بكل بساطة، ثار الناس من أجل تحقيق هذه الأهداف الثلاثة، فكل مشروع سياسي أياً كان، لابد وأن يستهدف تحقيق هذه المقاصد، ولن يجدي السياسيون الإرغاء والإزباد وإثارة الإعلام بزوبعة التسوية المنعقدة اجتماعاتها منذ لقاء بيت السفير، فالعبرة بالنهايات، هل يحقق مشروع الشراكة الجديدة الحُرِّية؟، هل يحل ويفكك ويهيكل جهاز أمن ومخابرات (النظام البائد) القائم، وهل يضع قانون يصون الحريات العامة والشخصية الخاصة؟، للعلم، إنّ إنقلاب البرهان قد أعاد كل أطقم المنظومة الأمنية المكونة من كتائب الظل وكتائب القنص والبلطجية، الذين شاهدهم المواطنون وهم يقنصون الثوار باطلاق النار ببصمتهم المعهودة في استهدافهم للرؤوس والقلوب والرقاب، إن الحكومة المرتقبة والمنبثقة عن مشاورات المساومين المتنازلين عن اللاءات الثلاث، أول ما تصطدم به هو العودة المتنفذة للجهاز الأمني القديم، حائط الصد المنيع للعبور نحو إنجاز دولة الحريات الصحفية والسياسية والاجتماعية، فهل يعقل أن يتم التوافق مع رموز لجنة تأمين الدكتاتور والوصول معها لصيغة تزيل جذور المنظومة الأمنية من منبتها؟، عندما تمسك الثوار بلاءاتهم الثلاث كانوا مدركين لأهمية العلاج بالكي (الإسقاط الكامل)، لا بجرعة من العسل (الهبوط الناعم)، لذلك صمدوا وتمسكوا بالأبعاد الثلاثة للشعار الرافض للشراكة والتفاوض والمساومة، فالركن الأول من مقاصد الثورة – الحرية – هو المحك الأول لأي تجربة سياسية تسعى لامتطاء ظهر سلطة الانتقال. السلام – الركن الثاني، ذلك البعبع الذي أرعب الدكتاتور - كبير مجرمي الحرب المطلوب للاهاي، ظلت قضية الحرب والسلام تمثل القضية الجوهرية التي أزعجت كل الحكومات، وللأهمية القصوى لهذه القضية يكفي أن نُذكّر بإنفصال الجزء الجنوبي من الوطن، ونُحذّر من استمرار نزيف الجرح في المثلث الملتهب – جبال النوبة والأنقسنا ودارفور، وللملاحظة نرى أن الفترة الانتقالية الأولى بجزئيها - ماقبل وما بعد الإنقلاب - قد لعبت فيها القوى المتمردة الهابطة ناعماً – جماعة إتفاق جوبا - الدور المؤثِّر الأكبر والمؤخِّر الأول لمحرك عجلة الانتقال، لاستمرار حكومة الانتقال الأولى وإدمانها للفشل بتناولها للحلول الجزئية في حسم قضية الحرب والسلام، إنّ إهمال إشراك جميع الفاعيلن بميدان الحرب في مشروع السلام المبتور والمقبور في جوبا، كان وما يزال هو المعيق الأول لتحقيق السلام الشامل في ربوع البلاد، سوف تتفجر الأوضاع بعد الإعلان عن الحكومة الهجين المرتقبة، فدخول الناس في السلم كافة فشل في تحقيقه أكبر حليفين (الحركة الشعبية والحركة الإسلامية)، اللذين تحاربا بشراسة وضراوة منقطعة النظير، وتصالحا، وفشلا فشلاً ذريعاً في الحفاظ على وحدة أراضي البلاد، فكانا أسوأ نموذج لنظام سياسي يحكم البلاد بعد الاستقلال يرتكب خطيئة تقطيع أوصال الوطن، فالركن الثاني لأهداف الثورة هو الصخرة التي تتكسر عليها الروح الوطنية الوحدوية الزائفة. العدل – أساس الملك، فشلت الحكومة الإنتقالية – قبل وبعد الإنقلاب – في محاكمة الدكتاتور وجوقته، وأخفقت في تسليمه للاهاي، وتحدي إغلاق ملف محاكمة أذيال (النظام البائد) الذي ما يزال مكدساً تحت غبار دواليب المحاكم، سيمثل صداعاً مقيماً لكل من يجند نفسه حامياً لحمى الثورة، فالثوار جاهزون، ولن يهدأ لهم بال ما لم يتم القصاص ويعلق المجرمون في المشانق، والعدالة التي لا تحقق القصاص ليست بعدالة مرضية لمن دفنوا أولادهم وفلذات أكبادهم تحت التراب، وفي أعمق أعماق النهر مكبلين بالطوب، هذا الركن الثالث من أركان الثورة لا يقل أهمية من الركن الثاني – السلام – بل هو مكمل له، فلا سلام بدون عدالة تطال رقاب من أصدروا ونفذوا الأوامر بارسال قنابل اللهب المحمولة جواً إلى الجبال الثلاثة – النوبة – الأنقسنا – مرة، ولا عدالة إذا لم تتم محاكمة قتلة المدنيين في ميدان الاعتصام وفي قرى الغرب والشرق والشمال والجنوب الجديد، فالعدالة لا تتجزأ، إمّا عدالة وإمّا لا. على المشاركين والحاكمين الانتقاليين القادمين الجدد أن يعوا ويعلموا، بأن أهداف الثورة، ثلاثة، لا رابع لها، إن تحققت صمت الهتاف واستقرت البلاد وحصل الرفاه، وإن لم تتحقق، استمر تدشين المليونيات المرعبة للانتهازيين والمرهقة للجلّادين، وتحقق الإسقاط الكامل الدسم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة