد قبل في تكالب و"شفقة" الدعوة دون تفكير وتدبير، فإن البلدين وضعا نفسيهما في موقف حرج وتعرضا لإهانة أخرى لا مبرر لها وتلقيا صفعة كان من الممكن تفاديها. عسى أن يكون في ذلك درس وذكرى “لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ". تنطبق ذات الملاحظات على مقاطعة دبلوماسيين غربيين لمراسم افتتاح مؤتمر قطر حيث كان الأجدى بالخارجية القطرية أن تتحرى تقبل المشاركين لحضور الرئيس كما كان يجدر بالخارجية السودانية أن تتدارس كافة جوانب مثل هذه الدعوات للاعتذار عنها أو قبولها والموازنة في موضوعية بين ما يحققه السودان، إن رفض الدعوة، بسبب أن رئيسه مرفوض، حتى ولو كان ذلك لمجرد تفادي المزيد من الإهانة، وما يحققه أو لا يحققه من مشاركةٍ يكون السودان، رئيساً ووفداً، خلالها منبوذين معزولين تتحاماهم العَشيرة كلُّها، ويفردون إفرادَ البَعيرِ المُعَبَّدِ. وبشأن تطبيع علاقاتنا مع أمريكا ورضائها عنا، وإزاء الذين يولون ذلك الأمر قدراً كبيرا من الاهتمام، أرى أنه إذا لم ينصلح حالنا ونرتب يتنا ونسوي أمورنا فلن تنفعنا علاقات مع أمريكا أو غيرها. لو أن صرنا محترمين فسوف تحترمنا أمريكا وغيرها أما إذا استمر هواننا وضعفنا وبؤسنا على كافة الأصعدة وتفاقم وتعدد أزماتنا وتشرذمنا فحتى لو استؤنفت العلاقات بيننا وبين أمريكا فسوف تكون علاقات استغلال فوقية غير متكافئة، علاوة على عدم تكافئها الموضوعي والحادث أصلاً، مشوَّهة وذات هامش ضئيل في خدمة أغراضنا القومية. نعم، ليس نحن بالأنداد لأمريكا وواقع الأمر يقول إنها في كل علاقة ستكون يدها هي الأعلى لكن إن انصلح حالنا داخلياً يمكن أن ننتقل خانة إلى اليسار ومن موضع السالب إلى الموجب في معادلة السياسة الخارجية الأمريكية. إن القائمة الأمريكية لتطبيع العلاقات مع السودان طويلة وتعجيزية ومتجددة وذات أجندة خبيثة بعضها غير معلن ويوم يستكملها السودان لن يكون هناك سودان. بدل عن أن يهلك السودان ويبخع نفسه لاسترضاء أمريكا ليستنبط ويبدع سياسة تتعامل مع الواقع يتوفر للسودان من خلالها ما يحتاجه من الولايات المتحدة والدائرين في فلكها فأرض الله واسعة وكذلك العلاقات الدولية. يمكن أن يكون تعديل بوصلة السياسة الخارجية وإعادة صياغة التحالفات وتوسط الدول الأخرى مفيدا في مجال العلاقات الخارجية وما قد تجلبه من منافع قومية غير أن ذلك لا يغني عن إصلاح الحال داخلياً ولا يضاهيه. ففي مجال السياسة الخارجية قد تتبدل الولاءات وتتغير التحالفات فيصير اصدقاء اليوم أعداء الغد وينقلب عليك من يتوسط لأجلك اليوم إلى فيتآمر ضدك بعد غد كما أن كل من يقدم لك شيئاً ينتظر شيئاً مقابله ولكل كيان أجندته ومصالحه. متانة الجبهة الداخلية والتلاحم بين المواطنين والتناسق الواعي بين الشعب وقيادته هو الذي يضمن أن يكون للأمة وزن ومكانة والا يعامل قادتها وبنوها كالأيتام في مائدة اللئام أو أن ينظر إليهم كغريب وضار الأجسام وكمبتلى بالجزام. ربما يكون جديراً بجهات صنع القرار في السودان في مجال السياسة الخارجية وغيرها أن تتعامل مع الأمور من خلال الرصد والتحليل والمتابعة وأن تنظر في حالة العلاقات السودانية الأمريكية مع تصريحات القائم بالأعمال الأمريكي الحاضر وليس هذيان وهلوسة وبله "بله الغائب".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة