ذكرت فى مقال سابق ان الثوار يخافون من اجراء انتخابات عاجلة ، وذلك كأحد الاسباب الرئيسة والاهداف التى سعت الثورة لتنفيذها بحيث يصبح من غير الممكن تكرار الدائرة الشريرة . فماكان يحدث فى خلال سنوات مابعد الاستقلال ، هو نجاح القوى التقليدية فى الاحتفاظ بتكوينات ماقبل الاستقلال من نفوذ للطائفة والجهة والقبيلة ، وبالتالى النجاح فى المجئ بممثليهم فى البرلمانات المختلف وفشلهم المتكرر فى اتخاذ سياسات تغير من التكوين الاجتماعى السائد وذلك بقصد مستهدف . والدليل على ذلك الغاؤهم لدوائر الخريجين التى جاءت بنوعية مختلفة من النواب ، بل ومحاولة اسكات صوت الحزب الذى نجح فى ارسال عدد معدود من نواب جعلوا حياة الحكومة جحيما لايطاق . ولأيصال فكرة اعتماد القوى التقليدية على الولاء الكامل لقادة الطائفة او القبيلة او الجهة على ارادة الناحبين ، ارجو ان يسمح لى ابطال القصة التالية من الاحياء ، مع طلب الرحمة لبطلتها الرئيسة بذكرها . فبطلتها ابنة عمى التى ظل ابنها من قادة البعث يقنعها على مدى ايام بالتصويت لممثلهم فى دائرة جغرافية فى انتخابات مابعد انتفاضة ابريل 1985 . وظنا منه انها قد اقتنعت اخيرا ، فقد اخذها لمكان التصويت بالسيارة مع تكرار رمز الممثل طوال الطريق . وصوتت ابنة العم ، غير انه اثناء الرجوع اصر الابن على معرفة النتيجة ، فما كان منها تحت الالحاح ان صدمته بانها صوتت لممثل " حزب سيدى"! لذلك فانه نعم ، تعمل قوى الثورة لتعديل ذلك الوضع من خلال فترة انتقالية ممتدة بقدر مايمكن السلطة الثورية من احداث التغييرات البنيوية والقانونية التى تكفل وجود عدد مناسب من ممثلى الشعب فى البرلمانات القادمة لمابعد الثورة ، يستطيعون الوقوف امام السياسات التى ادت الى تكرار الدائرة الشريرة، بل وفرض سياسات تنقل البلاد مرة والى الابد الى طريق التنمية والتطور . وقد تلاحظون الاساليب التى ظل يستخدمها اصحاب المصلحة فى استمرار الوضع على ماكان عليه ، ليس فقط بمخلفات الانقاذ وانما بمخلفات فترة مابعد الاستقلال باكملها . وقد التقت مصالح هؤلاء جميعا فى فترة سلطة مابعد الثورة ، ولذلك ظلت السياسات الثورية تراوح مكانها دون تطبيق . وليس غريبا ان وجد التقليديون ضالتهم فى ما لم تقم به السلطة الانتقالية من واجبات هامة وضرورية تمثل لب مايجب ان يتم فى الفترة الانتقالية ، لكى تكون ناقلة بالفعل للبلاد من طريق الدائرة الشريرة الى طريق سودان جديد . وقد ظل المحللون الاستراتيجيون يكررون ذكر هذه الاخطاء ، على انها السبب الرئيس فى الانقلاب التصحيحى للبرهان ، بينما حقيقة الامر ان الانقلاب جاء عند احساس اولئك بالخطر الداهم الذى مثلته الاجراءات الاخيرة للجنة التفكيك التى وصلت للحم الحى الرابط بين النظام القديم بأكمله وقادة الانقلاب . وليس ادل على ذلك من الاسرار التى اصبح خروجها ضرورة من بعض ممثلى السلطة الانتقالية والتى ذكرنا بعضها فى مقالنا السابق . وقد استمر الكشف عن تلك الاسرار بصورة تثبت خطل مايردده قادة الانقلاب ومحللوهم الاستراتيجيون عن الهدف التصحيحى للانقلاب ، اللهم الا اذا كان الهدف هوتصحيح ماقامت به تلك اللجنة ضد شركائهم ، وهو بالفعل مايحدث من السرعة الفائقة التى يقوم بها قادة الانقلاب من تغيير المواقع الهامة التى أستردت من ممثلى النظام القديم والسعى من خلال مراجعة قرارات لجنة التفكيك الى استعادة النفوذ الاقتصادى الذى ذهب بسبب تلك الاجراءات. وفى هذا المقام دعونى اطلب من الجميع مراجعة الفيديو الذى كشف فيه الدكتور الباقر العفيف عن مايؤكد ماذهبنا اليه من ان السبب الرئيس للانقلاب هو تماثل المصالح بين من ادانتهم لجنة التفكيك وقادة الانقلاب ، والاهم من ذلك الكشف عن ضعف مواقف المكون المدنى من مجابهة ماقام به المكون العسكرى عند كشفه لما كان يجرى بعلمه وتحت بصره، وهو الامر الذى ظللنا نكرره من عدم الشفافية بين المكون المدنى وجماهير الثورة ، الذى لوكان قد حدث لمانجح المكون العسكرى حتى الوصول الى محطة انقلاب يعلم انه لن يقبل من الشارع السودانى بعد ديسمبر الواعية ! ومن ضمن ذلك الفيديو ماجاء بخصوص تهريب الذهب من منجم بشرق السودان الى فرنسا ، حيث أكد صاحب الفيديو الحقائق التالية : انه خلال عشر سنوات وصل الى فرنسا خمسون طنا من الذهب من ذلك المنجم وحده. ان ذلك الذهب لم يكن يعتبر ولايعامل كجزء من ميزانية الدولة ولكنه يدخل الى حسابات شركات الجيش . ويؤكد الدكتور الباقر انه فى حديث مباشر مع الكتور حمدوك ، اكد له ان الامر استمر حتى بعد الثورة وكان الذهب ياتى من اماكن محاجره الى مطار الخرطوم ،ثم يخرج على طائرات من غير ان يمر على مناطق وجود كاميرات المراقبة بالمطار ! وان رئيس الوزراء ابلغ د. العفيف بأنه حاول ايقاف هذا التهريب بتعيين ثلاث مديرين للمطار متعاقبين ، ولكنهم فشلوا جميعا فى تركيب كمرات المراقبة المطلوبة لتعقب التهريب ، ذلك لأن شراءهم قد تم من قبل اصحاب المصلحة ! فى اعتقادى ان أهم ماجاء فى ذلك الحديث هو موقف الدكتور حمدوك ، الذى أكده المرة تلو الاخرى ، والذى يدل على عدم الثقة فى جماهير الثورة وبالتالى عدم مكاشفتهم بمايجرى ، بل وتغبيش وعى كافة السودانيين بتكراره المستمر لمتانة العلاقة بين المكونين ! وبما ان ماحدث قد حدث ، وهو لايضيف جديدا لمعرفة الثوار بفساد الانقاذ ومن كان فى معيتها حتى لحظاتها الاخيرة ، فلعل هذا يكون ضمن الدروس المستفادة للدكتور حمدوك والآخرين الذين كانو يبنون قصورا فى الهواء اعتمادا على الثقة فى مايسمى الشراكة بين العسكر والمدنيين ! ولعل ماحدث يكون من باب "عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم " اذ ان الرجوع او الارجاع الى نقطة الخطأ الرئيس فى الثورة ، يجعل مراجعة المواقف لمن يظنون انهم من جماعة الثورة ممكنا ومطلوبا : فأولا : لابد من توحيد جبهة الثورة تحت شعار اللاءات الثلاث ، بعد ان اتضح بشكل جلى موقف قادة المؤسسات العسكرية من الثورة بالانقلاب عليها ، ومن ثم البدء بصورة محمومة فى محاولة ارجاع العجلة الى ماقبل ابريل 2019.ولعل فى موقف الثوار من رجوع حمدوك ، مايجعله يتصرف هذه المرة كشخص اكتسب شرعية ثورية من خلال موقف الثوار وموقفه هو من الانقلاب. ثانيا : السلطة المدنية الكاملة ستتيح لرئيس الوزراء وحكومته العمل الوثيق والانفتاح الكامل على الثوار وبالتالي مكاشفتهم يوما بيوم بمايحدث ، خصوصا ويتوقع من سلطة الثورة ان تستكمل فورا تكوين المجلس التشريعى وبقية المؤسسات العدلية وغيرها . وبهذا تصبح العلاقة مع الحاضنة السياسية واضحة ولاتحتمل المغالطات . ثالثا : البدء بحل مشاكل الجماهير الصابرة من خلال حل القضايا الاقتصادية حسب الوصفة التى سيتفق عليها بين الحكومة ورقيبها المجلس التشريعى الذى يتحمل معها نتائج ما يساعد فى وضعه من سياسات . رابعا : مراجعة اتفاق السلام بوضع الامر برمته فى ايدى اصحاب المصلحة من من فقدوا الالاف من ذويهم وديارهم واراضيهم، والذين ظلوا يعانون طوال سنوات الحكم الانقاذى وحتى بعد توقيع اتفاق جوبا وتعرفوا على مواقف قادة الحركات الايجابى منها والسلبي . مع الوضع فى الاعتبار ان قضية السلام والتهميش هى قضية كل اهل السودان وبالتالى فان الكل مدعو للمساهمة فى مناقشتها ووضع الحلول لها . مع استبعاد التخويف الذى تقوم به الفلول وابواغهم مما يسمى بالتمكين ، اذ لايعقل ان ينفذ شعارات الثورة من قامت ضده ،بل لابد ان يقوم الثوار بذلك . وكما ذكرت سابقا فلو ان سلطة الانتقال كانت قد قامت بواجباتها على الوجه الاكمل خصوصا فى المجال الامنى والعسكرى وذلك بارجاع من فصلتهم الانقاذ على اساس سياسى ، لما تباكينا اليوم على خلو تلك المؤسسات من من يساند ثورة الشعب كما حدث فى انتفاضتى اكتوبروابريل . خامسا : تقوية لجنة التفكيك وتكوين الاجسام القانونية المساعدة لها لكون عملها من اسس نجاح الثورة وذلك بازاحة ممثلى الانقاذ من مراقى السلطة وازاحة نفوذهم الاقتصادى قديمه وجديده ،خصوصا وقد اتضح من المعلومات الشحيحة التى تسربت بعد الانقلاب مدى الفساد والسلب الذى يحدث لموارد البلاد مما سيكون لاسترداده اثرا مباشرا فى تحسين الوضع الاقتصادى حتى قبل تنفيذ خطط التصنيع وغيره من اصلاحات . وبهذا تكون ثورة ديسمبر قد وضعت البلاد على طريق سودان جديد يتمكن من تطبيق شعار الثورة الخالد " حرية وسلام وعدالة ".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة