لقد تحدث مؤخراً الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن مياه النيل و هو حديث يجد القبول لدي دول حوض النيل (حسب تقديري) حين قال: (ان يكون نهر النيل مصدراً للتعاون و التنمية و شريان حياة جامعاً لشعوب حوض النيل.)
و تحدث أيضا رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي بنفس الروح العصرية السلمية، فقد قال بان مصر: (تؤكد حرصها علي التوصل لاتفاق ملء و تشغيل ملزم قانونياً لسد النهضة يحقق المصالح المشتركة، من خلال الموازنة بين تحقيق إثيوبيا أقصي استفادة ممكنة من سد النهضة، في مجال توليد الكهرباء و تحقيق التنمية المستدامة، في مقابل عدم حدوث ضرر لدولتي المصب مصر و السودان) و مضي يقول: مصر (ابدت اهتماماً بإستئناف المفاوضات في اقرب وقت بهدف الإسراع في حل النقاط الخلافية الفنية و القانونية، وصولاً الي اتفاق عادل و متوازن و منصف، آخذاً في الاعتبار ما تعنيه مصر من ندرة المياه و اعتمادها بشكل رئيسي علي مياه النيل، التي يعد مصدرها الأساسي من النيل الازرق) و أضاف ريئس الوزراء المصري يقول: (لا شك ان تحقيق التنمية في جميع دول حوض النيل كان دائماً من أولويات مصر، من خلال تقديم المساعدات و الخبرات التي تسهم في مساعدة الدول الشقيقة في إطار التعاون الثنائي باعتبارها الأساس في توفير الاستقرار لشعوب تلك الدول) مصر (تعرب أملها في إمكانية الوصول للاتفاق المنشود لسد النهضة بما يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون من شأنها تحقيق الاستقرار الإقليمي)
ماذا تغيير في موازيين القوة و المعتقد المصري في شأن ملكية المياه في حوض النيل؟ ماذا طرأ علي العقلية المصرية القديمة حول حقوق مياه النيل حتي تتحدث الآن بلغة المهادنة و الندِّية؟
مما لا شك، ان بناء سد النهضة التنموي في إثيوبيا قد أحدث ثورة عصرية، في مفاهيم حقوق ملكية مياه النيل! مصر كانت تعتقد فيما تتعلق بتلك المياه، بأن لها ( حقوق تاريخية) غير قابلة للنقاش و النقصان، و لا يمكن لأحد ان يتجرأ علي الشك في أزلية تلك 'الحقوق' و من يمس تلك 'الحقوق' فمصر (ستشرب من دمه)! علاوة علي هذا الاعتقاد فإن الأوضاع المضطربة في دول حوض النيل، من عدم الاستقرار السياسي و الأمني و ضعف النمو الاجتماعي و الاقتصادي خلال القرن الماضي، قد ساهمت في ان تكون حكومات تلك الدول قزمية رهينة الإرادة الوطنية، لا تناطح مصر التي دأبت علي ان تكون عملاق الحوض، و مركز توزيع مياه النيل، و صاحبة حق في إعطاء الضوء الأخضر و التصديق علي قيام اَي مشروعات و منشآت جديدة علي طول نهر النيل من المنابع الي الدلتا. غير ان تلك الحالة التعئسة، مع مطلع القرن الحالي، تغيرت في اثيوبيا و ظهور دولة جنوب السودان؛ مما تطلبت ان تتفهم مصر هذه التغييرات الجوهرية في حوض النيل، و لأنه لم يكن هناك من ينبه مصر بخطل و ضلال معتقدها ذاك.
علي ضوء ماتقدم، و مع محاولات مصر في ترهيب و تخويف إثيوبيا من خلال مناورات عسكرية ضخمة داخل الأراضي السودانية، و التهديد بضرب و هدم السد، و مساندة و دعم المناؤيين للحكومة الإثيوبية بغرض زعزعة أمنها و وحدتها و استقرارها السياسي و تحيد ارادتها الوطنية، و لكن كل تلك المساعي ذهبت ادراج الريح، و بقت إثيوبيا شامخةً و ساميةً مثل هضابها و صلدةً و قويةً مثل جبالها. و من هنا كان لا بد من قبول الواقع الراهن في حوض النيل و بصفة خاصة في إثيوبيا. و عليها غيرت مصر من لغتها البالية و تحدثت بلغة العصر و الراهن الإقليمي و هو توجه سلمي واقعي يمثل روح العصر و مبادئ الاتحاد الأفريقي.
ان تصريحات التي نصبت للقيادة المصرية و نشرتها وسائل الاعلام العالمية، في وجهة نظري، هي طفرة إيجابية في خلق علاقات اقليمية مستقرة و ودية، تعتمد علي الإقرار بحقوق متساوية في استغلال مياه النيل مع إعطاء (اعتبار خاص) لمن قد يحتاج للمزيد من المياه خارج حصتها الرسمية.
و اذا كان هذا التوجه المصري الجديد جاداً و صادقاً و سياسة رسمية معتمدة، فان آفاقاً جديدةً قد تفتحت في علاقات دول و شعوب حوض النيل. و لو تخلت مصر عن لغتها القديمة بإنها هي وحدها لها ( حقوق تاريخية في مياه النيل) و التي فرضتها او اكتسبتها خلال القرنين الماضين و حلت لغة ( الإستفادة المتساوية و العادلة و الاستغلال الأمثل لمياه النيل)، فإن مياه النيل ستكون مصدر إخاء و صداقة أزلية بين دول و شعوب حوض النيل.
اذا كان هذا التوجه، هو الخطوة الجديدة من القيادة العليا المصرية، فان مصر ستجد نفسها مقبولة في تجمع دول الحوض، بلا ريبة او توجس من سياستها المائية، و سوف تضمن أمنها المائي المستقبلي من خلال التفاهم و ليس بالتهديد. و علي الحكومة المصرية توعي شعبها و تحريره من اوهام الماضي، كما نتمني ان تنبه القيادة المصرية مثقفيها بان (الصبح قد لاح)، و ان صباح التساوي في حقوق مياه النيل قد اطل، و ليعرفوا ان كل شعوب الحوض لهم حقوق متساوية في الاستفادة القصوي من تلك المياه.
كلنا ملوك النيل! فليس هناك من له (لوحده)، حقوق تاريخية في مياه النيل، و ليس هناك من بلا حقوق تاريخية في مياه النيل. كلنا منذ الازل متواجدون علي طول هذا النهر العظيم المقدس، و كلنا نمتلك حقوقاً تاريخية و أزلية متساوية في مياهه. فقط نريد التنسيق من أجل إستغلال هذه المياه بصورة عصرية تضمن ديمومة النمو و التطور لشعوب حوض النيل.
و اخيراً، أستشف بان هناك إعتراف صريح من التصريحات المصرية هذه، بانه ليس هنالك من يملك حق (الفيتو) علي مياه النيل. كلنا اصحاب اسهم متساوية القيمة في ملكيتها، فقط نحتاج للتفاهم و التعاون و التنسيق في ادارتها.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 02/16/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة