يعتبر مرض الفصام من أخطر الأمراض التي قابلتها في القضايا الجنائية. الكثير من جرائم القتل في السعودية تنشأ عن اضطراب الفصام (ربما بسبب زواج الأقارب). والفصام اضطراب عقلي له عدة صور، ولكن من أخطرها هو التصورات الوهمية التي تنتاب المريض، فمثلاً، قام شخص بقتل زوجته وشقيقه، ونفد شقيقه الثاني من القتل، لأن هناك تصورات وهمية انتابته بأن زوجته تمارس الزنا مع شقيقيه. حالة أخرى تصور فيها الشخص ان والده ليس والده الحقيقي، وامه ليست امه فحاول قتل الاب لكن الاب نجا من الموت. هناك قضية أيضاً لشخص كانت تأتيه أصوات تخبره بضرورة قتل جاره الشاب، وبالرغم من أن جاره أخذ شقيقاته ورحل عن المنطقة لكن المريض تقصى مكانه حتى وجده وطعنه ست طعنات ليتخلص من ذلك الصوت، ثم طعن نفسه ثلاث مرات، ولكنه لم يمت، إنما حاول شنق نفسه في مستشفى الأمراض العقلية. حالة اخرى حيث قتل شخص صديقه لأنه انتابته تصورات بأن صديقه يتآمر مع منظمات ماسونية كبيرة ضده. هناك عدة مشاكل تتعلق بالعناية بالمريض العقلي ومن ضمنها أن المريض يعتقد بصحة تلك الاعتقاد ويجزم بها ولا يعتقد بأنه مريض، وأنت نفسك قد تتحدث مع المريض ولا تكتشف بأنه مريض لأنه يبدو كشخص طبيعي. المشكلة الثانية -في حالات معرفة المريض بمرضه- نجد أن المريض يتوقف عن تناول الدواء ولا يستمر فيه لأنه يعتقد أنه شفي (في الواقع لا يوجد علاج حاسم ونهائي للفصام بل يجب أن يتناول المريض الدواء مدى الحياة مع العلم بأن هذه الأدوية غالية جداً وغير متوفرة بسهولة). وهناك مشاكل قانونية تتعلق بالإدخال للعلاج، فالقانون يأخذ بنوعين من الإدخال: ١- إدخال اختياري (أي باختيار المريض)، وإدخال إجباري (أي عندما يشكل خطراً على نفسه أو غيره)،(أنظر كتيبنا عن حقوق المريض النفسي) وفي الغالب لا يتم إدخال المريض جبراً للعلاج. لذلك يبقى المريض كقنبلة موقوتة. هناك أيضاً مشكلة تتعلق بالمسؤولية الجنائية، إذ أن مرض الفصام ليس جنوناً مطبقاً وبالتالي فهو لا يعدم المسؤولية، ولكنه يخفف منها. وهذا تصور محل نظر، لكن القانون الجنائي في السودان أخذ به. أحد الأصدقاء قال بأنه يجب إعدام القاتل المجنون في كل الأحوال، لكنني قلت له بأنه لن يقبل بهذا الرأي لو كان القاتل ابنه أو شقيقه، فصمت. الإنسان المضطرب عقلياً إنسان مسكين، ولكن الحكومات لا تتعامل مع هؤلاء المرضى بجدية. لذلك قد لا يتم اكتشاف المرض إلا بعد ارتكاب جريمة القتل. من المفترض على الدولة أن تقوم بتسجيل حالات الفصام الخطرة، أي التي يكون الهوس فيها متعلقاً بتصورات تمس الآخرين، وتقوم بإدخال المرضى جبراً للعلاج، فهذا سيوفر على الحكومة نفقات تشريح وقبض ومحاكمات مستقبلية، بالإضافة إلى حماية أرواح الناس وهذا هو الأهم.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق November, 27 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة