قبل أن أواصل سبر أغوار مشهد الانقلاب الذي دبره الحلو وأطاح به عرمان أرجو أن أبدأ بتسطير خاطرة سريعة عنت لي حول مؤتمر (الشعبي) الذي سينعقد غداً بمشيئة الله. إشفاقاً على وحدة المؤتمر الشعبي من أن تنفرط جراء استقطاب رأيت شرره المتطاير من خلال بعض المقالات والحوارات كتبت مخاطباً د.علي الحاج وطالباً منه تقديم الأخ إبراهيم السنوسي لمنصب الأمين العام بدلاً من منافسته. المقال أثار ردود فعل معظمها إيجابي فقد تلقيت عدداً من الاتصالات والمداخلات تعليقاً على المقال من بينها اتصالان من الأخوين د.بشير آدم رحمة والاستاذ كمال عمر طمأناني خلالهما بأن هناك اتفاقاً تاماً بين قيادات الشعبي حول كل القضايا التي يخشى أن يشتجر حولها المؤتمرون بل أنني علمت أن عودة علي الحاج من ألمانيا تم ترتيبها معه مسبقاً وبتوافق كامل بين الرجلين الكبيرين بالرغم من ظروف مرض علي الحاج والعملية الجراحية التي خضع لها وعاد الرجل رغم فترة النقاهة تقديراً للظرف التاريخي الذي يمر به حزبه الكبير . نسأل الله تعالى أن يرحم شيخنا وعالمنا الجليل وينزل بركاته وتوفيقه على حزبه الذي نتمنى أن يواصل دوره الدعوي والحركي الفاعل إسهاماً في دفع مسيرة هذه البلاد نحو المراقي التي أجهد الشيخ نفسه في سبيلها حتى يكون كسب اللاحقين صدقة جارية في ميزان حسناته، ونعد نحن في منبر السلام العادل بأن نواصل التعاون مع (الشعبي) ومع غيره على البر والتقوى في سبيل دعم مسيرة الحفاظ على هوية هذه البلاد من أن تدهمها خيول المغول الجدد والاضطلاع بدورنا الوطني في إطار مرجعياتنا الثقافية والوطنية. بين الحلو وعرمان ..من الكاسب؟ كشفت أخبار الأمس أن مجلس تحرير جبال النوبة استدعى رئيس الحركة الشعبية مالك عقار الذي كان قد رفض الاعتراف بقرار المجلس القاضي بإقالة عرمان من منصبه كأمين عام للحركة، كما رفض حل الفريق المفاوض عن المنطقتين بقيادة عرمان وسيخيّر المجلس عقار بين قبول قراراته أو مواجهة الإقالة. وهكذا أحكم الحلو سيطرته على مفاصل أهم قطاعات الحركة من خلال الاستقواء بالنوبة الذين كما قلنا سابقاً يمثلون عظم الظهر في قطاع الشمال والذين أمسكوا بزمام الحركة وخطامها لأول مرة منذ تأسيسها بعد أن ظلوا مهمّشين ومسخّرين لخدمة الآخرين بل كانوا وقوداً للحركة الشعبية يقتات الجنوب على ظهورهم وأكتافهم منذ أن انقاد يوسف كوة لقرنق ومشروعه لحكم السودان من خلال مشروع السودان الجديد أو الانفصال في حال تعذر ذلك الهدف وتواصل تهميش النوبة حين سطا مالك عقار على رئاسة الحركة بالرغم من أنه من النيل الأزرق التي لا تسيل دماء مقاتليها كما يحدث لمقاتلي النوبة واختطف عرمان منصب الأمين العام والمفاوض عن الحركة حول المنطقتين اللتين لا علاقة (إثنية) تربطه بهما في وقت ظل الحلو مهمشاً في منصب نائب الرئيس رغم أنه يعبّر عن مقاتلي النوبة الباذلين دماءهم في سبيل الحركة الشعبية. ذلك وغيره ما أوغر صدر الحلو الذي خاطب مجلس تحرير جبال النوبة بهذه المرارات سارداً ما قال إنه تجاهل وتهميش له من الأمين العام عرمان ومن الرئيس عقار خلال جولات التفاوض بل خلال مراحل مختلفة من مسيرة (النضال) وإذا كان الحلو قد صحا أخيراً فقد أدرك ذلك التهميش كثيرون قبله أبرزهم القائد تلفون كوكو . بالرغم من أن بعض الموهومين يحسنون الظن بقدرات عرمان السياسية والتفاوضية إلا أنه ارتكب أخطاء كارثية بإغفاله ما تمور به نفوس كثير من قيادات أبناء النوبة من مشاعر عنصرية مبغضة للجلابة بمن فيهم عرمان الذي يصر ليس فقط على التحدث باسم النوبة إنما كذلك على تجاهل قضاياهم في سبيل مشروعه القومي (السودان الجديد) .. ذلك وغيره ما يسر على الحلو القيام بانقلابه الذي توافرت له كل عوامل النجاح سيما وأنه الأقرب لرئيس الحركة الشعبية الأم سلفاكير الذي يمتلئ صدره بالسخائم ضد عرمان منذ حياة غريمه اللدود قرنق. لن أنسى أن عرمان الذي انخرط في صفوف الحركة الشعبية مع قرنق منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي كان يعامل كجلابي (شمالي) ومجرد خادم وربما مرتزق لقرنق فقد عض(بضم العين) خلال سني (نضاله) من قبل أحد الجنوبيين في أذنه حتى قطعت بل أنه عندما تقام المؤتمرات الجنوبية المهمة لا يدعى الشماليون مثل عرمان ومنصور خالد وغيرهما إليها وليس أدل على ذلك من مؤتمر رومبيك الذي انعقد في آخر نوفمبر 2004 أي قبل شهر واحد من توقيع اتفاقية نيفاشا والذي فجر الخلاف العاصف بين قرنق وسلفاكير وكان تمهيداً لمصرع قرنق الذي تحوم الشكوك بشأنه حول سلفاكير وموسيفيني. أود أن أسأل لأجيب :هل تخلى الحلو عن مشروع السودان الجديد راكلا إياه في سبيل قضية النوبة؟ بالطبع لا ، فقد حفل خطابه الأخير بمفردات المشروع الذي ظل قرنق ينافح في سبيله بل تبنى بروتوكول مشاكوس واتفاقية نيفاشا بكل جزئياتها بما فيها وجود الجيش الشعبي كحارس لأي اتفاق يبرم بين الحكومة والحركة الشعبية على أن الرجل خلط ، بدهاء ومكر شديدين، بين حفاظه على مشروع السودان الجديد واستعطافه وحشده للنوبة على أساس إثني مثل قوله (إن شعب جبال النوبة يطالب بالحقوق والحرية) وحديثه عمّا سماه بالحقوق المشروعة لشعب جبال النوبة وتذكيره بمن سماهم بالقادة الرواد مثل فيليب عباس غبوش ويوسف كوة وإثارته للأحقاد العنصرية ضد ما سمّاه بالمركز العروبي الإسلامي بل واستنساخه لما حدث في جنوب السودان من خلال إصراره على تطبيق اتفاقية نيفاشا باستدعاء حق تقرير المصير لجبال النوبة في حالة عدم قيام مشروع السودان الجديد الذي زعم أنه سيقضي على التهميش بكل أشكاله وأنواعه. نواصل بإذن الله assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة