نورد اليوم بقية حديث دكتور عصام البشير حول آفاق الخطاب الإسلامي المعاصر.. ثالثاً: الإمكانات المتاحة الوحي المعصوم (المرجعية الإلهية): الذي يدعو (كتاباً وسنةً) إلى العلم وعمارة الأرض، والأخذ بأسباب القوة، والتنافس في كل خير.. مربوطاً – كلُّ هذا – بالإيمان الهادي والخلق القويم. القوة الروحية: فليس سوى قوة الروح وسمو الأخلاق – كما يمنحهما الإسلام أبناءه – ما يبني حضارة إنسانية راشدة وشاهدة.. بديلاً عن هذه الحضارة الراهنة: الخاوية روحاً، الناقصة عقلاً، الظالمة قولاً، المتأزمة معرفة، المتسلطة تقنية!. النماذج الحضارية: المتمثلة في التجربة الغنية التي قدمها المسلمون في القرون الزاهرة من نماذج حضارية ومنجزات واقعية في عالم الفكر والبناء والتنمية.. رغم ما قد يشوبها – شأن كل تجربة بشرية – مما لا محيد عن نقدها وتقويمها بإنصاف واستبصار. الموقع الاستراتيجي: حيث الموقع الجغرافي المهم، والاتصال الطبيعي فيما بين أنحاء البلاد، مما يمثل دعامة قوية مشاريع تعاون وتنسيق طويلة المدى.. بعيدة الطموح. الكفايات البشرية: حيث لا تخلو البلاد الإسلامية – على تنوعها – من الأشخاص الأكفاء في مجالات الحياة المختلفة. بالإضافة إلى "شبابية" الأمة بوجه عام بالقياس إلى معدلات الإعمار بأوربا "العجوز" على سبيل المثال. الثروات الطبيعية: التي من الله تعالى بها علينا.. من أراض خصبة، ومياه عذبة، ونفط به قوام الحياة المعاصرة، وطاقة شمسية هائلة.. إلخ. وكلها مقومات مادية لا غنى عنها في أية نهضة مطلوبة. رابعاً: القضايا النهضوية للخطاب الإسلامي يتعين على الخطاب الإسلامي المعاصر السعي إلى سد الفراغ، وتكثيف الجهود، وجبر النقصان في عدد من القضايا الملحة، مما لا يحتمل تسويفاً أو إبطاءً.. ومن أهم هذه القضايا الكبرى ما يلي: حفظ معالم الدين من التحريف والانتقاص فثمة جُفاةٌ يريدون الإسلام عقيدة بلا شريعة، وديناً بلا دولة، وفقهاً بلا حدود، وعبادة بلا معاملة، وحقاً بلا قوة، وجهاداً بلا قتال، ورحمة بلا حسم، وتسامحاً بلا عزة، وحواراً بلا تكافؤ، وانفتاحاً بلا خصوصية.. وهكذا تتجاذب الأمة محاولات التفريق والتفتيت التي تهدف الى تخليتها عن ثوابتها وخصوصياتها الثقافية وهويتها الحضارية، في ظل دعاوى كفالة الحريات وتعميم الحداثة واللحاق بركب العولمة!. فيجب صون الفكر الإسلامي عن الفهم السقيم بسبب خرافات في العقيدة، ومبتدعات في العبادة، وسلبيات في التربية، وجمود في الفكر، وتقليد في الفقه، وتفريط في السنن.. ولا شيء يتصدى للوقاية من هذه الأدواء جميعاً وعلاجها غير المنهج الوسطي الذي يكفل للأمة أن تعيش زمانها وأن تتكيف مع واقعها، من غير أن تذوب هويتها أو أن تتخلى عن حقها في أن تكون لها شخصيتها الحضارية المستقلة. المصالحة الشاملة إن استعادة الريادة الحضارية والسيادة العالمية لأمة الإسلام تتطلب المصالحة الشاملة بين فعاليات الأمة، والتعاون التام بين دوائر النفوذ فيها، ويشمل هذا: أولاً: المصالحة بين العاملين في الحقل الإسلامي يمكن لجماعات العمل الاسلامي أن تعمل على توحيد الكلمة وفق الموجهات التالية: الإجماع على أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل بل هو يتنافى مع طبيعة هذا الدين. والاختلاف ضرورة واقعة تتطلب منا: رد التنازع إلى الله ورسوله. الإيقان بأنه لا عصمة لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم. تصحيح النية وتحري أن يكون المقصد هو وضوح الحق وبلوغ الصواب. إحسان الظن بعلماء الأمة وتوقيرهم والتماس العذر لهم. ضرورة الجمع بين النصوص والأقوال قبل القطع بالحكم عليها من خلال نص واحد مع مراعاة السياق اللفظي والمعنوي والظرفي. فيحمل المبهم الخفي على الواضح الجلي، والمشكل على المفسر، والمجمل على المفصل، والعام على الخاص، والمطلق على المقيد. ويرجح المنطوق على المفهوم، والعبارة على الإشارة، والمتأخر على المتقدم.. وذلك تحقيقاً للإنصاف. ضرورة حمل الكلام على أحسن المحامل إن اتسع لها التأويل، وساغ لها الفهم. ومسالك الأئمة كثيرة في هذا المعنى. لا يحل التشنيع والإرجاف على طائفة ما بسبب مسائل تحتمل وجوهاً في الفهم ومتسعاً للرأي ومسرحاً للنظر ولا يحل الحكم بالكفر والضلال؛ وذلك لخطورتهما.. فمن قال لأخيه "يا كافر"، فقد باء بها أحدهما. وفتنة كهذه يجب أن يتحاشاها كل عاقل رشيد. إدراك أن الاتفاق العام على أصول المنهج لا يلزم معه الاتفاق على تفاصيله والمخالفة الفرعية لا تخرج المرء عن أصول المنهج. ومن ذلك اختلاف السلف في بعض فروع العقيدة.. كمسألة رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج، وتفاضل الصحابة، ونحو ذلك. ضرورة التوسط والاعتدال حتى عند شنئان العداوة واستحكام الخلاف فلا بد من الإنصاف والنظر بعين العدل. الأئمة والدعاة المشهود لهم بالإمامة في الدين تنغمر سيئاتهم في خضم حسناتهم وفضائلهم، فلا ينبغي الحرص على تتبع سقطات الإعلام وعثرات الهداة، بل نثبت لأهل الفضل والسابقة فضلهم وسابقتهم. إن لم تتضح الحجة عند الاختلاف عَذًرَ كلٌّ أخاه ووكل سريرته إلى الله عز وجل وداوم على أخوته. فنعمل فيما اتفقنا عليه من الأصول والكليات والقطعيات والمحكمات، ويعذر بعضنا بعضاً في الفروع مما للاجتهاد فيه نصيب وللنظر فيه مسرح وللرأي فيه متسع – أي بضابط إمكان الاجتهاد – في مثل هذا القدر من الخلاف الذي يسمح به المنهاج. القبول بمبدأ التعددية الحركية وأن تسعى كل جماعة لما وهبت نفسها له. إبقاء الإلفة والأخوة ورعاية الحقوق وصون الحرمات. الوقوف في خندق واحد إزاء قضايا الأمة الكبرى وهمومها المصيرية. تجنب ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة في فهم النصوص وتنزيلها على الواقع. إحياء فقه الاجتهاد الجماعي المركب من فقه النصوص ومقاصدها وفقه الوقائع ومآلاتها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة