قد يكون هذا السؤال من الأسئلة الصادمة ، ولكن خير لنا أن نسأل أنفسنا مثل هذه الأسئلة الصادمة لإحداث التطور المرجو في ذهنية المجتمع ، من ان نغني على أنفسنا ونقول مع وردي ديمقراطيتنا أصيلة و الفردية علينا دخيلة . يقول نبي الإسلام الكريم في حديث شهير : كيفما تكونو يولي عليكم. وفي رأيي ان معني هذا الحديث ، ان نظام الحكم لاي مجتمع ما هو إلا حصيلة أنظمة هذا المجتمع الاجتماعية والسياسية و الدينية وتشمل في ما تشمل حتي طرائق تفكير هذا المجتمع ونظمه انفة الذكر كما تشمل ملامح تقاطعات هذا المجتمع الأفقية والراسية. فما هي الفوارق بين مجتمعاتنا وبين المجتمعات المتقدمة الراسخة في الديمقراطية ، وما هي الأشياء التي تجعل مجتمعاتنا سرعان ما تلفظ الديمقراطية لصالح الأنظمة الشمولية والعسكرية ؟ نجد أن أولي هذه الفوارق سيادة الذهنية الغيبية علي مجتمعاتنا ، وغياب طريقة التفكير العلمي ، فهذه العقلية القدرية والتي ترجع جميع الظواهر والأحداث للقوي الغيبية ، وإضعاف دور الانسان كمؤثر في هذه الأحداث ومتاثر بها يقود هذا التفكير الي ان الحكم ما هو إلا لله وليس للشعب يد في اختيار حاكمه او حتي إبداء رايه فيه . ناهيك عن ان هذه العقلية تقود الي إفساد الحياة المجتمعية والعلاقات الإنسانية العادية فتجد أحدهم يقول : كنت خارجا بعربتي الجديدة وقابلت فلانا فأصابني بعينه مما تسبب لي في حادث وبهذا يصبح فلانا هذا مجرما لا ايد لا كراع . الفارق الثاني يكمن في الإجابة علي سؤال هام ؛ ما هي التقاطعات التي تحكم مجتمعاتنا فهل هي تقاطعات أفقية ام راسية ؟ ونعني بالتقاطعات الرأسية انها تقاطعات دينية طائفية قبلية عشائرية كما نعني بالتقاطعات الأفقية تقاطعات اجتماعية واقتصادية وطبقية. من الواضح أن تقاطعات مجتمعاتنا تقاطعات راسية بامتياز، ففي اغلب البلدان العربية تنقسم مجتمعاتنا الي مسلم - مسيحي - سني -شيعي ..... الخ . وغالبا ما تبني هذه التقاطعات علي رؤي مطلقة غير نسبية ، وكثيرا ما تتطور الي حروب دامية ، كما حدث في العراق ولبنان واليمن او كما حدث في سوداننا الحبيب . او كما يحدث في الجارة الشمالية حيث الانقسام الي مسلم - مسيحي . ونجد أن التقاطعات الرأسية غالبا ما تنتج حروب ونزاعات تؤدي الى تقسيم الدول والمجتمعات كما حدث في السودان. اما التقاطعات الأفقية فغالبا ما تتطور الي تنظيمات نقابية وسياسية وخدمية كما تبرز منها تنظيمات المجتمع المدني بوجه عام ، والتي يقل المنتمين لها في مجتمعاتنا بوجه عام ايضا. يكمن الفارق الثالث بين مجتمعاتنا وبين المجتمعات الديمقراطية بتغول المدينة علي الريف اي زحف المدينة علي الريف لديهم ، فتمدنه وتحضره الشيء الذي يحدث عكسه في مجتمعاتنا فيزحف الريف علي المدينة بقيمه الريفية والتي تميل الي المطلقات وتبعد عن النسبية ، فمن الملاحظ مثلا في مجتمعاتنا تدخل الكل في شؤون الفرد ، وهذه قيمة ريفية بامتياز ، وينتج عنها قلة ابداع الفرد ، لأن كل من يقول برأي مخالف ، هو مخالف لقيم الجماعة ، مفارق لها ، وجب عليه تصويب السهام المعنوية والمادية .كما أن سيادة عقلية الريف تعني فيما تعني تخلف العلاقات الإنتاجية لتعتمد في اغلبها على الرعي والزراعة وتكون الصناعة في المرتبة الاخيرة فيغلب التقليد والاتباع ويقل التجديد والإبداع. يمثل تغول رجال الدين في حياتنا الفارق الرابع بيننا والمجتمعات المتقدمة ، كما يتراجع بشكل عام دور المثقفين والعلماء . فتجد رجل الدين يفتي في كل المجالات العلمية والاجتماعية والاقتصادية مع تواضع رؤاه وفي بعض الأحيان تواضع قواه العقلية . اما مجتمعاتنا فتحيط اخينا رجل الدين هذا بكل مقادير الاجلال والتقدير ، والمدهش انها تلجأ له وتستفتيه في كل صغيرة وكبيرة. فتجد رجال الدين في شاشات التلفزيون وعلي السوشيال ميديا يسرحون ويمرحون وهم يجيبون على الأسئلة الساذجة من قبيل ماذا افعل مع زوجتي العاصية او ابني العاق. علي النقيض نجد حال مثقفينا في مجتمعاتنا والذي يطلق عليهم لقب المتفلسفون للتقليل من شأنهم بما تحمله كلمة فلسفة من ظلال سالبة في مجتمعاتنا ، وعلي النقيض ايضا نجد أن احياء الفلسفة كان بداية لنهضة المجتمعات الديمقراطية. قال السيد المسيح : ليس احد يجعل رقعة من قطعة جديدة علي ثوب عتيق لان الملء ياخذ من الثوب فيصير الخرق اردا. وبكلمات السيد المسيح اختتم مقالي هذا ، فمن الواضح هنا ان السيد المسيح يود القول انه لابد من استبدال الثوب القديم بآخر جديد لان عملية الترقيع لا تفيد علي المدي الطويل على الاقل . فلا يصلح ان ناحذ نظاما فوقيا من الدول المتقدمة في دولنا المتخلفة ، فالنظام الديمقراطي يكون في هذه الدول كالرقعة الجديدة علي الثوب القديم . ارجو ان لا يظن القارىء الكريم انني أدعو إلى الأنظمة الشمولية او العسكرية ولكنني أدعو الي تطوير مجتمعاتنا حتي تستوعب نظم الحكم الديمقراطية امجد هرفي بولس [email protected]
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق August, 15 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
امجد هرفي بولس
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست