هنالك من يظنون ان الثورة هى مجرد مظاهرات بشعارات رنانة يقودها شرذمة من ذوى الحلوق المدوية ، تكون نتيجتها ازالة رؤوس الحكم مع بعض التغييرات الشكلية هنا وهناك. ولذلك اسمينا اكتوبر ثورة وابريل ثورة ومايو وسبعتاشر نوفمبر وحتى الانقاذ . والغريب اننى اظن ان الوحيدة من تلك التغييرات التى ينطبق عليها مسمى الثورة هى الانقاذ !فهى قد حاولت تغيير مفاهيم ومواد المجتمع السودانى الى حد جعل تعديل مااحدثته من الصعوبة بمكان . ولايزال بعض قادتها يحلمون بالعودة لمواصلة ثورة الخراب حيث توقفت ! وقد ساعدهم فى هذا الحلم مافشلت حكومات مابعد الثورة القيام به تجاه تنفيذ شعارات الثورة التى لازالت تعيش بين الثوار الذين يسعون لتنفيذها بفعل ثورى لايعرف الكلل والملل ويبذل من التضحيات مايصل الى الروح . تلك الشعارات التى تريد سودانا جديدا بكامل المعنى وذلك من خلال خلق مجتمع الحرية للفرد وللجماعة بحيث يتمكنان من الحديث والتعبير بشتى السبل الديموقراطية والتنظيم وفوق ذلك يتمكنان من ازالة كل العوائق الجهوية والقبلية والطائفية التى تحد من تلك الحريات بشكل ظاهر وخفى ! الذى حدث منذ نجاح الثورة فى ازالة بعض رؤوس النظام الانقاذى من السلطة وتحويلهم الى السجن الترفيهى ، مع استمرار تمثيلية المحاكمات طوال السنوات الثلاث الماضية ، انتظارا لنجاح المحاولات الانقلابية التى لم تنقطع ، لاعلاقة له بمسمى الثورة . فبدلا من ازالة آثار الانقاذ فى كل مجالات الحياة التى عاثت فيها فسادا ، فان محاولات قيادات لجنة امن النظام التى نجحت فى تولى زمام الامور قد استطاعت تدجين المكون المدنى الذى شاركها فعلا و"صهينة "فى تثبيت اركان النظام القديم فى كل المجالات الاقتصادية والسياسية وغيرها . ولذلك اصبحت حجة الانقلابيين التى لارد عليها هى فشل المكون المدنى فى وضع الاسس لفترة انتقالية تؤدى فى الختام الى انتخابات " حرة ونزيهة !"، وان الانقلاب جاء لتصحيح هذا الوضع ! وكانت النتيجة البينة لكل ذى عقل هى اننا لم نعد نرى من ثورة ديسمبر غير الفعل الثورى المستمر من لجان المقاومة ونظيم المهنيين وبعض القوى السياسية والمدنية المؤمنة بان ثورة ديسمبر ماضية الى تحقيق اهدافها مهما بلغت التضحيات . وبالطبع فقد كان لهذا الموقف المبدئى والذى كان نتاجا لكل تجارب مابعد الاستقلال وخصوصا تجارب الاتنفاضات الثلاث ضد حكم العسكر – 1964 ، 1985 و2013 – وبالتالى خلق وعيا جماهيريا لايرضى بانصاف الثورات . وادى ذلك الى تغيير المواقف السياسية لأطراف متعددة فى الداخل والخارج ، اعلن بعضها مواقف واضحة تنضم الى شعار اللاءات الثلاث المرفوع من قوى الثورة وبعض آخر يحاول – كالعادة – امساك العصاة من النصف الذى لم يعد له وجود ، وثالث أخذ – كالعادة ايضا – جانب من يمسك السلطة . غير ان هؤلاء الاخيرين يحاولون استخدام كل الاسلحة المتاحة من قنابل مسيلة للدموع الى رصاص مطاطى وحى الى دوشكا ، وبما ان هذا النوع من الاسلحة قد اثبت دائما فشله فى مواجهة السلمية ،فانهم يطلقون كلابهم الاستراتيجية لهز ثقة الثوار فى معتقداتهم المبدئية من مثل رفض الاحزاب السياسية جملة اذانها سبب الخراب ، بل ورفض السياسة نفسها . هذا فى نفس الوقت الذى يدعون فيه الشباب لتكوين حزبهم الخاص – غير السياسي طبعا !- وهناك طبعا النكتة الاستفزازية للثوار بانهم يخافون الانتخابات العاجلة والتى هى فى رايهم الاسلوب الديموقراطى الوحيد لتحديد الاحقية بالسلطة وكأنهم قد وصلوا اليها وحافظوا عليها لثلاثين عاما من خلال هذا الاسلوب ! وكما تقول بيانات الحزب الشيوعى ، فان الهجوم على الديموقراطية يبدأ دائما بالهجوم عليه من خلال الاساليب والشعارات المعروفة والتى اصبحت محفوظة للعامة من خلال تكرارها ، من مثل الحزب الملحد والحزب الذى يحكم بواسطة المركزية الديموقراطية التى تركز السلطة بايدى القادة وحدهم . وعليه فان فاقد الشئ لايعطيه ! وقبل ان نرد على هذه التهمة ، نسأل : هلى البرهان هو من يملك الديموقراطية ليعطيها ؟ ام ان الانقاذ كانت تملكها لتعطيها ؟! وفى الرد على ان الحزب الشيوعى لايملكها ، ارجو مراجعة مقالات سابقة بالميدان والراكوبة وسوودانيز اونلاين عن مبدا المركزية الديموقراطية الذى اوضحت انه على عدم ديموقراطيته الكاملة حسب التعريف الذى اصبح متفق عليه عالميا الا انه يعطى اعضاء الحزب الشيوعى من ديموقراطية المشاركة فى القرار وضعا وتنفيذا بأكثر من اى حزب موجود على الساحة السودانية . هذا ، اضافة الى انه تحت ظروف العداء المستمر للحزب ابتداء من زمن الاستعمار الذى وجه قوانين بعينها لمواجهته ، ثم طرد نوابه المنتخبين وحله بواسطة تحالف احزاب الامة والاتحادى والاخوان ، ثم افعال نميرى ..الخ لم يكن ليكون موجودا لولا استخدام مبدأ المركزية . وهذا هو ماحدا بالحزب الشيوعى السودانى لأن يكتب ويقر ضرورة استقرار النظام الديموقراطى ، بمفهومه البرجوازى ، كضرورة ملحة لتطور الحياة السياسية فى السودان له ولغيره . وفى هذا المجال الح على قيادة الحزب اعادة طباعة الحوار العبقرى الذى تم مع الاستاذ نقد فى مجلة الطليعة المصرية ففيه مايشفى الغليل من آراء الحزب حول الديموقراطية وغيرها من قضايا تغير فيها موقف الحزب نتيجة لتجاربه الذاتية وماحدث ويحدث فى العالم من حوله . ولكن ليس فقط اعداء الحزب، وانما بعض اصدقائه الذين لايقراون اقواله ولكنهم يقراون لأعدائه بحكم امكانياتهم لايصال افكارهم للجميع ، يقتنعون بما يصل اليهم . وبالطبع فان هذا لايعفى الحزب من بذل جهدد اكبر ومتواضع ليعلم الناس حقيقة افكاره . وفى ارتباط بهذا الامر الخاص بالديموقراطية ورأى الحزب ، بل وممارساته العملية فى هذا المجال ، ارجو ان تسمحوا لى بايراد هذا الحديث للمناضلة فاطمة احمد ابراهيم والذى جاءنى من احد الاصدقاء على الواتسب ، والذى جاء فى مقابلة بقناة الجزيرة : قالت : كان زوجها الشفيع احمد الشيخ ، امين عام اتحاد نقابات السودن وقتها ، يستعد للذهاب للمطار لحضور مؤتمر عالمى للعمال . عندها اتصل الرئيس نميرى بالتلفون طالبا منه الحضور له بالمنزل . رد الشفيع بانه ذاهب للمطار للسفر وان موعد الطائرة قد ازف . رد نميرى بأنه يحتاجه لأمر هام وسيؤخر الطائرة حتى تنتهى المقابلة . عليه ذهب اليه الشفيع ومن هناك ذهب مباشرة الى المطار . بعد ذلك بقليل اتصلت بثينة – زوجة نميرى – طالبة من فاطمة الحضور للغداء معهم ، فذهبت . اثناء الغداء قال لها نميرى انه قرر ان يجعلها وزيرة لشئون المرأة والشئون الاجتماعية . شكرت الرئيس ولكنها قالت له انها ترى انها لاتقبل التعيين ولكني اقترح ان تستشير المجموعات النسائية ليصوتوا لأختيار وزيرهم ان كان انا او غيرى . فماكان منه الا ان ضرب المنضدة بيده حتى طارت بعض الصحون ، قائلا : انتى وزوجك اتفقتو علي ، عرضت عليه يصبح وزير للعمل فرد بان على ان اجمع موظفى الوزارة ليختاروا وزيرهم من خلال التصويت ! قالت فاطمة انها ردت عليه ، بان زوجها خرج من عنده الى المطار مباشرة . وبعد فان لهذه القصة ، غير المدهشة ، عدة جوانب تستحق التعليق ، ولكنى ساقتصره هنا على موضوع الديموقراطية التى عبر عنها هذان القياديان باللجنة المركزية للحزب الذى يوصف بانه لايملك مايمكن ان يعطى فى هذا المجال . وللمقارنة مع آخرين يدعون غير ذلك ، ليسألوا انفسهم ، كجماعة وافراد ، من منهم وقف اويمكن ان يقف مثل هذا الموقف امام السلطان . واى سلطان ؟!
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 01/18/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة