استغربت من حجم الردود المختلفة التي وردتني على خلفية مقالي السابق، المعنون بـــ "التدخل الفلسطيني المحمود والتدخل الفلسطيني المرفوض"، فقد انهالت علي ردودٌ متباينة، وتعليقاتٌ متناقضة، وانتقاداتٌ مختلفة، ٌأتجاوز كلياً عن تلك التي طالتني واتهمتني، وشككت في قلمي وفكري، وولائي وانتمائي، رغم استنكاري لها واعتراضي على أصحابها، الذين يتجاوزون النص إلى القلم، والمضمون إلى الشكل، والمحتوى إلى العنوان، ويصبون جام غضبهم على الكاتب ويتجاهلون رأيه.
وقد كان بإمكانهم المحاججة والحوار، والنقاش والسؤال، ولكنهم يستسهلون الشتائم والسباب، ويتقنون التشويه والإساءة، ويجدون أنها أيسر الطرق نحو الهدم والتخريب، والتدمير والتعريض، فهي لا تحتاج إلى ثقافة أو معرفة، ولا إلى علمٍ ودرايةٍ، وإنما إلى رصيدٍ كبيرٍ من البذاءة وسوء الأخلاق، وغنىً في مفردات السوق ومصطلحات الدهماء، وهم فيها يتميزون ويبرعون، ولها يحفظون ويتقنون، ولهذا سأتجاوز ردودهم التي لا تدل إلا على شخصياتٍ جاهلةٍ وأفكارٍ ضحلةٍ ونفوسٍ مريضةٍ.
أما الردود الموضوعية العلمية الرصينة التي أحترمها وأقدرها، فقد جاءتني من جهتين مختلفتين، هما في الأصل متناقضتين وغير متفقتين، وبينهما خلافاتٌ كثيرة على أغلب القضايا العربية الراهنة والأحداث الجارية فيها، سواء في سوريا والعراق، أو في اليمن والسودان، أو في تونس ومصر، والتي تمتد إلى الدولتين المسلمتين الجارتين الكبيرتين، تركيا وإيران، فضلاً عن السعودية ودول الخليج العربي التي انساقت نحو التطبيع، واعترفت بالكيان، وتبادلت معه الزيارات، وأنشأت وإياه مختلف العلاقات.
طالبني البعض بأن أكون موضوعياً ومنطقياً، وأن أكون عربياً فلسطينياً، فلا أتناقض مع هويتي وقوميتي، وألا أنأى بنفسي وبفلسطين وأهلها عن قضايا العرب المحقة، التي تعبر عنها شعوبها، أو يدافع عنها قادتها، ويرون أن قضاياهم عادلة وصريحة، ومعلومٌ فيها المصالح الوطنية والقومية العربية، ومكشوفٌ فيها التآمر والارتباط، والعمالة والارتهان، ولذا كان ينبغي علي شخصياً، وعلى الفلسطينيين عموماً، أن نكون مع الدول العربية، التي وقفت إلى جانب الفلسطينيين وأيدتهم، وساعدتهم وساندتهم، وأمدتهم على مدى عشرات السنوات بالأموال والمشاريع، التي جعلت قضيتهم حاضرة، وحياتهم كريمة، وشعبهم عزيزاً، وهو الذي يعيش أبناؤه بكرامةٍ في البلاد العربية، ويعملون فيها بشرفٍ وأمانةٍ، ويتكسبون منها بطمأنينةٍ واستقرارٍ.
استغرب هذا الفريق الذي أجلُ وأقدرُ، وأناقشه وأحاوره، ألا يعلن الفلسطينيون وقوفهم الصريح والواضح، وتأييدهم العلني والعملي، للملكة العربية السعودية وتحالفها في عملياتها العسكرية ضد "المليشيات الحوثية" في اليمن، واعتبار ما يقومون به في اليمن مهمة قومية عربية رائدة بامتياز، تستحق التضامن العربي، والدعم الشعبي والرسمي، وتوجب على الفلسطينيين دعمها وإسنادها، اعترافاً بالفضل ورداً للجميل، والتزاماً بالتضامن العربي والإخاء الشعبي.
كما وصلتني ردودٌ تستنكر الصمت الفلسطيني إزاء ما تتعرض كل البلاد العربية من عمليات انتهاكٍ سافرةٍ لسيادتها، واعتداءاتٍ على أرضها وسرقة لخيراتها وثرواتها، واعتبروا أن الصمت إزاء عمليات التدخل الأجنبية في بلادنا العربية، وعدم إدانتنا لها أو اعتراضنا عليها، إنما هو تواطؤ وخيانة، وتفريطٌ وتنازلٌ، وأن تحالفاتنا بهذا الشأن مشبوهةٌ وغير مقبولة، وهي تسيء إلينا ولا تخدم قضيتنا، وهي تقود إلى مزيدٍ من التمزق العربي، الذي لا يستفيد منه إلا المعادون للعرب والمتآمرون على بلادهم.
علا صوت هذا الفريق متهماً إياناً بالتحالف مع أعدائهم، والتعاون مع خصومهم، والولاء للفرس تارةً وللترك تارةً أخرى، وأننا لا ندين تدخلهم، ونسكت عن جرائمهم، ونوافق على اقتطاعهم للأرض العربية، واشتراكهم في الحروب الدموية التي تجري فيها، ولا نقوى على انتقادهم أو الاعتراض عليهم.
مواضيع سابقة كتبها فاطمة غزالي فى سودانيز اون لاين
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة