هذه دراسة علمية، موضوعية، منهجية مختصرة جداً، تتبع المنهج العلمي؛ لتأكيد، وإثبات أن الغيب لله وحده.
ولا يحق لأي مخلوقٍ – ملكٍ مقرب، أو نبيٍ مرسل، أو وليٍ صالح – أن يتعدى حدود الله تعالى، وأن يُشارك الله تعالى في خصائصه، فيدَّعي أنه يعلم ما في الغد، أو ما في المستقبل.
ابتداءً، لنعرف الغيب لغوياً..
تعريف الغيب لغوياً
الغيب: هو الشيء الخفي، غير الظاهر، وهو الباطن المُغيَّب عن أنظار، وعن عقول الناس.. وهو الخفي عن الحواس، مما يؤدي إلى الجهالة به.
وحسب شرح المعاني الجامع يقول:
الغَيْبُ: خلاف الشهادة الغَيْبُ: كلُّ ما غاب عن الإِنسان، سواء أَكان مُحَصَّلاً في القلوب أَم غير مُحَصَّل عالم الغيب/ علاّم الغيوب: الله سبحانه وتعالى، عَالِمٌ بِمَا خَفِيَ وَبِكُلِّ الأَسْرَارِ وَبِمَا سَيَحْدُثُ، الأنعام آية 73 عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَة (قرآن) l عَلاَّمُ الْغُيُوبِ.{1}. والغيب نوعان:
1- مطلق خاص بالله تعالى وحده، ولا يشاركه أي مخلوق في معرفته، على الإطلاق.
2- نسبي، بمعنى أن الله عزَّ وجلَّ سمح، وأذن لبعض خلقه – ملائكة، أو رسل، أو سواهم – أن يطلعوا على بعض الأمور الغيبية، كما قال تعالى شأنه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) الجن:26-27. مثل: معرفة زمن وقوع الزلازل، أو البراكين، أو نزول المطر، أو معرفة نوع الجنين في الرحم.
مع الانتباه إلى أن معرفة البشر للأمور الغيبية المسموح لهم بمعرفتها، ليست يقينية على الإطلاق، وليست محددة بوقت معلوم، وإنما هي على التقريب وقد تصدُق وقد تُخطئ.
أما معرفة الله تعالى للغيب فهي يقينية حقيقية، قاطعة، حاسمة، جازمة، وبوقت محدد ليس فيه أي خطأ.
وقد قرر الله، وقضى قضاء مبرماً.. أنه هو الوحيد المختص بعلم الغيب:
وإنه لم يخول أي مخلوق، بما فيهم الأنبياء للاطلاع على الغيب ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ آل عمران 179. إلا ما سمح لهم بذلك مثل: الأحاديث التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يتحدث فيها عما سيقع من فتنٍ، وأحداثٍ، وملاحم في آخر الزمان..
وقد وردت آياتٌ واضحةٌ، وقاطعةٌ، وحاسمةٌ، وجازمةٌ على لسان الرسل جميعاً.. بأن أياً منهم لا يملكُ لنفسه نفعاً ولا ضراَ، وبأنه لو كان يعلمُ الغيبَ، لازدادَ من الخير، ومن منافع الدنيا، ولتجنبَ المصائبَ، والكوارثَ فيها، وابتعدَ عن كلِ ما يسوؤه.
ولذلك لا يجوز لأي مخلوقٍ بأي حال من الأحوال، اقتحام عالم الغيب، والخوض فيه.. لأن بابه مغلق..
فكل شيء أخفاه الله عنا، ولم يحدثنا به، فهو غيب لا يجوز التنجيم فيه، ولا التحزير، ولا التكهن به، وإلا، حينئذ يشابه عمل المشركين الذين وصفهم الله ﴿ وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٣) ﴾ سبأ. أي يرجمون بظنونهم، ويرمون بها الرسل وكتاب الله، ويجعلون أنفسهم نداً لله، ويزاحمونه في سلطانه..
فاقتحامُ عالم الغيب، خطرٌ كبيرٌ، وتعدٍ على سلطان الله.. محظورٌ على أي إنسانٍ أن يلجه.
ومن يفعله.. فهو مخطئ، ولو كان أعلم أهل الأرض ، ويؤدي إلى جرحٍ في عقيدته، ومسيىء الأدب مع الله، وفيه جرأة وقحة على الله تعالى!!!
مفاتح الغيب
والله تعالى قد حصر خزائن الغيب وأدواته في ذاته وحده فقال: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ الأنعام 59.
(سابعاً: لا يعلم الغيب إلا الله وحده، واعتقاد أن أحداً غير الله يعلم الغيب كفر، مع الإيمان بأن الله يُطْلِع بعض رسله على شيء من الغيب ).{3}.
النبوءة الجرارية
بعد هذا التوضيح الجلي شبه المفصل، لموضوع الغيب.. نأتي لنُسقطه إلى ما يتداوله بعض الناس، عن النبوءة الجرارية، التي تزعم أن الاحتلال اليهودي سيزول نهائياً، وفي غمضة عين يوم 8/7/2022.
ويؤكد صاحبها بكل وقاحة، وسوء أدب مع الله تعالى، أن الاحتلال الصهيوني سيتبخر، ويتطاير في الفضاء، كالعهن المنفوش، يوم وقفة عرفات القادم.. معتمداً على حسابات رياضية، ما أنزل الله بها من سلطان..
فهذا الرجل يتجرأ على مقام الألوهية، ويعتدي على أخص خصائص الله في معرفة الغيب، ويتواقح غاية الوقاحة، والسفالة، والنذالة مع رب السماوات والأرض، حينما يحدد زمناً معيناً لزوال الاحتلال!!!
فهذا عملٌ غيرُ صالح، وتصرفٌ أخرقٌ، أهوجٌ، وهرطقةٌ، وعملٌ مشينٌ، مسيىءٌ، ومخزٍ، لم يتجرأ على فعله يهوديٌ، ولا صايئٌ، ولا رافضيٌ، ولا نصرانيٌ.
إنه اجتراءٌ وقحٌ، وتكذيبٌ لحقائق التوحيد الثابتة، واستهزاءٌ بخاصية الله، وتعدٍ عليه في مشاركته لمعرفة الغيب، التي حصرها الله في ذاته العلية، وكفرٌ بآيات الله التي ذكرناها آنفاً.
والأنبياءُ الموصولون روحياً، وعقلياً، وفكرياً مع الله تعالى.. كانوا يتبرؤون من معرفتهم للغيب (ولا أعلم الغيب) هود 31.
فأنى لهذا العبد الهزيل، الضعيف، الوضيع، الجاهل، الحقير.. أن يُشارك اللهَ في أهم خاصية من خصائصه التي انفرد بها لوحده، وهي معرفة الغيب؟!
ويأتي بعض الأغبياء، والبلهاء، والحمقى، والجهلة.. فيصدقونه، ويبررون له تصرفه، فيقولون بكل صفاقة، ووقاحة، وبلاهة: إنه مجردُ اجتهادٍ!!
هذا ليس اجتهاداً، وإنما هو كفرٌ، وشركٌ، وزندقةٌ، وهرطقةٌ.
الاجتهادُ يكون: حينما تكون المعاركُ متأججةً بين المسلمين واليهود، وتكون الحربُ مستعرةً.
حينئذ! يمكن لأي مخلوقٍ، أن يُدلي بدلوه، ويرفع عقيرته، ويُحلِّل ما يجري على الساحة، ويجتهد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.. ويتوقع الغلبة لهذا الفريق، أو ذاك، بدون تحديد زمن معين.
الخلاصة
ولكن، أي مخلوقٍ يتجرأ على تحديد زمن معينٍ للفوز، فهو كذابٌ، أفاكٌ، وشيطانٌ مريدٌ، وأبلهٌ بليدٌ، وزنديقٌ مشركٌ، يشارك اللهَ في خاصيةِ معرفةِ الغيب.
25/11/1443 25/6/2022
د/ موفق السباعي
المصادر
1- المعاني الجامع https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%8A%D8%A8/https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%8A%D8%A8/
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
موفق السباعي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست