رجل في حياتي الجزء العاشر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 07-05-2025, 08:23 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-18-2022, 04:01 PM

اشراقة شاع الدين خلف الله
<aاشراقة شاع الدين خلف الله
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 17

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رجل في حياتي الجزء العاشر

    03:01 PM February, 18 2022

    سودانيز اون لاين
    اشراقة شاع الدين خلف الله-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر



    مدى ومداد

    إشراقة شاع الدين خلف الله
    [email protected]



    انزلتني السيارة (دبل كابين) في بداية الشارع مشيت، كأني أركض، كأن بي أقطع مسافات الدهشة، والذهول، أتجاوز المدي، والعبور وأسابق الأنفاس، بالشهيق والزفير،
    ما بين الإجرام، والشُبهة، مابين الخيانة، والصمود، ما بين الوفاء والغدر، ما بين رصاصة تصيبني أو أصوبها لغيري في مقتل، ما بين الكبرياء والكرامة، ما بين القتل أمام الوطن، أو في مكتب خلفي نتن، ما بين الموت على دفاتري أو بين لساني. ولأول مرة أترك مجادلة نفسي، أترك الأسئلة والأجوبة عند أول شارع خلفي من مكاتبهم، فالخلفيات أصبحت تماثلنا، تليق بنا، ولا أبادر لنفسي بالسؤآل ! من هو ذاك المعتقل الذي أغتيل بدوي الرصاصة التي سمعتها؟! من هو مجهول الهوية الذي تم إغتياله صمتا، وأي جريمة إقترفها لتعجل بموته بين جدران صلبة تردد صدى انفاسه الأخيرة!! وهل ستعلم أمه بموته؟! لتبكيه! وتضع علي قبره شاهداً، أم ستظل تبحث في المشارح والشوارع؟! حتي تبني له قبراً في أحلامها وتُسلِم بأنها لن ترأه مرة أخرى، وتكتب علي شاهده (وحيد الغربة والفقدان) وربما تأخر عن موعد ولا زالت محبوبته حبيسة المكان تترقب عودته وربما من طول إنتظارها تتحاشى نظرات الفضوليين. وتغطي عيونها بطرف خِمارها. تفأجئني الأسئلة، رغم محاصرتي لها، تربكني، تفأجئني، وتفاجعني. أتحسس حقيبتي لأتاكد أن الكرت الذي به رقم الظابط ما زال معي. وأجري لخالتي ميري، هل هو ذا الخوف الخفيئ؟ ومم أخاف؟! فأنا لم أرتكب جرما؟! ولم أعصي قوانين البقاء صمتا! فلم يتركوا لنا خياراً إما الموت صمتاً أو الموت جهراً. وأنا تمثال مصغر لأبي الهول. إخترت الموت صمتاً، إخترت المعارك الصامتة، العزل الإنفرادي، قضاء نحبي على دفاتري، وبين أقلامي. فحرب الأسود ومجابهتها أهون عندي من مجابهة بقايا البشر. نازلت إبليس في عقر داره، ولم أجده أسوأ من الذين يجعلون أنفسهم أفواه لله، يتكلمون بها! وأيادي لهم يبطشون بها ! ما أسوأ اللِحي، وأسوا منها في الحمى حِماتِها، وما أسوأ من الذين يستعظمون من الحجاج صولته وفي كل باب لهم في الظلم حجاج.
    أمسكت بخالتي ميري وبكيت، حد البكاء، والخزي. وخالتي ميري تتساءل: يا بت مالك؟ فاطمة المات منو؟
    مسحت دمعي، وأعطتني ماء فقد لاحظت جفاف حلقي، وعندها شعرت بأني لا أريد التحدث في الأمر فسكتت، وسكت. قدمت لي فنجان قهوة، لتخرجني من إرتباكي، مازحة قالت: أقري فنجانك شوفي الحاصل شنو. فضحكت وقلت لها: ما محتاجة أقراه لقد عرفت الحاصل. طالعي جاني بدون قراية فإنه يوم الطالع الأسود الحظ.
    قالت لي: إتصلي علي أمك التاية، قالت ما بتردي عليها. ومقلقة وجاراتكم إتصلوا عليها وكلموها بموت عمك عوض وزعلانة ليه ما كلمتيها. وخالتك سكينة حيدخلوها عملية تاني، صرخت فزعا، تمددت ألما وأنا اقول: تاني عملية!؟
    فردت وهي تخفي قطرات دمع طفرت دون رغبتها، سالت علي خديها مواصلة حديثها: أنا بمشي بكرة أحضر العملية واقعد معاها يومين عشان أمك تجي البكاء وترتاح شوية.
    فقلت لها وبي هم:
    تعرفي يا خالتو أمي بتجيها كومة سكري لو شافت البيت وسخان والعدة مجدعه.
    خالتي سكينه تصرخ: اجي يا بت مالك جنيتي بكرة الصباح نضفي وفرشي كويس. وعلي فكرة شيخ الماحي العايز يتزوجك جاء سأل منك وقال بيمشي مشوار وبجيك عايز الرد. فصرخت قائلة لها: ياخ من اليوم ده الله يحلني منه.
    فردت ميري: عرسي وريحي نفسك.
    في هذه اللحظة، رفعت وفاء يدها لتلقي علي التحية، ومكانها مكتظ بالزبائن. وقطع حديثنا حضور الزبائن، وطلبوا قهوة من خالتي ميري. فولعت النار، وجهزت ادواتي، وأخذت أتذكر كلام الظابط عن ابي حمزة. فوجدت نفسي، أعتلي ذلك الكرسي الذي ترجلت منه الواقع مقابلا للمكتب الذي كان الضابط يجلس خلفه في كرسيه المتحرك. وكأنه سلطان جائر، يعطي الأوامر بالقتل، لمجرد الشك حتي لأقرب الناس إليه، رغم أني كنت أستحي، أن أقول ماأقوله لوطني، وعنه. بأن يأتي يوماً أعرّي فيه تأريخه المأزوم، المقهور غدرا. أستحي أن أخبره بأني كنت شاهدة علي ثرثرة أبي حمزه ورفاقه المجاهدين، وأنا أدعي النوم بين حناياه لا أفارقه من يوم مجيئه نوما، أو صحواً وكيف بهؤلاء المجاهدين يتندرون ببطولاتهم، وكيف بهم عندما يستولون علي قرية أو مدينة يستبيحون نساءها، ويقتلون رجالها، وكيف كانت طائراتهم تقصف القرى وتقتل النساء والأطفال والشيوخ، ويجعلون من الذين يدّعون أن الجبال كبّرت بلا إله إلاّ الله، وان الغزال يكلمهم ويطلب منهم ذبحه لأن المجاهدين جوعي. وأن القرود تحفر الألغام والأبقار تفجرها، والأحجار تدلهم علي مكان العدو. فهم مرضى وسماسرة حروب. وإن بعض الذين لمع نجمهم وذاع صيت شجاعتهم، في ساحات الفداء، يقتلون برصاص الله في ساحات جهاده، لمزيد من التعبئة، والتلميع، وتحبيب الجهاد للآخرين بتخطيط وتدبير دقيقين. وإن الجيش كان يقدمهم للعدو في طبق من ذهب يمشّط بهم المنطقة يدفعهم أكباش فداء. ضريبة يدفعها السالك إلى الله وهم كدراويش المهدي يتسابقون إلى الكرامات. وشيخهم الذي لم يترك له المهدي مجال إدعاء لمهدية أخرى نصّب نفسه فقيهاً، ومجدداً للإسلام يجدع يد ويثني أخري ويتمايل ليخمر فكرته الشيطانية مع كل ميلة وثنية ويوعدهم بصحائف التجديد وعهود ربانية وعقود زواج من الحور العين يرسلها الوحي إليه وأن ذلك المجاهد سيد الشهداء، أبي بعد أن إختلف شيخهم مع تلاميذه فيما يسمي بالمفاصلة الشهيرة وقال (بأن من يموتون في حرب الجنوب ليسوا بشهداء بل فطايس) بعد أن وعدهم بالجنة وبالحور العين. وفي قمة إستهزائه وجنون عظمته التي لم يعتقد يوماً بأن عاقلاً سيصدقها وعندما تم ذلك عرف أنه لا يوجد عقلاء وأن بلاد المجانين لا بد ان يحكمها مجنوناً. وليته يعلم بأن جميع مشافي المجانين تضم من هو أكثر منه عِلماَ وأفقه، فخطب في المُجاهِدات ذات مرة قائلاً: (وما الحور العين؟! ما هو إنتن ذاتكن) ولا تسمع أذناك الإ التكبير والتهليل. واعتقد أنه وقتها تأكد تماما بأن الجنون هبة من السماء ونعمة تجعلك تتعري بإسم الرب ولا عتاب عليك ففند بذلك وألغى بل مزق عقود الزواج من الحور العين واستعوضها بعقود دنيوية.
    وصل سيد الشهداء إلى حالة من البؤس والحزن وقرر الإعتزال. وعرف أن الدين عندهم مطية لكراسي السلطة. فحاوله رفاقه وقالوا له أخر مرة، وأن الوضع سيتصحح، عجباً كانت آخر مرة يغادر وعجباً كانت آخر مرة نراه ويري الدنيا. ومن يومها وأمي نبوية تدمن البكاء ولا تقلع ثوب حدادها فأسرعت روحها لتؤاسي روحه بعد سنتين من رحيله. ورحل بعدها جدي حزنا وأسي. وأنا أطلقت أول صرخة ونطقت أول جملة في حياتي وكانت مناديل مبللة لتمسح دمعاتي (لا أصدق يأ أمي أن أبي مات) وصمت! حينها كان صمت متعمداً، صمت مزوراً لأنني وجدت في الصمت عزائي ورغباتي. وجدت في التزوير مدناً بجدران تقيك حزن الزمان. فظن الجميع بأني خرست مرة أخرى، وما زلت أحتفظ بذلك الخطاب الذي كتبته له تهنئة بعيد الأضحى. وبعد أيام اعطتني أمي خطاباً منه، ودفتر يومياته ومذكراته. قالت انه تركه وقال لها أمنحيه لها في عيد الأضحي إن لم أحضر وأخلف موعده معي وأوفى موعده مع القدر.
    وتكلمت بعدها بسنين رأفة بأمي التاية التي ما تركت طبيبا إلا وأخذتني إليه، ولا شيخ إلا وقرأ على راسي، ولا وصفه عشبية إلا وشربتني لها. ولا قُبة أو ضريح إلا وتبركت فيه وتوسلت. فجاء موت جدي الذي لم تنم عينه ولا كف دمعه عن الهطول بعد موت أبي فصرخت للمرة الثانية وأطلقت صوتي للموت مرة أخرى.
    تعكر مزاجي وتعكر صفو المكان معه، وفي تلك اللحظات حضر الشيخ الماحي وكان تقريباً في العقد الخامس من عمره. وقد طلب يدي من أمي التاية، ومكث ينتظر ردي. ومعه حواره الذي جلس بعيداً تأدباً، فسلم، وجلس وإبتدر حديثه قائلا:ً بأنه زار أمي التاية في المستشفي، ليطمئن علي خالتي سكينة، وبدأ يعيد لي قصة الرؤية التي جاءه فيها العباس رضي الله عنه، وأعطاه أذن زواجنا. وكيف لا يحدث هذا وهو إبن الأشراف من ناحية أمه ومن جهة أبيه، لذلك زواجنا هبة من السماء، ويكرر لي ويستمرأ الإغراء بأنه سيتوِجني ملكة. ويضيف بأنه تجاني من أهل الطريقة التجانية التي تتبع للشيخ الشريفي أحمد التجاني. وإنتظر ردي طويلاً ولابد من ان أرد عليه. تحققت يومها بأن المصائب لا تأتي فرادي. فإرتجلت له شيئاً من شيئ وشيئاً من حتى في قصاصة وسلمتها له.
    لأنني أفقد صوتي وأتحايل عليه بقلمي فأضعه مكانه ليُعبِر عما بداخلي، ومعها كوب من القهوة وكوب آخر ذهبت به إلى الحِوار. فلاحظت عندما أستلم القصاصة، تهللت آساريره، وإعتلي عرش بلقيس، وبدأ يقرأ بصوت عال.
    علوت علينا حين جئتنا
    أيعلو الثرى على الثريا
    بفضل محمد أم بمجد العباس أم عند علي فضلك والحسينا
    إن كان جل غرورك بهم فهم أهلي وعزوتي وماتت العنقاء فداء لنا.
    وإن كنت بالتجاني محروساً فأحمد التجاني بأسراره ملكا لنا.
    أيغريك من بائعة شاي،
    بعض تدللِ
    وبين سبّابتها تموت أوطاناً والمعصما
    قد آلت على موتها نفساً بلا وطن فلتمُت في حضنه بانا.
    فتشرقت وتغربت وتجملت وتركت على بابه أعلامها.
    ويصلب عندنا المسيح كل ساعة ومجازر كربلاء تشهد عندنا كل حينا.
    وأحفاد رسول الله يبكون معه ليلتهم وفي وضح النهار يقتسمون الغنيما.
    ألا أيها الليل ألا أنجلي بسبنتي وما الأسود عندنا بالأكثرا.
    نحن أبناء الأكرمين جميعهم عربهم وأعجمهم وعبريهما.

    فوضع القصاصة وبدأ عليه الغضب وقال: تشبهيني بالثرى وأنت الثريا مقبولة ولكن ما بال أحمد التجاني؟
    فرديت: لم أسيئ له. ولا أطول أن أرميه بكلمة. ولكن رددت على غرورك.
    فقال: تعلمي بأنك مجنونة والأكثر غروراً وهنيئاً لك الوطن تزوجيه. وغادر غاضباً فارغاً، وبقي كوب قهوته كما هو مليئ.
    وساءلت نفسي هل أعشق الوطن أم أبغضه؟
    الوطن الذي قتل أبي، قتل جدي، قتل أمي، قتل أبي عوض، قتل حارس الوقت، قتل أحلامي، صبري، مجدي، يقتل في صباياه، في صبياته كل يوم ولا يشبع.
    هل رفضته من أجل وطن لم يقدم لي سوى مزيداً من الميتات ولم يتنازل ليخيرني، ليفسح لي مگاناً بجانبه أعدد فيها محاسن قتلاه.
    أم كان رفضي لغروره، لكبريائه. ماذا كان يضيره لو طلبني لنفسه لخصاله رغبني لذاتي بدون رؤية وبدون تداعيات لجدوده ولتعدد مفاخرهم.
    ألا يدري بأن الفتى من يقول هأنذا..!؟ أما كان له أن يدق طبول قلبي، أن يناغم رنات فؤادي، أن يلمس الجرح الدفين، أن يسكت الأنين فربما تغيرت شغاف القلب وأرسلت دفء الحنين. لو كان لا يدري بأن فتاة الحزن وبكائيته تملك قدراً من الرجولة بأكثر مما تملك من عنفوان الأنوثة وإنها حيثما عبرت أينما حلت ترك رجالها سر فحولتهم عندها وباقي عمرهم فداء لها ويرحلوا ويورثوها الباقي من صراعاتهم، وأمجادهم، واحلامهم. ويفخخوا حياتها بالمستتر والمرئي من تشوهات الزمان. وزرعوا بصمتها الغام الوطن، ومكائد الزمان، وبصيص من أمل بعيد. فأصبحت تدري، وتذكر، آخر كلمات كتبها يراع سيد الشهداء في مذاكراته. بدموع القهر، والغبن بعد أن فخخوا طريق ربه، وشككو في شهادته، التي كان يصبو اليها، وينشدها ليل نهار وصلبوه بشهادة (هي لله .. هي لله) ومثلوا به وتركوه جيفه تتغذي بها الغربان، بعدما إعتلوا موائد السلطة والترف فجعلوا رائحة المسك قطران. قال: (سأذهب في آخر رحلة إلى الله، أنشده اليقين إن كانت نيتي خالصة إليه، أما إلى النصر في العالمين وإما إلى الله في الخالدين وإن كتب لي النصر والبقاء فلن أُسلِم ذقني لرجل وإن قال إنه مبعوث السماء).
    فحضرت علوية من بعد غياب طويل لتحكي لنا مغامراتها فهي تربي أيتام وتعاني من بعض الشرود الذهني وتريد لفتياتها أن يرتقوا في التعليم فتدق أبواب المسئولين ومن الطرائف أنها ذات يوم رأت مسؤولاً كبيراً يترجل من سيارته وحوله حرس الخاص فوقفت متربصة ويبدو أنه نسي شيئاً في سيارته فرجع، فأمسكت بتلابيبه وطلبت منه المساعدة فقال: لها الحقيني في المكتب فردت له: بأن حرس الإستقبال لن يسمح لها بمقابلته فرد على عجل: بخلوك ودخل مسرعاً وتعقبته ودخلت خلفه فمنعها مسئول الإستقبال من الدخول فلجأت الى الحيلة التي تستخدمها عادة، فنفشت شعرها وبدات تصرخ فأنزعج الجميع وجاء المسئول من مكتبه مذعوراً يتساءل في شنو عملتوا ليها شنو وبدأوا يتعذروا بأنهم لم يخطئوا في حقها فناداها على المكتب فأصلحت من شعرها وهيأتها ودخلت فكتب لها مبلغاً من المال. وتزيد حسرة وهي تحكي وتقول: بأنها تريد بيت يأوي صغارها وكلما تذهب للأراضي والمحليات لا يهتمون بأمر طلبها. وفي ذات مرة وهي راجعة الي البيت من بعد بحث مضني لمسئول بعد قليلا ليتمخط بعيد عن أنظار حرسه لتتشبث بملابسه وتستحلفه برب العزة أن يشفق علي فتياتها وعلى حالها فوجدت خيمة كبيرة وإحتفال في بيت مسئول تعرفه وعرفت من الناس أن وزيراً كبيراً موجود فدخلت تتلمس خطاها في زحمة الناس وحراس الوزير لا يفارقه يمشون جيئةً وذهاباً فقدرت عدد الثواني التي سيأخذون فيها دورة العودة وخلسة جرت عليه ولم تشعر إلا والسلاح على رأسها فوقعت على الأرض أمامه والوزير مندهش وأصبح يصيح بلسانه الذي أعتاد على الرطانة (المره مالو؟) عندما حاولوا رفعها قال لهم (لا لا خلو ده مره مايهبشو راجل) فأطمأنت من كلامه وقامت لوحدها وذهبت إليه وطلبت منه قطعه أرض فنادى على المعتمد وكل المعنيين بأمر الأراضي في محليتها. وهم ينظرون إليها شزراً فقد حفيت في مكاتبهم. ولا مجيب وصاحب الدعوة ينظر لها نظرات نارية ويتوعدها بعينيه ففهمت من لغتهما بأن عقابها عسير. فأمر لها بقطعة أرضِ وتسلم لها بسرعه وقال لها إن لم ينفذوا لك الأمر فتعالي لي فقالت له: (كلاب لهب المعاك ديل ما بخلوني أدخل ليك وناس الأراضي بقولوا كلام بس وما بنفذوا) وإلى الآن هي تجري وراء قطعة الأرض، وقالت بحسرة (لا مكان للفقير في هذا البلد) وقلت في نفسي بلى لا عزاء للفقر. نحن فقراء تأريخ وليس جغرافيا، نحن فقراء متعلمين جهلاء ولسنا فقراء تعليم، نحن فقراء إنتاج ولسنا فقراء موارد، نحن فقراء لله أولياء له ولسنا أولياء على رغباتنا وشهواتنا، نحن فقراء وازع أخلاقي ولسنا فقراء مد حضاري، نحن فقراء أمانة وشرف وأغنياء كلام وفلسفة. نحن فقراء إيمان واغنياء بالكلام عنه وبه وفيه. وكل ذلك لأنه عندما كانت النساء يحكمن عندنا رجالاً بجانب رجالهم، كنا سادة العالم وأباطرة الزمان وحينما لجأن نساءنا للإنؤثة يطلبنها في مستحضرات التجميل العالمية والصوالين الفاخرة وتركن مساحيق الملكات حينها إسترجل رجالنا وحكموا بدون قناني العطر الملكية وبدون إستشارة آلهة الحكمة والجمال، فضاعت وحدتنا وإنبشقت أحلامنا وآمالنا.
    فرشفت علوية آخر قطرات قهوتها ورحلت لعلها تجد مسؤلاً بابه فاتحاً للفقراء، وربما تجد أحدهم مدعو لحفل ختان ترتمي على قدميه. فإن لم تجد قطعة أرض فربما تسد جوعها وتحمل باقي الطعام إلى بناتها.
    خلصت عملي، وذهبت إلى البحر، إلى النيل وحده يعيد لي توازني يعيدني إلى ذاتي. فجلست علي صخرة وطردت فتيل الذكريات لأستمتع بالمغيب،
    اليوم الثلاثاء تدنو الشمس من نقابها، ترتدي السماء عباءتها الزرقاء فيتنسم الشفق العتق الإلهي والتجلي الرباني فتشرئب أنفاس الكون لتستنشق النقاء فيعرج سيدنا موسى في هالة نورانية آلهية مع لفيف من الملائكة وخدام ما تحت العرش من سماءه السادسة ليعطي بريق القوة والبطش للمستضعفين، ويخط بعصاه على النيل ليرسم طريق الخلاص من الفراعين الجدد ويتوعدهم بغرق آت وبطشِ قريب.


    عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 02/18/2022


    عناوين المواضيع المنبر العام بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 02/18/2022


    عناوين المقالات بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 02/18/2022























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de