نحن الآن في المرحلة ما قبل الأخيرة، المعركة الأخيرة بين العالم القديم والنظام العالمي الجديد. لذلك سنجد كل المواقع الإخبارية تحكي قصص ناجحين في ريادة الأعمال، مليونيرات من صغار السن، يملكون اليوم شركات في الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المتقدمة، لإثبات انفتاح أبواب الكون أمام المجتهدين، أمام الأذكياء والمبتكرين. لكنهم لا يتحدثون أبداً عن أكثر من سبعة مليارات فاشل، هم من لا يملكون شركاتهم الخاصة. لا يملكون ملايين. سبعة مليارات يمثلون الأغلبية من البشر، وهم ليسوا بالضرورة أقل ذكاء وابتكاراً، ولكنهم لم يتمكنوا من اقتحام السيستم. فالسيستم الليبرالي ليس كما يروجون له، فهو ليس مصباح علاء الدين السحري، إن للنظام تعقيداته، وصدفه وحظوظه، واشتراطاته، والتي لن تسمح أبداً لجميع الأذكياء والمبتكرين من المرور عبر ثقوبه النانوية. وهم إذ يسوقون للنظام العالمي الجديد يعرفون أكاذيبهم تلك، ولكنهم يستمرون في الترويج لتلك الأكاذيب، لسحق أي محاولات للدفاع عن العدالة الاجتماعية، وتدخل الدولة في الاقتصاد حتى لو لأداء دورها الأساسي في تعزيز حق الفرد الضعيف عندنا كجماعة، حقه الذي يستحقه رغم ضعفه على أساس كونه إنساناً وكوننا أُناساً، أي على أساس التزاماتنا الإنسانية، التي يطلبون منا أن نلقي بها وراء ظهورنا لأننا في الحقيقة مجرد أفراد. إنهم يعززون أكاذيبهم في دولهم ودول ترتبط بنظامهم الدموقراطي الغربي المحكوم من تلك القوى ذات الآيدولوجيا التي تريد العصف بالتاريخ الإنساني وبالطبيعة الكونية، وتحولنا إلى حيوانات لطيفة في السيرك الذي يُضحك الأطفال. إنها مسألة تضعنا مباشرة في مواجهة سؤال الحرية والدموقراطية؟ عن الحقيقة، والممكن والمستحيل. فالقنوات الغربية وتلك العربية التي يُدفع لها كي تمارس أدوارها الدعائية والتي أضحت تنقل لنا كل يوم قصة نجاح لشحاذ تحول لمليونير فجأة تتجاهل ملايين البشر في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بل وأمريكا نفسها يتضورون جوعاً ويبيعون أعضاءهم لمن يدفع لهم ثمن طعامهم وعلاجهم. مليارات لم تنل فرصة العشرين شخص الذين يتحولون خلال بضع سنوات لمليونيرات. الفقر والموت من المرض الذي يستشري في الغالبية الهائلة، هؤلاء لا يضعهم النظام العالمي الجديد في الاعتبار. وليس الأمر مؤذٍ كونه اتجار بالوهم ولكنه أيضاً مؤذٍ لأنه يقمع الحقيقة، ولأنه يجعل كل معايير النجاح محصورة في أن نكون مليونيرات. ولو أصبح الثمانية أو التسعة مليارات إنسان مليونيرات لانهار النظام الإنساني برمته، بل لانهارت الرأسمالية نفسها التي تقود النظام العالمي الجديد وتدفع المليارات لدعاياتها الكاذبة تلك. ورغم علمها بأن كل تلك الأكاذيب ستظل أكاذيباً لكنهم بدأوا في تحويل أكاذيب ريادة الأعمال لأفيون الشعوب بعد أن كان الدين هو الأفيون بحسب ماركس. فريادة الأعمال ليست تخديراً للشعوب لمجرد أن تكون كذلك بل حتى تمتنع تلك الشعوب عن الدفاع عن حقوقها في أن تحتفظ بقيمها الإنسانية الجماعية، وتعزل الفرد عن الجماعة وبالتالي تجرده من كل قوة مقاوِمة.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق September, 14 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة