لا نتحدث هنا عزيزي القارئ عن قوات درع "الجزيرة" التي هي قوات عسكرية مشتركة تأسست عام 1986 من قوات "السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وعمان" لحماية أمن الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي من أي عدوان خارجي، بل اتحدث هنا عن قوات درع "الشمال" السوداني التي تأسست حديثا للدفاع عن ولايات شمال السودان ووسطه حسب زعم بيان التأسيس.. فما هي مهام وطبيعة هذه الميليشيات؟ يزعم القائمين على امر ميليشيات درع الشمال، بانها تتكون من اكثر من (120) الف مقاتل، ضمت كل من تم انزاله او رفته من ضباط القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، وقوات العمليات، (من ولايات الشمال والوسط ) وآلاف الذين تدربوا في قوات الدفاع الشعبي وشاركوا في العمليات في ربوع السودان، وآخرين. ويقولون: لا نستهدف احد او جهة، بل نسعى للحفاظ على الاستقرار والامن. والحفاظ على الحقوق. قواتنا نوعية ذات كفاءة عالية وانضباط ، وعقيدة قتالية متطورة. اضطررنا لتكوين هذه القوات وتجميعها بعد ارتفاع نبرة التهديد والوعيد للشمال والشماليين. سنحمي اعراضنا وعقيدتنا وحقوقنا بكل حزم ، ونثبت لكل معتدي اننا قادرون على الدفاع عن كياننا. نحن الأقوى والاغلبية في هذا البلد ولا يمكن تجاوزنا باي حال من الأحوال. بالطبع هناك مزاعم ومبررات أخرى، قدمها الذين قاموا بإنشاء تلك الميليشيات الجهوية.. لكن مما لا شك فيه هو ان هذه الميليشيا: 1/تضم العديد من عضوية المؤتمر الوطني المحلول ومرافيد القوات الأمنية وأصحاب السوابق الجنائية -اللواء أركان حرب محمد الحافظ قائد قوات درع الشمال وممثل القوات المسلحة لولاية نهر النيل. 2/قائد الانقلاب عبدالفتاح البرهان، يعرف طبيعة هذه القوات دون التعرض لها. 3/عضوية هذه الميليشيات من ولايات شمال السودان ووسطه وجزء من شمال كردفان، وهي ولايات تعرف بالكيان العروبي الإسلاماوي في السودان. في البدء أود التأكيد على ان لكل سوداني الحق في حماية نفسه واسرته من أي اعتداء مهما كان نوع هذا الاعتداء. لكن السؤال المهم هنا هو: هل الولايات المكونة لدرع الشمال، فعلا ولايات مهددة، وإذا كانت مهددة فعلا -فما هي الجهات التي تهددها ولماذا؟ عزيزي القارئ.. هذه الولايات المهوسة بالعروبية والإسلاماوية، لم تنشء هذه الميليشيات: 1/لأنها تخاف من ميليشيا الدعم السريع (الجنجويد)، التي ترهب وتعبث بالسودان وأهله منذ 2019! 2/ أو لأنها مهددة من قوى اجنبية كدولة مصر مثلا!! 3/ أو تخاف من تهميش الخرطوم لها!! بل الدافع الأساسي لتكوين وانشاء تلك الميليشيات الجهوية، هو شعور هذا "الكيان السرطاني"، بالضيق الشديد من وجود أبناء دارفور في السلطة، خاصة جبريل إبراهيم وزير المالية السوداني، الذي يتهمونه بممارسة العنصرية ضدهم. وهكذا عزيزي القارئ، أصبح جبريل إبراهيم وزير وزارة المالية، في نظر هذا الكيان العروبي المعقد جدا، شخصا عنصريا، يستوجب انشاء قوات خاصة -مدربة على كل الأسلحة من أبناء الشمال لإبعاده عن هذه الوزارة المهمة جدا. نعم، انهم، يعتبرون وجود جبريل إبراهيم في وزارة المالية، تهديدا حقيقيا لــ (كيان الشمال) ولإنسانه الذي يؤمن بان هذا السودان له وحده وليس لغيره من أمثال جبريل، وان وزارة المالية والاقتصاد من نصيبهم التاريخي ولا يجوز لاي سوداني غير شمالي توليها.
تكوين هذا الدرع دون شك، يوضح بجلاء النظرة الاستعلائية الفارغة لإنسان شمال السودان لغيره من الناس، لتتحول هذه النظرة إلى نهج وسلوك وثقافة حياتية تُمارس علانيةً، وتجلت بأبشع صورها ومظاهرها في تعاطيهم مع جبريل إبراهيم وآخرين من أبناء دارفور الموجودين في السلطة الانتقالية الحالية؟ إن قوات درع الشمال، كيان بُني على أسس عنصرية خالصة، ولا يختلف في هذا القول إلا شخصا معتوها مكابرا آثما، ذلك ان كل عناصر العنصرية والكراهية للآخر، متوفرة في هذا الكيان الذي سكت على تكوينه قائد الانقلاب وكل قادة الأحزاب الشمالية. نعم، سكتوا على هذه الميليشيات الجهوية سكوت اهل الكهف، وهي تستعرض عضلاتها وسط المدنيين العزل، في الوقت الذي كانوا وما زالوا يرفضون رفضا اطلاقا ظهور أي حركة مسلحة في مناطق الهامش السوداني- كجبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق. عزيزي القارئ.. ** عندما دخل الاستعمار التركي للسودان من بوابة بتاعت ناس كيان الشمال، لم يقاوم هذا الكيان الاستعمار الأجنبي البغيض، بل رحب به ترحابا كبيرا.. ** وعندما دخل الاستعمار الإنجليزي من ذات البوابة، وجد الطرق مسلوكة مفروشة بالورود.. ** وعندما انضمت مصر للاستعمار الإنجليزي في السودان ومن ذات البوابة أيضا، استغربت واندهشت من حرارة الاستقبال لها.. ** وعندما كانوا يتحدثون عن ظلم الحكومات المركزية لهم.. لم نرى لهم حراكا عسكريا واستعراض ميليشياتي للمطالبة بالحقوق، بل رأوا في حمل السلاح ضد (الحكومة) حركة من حركات ناس الهامش (زي ناس دارفور وجبال النُوبة وولخ)!! لكن، عزيزي القارئ، الآن، أقدمت هذه الولايات على انشاء وتكوين ميليشيات درع الشمال، والدافع الحقيقي كما ذكرت آنفا، هو الوجود الدار فوري في السلطة. انهم يكرهونهم كراهية زائدة وشديدة. وعليه لا يمكننا غير القول: ان هذا الكيان يضم ابشع البشر على الاطلاق، انهم يكرهون بني جلدتهم كرها شديدا، وفضلا، لا يمانعون ان (يركبهم المصريين) وعيال زايد وبغال السعودية. يقول هذا الكيان العنصري الضّال المتناقض، أنهم ليسوا في حالة عداء مع أي جهة، بما فيها الجيش.. إذن السؤال الكبير هو: لماذا استعراض العضلات في القرى والمدن وإرهاب الناس بأصوات البنادق إذا لم يكن لديه مشكلة مع أي جهة؟ ألا يثبت هذا التناقض في بياناته واقواله، ما ذهبنا اليه حول عنصرية هذا الكيان، وان الهدف الأساسي من تكوينه، هو هدف عنصري بحت!! نعم، انهم يرون في اتفاق جوبا تهديدا وجوديا لهم، واذا تم الغاء هذا الاتفاق وترك جبريل إبراهيم وزارة المالية وأبو نمو وزارة المعادن وآخرين من دارفور وجبال النوبة مناصبهم، ستختفي ميليشيا كيان الشمال فجأة وتعود الأمور الى طبيعتها. انها الكراهية والتفوق المتوّهم، إذ ما الذي يجعل اسودا من شمال السودان، يعتقد بتفوقه على اسودا من دارفور وجبال النوبة؟ هذا السودان عزيزي القارئ لم يكن منذ البداية بلدا موحدا بدءا من حيث الترابط الوجداني والعاطفي، فإنسان الشمال يرى في انسان دارفور وجبال النوبة وغيرهما، عدواً له أحيانا وعبداً له في بعض الأحيان، وبلد بهذه التركيبة لا يمكنه البقاء والاستمرار، وما ظهور درع كيان الشمال إلا تأكيد على ما نقوله في هذا المقال. كيف لهذا الدرع المنفوخ ان يعتبر ميليشيات الجنجويد التي أتت من كل فجاج افريقيا، قوات نظامية يمكن التعايش معها، بينما يعتبر قوات الحركات السودانية المسلحة، تهديدا وجوديا له، لا يمكن التعايش معها في بلد اسمه السودان؟ ما يسمى بالجيش السوداني الذي لم يخض قط أي حروب خارجية منذ نشأته، بل كل حروبه، ضد "الحركات السودانية المسلحة"، تحت ذرائع التمرد على الدولة والخروج على القانون.. ما زالت الشعوب السودانية، تنتظر موقفه، المعلن والصريح من ميليشيا درع الشمال، وهي تستعرض عضلاتها، مرتدية زياً عسكرياً مطابقاً لزي الجيش السوداني، وتستقل سيارات الدفع الرباعي العسكرية بكامل عتادها.. وما اذا كان سيتعامل معها كما تعامل مع الحركات المسلحة في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور!!
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق December, 24 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة