بين الأستاذ محمود والإمام الغزالي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 03:50 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-10-2023, 09:04 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بين الأستاذ محمود والإمام الغزالي

    08:04 AM March, 10 2023

    سودانيز اون لاين
    Yasir Elsharif-Germany
    مكتبتى
    رابط مختصر



    هناك لقاء صحفي مع سيدة بريطانية إسمها مسز هودجكنز كانت تحضر لدرجة الدكتوراة في التاريخ في جامعة الخرطوم في عام 1972، جاء فيه هذان السؤالان:
    alfikra.org/interview_page_view_a.php؟talk_id=9andpage_id=1

    Quote: هي [مسز هودجكنز] : نعود الآن إلي شخصك .. من هم المفكرون الذين تأثرت بهم في تطوير أفكارك ؟

    هو [الأستاذ محمود] : في الحقيقة لا يوجد مفكرون بالمعنى الذي كان لهم أثر علي حياتي. و لكن هناك أصحاب مناهج هم الذين تأثرت بهم وهم النبي .. والغزالي .. فلقد اتبعت المنهاج و قرأت شيئا قليلا .. شذرات من هنا و هناك و لهذا لا أقول تلمذتي علي مفكر معين.

    هي : هل قرأت لمفكرين إسلاميين ؟

    هو : لم أقرأ لمفكرين إسلاميين طبعا ولكن قرأت قليلا لماركس ولينين وبرتراند راسل وشو و هـ ج ولز .. والموضوع الذي جئت به لم يأت به السابقون حتى ولا ابن عربي فهو جديد كل الجدة ..

    ــــــــــــــــــــــــ

    جاء في كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي نقلا عن المكتبة الشاملة في شبكة الانترنيت الجزء الأول صفحة 5:
    https://shamela.ws/book/9472/5https://shamela.ws/book/9472/5
    Quote: ((وقيل في قوله تعالى "يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم" يعني العلم، وريشا يعني اليقين، ولباس التقوى، يعني الحياء))

    وهذا طبعا تأويل وليس تفسيرا لظاهر النص.
    وجاء أيضا في الجزء الأول صفحة 19 وصفحة 20:

    Quote: ((فإن قلت: فصل لي علم طريق الآخرة تفصيلا يشير إلى تراجمه وإن لم يمكن استقصاء تفاصيله.
    فاعلم أنه قسمان: علم مكاشفة وعلم معاملة .
    فالقسم الأول: علم المكاشفة وهو علم الباطن وذلك غاية العلوم، فقد قال بعض العارفين: من لم يكن له نصيب من هذا العلم أخاف عليه سوء الخاتمة، وأدنى نصيب منه التصديق به وتسليمه لأهله. وقال آخر: من كان فيه خصلتان لم يفتح له بشيء من هذا العلم: بدعة، أو كبر:
    وقيل من كان محبا للدنيا أو مصرا على هوى لم يتحقق به وقد يتحقق بسائر العلوم،
    وأقل عقوبة من ينكره أنه لا يذوق منه شيئا وينشد على قوله:
    وارض لمن غاب عنك غيبته ... فذاك ذنب عقابه فيه
    وهو علم الصديقين، والمقربين، أعني علم المكاشفة فهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة، وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها فيتوهم لها معاني مجملة غير متضحة، فتتضح إذ ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه، وبصفاته الباقيات التامات، وبأفعاله وبحكمه في خلق الدنيا والآخرة، ووجه ترتيبه للآخرة على الدنيا، والمعرفة بمعنى النبوة والنبي، ومعنى الوحي، ومعنى الشيطان، ومعنى لفظ الملائكة والشياطين، وكيفية معاداة الشياطين للإنسان، وكيفية ظهور الملك للأنبياء، وكيفية وصول الوحي إليهم، والمعرفة بملكوت السموات والأرض، ومعرفة القلب وكيفية تصادم جنود الملائكة والشياطين فيه، ومعرفة الفرق بين لمَّة الملك ولمة الشيطان، ومعرفة الآخرة والجنة والنار وعذاب القبر والصراط والميزان والحساب، ومعنى قوله تعالى {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} ومعنى قوله تعالى {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} ومعنى لقاء الله عز وجل والنظر إلى وجهه الكريم، ومعنى القرب منه والنزول في جواره، ومعنى حصول السعادة بمرافقة الملأ الأعلى ومقارنة الملائكة والنبيين، ومعنى تفاوت درجات أهل الجنان حتى يرى بعضهم البعض كما يرى الكوكب الدري في جوف السماء إلى غير ذلك مما يطول تفصيله، إذ للناس في معاني هذه الأمور بعد التصديق بأصولها مقامات شتى، فبعضهم يرى أن جميع ذلك أمثلة وأن الذي أعده الله لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأنه ليس مع الخلق من الجنة إلا الصفات والأسماء. وبعضهم يرى أن بعضها أمثلة وبعضها يوافق حقائقها المفهومة من ألفاظها، وكذا يرى بعضهم أن منتهى معرفة الله عز وجل الاعتراف بالعجز عن معرفته، وبعضهم يدعي أمورا عظيمة في المعرفة بالله عز وجل، وبعضهم يقول حد معرفة الله عز وجل ما انتهى إليه اعتقاد جميع العوام: وهو أنه موجود عالم قادر سميع بصير متكلم، فنعني بعلم المكاشفة أن يرتفع الغطاء حتى تتضح له جلية الحق في هذه الأمور اتضاحا يجري مجرى العيان الذي لا يشك فيه، وهذا ممكن في جوهر الإنسان لولا أن مرآة القلب قد تراكم صدؤها وخبثها بقاذورات الدنيا، وإنما نعني بعلم طريق الآخرة: العلم بكيفية تصقيل هذه المرأة عن هذه الخبائث التي هي الحجاب عن الله سبحانه وتعالى وعن معرفة صفاته وأفعاله، وإنما تصفيتها وتطهيرها بالكف عن الشهوات والاقتداء بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في جميع أحوالهم، فبقدر ما ينجلي من القلب ويحاذي به شطر الحق يتلألأ فيه حقائقه، ولا سبيل إليه إلا بالرياضة التي يأتي تفصيلها في موضعها، وبالعلم والتعليم وهذه هي العلوم التي لا تسطر في الكتب ولا يتحدث بها من أنعم الله عليه بشيء منها إلا مع أهله، وهو المشارك فيه على سبيل المذاكرة، وبطريق الأسرار، وهذا هو العلم الخفي الذي أراده صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله تعالى: فإذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار بالله تعالى فلا تحقروا عالما آتاه الله تعالى علما منه، فإن الله عز وجل لم يحقره إذ آتاه إياه))






                  

03-10-2023, 09:45 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بين الأستاذ محمود والإمام الغزالي (Re: Yasir Elsharif)

    جاء في كتاب الإحياء الجزء الثالث صفحة 24 في الشبكة:
    Quote: والقرآن مصرح بأن التقوى مفتاح الهداية والكشف وذلك علم من غير تعلم وقال الله تعالى وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون خصصها بهم وقال تعالى {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين} وكان أبو يزيد وغيره يقول ليس العالم الذي يحفظ من كتاب فإذا نسي ما حفظه صار جاهلا إنما العالم الذي يأخذ علمه من ربه أي وقت شاء بلا حفظ ولا درس وهذا هو العلم الرباني وإليه الإشارة بقوله تعالى {وعلمناه من لدنا علما} مع أن كل علم من لدنه ولكن بعضها بوسائط تعليم الخلق فلا يسمى ذلك علما لدنيا بل اللدني الذي ينفتح في سر القلب من غير سبب مألوف من خارج فهذه شواهد النقل ولو جمع كل ما ورد فيه من الآيات والأخبار والآثار لخرج عن الحصر
                  

03-10-2023, 11:46 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بين الأستاذ محمود والإمام الغزالي (Re: Yasir Elsharif)

    القول بأن الإسلام رسالتان هو ما لم يُسبق الأستاذ محمود عليه.

    هذا تسجيل بعنوان معرفة الله:



    يتبعه ما جاء في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" تحت عنوان "أسماء الله" و "معرفة الله". وضعت أقوال الدكتور مصطفى محمود بلون مختلف لتيسير المتابعة:
    Quote: القرآن ومصطفى محمود والفهم العصرى

    الفصل السادس
    أسماء الله



    إن هذا فصل ممتع.. ولقد تحدثت أنت فيه عن الصوفية حديثا، هو في جملته مقبول، وفي تفصيله نظر.. ولقد جعلت الصوفية قوما يهيمون وراء الأخيلة، والصور الشفافة، حتى ليخيل للقارئ أنهم من طينة غير طينته.. هذا، مع أن الصوفية هم أنصار السنة النبوية، وهم يمشون في الأرض، وترتبط أفكارهم، وآراؤهم بالأرض، وتتسامى إلى السماء.. هم، كل واحد منهم، الشجرة الطيبة، التي قال الله عنها: أن أصلها ثابت، وفرعها في السماء.. وهم بذلك، أصحاب شريعة، وحقيقة.. أما قولك عنهم، في صفحة 131، مثلا: (والمتصوفة أهل أطوار وأحوال ولهم آراء طريفة لها عمقها، ودلالتها فهم يقولون لك أن المعصية تكون أفضل أحيانا من الطاعة.. فرب معصية تؤدي إلى الرهبة من الله وإلى الذل والإنكسار.. وطاعة تؤدي إلى الخيلاء والإغترار.. وهكذا يصبح العاصي أكثر قربا وأدبا مع الله من المطيع)، فهو قول يظهرهم كأنهم بعيدون من صاحب الشريعة العادي.. إن قولهم هذا قد أجمله ابن عطاء الله في حكمه، فقال: (رب معصية أورثت ذلا، وانكسارا، خير من طاعة، أورثت عزا، واستكبارا).. والأمر مأخذه جد بسيط، وهو أن الرب إنما هو رب قلوب، وأن حاجته إلى العباد إنما هي صلاح قلوبهم.. فإذا كانت الأعمال لا تؤثر على القلوب بالإنكسار، والذل اللائق بالعبودية، فهي أعمال باطلة.. ألم يقل النبي: (رب مصل لم يقم الصلاة)؟؟ بلى!! وقال: (رب مصل لم تزده صلاته من الله إلا بعدا).. وإنما كان ذلك كذلك لتمكن الغفلة من قلبه.. وأشد الغافلين غفلة من يستطيل بصالح العمل حتى يورثه (عزا واستكبارا)، في حين أن حكمة العمل الصالح، في الطاعة، تقوم على أنه يورث (ذلا وانكسارا).. ذلك لأن أعمال العبادة منهاج إلى العبودية.. فإذا فشلت الطاعة في أن تحقق الذل، والإنكسار، وأسوأ من هذا، إذا أشعرت بالعز والإستكبار، فإن المعصية أقرب منها إلى الله، حين تحقق ما فشلت الطاعة في تحقيقه.. ألم يقل المعصوم: (إن لم تخطئوا، وتستغفروا، فسيأت الله بقوم يخطئون، ويستغفرون، فيغفر لهم)؟؟ فالغرض دائما واحد، هو انكسار القلوب لله، وقد قال تعالى: (أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي).. فإذا كان هذا الغرض لا يتأدى بالطاعة، وإنما يتأدى بالمعصية، فقد انتقلت الفضيلة إليها، في تلك اللحظة.. ولكن الكمال دائما في أن يتحقق الإنكسار عن طريق الطاعة، وهذا شأن الكبار، فإنهم لسعة معرفتهم بالله، وما يجب له على العبد، لا يرون في عملهم إلا ما يوجب الذل، والإنكسار.. فهم إذ ينصرفون عن صلاتهم، ينصرفون وكأنما قد أتوا عملا مخزيا، وقد اطلع عليه الناس.
    ما أحب لك أن تتصور الصوفية وكأنهم قوم يمشون في الهواء، بغير جذور تربطهم بالأرض.. أكرر مرة أخرى: أن الصوفية هم أنصار السنة النبوية.. هم أنبياء، ورسل، بالمعنى الذي يستقيم في الفهم الديني بعد ختم النبوة.. وقولك في صفحة 132: (والمتصوف واليوجي والراهب كلهم على درب واحد وأصحاب منطق واحد وأسلوب واحد في الحياة والزهد) قول منكر.. وهو يجيء من عدم إدراك لحقيقة الصوفية.. يمكنك أن تقول عن الصوفي المسلم أنه يطلب القرب من الله بترسم سنة النبي، فهو يحاول أن يضع قدمه حيث وضع النبي قدمه، من قبل.. وهو، بتجويد التقليد، يرجو أن يصب نفسه في القالب النبوي، حتى يتوكد له كمال إتقان التقليد برؤية النبي في المنام، ثم، بتوفيق الله، برؤيته في اليقظة.. فليس هناك علاقة بين اليوجي، والراهب، والصوفي.. إلا إذا كانت هناك علاقة بين اليوجي، والراهب، والنبي الكريم.. ولكن يبدو أنك أخذت على الصوفية أعمال بعض أدعياء التصوف، من الهمهمة بألفاظ غير معروفة.. وقد كثرت، في أخريات التصوف، وهي لا تحسب على التصوف إلا إذا حسب سلوك المسلمين اليوم على الإسلام.. إنها فترة انحطاط فما يُحكم بها على حقيقة التصوف.. أجد نفسي مضطرا إلى أن أكرر، مرة أخرى، أن الصوفية هم أتباع السنة النبوية.. وقد يبدو لي أن الذي عزلهم عن أن يُعرف لهم هذا الدور هو أنهم اعتبروا كل أعمال النبي، منذ أن كان في غار حراء، خلال خمسة عشر سنة، وإلى أن بعث، لاحقة بعمله بعد البعث.. فهي جميعها سنة، لأن النبي قد كان على نهج السداد، وهو يتحنث في غار حراء.. وعن هذه الفترة، بالذات، قال النبي المعصوم: (أدبني ربي فأحسن تأديبي، ثم قال: (خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين") فصدر هذا الحديث: (أدبني ربي فأحسن تأديبي) نبوة، وعجزه: (ثم قال: خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين)، رسالة.. ولقد ختمت المرحلة التي بدأت في غار حراء، من مراحل النبوة، بنزول أول القرآن: "أقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * أقرأ، وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم".. وبدأت الرسالة، بعيد ذلك، وذلك بقوله: "يا أيها المدثر * قم فأنذر".. ومنذ أن بدأت الرسالة برز النبي للدعوة.. وبدأ التشريع في بطء، ثم تواتر بعد الهجرة.. و(لقد تعارف) الناس على أن سنة النبي، إنما هي بعد البعث.. ولا يعتبرون فترة ما قبل البعث، كما يعتبرها الصوفية.. وهذا هو الذي عزل التصوف، في أفكار بعض الناس، عن حياة النبي.. هذا، ويمكن القول بأن الصوفية قد زادوا على سنة النبي أشياء أملاها حكم الوقت، واعتبروها بدعة حسنة، وذلك كإتخاذهم المسابح، مثلا، والطويلة منها بصورة خاصة.. وهناك حق فيما قلت في صفحة 133: (والتسبيح الحقيقي في نظر الغزالي لا يكون بمسبحة ولا يكون باللسان وإنما بالقلب.. في الخلوة والسكون والصمت.. مع دق القلب تتلو الروح في صمت وبدون صوت.. أسماء الله: "واذكر ربك في نفسك تضرعا، وخيفة، ودون الجهر من القول..". وهي أرقى درجات التصوف ولا يستطيع بلوغها إلا من بلغ سكون النفس وصفاء الروح وامتلك القدرة على حصر الانتباه والتركيز والإنصراف إلى التأمل بجماع القلب والهمة، وقويت عزيمته فقهر شهواته وشواغله الدنيوية وصعد درب السالكين إلى الله. وهو صعود أشق من الصعود إلى القمر. لأنه يقوم على الجهاد الهائل مع النفس.).. هذا ما قلته أنت، وهو قريب من التصوف.. ولكن يجب أن نفهم أن التصوف يبدأ من بداية، ويترقى إلى التسبيح الحقيقي.. وبدايته الأولية التسبيح باللسان، ولو بغير حضور، إلى جانب الصلوات، والصيام.. ثم يكون التدرج في المراقي.. ويجب أن يكون واضحا أن هذا الذي وصفته عن الغزالي ليس هو (أرقى درجات التصوف)، كما ذكرت أنت، وإنما أرقى درجات التصوف ان يبرز الصوفي من الخلوة، إلى الجلوة، فيعامل الخلق بالشريعة، ويعامل الخالق بالحقيقة – (هويعامل الخالق في الخلق) ثم لا تكون له خلوة بعد ذلك لمعاملة ربه إلا قيام الليل..
    وعن موسى في أمر الله له: "فاخلع نعليك.. إنك بالوادي المقدس طوى"، أنت تقول: (إن المقصود بالنعلين هما النفس والجسد.. هوى النفس وملذات الجسد.. فلا لقاء بالله إلا بعد أن يخلع الإنسان النعلين: نفسه وجسده بالموت أو بالزهد. والله يصورهما كنعلين لأنهما القدمان اللتان تخوض بهما الروح في عالم المادة وعن طريقهما نزلت من سماواتها إلى الأرض. ولهذا يبادر المتصوف بأن يخلع النعلين ليخطو أول خطوة في الوادي المقدس).. هذا قولك في صفحة 135: ما من شك أن للصوفية تأويلات تختلف في أمر النعلين، ولكن أنضج التأويلات ما يتمشى مع واقع حال موسى يومئذ.. ذلك أنه بعد أن قضى الأجل لشعيب، وهو عشر سنوات، أنفقها في رعي غنم شعيب، وقضاء حوائجه المختلفة، وقد كانت بمثابة مهر لزواجه من إحدى بنتي شعيب، سار بأهله قاصدا مصر.. فلما كان في بعض طريقه، في سيناء، وكان ظلام ليلته تلك شديدا، وبردها قارسا، وكان قد ضل طريقه، آنس نارا من جانب الطور.. فترك أهله، ويمم شطر النار.. وقد قص علينا القرآن من خبره، فقال "وهل أتاك حديث موسى * إذ رأى نارا، فقال لأهله: امكثوا!! إني آنست نارا، لعلي آتيكم منها بقبس، أو أجد على النار هدى * فلما أتاها نودي: ياموسى!! * إني أنا ربك.. فاخلع نعليك.. إنك بالوادي المقدس: طوى * وأنا اخترتك.. فاستمع لما يوحى).. فالنعلان هنا، هما نفسه وزوجته.. فقد كان، في المكان الأول، مشغولا بزوجته، إذ تركها في الظلام الدامس.. وكان البرد عليها شديدا.. فلما أتى النار، وسمع الخطاب، إنزعج، وخاف، وانشغل بنفسه.. فخوطب: أن أترك همك بنفسك، وهمك بزوجك، وفرغ بالك منهما، جميعا: "اخلع نعليك".. و"استمع لما يوحى".. فكأنه أعد لاستماع الوحي، بتفريغ باله، وبجمعية نفسه.. فإنه قد كان باله مشغولا بزوجه، وبنفسه، موزعا بالخوف بينهما.. وفي إشارات الصوفية من القرآن يجيء معنى النعلين: الدنيا والآخرة.. وتفريغ البال من الدنيا معلوم، ولكن أمره دقيق فيما يخص الآخرة.. فقد روي أن أبا يزيد البسطامي قال: (الزهد عندي ليس بشئ.. فقد مكثت فيه ثلاثة أيام.. ففي اليوم الأول زهدت في الدنيا، وفي اليوم الثاني زهدت في الآخرة، وفي اليوم الثالث زهدت في كل ما سوى الله.. فقيل لي ما تريد؟؟ فقلت: أريد ألا أريد..).. يعني أن أترك الإرادة للمريد الحقيقي – أريد أن أسلم إرادتي لله، وأن أرضى بما يريده هو– وفي حكم ابن عطاء الله السكندري: (لا ترحل من كون إلى كون، فتكن كحمار الرحى، المكان الذي انتقل منه هو المكان الذي يصل إليه.. ولكن انتقل من الأكوان إلى المكون).. أراد: لا يكن همك في الدنيا العمل لإحراز درجات الآخرة، فإنها كون أيضا، وعملك، بهذه الصورة، إن هو إلا انتقال من كون إلى كون.. فاترك الدنيا، والآخرة، وارتحل إلى رب الدنيا، والآخرة، جميعا.. وزوج الرجل هي نفسه، منبثقة عنه، خارجه.. فإذا قال الله تعالى: (سنريهم آياتنا، في الآفاق، وفي أنفسهم)، فإن جماع آيات الآفاق في المرأة.. وأقرب النساء، لكل رجل، هي زوجه.. وهي عنده، في التحليل الأخير، وزان الكون.. فإذا هُيئ لتلقي الوحي بتفريغه من همه بزوجه، ومن همه بنفسه، فقد تهيأ.. وهو تهيؤ، لا يتم في مجلس واحد، كما قد يتبادر إلى ذهن القارئ للقرآن، وإنما بدأ في تلك الليلة، واستغرق وقتا طويلا.. فإنه، فيما يخص المعصوم، قد استغرق وقتا طويلا.. فأما في القرآن، فقد وردت وسيلته هكذا: "يأيها المزمل * قم الليل، إلا قليلا * نصفه، أو انقص منه قليلا * أو زد عليه، ورتل القرآن ترتيلا * إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا".. وهو تهيؤ مسبوق بتهيؤ آخر، استغرق خمس عشرة سنة في غار حراء.. وقد أوجزه المعصوم في قوله (أدبني ربي فأحسن تأديبي، ثم قال: خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين).. (خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين) هذه حالة هي ثمرة القول الثقيل في حالة النبي "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا".. وهي ثمرة ما يوحى في حالة موسى: "فاستمع لما يوحى". وكانت تحتاج لإعداد وقد جرى هذا الإعداد في حالة نبينا، كما جرى في حالة موسى..
    وعن رؤية الله أنت تقول، بعد أن تورد بعض الآيات: (وقد أنكرت بعض الفرق الإسلامية إمكانية رؤية الله في الآخرة، وفسرت هذه الآيات بأنها رموز وإشارات ومجاز لا حقيقة وانها تُفهم على باطنها لا على ظاهرها، وكانت حجتها أن العين لا ترى إلا المحدود المتناهي في الزمان والمكان، والله لا محدود ولا متناه ومتعال على الزمان، وبالتالي لا يمكن لعين أن تراه.. وهي حجة واهية وتصور مادي دنيوي.. فهم يتصورون أن الروح سوف تبصر بعين مادية في الآخرة وستكون لها حدقة وأجفان وستظل ملابسة للزمان والمكان المعروف في الدنيا.. وهو أمر ينكره القرآن فيقول عن النشأة الأخرى: "وينشئكم فيما لا تعلمون" أي أنه سينشئنا نشأة مختلفة تماما عن كل ما نعلم.. ولا غرابة في أن يكون للروح بصر شامل يدرك اللامحدود وأن نرى الله كما يراه الملائكة).. هذا ما تقوله أنت في صفحتي 136 و137.. وإنه لغريب حقا أن تعتقد أن الملائكة يرون الله.. يبدو أنك قد ضُللت بظاهر النص في المحاورة التي جرت بين الله تبارك وتعالى والملائكة، في مشهد إسجادهم لآدم.. فإن ظاهر النص يُوهم ذلك، ولكن التوحيد يقول ما قال المعصوم: (إن الله قد احتجب عن البصائر كما احتجب عن الأبصار، وإن الملأ الأعلى ليطلبونه كما تطلبونه).. والله ذات – نفس-، والملائكة لا ذات لهم، لا نفس لهم.. ومن أجل ذلك فإنهم لا يطيقون رؤيته.. هم مخلوقون من نور العقل، والعقل نفسه حجاب دون الذات.. وأما البشر فإن شأنهم جد مختلف، ذلك بأن لهم أنفسا، وهم، من ثم، يشبهون الله ويطيقون رؤيته.. إن مطلق بشر أكمل من أي ملك، في المآل، وإن كان الملائكة أكمل في الحال.. فكمال الملائكة كمال درجة.. وكمال البشر كمال نشأة.. فكأن الملائكة معالم – (حجار كيلو)- في طريق تطور البشر مترقين نحو الذات الإلهية.. فالبشر يتطورون، ويترقون، ويلقون الله.. ولكن الملائكة ثابتون على هيئتهم، إلا قليلا.. وسبب كمال نشأة البشر هو النفس الأمارة، التي امتازوا بها على الملائكة، والتي تخطئ وتصيب.. وإلى ذلك الإشارة بحديث المعصوم (إن لم تخطئوا، وتستغفروا، فسيات الله بقوم، يخطئون ويستغفرون، فيغفر لهم)..


    معرفة الله

    مرة أخرى، يطالعني إغراقك في الحديث عن الصوفية: (وهو لايرى شيئا إلا رأى الله فيه، والله عنده ليس في حاجة إلى عبادتنا، وهو يفسر الآية القرآنية: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، أن معناها ماخلقت الجن والإنس إلا ليعرفون، فلا يمكن أن تتم عبادة بدون معرفة، ولا يمكنك أن تعبد مالا تعرف.. أنها لا تكون عبادة وأنت لا تكون عابدا الله إلا إذا كنت عارفا بالله ولا يمكن أن تعرف الله إلا إذا عرفت نفسك أولا ثم تجاوزتها مهاجرا إلى خالقها. وتتضمن الآية جميع هذه المعارف فالله خلق الإنسان ليعرف نفسه ثم يعرف ربه فيتم بذلك للإنسان جلاء البصيرة الكامل والارتقاء الحقيقي عبر صراع الجسد والروح).. هذا ما قلته أنت في صفحتي 139 و140.. وأنا، إنما أبغض لك الإغراق في وصف التصوف بهذه الصورة، لأنك بذلك إنما تعزل التصوف عن الممارسة اليومية، ولا تدع للشباب سبيلا إليه، لأنك تشعرهم بأن الصوفي رجل (يمشي على الهواء)، ويبدأ من نقطة لا يتفق للناس العاديين أن يبتدئوا منها.. هذا في حين أن بداية الصوفي إنما هي بداية الرجل العادي، باختلاف واحد، بسيط، هو أن الصوفي شحذ همته، وشمّر عن ساعد الجد، فأظمأ نهاره، وأسهر ليله.. وانظر قولك: (والله عنده ليس في حاجة إلى عبادتنا)!! أليس هذا هو واقع الأمر عند المسلم العادي؟؟ ألا يقول الله، في ظاهر نصه في القرآن: "يأيها الناس!! أنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد.."
    ألم يقل: "ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه.. إن الله لغني عن العالمين"؟؟
    ألم يقل: "لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة.. ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد"؟؟
    ألم يقل: "إن تكفروا: أنتم، ومن في الأرض جميعا، فإن الله لغني حميد"؟؟
    بلى!! قد قال كل أولئك.. وفي الحديث يرد ما يشير إلى أن الله ليس في حاجة إلى العبادة.. فما الذي أوجب أن تورد أنت هذه الحقيقة منسوبة إلى الصوفية وكأنها أمر غريب على المسلم العادي.. وقولك: (فلا يمكن أن تتم عبادة بدون معرفة ولا يمكنك أن تعبد ما لا تعرف) قول مغرق في عزل الصوفي عن المسلم العادي.. فإن الصوفية يبدأون بالإيمان، ولا يبدأون بالمعرفة.. وعندهم تجب معرفة ما لا تصح العبادة إلا به من أمور الشريعة، ثم يعبدون، ويترقون إلى معرفة الله بهذا الأسلوب.. ودليلهم في ذلك قول الله: "واتقوا الله ويعلمكم الله".. وقول المعصوم: (من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم).. وكل ما هناك، أنهم يؤكدون أن من يعمل بالشريعة لا بد أن يصل إلى الحقيقة.. فهم، إذ يبدءون بداية بسيطة، يعلمون الشريعة، فيعملون، ويتطلعون، أثناء عملهم، إلى معرفة الحقيقة، إلى معرفة الله.. فالمعرفة عندهم ثمرة العبادة.. والعبادة لا تقوم إلا على الإيمان، والتصديق برسالة محمد.. أليس هذا نهج المسلم العادي؟؟
    وقولك: (وأنت لا تكون عابدا الله إلا إذا كنت عارفا بالله ولا يمكن أن تعرف الله إلا إذا عرفت نفسك أولا ثم تجاوزتها مهاجرا إلى خالقها)، قول يتسم، إلى جانب الإغراق، والمبالغة، في أمر الصوفي، بعدم دقة في حقيقة ما هو عليه الأمر.. ذلك بأن الله يقول: (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه).. والمعصوم يقول: (من عرف نفسه فقد عرف ربه).. يبدو لي أن الأمر قد لبس عليك.. فإن النفس التي تتجاوزها لتصل إلى الله هي النفس السفلى التي عبر عنها نبينا الكريم فقال: (إن أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك).. وهذه هي جماع الجهالات، والرعونات.. أما نفسك المشار إليها في الآية أعلاه، وفي الحديث، فإنك لا تتجاوزها وتسير بعدها إلى الله، وإنما أنت تعرف الله في معنى ما تعرفها هي، لأنها هي نفس الله.. قال تعالى، في ذلك: "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها".. فإن النفس الواحدة التي خلقنا منها إنما هي نفسه، تبارك، وتعالى: "وخلق منها زوجها". هذه هي نفس الإنسان الكامل.. هي النفس العليا، لكل إنسان.. ومن هذه، في تنزل، جاءت النفس الدنيا.. إن قيمة كتابك هذا، عندي، هي أنه يملك قدرة، أكبر من كتابات جميع الفقهاء، على إثارة الإهتمام بالدين في صدور الشباب.. وليس إلى الدين من سبيل غير ممارسة النهج الصوفي، فإن جعلت أنت، كما هو واضح في كتابك هذا، هذا النهج معزولا عن البدايات البسيطة، من الأرض، فإنك تؤيس الشباب من الممارسة تأييسا، وتجعل قراءتك متعة ذهنية صرفة، لا تقدم النهج التعبدي النافع.. وهذا ما كرهته لك.. إنك لأنت، بالذات، في أشد الحاجة إلى ممارسة النهج الصوفي، (أقرا السنة النبوية)، ذلك لأن مواهبك الفذة التي تطالعني في هذا الكتاب تحتاج الى صقل، وإلى تهذيب، يرسخ فيها وحدة الفكر، ووحدة الشعور.. وليس إلى ذلك من سبيل غير ممارسة العبادة في تقليد المعصوم بإتقان.. والصوفية هم زملاء طريقك على هذا النهج.. وهم أساتيذك..
    وعن الصوفية، مرة أخرى، تقول: (ويقولوا للفقهاء أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت. تقولون حدثنا فلان عن فلان عن فلان وكلهم موتى.. والواهب الحق علام الغيوب أقرب إليكم من حبل الوريد وهو معكم أينما كنتم.. مايكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم. فكيف تتركونه وتأخذون العلم عن سواه؟..
    ولهذا يقول المتصوفة عن علمهم بأنه علم لدني.. من لدن الله.. لا علم نقلي من الكتب. ويصفون أنفسهم بأنهم أهل الحضرة.. ويأخذون أنفسهم بالرياضات الروحية العنيفة والصيام والعبادة المتصلة إلى درجة إفناء الذات في الله وسيلتهم إلى الله أسماؤه الحسنى ومحبته القصوى التي تملأ كل ذرة من القلب فلا يعود لهم شاغل إلا ذكره ولا يرون شيئا إلا رأوا الله فيه.
    هؤلاء هم أهل السر والقرب والشهود. الأولياء الصالحون حقا. وهم ندرة شحيحة)
    هذا ما قلته أنت في صفحة 142.. اسمع قولك: (ويصفون أنفسهم بأنهم أهل الحضرة)!! واسمع قولك: (هؤلاء هم أهل السر والقرب والشهود. الأولياء الصالحون)!! ألا تدخل مثل هذه الأقوال التصوف في متاهات من الغموض تحول بينه وبين الشباب، في الوقت الذي فيه يمكن، بشرح هذه المسائل، وبردها إلى أصولها في السنة المطهرة، أن يكون هذا الكتاب حافزا للتقليد النبوي، وداعيا إلى الارتفاق في ذلك التقليد، بتجاريب الصوفية؟؟ ما ينعيه الصوفية على الفقهاء هو تعطيل الفكر، اعتمادا على النقل، حتى لقد لج بهم النقل فانتهوا إلى القول بأن (الدين نقل، لا عقل).. وهذه العبارة لا تصح إلا في حد ضيق، هو أن شريعة الدين المأثورة عن المعصوم تؤخذ بالنقل، وتمارس في العمل.. فإذا ظهر لنا أن بعض أسرارها غير معقول لنا فإن علينا أن نلغي اعتبار عقولنا، ونلجأ إلى الإيمان بما جاء به النبي، ونعمل بما جاء به، ابتغاء أن يعلمنا الله، من أسرار تشريعه، ما يصلح حال عقولنا.. فمثلا، ليس من حقنا أن نقول لماذا فرض الله خمس صلوات، في اليوم، والليلة؟؟ وبالعدد الذي فرضه، وبالكيفية التي عينها، وفي الأوقات التي حددها؟؟ ثم نقرر أن هذا ليس معقول.. وإنما علينا أن ننقل ذلك عن النبي، وأن نعمل به، طاعة لأمره: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وذلك رجاء أن يعلمنا الله من عنده العلم اللَّدُنِّي.. وهذا موعوده حين قال: "واتقوا الله، ويعلمكم الله" يعني بـ"واتقوا الله" اعملوا بالشريعة كما بلغتكم عن المعصوم.. "ويعلمكم الله" يعني: يعلمكم الحقيقة، وهي الأسرار، ومنها أسرار الحكمة وراء شريعة العبادة.. قال الله على لسان النبي "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله..". وعند الصوفية أن الشريعة إنما شرعت لتوقظ الفكر، وتشحذه، وذلك أخذا من قول الله تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم.. ولعلهم يتفكرون".. وقال المعصوم: (تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة).. فهل في نعي الصوفية على الفقهاء غرابة؟؟ أليس هو من طبيعة الأشياء في أمر الدين؟؟ ومسألة (العلم اللدني) تبدو غريبة على الأسماع، ولكن أليست هي عبارة "ويعلمكم الله"، من آية: "واتقوا الله، ويعلمكم الله"؟؟
    (ويصفون أنفسهم بأنهم أهل الحضرة) فما هي هذه الحضرة؟؟ إنها، ببساطة، حضرة القلب مع الله في العبادة.. وهذه مطلوبة من كل مسلم، وكل مصل لا يحضر، في صلاته، ولو لحظة، فصلاته باطلة.. فإذا طالت حضرة قلب العابد، في عبادته، صار إلى حضرة الله.. ألم يقل المعصوم: (لي ساعة مع الله لا يسعني فيها ملك مقرب، ولا نبي مرسل)؟؟ وأي غرابة في هذه؟؟
    وأما أخذهم أنفسهم (بالرياضات الروحية العنيفة، والصيام، والعبادة المتصلة إلى درجة إفناء الذات في الله)، فإنما هو تقليد النبي الكريم، وكل ما هناك أنهم أخذوا أنفسهم بتقليده منذ تحنثه في غار حراء، واعتبروا كل عمله، قبل البعث وبعد البعث، سنة، ونهجا مسددا.. وقد أسلفنا إلى ذلك القول، وإنما أنكر عليهم ذلك من أنكره لقلة بصره بحقائق الدين.. ألم يقل المعصوم في أمر تسديده: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين)؟؟ فهو إذن، من ثم، قد كان على سنة واضحة، ونهج مسدد، منذ غار حراء.. وما إفناء الذات في الله هذا الذي ذكرت، حين قلت: (إلى درجة إفناء الذات في الله)، إلا الأمر الذي اتفق للنبي، في بدء بعثه، حتى لقد ظهر عليه من الوله ما ظنه الناس جنونا، فبرأه الله مما قالوا: "ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون".. والحديث الذي أشرت إليه آنفا، وهو: (لي ساعة مع الله، لا يسعني فيها ملك مقرب، ولا نبي مرسل)، هو حديث إفناء الذات البشرية في الذات الإلهية، في جمعية مستغرقة للحادث في القديم.. والسر، أيضا، ما هو إلا المعرفة الدقيقة بصفات الألوهية، مما لو ذكر للناس لا يزيد على أن يفتنهم، لأنهم ليست لهم فيه مشاركة.. وفي هذا إنما هم يتأسون بالمعصوم.. ألم يقل: (أوتيت ثلاثة علوم فعلما أمرت بتبليغه، وعلما خيرت في تبليغه، وعلما نهيت عن تبليغه).. فأي شئ يكون العلم الذي نهي عن تبليغه إن لم يكن السر؟؟
    أما قولك: (هم ليسوا دراويش الأرصفة ولا شحاذي المساجد ولا المجاذيب ولا الثرثارين ولا المدعين ولا محترفي الشعوذات. إنما هم الأتقياء الأخفياء. يقول عنهم الله في حديثه القدسي: "أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري") هذا ما قلته أنت في صفحة 143.. وهو قول لا يدل على تعمق.. فإنه، على التحقيق، ما من صوفي كبير إلا وقد مر، على الأقل، بمرحلة من مراحل من تسميهم: (دراويش الأرصفة).. و(شحاذي المساجد).. و(المجاذيب).. و(الثرثارين).. و(المدعين).. و(محترفي الشعوذات).. وكل الذي يحصل هو أن بعض الصوفية، بتوفيق الله، ثم بحسن تأديبهم، يقطعون هذه المرحلة، ويبرزون إلى مقامات عزهم، بينما تظل الأغلبية الغالبة تتخبط فيها.. ثم ان من هؤلاء من هم على درجة من الولاية.. وأنت تقول، في حديثك الذي اقتبسناه آنفا،: أن الله يقول عنهم: (أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري)، فما ظنك بكلمة (قبابي) هذه؟؟ ألا تخشى أن تكون هي المظهر الزري الذي ساقك إلى أن تصفهم هذه الأوصاف المرذولة التي أوردت فتكون بذلك، قد تورطت في هلكة بالإساءة إلى ولي خفي من أولياء الله؟؟
    أكرر!! إن أخشى ما أخشاه على كتابك هذا أن يكون كتاب متعة ذهنية، لا يسمو إلى حفز الشباب إلى عمل بالدين، مقلدا للنبي، ومرتفقا بأقوال الصوفية، ذلك لأنك قد عزلت الصوفية عن واقعهم، عزلا مؤسفا..
    ونلاحظ، في هذا الفصل، فصل أسماء الله، أنك لم تتحدث عن أسماء الله إلا في أسطر، في صفحة 137.. وقد تورطت في خطأ كبير حين زعمت أن اسم (الله) إسم علم على الذات الإلهية.. والحق، أن (الله) إنما هو علم على الذات الحادثة، وهي الإنسان الكامل.. وما هو، في حق الذات القديم، إلا مجرد إشارة، لأن هذه الذات، قبل أن تتنزل من صرافتها، إنما هي فوق الاسم، وفوق الصفة، وفوق الإشارة أيضا.. وعندما تنزلت من صرافتها تقيدت، في أول مراتب القيد، فكانت: (الحقيقة المحمدية).. وهذه هي مرتبة الإنسان الكامل.. واسم (الله) اسم علم في حقها هي.. لقد تحدثنا في مقدمة الطبعة الثانية من كتابنا: (لا إله إلا الله) عن أسماء الله بما يكفي عن الإعادة هنا.. فليراجع في موضعه..
    ولقد تورطت، في نفس الصفحة، في خطأ آخر، وذلك حين قلت: (ولا غرابة في أن يكون للروح بصر شامل يدرك اللامحدود وأن ترى الله كما يراه الملائكة).. هذا ما زعمته أنت، وهو زعم قد أشرنا إلى باطله.. فإن الملائكة لا يرون الله ما يراه البشر.. ومعلوم أنه لدى المعراج تخلف جبريل عند سدرة المنتهى، وتقدم المعصوم إلى مقام: (ما زاغ البصر وما طغى) حيث تم الشهود الذاتي.. بين الذات البشرية، والذات الإلهية.. وإنما تخلف جبريل لأنه لا طاقة له بالشهود الذاتي.. ذلك لأنه لا ذات له – لانفس له – فالبشر – مطلق بشر – أكمل من مطلق ملك وذلك لكرامة النشأة البشرية المتمثلة في الخطأ والصواب، والتي إليها الإشارة بحديث المعصوم: (إن لم تخطئوا، وتستغفروا، فسيأتي الله بقوم يخطئون، ويستغفرون، فيغفر لهم).. وقد أسلفنا القول بأن كمال الملائكة كمال درجة، وكمال البشر كمال نشأة.. وفي التحليل الأخير، لا يصل الملائكة إلى كمالات البشر إلا بدخولهم في البنية البشرية.. وهناك حديث نبوي، كريم أوردناه، ونعيده، هو يقول: (إن الله احتجب عن البصائر كما احتجب عن الأبصار.. وإن الملأ الأعلى ليطلبونه كما تطلبونه).. ومن ههنا يتضح لك خطأ قولك: (وأن ترى الله كما يراه الملائكة)، من العبارة التي أسلفنا الإشارة إليها..
    وهذا الخطأ جرك إلى خطأ آخر، من نفس الصفحة، وذلك حيث تقول: (والذات الإلهية سر مطلسم ليس لبشر أن يخوض فيه.. أما الصفات والأفعال فلنا أن نتأمل فيها).. هذا ما قلته أنت.. وما عليه العارفون هو أن الذات هي مقصد العباد، ولكنها لا يتوسل إليها بوسيلة الفكر.. وذلك لأن الذات لا ضد لها.. ولا يدرك الفكر إلا ما كان له ضد.. ومن أجل ذلك جاءت التوصية النبوية الكريمة: (تفكروا في مخلوقات الله، ولا تتفكروا في ذاته فتضلوا).. وليس معنى هذا أن الذات ليس لبشر أن يخوض فيها، وإنما معناه أنها لا تلتمس عن طريق الفكر.. فإنما هناك طريق القلب.. فما في سويداء القلب إلا الذات.. ولقد قال تعالى، في ذلك: (ما وسعني أرضي، ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن).. والعقول هي قوة الإدراك الشفعي.. فهي لا تقوى إلا على إدراك ما كان له ضد.. ولذلك فقد تقيد إدراكها بمراتب الاسم، والصفة، والفعل الإلهي.. وهذا معنى: (تفكروا في مخلوقات الله) لأن لأسماء الله، ولصفاته، ولأفعاله ضدا من أسماء، وصفات وأفعال المخلوقات.. وأما القلوب فهي قوة الإدراك الوتري، وهي بذلك قد أوتيت القدرة على شهود الذات الوترية – الذات التي لا ضد لها-.. والشهود معنى من الإدراك يتنزه عن الإحاطة.. ويقع بلا كيفية.. وهذا القدر، من الخوض في الذات الإلهية، وهو قدر يزيد كل لحظة عند العُبَّاد المجودين، هو مرمى جميع كبار العباد.. ولذلك فإن قولك: (والذات الإلهية سر مطلسم ليس لبشر أن يخوض فيه) قول غير سليم..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de