تواصل حكومة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك مساعيها لتمرير مشروع قانون جديد تقول إنه يهدف إلى مكافحة ما تعتبره هجرة غير شرعية، ويأتي هذا التحرك من جانب الحكومة البريطانية بينما يزداد الجدل بشأن المعاملة غير الإنسانية التي تطبقها بريطانيا على المهاجرين مع تكشُّف الظروف البشعة التي يُحتجزون فيها ضمن مراكز اللجوء قبل ترحيلهم إلى رواندا. المدهش أن أكثر شخصين معنيين بتنفيذ هذه السياسة الفظة التي تعبر عن العقل الباطن لحزب المحافظين البريطاني اليميني، هما ريشي سوناك، رئيس الوزراء وسويلا برافرمان، وزيرة الداخلية، وهما من المهاجرين من ذوي الأصول الهندية. ولعل ذلك لم يكن صدفة وأمرا بريئا فهما أداتان لسياسة يتوارى منها من يطبخونها خلف الكواليس حتى تبدو بيدي لا بيد عمرو. وهكذا أعلن سوناك، أنه «مستعد للنضال» من أجل تطبيق القانون. يذكر أن أجداد سوناك كانوا قد هاجروا من ولاية البنجاب الهندية إلى شمال أفريقيا في بداية الأمر، ثم هاجر والداه إلى بريطانيا في ستينيات القرن الماضي. إن الحزن بمفارقة الأوطان سواد يرخي سُدوله على القلب، كما يغشى الليل الأرض كل مساء، فحينها يتوقف القلب عن النبض وهو أحوج لتلك الدقات القلائل لتقاوم انحدار الدموع. فبلاء هجر الأوطان فيه حزن ينقبض له القلب، ويعبس له الوجه وتنطفئ منه الروح ويتلاشى معه الأمل. ومع ذلك ليس حبُّ الأوطان مشاعر سلوك يقترب من حدود الشعر، فمن اضطر للهجرة لا يبحث عن تحرير نفسه من الظلم بل هو سعي لتحرير آخرين من أسرته. وكان من المتوقع أن تتعرض سياسة الحكومة البريطانية المثيرة للسخط والاشمئزاز بشأن ترحيل المهاجرين وطالبي اللجوء قسرا إلى إحدى الدول الأفريقية حتى يتم البتّ النهائي في أوضاعهم، لانتقادات عنيفة من منظمات حقوق الإنسان بشأن المعاملة غير الإنسانية التي يواجهها المهاجرون في مراكز اللجوء البريطانية. والمحافظون وحكومتهم التي تحاول صرف الأنظار عن الضائقة المعيشية بسبب الخروج غير المدروس من الاتحاد الأوروبي والتورط في الصراع الأوكراني الروسي، تحاول أن تصور اللاجئين والمهاجرين كما يصوّر الغول الخرافي في القصص الشعبية والحكايات الفلكلورية؛ فهو مخلوق بشع مخيف وفوبيا أسطورية. ومع أن الغول عند العرب أحد ثلاثة مستحيلات هي (الغول والعنقاء والخل الوفي)، غير أن لدى لندن قناعة راسخة بأن اللاجئين يمثلون غولا يستحق ضرب غرائب الإبل. فحكومة سوناك كأنما تردد كل يوم مقولة الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي وهو يخاطب أهل العراق في خطبته الشهيرة بالكوفة في أول ولايته عليهم قائلا: «أما والله لألوحونكم لحو العود، ولأعصبنكم عصب السلمة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل». وظل سوناك يتعهد بإنهاء ظاهرة وصول المهاجرين غير الشرعيين عبر القوارب الصغيرة، بيد أن منتقدين كُثرا، منهم وزراء سابقون في حزب المحافظين، قالوا إن مساعي سوناك محكوم عليها بالتوقف، لأن معارضيها سيطعَنون عليها في محاكم الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فهو يستخدم القضية استخداماً دعائياً لمهاجمة خصومه من حزب العمال ضمن الدعاية الانتخابية العامة. وإذا ما تم إقرار مشروع القانون الجديد، فإن كل من يصل من اللاجئين على متن القوارب الصغيرة سيكون طلب لجوئه مرفوضاً على نحو تلقائي، ولن تنظر وزارة الداخلية أيضاً في طلبات اللاجئين القادمين من بلاد تلتهمها الحروب، مثل أفغانستان وسوريا، أو اللاجئين بدعوى التعرض للاضطهاد. وذكرت تقارير صحفية أن نصف من عبروا القناة العام الماضي جاءوا من أفغانستان أو إريتريا أو إيران أو السودان أو سوريا. ولم تتمكن وزيرة الداخلية الثلاثاء الماضي من تأكيد ما إذا كان مشروع القانون متوافقاً مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، أم لا. بل اعترفت بأن نسبة عدم توافق التشريع مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان أكثر من 50 %. ويقول قانونيون إن الحق في الحياة الأسرية ضمن المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية، أحد أبرز الحقوق التي يتوقع أن يتضمن مشروع قانون حكومة سوناك تعارضاً معها، وإن كان المشروع قد يثير النزاع بشأن بنود أخرى في الاتفاقية الأوروبية مثل حظر المعاملة المهينة واللاإنسانية كما في المادة 3. وقالت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن قانون اللجوء الذي اقترحته الحكومة البريطانية «مقلق للغاية»، ومن شأنه أن يمنع حتى أولئك الذين لديهم طلبات مقنعة. ووصفت ممثلة المفوضية في بريطانيا، الإجراء البريطاني بأنه سينتهك القانون الدولي، وليس هناك حاجة لوقف عبور القناة. ويسعى سوناك لإشراك فرنسا لمساعدته في سياسته الجديدة واعتبر عشية مشاركته مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أول قمة فرنسية بريطانية منذ 2018، وبعد سنوات من التوتر، أن من «الضروري» وجود «شراكة وثيقة» مع فرنسا. وركز سوناك نقاشه على تعزيز شراكة لمواجهة التحديات المشتركة، خصوصاً إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية. لقد قفزت مشكلة اللجوء إلى قمة أجندة المشاكل الدولية المزمنة خلال السنوات العشر الأخيرة، وضاقت أوروبا بها ذرعا وطفقت تلتمس الحلول بكل السبل الميكافيلية وفي أي مكان وبأي وسيلة وطريقة. ولم يعد المشكل كما كان في السابق مجرد ترف تنشغل به الحكومات والمنظمات الطوعية لإظهار «إنسانية» العالم المتحضر، وللتعويض النفسي جراء الشعور بالتقصير تجاه عالم استعمروه سنين عجافا، ويسمى ثالثاً ونكبوه بالحروب والأزمات السياسية وصولا لتحقيق مصالهم الخاصة. اليوم طوفان موجات اللجوء نحو أوروبا يؤرّق حكوماتها ويؤزها أزا، وبلغ مستوى لم يبلغه منذ الحرب العالمية الثانية. وبدلا من تقديم المساعدة والعون للاجئين الفارين إلى أوروبا من جحيم الحروب، اتخذت أوروبا سياسات طرد ميكافيلية وقاسية. فالميكافيلية في الأصل ثقافة أوروبية من لدن نيكولو دي برناردو دي ماكيافيلّي المفكر والفيلسوف السياسي الإيطالي (1469 - 1527) إبان ما عرف بعصر النهضة. فهو المؤسس للتنظير السياسي الواقعي وتلك لعمري تسمية مخففة لسياسة «الغاية تبرر الوسيلة».
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق March, 10 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة