مجزرة أمس الإثنين ١٧ يناير ٢٠٢٢م ضد الشباب الثائر الأعزل في الخرطوم من قبل القوات المسلحة السودانية و مليشياتها حيث قتل تسعة شباب على الأقل وإصابة المئات برصاص هذه القوات إضافة إلى عمليات النهب و التعدي و إقتحام البيوت تزامنا مع إعلان نتائج اجتماع ما يعرف بمجلس الأمن و الدفاع بقيادة زعيم الإنقلاب الجنرال عبدالفتاح البرهان بتكوين قوة خاصة لما قال عنه "مكافحة الإرهاب" و إلباس المسألة أو ربطها بإغتيال العميد شرطة علي بريمة حماد الذي عجز البرهان الذي هو نفسه كل الحكومة الآن - بما في ذلك الجهاز التنفيذي و التشريعي و القضائي و أجهزة تنفيذ القانون – ومن حوله من قادة هذه المليشيات بتوضيح ما حدث رغم التصريحات التي جاءت على شاكلة تلك القصص التي ظل ينتجها التلفزيون السوداني في هكذا ظروف كما في حادثتي الجنرال الزبير محمد صالح ١٢ فبراير ١٩٩٨م بأعالي النيل، و كذلك العقيد إبراهيم شمس الدين و ضباط آخرين برتب عليا بينهم فريق و ثلاثة لواءات و سبعة عميد و آخرون برتب أقل بينهم المذكور شمس الدين وزير الدولة بالدفاع حينها - في الرابع من أبريل ٢٠٠١م. لكن، ولفهم حقيقة ما يجري وخلافا للمعتاد في قراءة هذه الأحوال بالنظر إليها إلى أنها أفعال دخيلة وغريبة ومعزولة، يجب أن تكون هذه الجرائم البائنة مدخل لإعادة النظر في مسيرة وتاريخ هذه القوات - من قبل مؤيدوها في حال كانوا يجهلون – لمعرفة حقيقتها وعقيدتها وكيفية إدارتها لحروبها ضد السودانيين طوال أكثر من ستة عقود من الزمان في كل من جنوب السودان السابق، جنوب كردفان (جبال النوبة)، النيل الأزرق ودارفور. ولو أخدنا فقط بعض الجوانب منها على سبيل المثال لا الحصر: أولا؛ كم عدد المواطنين الأبرياء العزل الذين تم قتلهم في كل عملية عسكرية قادتها هذه القوات في المناطق المذكورة، وكم عدد القرى والبيوت الآمنة التي تم إقتحامها بواسطة الجيش السوداني الذي يمارس هذه الأفعال المشاهدة حتى قبل تكوينه – هو - للمليشيات المختلفة، منذ أن إستعادة المقاومة السودانية نشاطها في مدينة توريت أغسطس العام ١٩٥٥م. ثانيا؛ إذا كان إغتيال ضابط برتبة عميد ومحاولة إلحاق تهمة القتل بالشباب - الذين لا يزن أحدهم ٦٠ كيلوجراما - بهذه الطريقة الساذجة، فكم من الضباط والجنود الآخرين الذين تم إغتيالهم في مناطق العمليات وإلصاق التهم بآخرين من بينهم، أو قتلهم بدم بارد ومن ثم دبجهم بختم الشهادة وإقامة أعراس الشهداء المعروفة لهم. إذ أن هذا النوع من الأعمال لا يظهر وكأنه أمر حديث، لأن كل المحللين العسكريين الذين هم من صلب المؤسسات أكدوا كتابة وحديثا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصل هؤلاء الشباب السلميين إلى مكان ضابط برتبة رفيعة كهذي، كما أنه لا يوجد عادة من هو بهذه الرتبة العسكرية في مسرح أحداث التظاهر، ناهيك عن كونها مظاهرات سلمية. ثالثا؛ إذا كان هذا هو أسلوب قيادة الجيش السوداني في التعامل مع بعضهم فكيف كان يتم التعامل مع المواطنين في تلك المناطق المعزولة وحواضرها التي عادة ما تمثل نقاط إرتكاز الجيش لإدارة العمليات و محكومة بقوانين الطوارئ والتي هي في جوهرها تعني الأمر المطلق لقيادة الجيش للتعامل مع الكل و تصنيفهم حسب مزاج الضابط المعني ليحيي و يميت - وهو على كل شيء قدير - وخصوصا في المدن والقرى القريبة من جبهات القتال مع قوى المقاومة المسلحة السودانية، ودونكم حرق منطقة خور مغنزة وغيرها في القرى بالنيل الأزرق دون أي وجود لمظاهر أعمال عسكرية في العام ٢٠١٦م. وهو ما يتطلب مراجعة السجل الرسمي لهذا الجيش والتحقيق في مقتل العديد من المواطنين ومنسوبيه أيضا في هذه المناطق، و ما قصص البيت الأبيض بجوبا ببعيدة، أو حتى غرابة أسماء بعض أحياء هذه المدن مثل "رجال مافي، لباس مافي، ملكية". رابعا؛ عمليات النهب التي تم توثيقها في كل المواكب تقريبا والتي تطال الأفراد والبيوت والسيارات والمصابين في شوارع العاصمة المثلثة، تبرهن حالات مماثلة و غير نهائية من عمليات النهب والتعدي والسرقات التي ظلت تقوم بها هذه القوات في مناطق الحرب، وما نهب المنشآت العامة في هذه المناطق وتحويل المؤسسات الخدمية والتعليمية فيها إلى ثكنات عسكرية كما في جامعة جوبا طوال فترة الحرب وكذلك نهب المدارس بما في ذلك سقوفها وأبوابها خصوصا مع إنسحاب الجيش وفق إتفاق نيفاشا من العديد من المناطق ومن ثم نسخ ذات الإجرام في المناطق الأخرى، فهي أوضح الأدلة على هذه الجرائم، فضلا عن قصف الجيش للمدارس في و المستشفيات في هذه المناطق آخرها مستشفى قيديل في جبال النوبة ٢٠١٦م. خامسا؛ عملية صنع الجريمة المُتكشّف حديثا من خلال جريمة إغتيال هذا العميد وقتل المواطنين بجانب عمليات النهب والتعدي على المؤسسات العامة يبين تجذر السلوك الإجرامي لقيادة هذه القوات، وهو أمر يشرح بوضوح رفض قيادة الجيش للوصول لأي تسوية سياسية شاملة تنهي الحرب في السودان وتضع حدا لتدخل الجيش في العملية السياسية، لأنه يتضح أن طريقة إدارة عمل المؤسسة العسكرية برمتها يظهر كيف يستفيد هؤلاء من هذه الوضعية المختلة التي تضمن غياب القانون والمساءلة والمحاسبة. سادسا؛ ينسحب السلوك الإجرامي الظاهر لقيادة الجيش السوداني في إدارة أعمال الجيش الأخرى في كافة المجالات، بدءا من عمليات الإستقطاب والتجييش وإنتهاء بجميع الأعمال الإدارية والعسكرية، وهو ما يجعل من هذه المؤسسة وكرا للفساد الأعظم في السودان، كما أن الحديث عن مكافحة الفساد مع إبقاء هذه المؤسسة لن يكون إلا مجرد إعلانات للإستهلاك السياسي. سابعا؛ وإذا كان الضباط الذين يتولون قيادة الجيش الحالي هم ذات القيادات العسكرية الميدانية في عهد البشير بكل بشاعاته، فإنه يتضح أن قيادة الجيش الحالي أسوأ المجرمين على الإطلاق، على رأسهم البرهان إضافة إلى المليشيات القبلية والأسرية المجرمة التي قام البرهان بإنشاءها تحت إدارته في وحدة حرس الحدود إبان وجوده في دارفور منذ تسعينات القرن الماضي، وهي ذات المليشيات التي تقوم بالإشتراك مع الجيش في قتل وسحل وترويع ونهب المواطنين في الخرطوم الآن. ولكن، هل لا تزال القوى السياسية السودانية في الخرطوم بحاجة إلى المزيد من الأدلة لتسحب دعمها وإعترافها من هذا الجيش؟.. ألم تكن هذه المشاهد وغيرها كفيلة بأن تصنف هذا الجيش والشرطة - صاحبة بوليس كيس - بأنها مجرد مليشيات وعصابات لا تعرف معنى الجندية والمهنية، كما أن أغلب منسوبيها ما هم إلا منتفعين ومجرمين لا يعرفون أدنى حقوق الإنسان وحقوق أنفسهم بالدرجة الأولى؟.. ألا تزال القوى السياسية – بعد كل الذي يحدث أمام أعينها - ترى أن الجيش السوداني والمؤسسة العسكرية السودانية مؤسسة عريقة لا يجب المساس بها؟.. ألم تدرك القوى السياسية السودانية إنها إرتكبت خطأ فادحا بسبب تمكينها و تقديرها الزائد لهذه المؤسسة كما جاء في بيان الحزب الشيوعي السوداني الذي يرفض حتى إعادة هيكلة الجيش و صياغته بالقدر الذي يجعله مؤسسة مهنية قومية في بيانه بتاريخ ٣ سبتمبر ٢٠٢٠م بالقول "نرفض العشوائية التي وسمت بها الترتيبات الأمنية في الإتفاق المعلن لمخاطرها المتعددة على وحدة وقومية القوات النظامية و وحدة عقيدتها المهنية والعسكرية"، في إشارة إلى إتفاق سلام جوبا التي سمحت قوى الخرطوم – بينها قوى الحرية و التغيير - للجيش بإبرامه مع الجبهة الثورية و كأن السلام عملية عسكرية ؟.. رغم أن سلام جوبا نفسه لا يعدو كونه مجرد إستيعاب مجموعة الجبهة الثورية السودانية في مؤسسات الدولة القائمة كما أنه لن يأتي بسلام ولن يغير شيء في واقع الحال الماثل منذ عملية السودنة ١٩٥٣م. وما هو مؤكد – منذ زمن بعيد - أن بشائع الجيش السوداني العيانية هذه، ظلت تشكل الأحداث العادية اليومية للمجتمعات التي ظلت تحاربها الدولة منذ إمتلاكها لهذا الجيش، و لكن آثرت العديد من قوى الخرطوم أن تقلل من التقارير التي ترد من هذه المناطق، كما ظلت تتنكر بإستمرار للصور و الفيديوهات التي تم تصويرها لممارسات الجيش - مع إنفتاح التكنولوجيا مطلع الألفينات في دارفور وبعد نكوص الجيش لبرتكول المنطقتين ٢٠١١م - بوصفها على أنها قد تم أخذها في دول إفريقية أخرى تعاني حروبات أهلية ما يعكس جهل هذه القوى بأن أطول حرب أهلية في العالم بعد حرب الولايات في أمريكا و الأطول في إفريقيا هي حرب السودان، كما أن ذلك يعكس محليتها و عدم إلمامها بمكون السودان الإثني و الثقافي و الجغرافي عدا الظاهر منه في الخرط و المخطوطات، و هو ما إستسهلها قبول فكرة فصل الجنوب و خطة تقسيم السودان المعلنة من قبل نظام المؤتمر الوطني أو في ما يعرف بمثلث حمدي.
يتواصل..
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 01/18/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة