* والعنوان لأنني أبدو حزيناً.. * أنا... وأنت... وهو... وهي؛ وكثيرون ممن فرحوا بانقشاع الدجى وتباشير السحر.. * وأقول (أبدو) لأننا قد لا نكون كذلك... رغم المنغصات..
* منغصات الثورة... والتي آخرها (جرجرتها) إلى أن تكون محض محاصصة حزبية.. * ومعها محاصصة (حركية)... لتستوعب الحركات المتمردة.. *وبذا نكون قد بدأنا رحلة التنكر للثورة... وشعاراتها... وأهدافها... ودماء شهدائها.. *وذلك إن صدقت مخاوفنا... وصدق حزننا البادي على وجوهنا.. * فربما يكون مجرد (باقي) حزن... لحين زوال (باقي) آثار مسبباته؛ سنين عددا.. * ومن قبل أشرت إلى أن من الطيور مالك الحزين.. * وتساءلت : لماذا سميناه كذلك؟... ولماذا لا يستوقفنا الاسم هذا رغم غرابته؟.. * فربما هو طائر سعيد ؛ والحزين هو من سماه كذلك.. * أو ربما قاس علامات حزنه على مقاييس البشر التي ألفها.. * والبشر هؤلاء أنفسهم كيف نميز بين السعيد منهم والحزين من إمارات وجوههم؟.. * فالحزن والسعادة محض (حالة) داخلية.. * وليس بالضرورة أن يراها الآخرون... أو يحسونها.. * والضحك قد لا يعبر عن السعادة... ولا التجهم عن الحزن.. *ومعمرة بريطانية نُشرت لها صور مختلفة... تعبر عن مراحل حياتها الطويلة.. *هي طفلة... وهي طالبة... وهي عروس... وهي عجوز.. * وفي كل الصور هذه تظهر عابسة الوجه... وكأن أحزان الدنيا كافة بداخلها.. * ولكن حين سُئلت عن السر في طول عمرها قالت (السعادة)..
* وربما لو وُجه لها سؤال آخر عما إن كانت سعيدة الآن لخرجنا منها بإجابة محيرة.. * وسبب الحيرة أن سعادتها هذه تنظر إليها من بين حجب الذاكرة.. * أو تحاول استحضار لحظاتها من غياهب التاريخ... لتهب إجابتها روح الحاضر.. * فالسعادة دائماً لحظات ماضوية... بينما الحزن آني.. * أو نحن نعجز عن القبض عليها بأيدي مشاعرنا في لحظتها... ونجترها لاحقاً.. * والسبب أن القلق من زوالها يحيط بها ــ وبنا ــ من كل جانب.. * القلق من زوالها بفعل المرض... أو المنغصات... أو الخوف من المجهول.. * فإن اطمأنت نفوسنا ألا شيء حصل... تكون هي قد ولت.. * وتعقبها لحظات سعادة أخرى فنجهضها أيضاً بالقلق ... والخوف... والتوتر..
* ومن ثم فلا أدري كيف يتم تصنيف الشعوب السعيدة من... التعيسة... من الحزينة.. * أي بالافتراض الجمعي لأحاسيس السعادة... لحظة التصنيف.. * فربما هو مثل تسميتنا لذلك الطائر بالحزين... من محض الملاحظة الظاهرية.. * بينما قد يكون هو ــ في حقيقة الأمر ــ من أكثر الطيور سعادةً.. * فلا المال يصلح مقياساً للسعادة... ولا الشباب... ولا الصحة... ولا الحب حتى..
* فكل تلكم العوامل يتربص بها القلق... ويتهدد وجودها.. * فالغني يخشى زوال نعمته.... والقوي ضياع قوته.... والمحب تنكّر محبوبه.. *وقد يسأل سائل هنا: طيب وما الحل؟.. *الحل ــ وأقوله متفلسفاً لا عالماً ــ أن نجتهد في (القبض) على لحظات السعادة.. * أن نشعر بها وقتياً...لا بأثر رجعي بعد افلاتها منا.. * أن نعيشها لحظةً بلحظة... لا أن نجترها ذكرى من بعد ذكرى.. * وهنا قد يسأل آخر أيضاً: وهل ينسحب هذا علينا ــ كسودانيين ــ بحالنا الراهن؟.. * والإجابة لا؛ فنحن (حالة) فريدة...لا تخضع لأية مقاييس.. * ورغم ذلك تم تصنيفنا العام الفائت ــ أيضاً ــ كشعب حزين... ولا أدري كيف.. * ولا أدري ــ أيضاً ــ كيف سيجيء تصنيفنا في عامنا هذا.. * بعد أن تخلصنا من أحد أقسى مراحل ألمنا... وغمنا... وهمنا... وحزننا.. * فحالنا بات عصياً على التصنيف... وخارج الحسابات.. * وربما انطبعت فينا ملامح من مالك الحزين... بعد أن وجد الحزن أنه (يليق به).. * أو أننا نحن الذين (نليق به).. *وحديث المحاصصة ــ الآن ــ أبلغ دليل على ذلك... وعلى أن (الحلو ما بكملش).. *و (الحلو) أحد أصحاب (الحركات).. ممن لم تكن لهم (حركة).. *حتى وإن كانت حركة صغيرة تستوجب من الإنقاذ انزعاجاً... والتفاتاً... وهلعاً.. * ولكنهم (تحركوا) بشدة الآن بعد نجاح (الحراك) الشعبي.. * وجارتهم قوى التغيير طمعاً في محاصصة مضمونة ؛ على الكف (اليوم).. * ولا عشر على كف قدر (الغد).... ربما.. * وطارت من الكثيرين منا لحظة السعادة الثورية... وعجزنا عن (القبض) عليها.. * مثلما يطير الطائر الذي اخترناه شعاراً لنا... صقر الجديان.. * ومثلما طارت مني فلسفةٌ كنت أباهي بها عن السعادة... وعن القبض على لحظاتها.. * فلماذا لا نستبدله بطائر آخر يشبهنا... ونشبهه؟.. *و (فيه ملامحنا) ؟!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة