بقي السودان حتى هذه اللحظة عصيا على التفكيك رغم كثافة تداعي الأكلة على قصعتها، وهو ما لم يكن ممكنا لو لا جيشه وقواته المسلحة، ولذا فإن الجيش السوداني ظل المستهدف بالتفكيك والهيكلة، وهي عناوين براقة لنوايا سيئة وشريرة. فإن كان هنالك حديث عن المؤسسات القومية، فلابد وأن يكون الجيش هو المؤسسة القومية رقم واحد. فقد كانت هذه المؤسسة عبر تاريخ السودان محور الاستقرار السياسي والراعي لتماسك الإطار الجيوسياسي للدولة السودانية. فلطالما لا يأمنن أحد من الزمان تقلبا فإن الجيش ظل الدرع الواقي من تقلبات السياسة الدولية وهمزات الأعداء وعبث بعض سياسيي الداخل. وإن كانت الإستراتيجية أمرا عظيما وشموليا، فلن نقول شططا: إن زعمنا أن الجيش في كل قُطر مسألة إستراتيجية في حد ذاتها. وفي المحصلة تقوم الاستراتيجية بخدمة السياسة، والاستراتيجية عموما فكرة تربط ما بين الوسائل والأهداف. فكلما كبرت الأهداف السياسية، تطلّب الأمر إستراتيجية أكثر شمولا، ووسائل عديدة. (96) عاما عمر الجيش السوداني تحمّل خلالها بمسؤولية وإقدام عظائم الأمور، ويعتبر جيشا قويا وليست قوته في تفوقه التكنولوجي بل في عقيدته القتالية الفريدة. ويمتاز الجندي السوداني بالشراسة والبسالة، وهذا أمر مشهود له عبر التاريخ. وللجيش السوداني خبرة نادرة، فقد ظل في وضعية قتالية منذ (الحرب العالمية الثانية)، ومعلوم أن طول حالة الحرب ينشئ خبرة تراكمية عالية وهذا ما لم يتوفر لجيوش أخرى هي أفضل منه تسليحا. وتتكون بنيته التحتية من قوة عسكرية ضخمة تتمثل في مصانع للمدرعات والآليات الثقيلة ومصانع للأسلحة والذخائر. وكان الجيش السوداني لوقت قريب يعد من أميز الجيوش في المنطقة، وتشهد بذلك الحروب التي شارك فيها من لدن الحرب العالمية الثانية، وفي العهد القريب شارك في عمليات تحرير سيناء في العام 1973م من العدو الصهيوني، كما اشترك أيضا في الحرب ضد إسرائيل انطلاقا من جنوب لبنان وكان جزءاً من قوات الردع العربية في جنوب لبنان. اليوم تمور الساحة السياسية في السودان بتحريض جدي وعلني ضد الجيش كمؤسسة عريقة لها تقاليدها ونظمها الصارمة. فقد شهدت الخرطوم في الفترة الماضية تظاهرات مصنوعة ليست لأجل انعدام الخبز وشح الوقود، وإلا لكانت مبررة، لكنها حملت شعارات تحريضية ضد الجيش من جانب بعض الأطراف السياسة، تضمنت تدخلا سافرا في قرارات إعفاء وترقية عدد من الضباط،وهذا أمر مخالف حتى للوثيقة الدستورية التي شكلت أساسا لمؤسسات الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام الرئيس عمر البشير في ابريل 2019، فقد منحت تلك الوثيقة المكون العسكري وحده حق الانفراد بكل ما يختص بالقوات المسلحة السودانية. الإجراءات التي أعلنها الجنرال عبدالفتاح البرهان باعتباره قائد الجيش انطلاقا من مسؤولية الجيش عن صيانة الأمن القومي والحفاظ عليه باعتبارها مسؤولية أصيلة وقدرا لا مناص منه، تضمنت التزام الجيش بتصحيح المسار ووقف حالة سياسية عبثية لن تفضي إلا إلى تفتيت البلاد وتقسيمها شذرا مذرا. ولأول مرة تم الإعلان عن موعد محدد للانتخابات في يوليو 2023، وتشكيل مفوضية لها. فضلاً عن الالتزام بتشكيل المؤسسات الدستورية قبل نهاية نوفمبر وتشمل المجلس التشريعي (البرلمان)، والمحكمة الدستورية، ومجلس القضاء العالي، ومجلس النيابة الأعلى وهي مؤسسات أساسية ومهمة لوضع هدف التحول الديمقراطي في مساره الصحيح. منذ أن تسلم الدكتور عبدالله حمدوك مهامه كرئيس للوزراء في أغسطس 2019 عمل على تطبيق وصفة البنك الدولي بحذافيرها، وهي وصفة متوحشة أطبقت على شعب نسبة من هم تحت خط الفقر بلغت 77% حسب مفوضية الضمان الاجتماعي. فقد أرهقت هذه الوصفة الشعب وأشبعته عنتا وكبدا وشظفا غير مسبوق. ليس هذا فحسب، فقد قامت حكومة حمدوك بتجريف القيم المرعية والقوانين الشرعية دون تفويض في مقابل تشجيع ثقافة الانحلال والتفكك، لاسيما بين الشباب عماد التنمية والمستقبل. علما بأن حمدوك ترأس ثلاث حكومات في إطار الفك والتركيب وتجريب المجرب. لقد تصاعدت المخاوف إثر كل ذلك، من تكرار تجربة المعارضات العربية التي تسنمت السلطة بعد الإطاحة بالديكتاتوريات الشمولية، وكانت سببا في تدهور الأوضاع المريع في العراق وسوريا واليمن وليبيا. وتبين فيما بعد أن الديكتاتورية في العراق كانت أفضل من الديمقراطية الأمريكية التي جاءت بهم على ظهور الدبابات، وهكذا الحال في ليبيا واليمن. فتلكم المعارضات التي حكمت أقعدتها تناقضاتها واختلافاتها وعدم إلمامها بالعمل السياسي وغياب الرؤية السياسية الوطنية المتحررة من الأهداف الأجنبية. وفي كلا الحالتين -العراق وليبيا- لم يتحول الحكم الشمولي إلى ديمقراطية زاهية، أو حتى الحفاظ على ما تحقق في السابق من تنمية واستقرار. على الصعيد الدولي، لم يعتبر ما يسمى بالمجتمع الدولي ما قام به الرئيس التونسي مؤخرا من حل للبرلمان المنتخب واعتقال بعض أعضائه، وكذلك حل الحكومة وتجميد الدستور انقلابا، لكنه وصف ما قام به الجنرال عبدالفتاح البرهان من إجراءات استثنائية في السودان "انقلابا كامل الدسم"، أما إجراءات قيس سعيد لم تعتبر حتى انقلابا قليل الدسم؟!. لكن يبدو أن الفرق في أن المُنقلب عليهم في تونس منتخبون ويمثلون إرادة الشعب ولا يمثلون أي إرادة خارجية، بينما المنقلب عليهم في السودان ثلة غير منتخبة ماطلت في استكمال المؤسسات الدستورية مثل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية ومجلس القضاء الأعلى ومفوضية الانتخابات وإعلان موعد لها. بل ظلوا يواجهون اتهامات جدية بأنهم يمثلون إرادات أجنبية تستهدف تفتيت السودان وإعادة صياغته بدليل انشغالهم بتفكيك الجيش وهيكلته أكثر من انشغالهم بالإعداد للانتخابات وتخفيف الضائقة الاقتصادية الخانقة لم تشهد البلاد لها مثيلا.
يبدو أن المقاومة الخارجية ومعاونيها في الداخل لإجراءات الجيش ستبقى مستعرة، ولكن حتى لو نجحت جزئيا، فإنه يحسب لهذه الإجراءات تحصين البلاد من انهيار كان قاب قوسين أو أدنى.
yasir_mahgoub@
مواضيع سابقة كتبها فاطمة غزالي فى سودانيز اون لاين
بقي السودان حتى هذه اللحظة عصيا على التفكيك----------------------------------------------------------- من بداية بوستك لجأت الى الكذب لا تختشى ولا تخاف الله؟ انفصال الجنوب لم تسمع به واحتلال حلايب وتنازل جماعتك عن الفشقة لم يخطر ببالك!!!!هو التفكيك دا شكلو ايه؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة