قبل سنوات اضطرب دبلوماسي سوداني يعمل في سفارة السودان ببرلين حينما رد على مكالمة هاتفية..أراد الدبلوماسي أن يتأكد إن كان محدثه هو المعارض السوداني الشرس الدكتور علي الحاج محمد..ثم كان عليه أن يعيد السؤال بلغة دبلوماسية ليتأكد إن كان فعلاً علي الحاج يرغب في مقابلة النائب الأول لرئيس الجمهورية الذي زار ألمانيا مستشفياً..في الجانب الآخر لم يرد على الحاج أن يستأذن الشيخ الراحل حسن الترابي..بمنطق إن فشل فسيكون الفشل محسوباً عليه وإن نجح فسيتم الخير ..أول مدماك في الحوار شيّده علي الحاج في تلك العاصمة الباردة عبر لقاء دافئ مع الأستاذ علي عثمان محمد طه. حينما وصل الدكتور علي الحاج إلى مطار الخرطوم وجد الرجل أن هيئة( ٧+٧) فوّضت رئيس الجمهورية لاختيار رئيس الوزراء..وأن الرئيس نال فوق البيعة تفويضاً بإجلاس الوزراء في المقاعد المناسبة ..بمعنى أوضح أن كل حزب يقدم قائمة ممثليه لرئيس الوزراء ثم بعدها يتم تعيين كل وزير في المقعد الذي يناسبه..تلك كانت ميزة تمكن الحزب الحاكم من السيطرة على مفاتيح الملعب ..إذا ما تم اختيار كمال عمر وزيراً للسياحة سيجد نفسه في طواف حول العالم يدر على جيبه فقط بعض النثريات الدولارية ..لكن تعيين ذات الرجل في مقعد وزير العدل يجعله في البوابة التي تحرس الحريات. المسألة الثانية التي تم حسمها قبل اختيار علي الحاج أميناً عاماً كانت عدد نواب المعارضة في البرلمان بغرفتيه..خطط الحزب الحاكم إلى توسيع البرلمان أولاً، ثم لاحقاً إجازة حزم التعديلات التي تعبر عن مخرجات الحوار الوطني..هذه الفكرة كادت تفقد إلزامية مخرجات الحوار الوطني..وتنهي فاعلية جبهة قاعة الصداقة حينما تغرق في نعيم السلطة. الآن إستراتيجية علي الحاج تعيد الأمور إلى نصابها.. يرفض الأمين العام دخول البرلمان والحكومة قبيل إجازة المخرجات بشكل نهائي..هذه الإستراتيجية الماكرة تجعل كل الخيارات متاحة للاستخدام بما ذلك المشاركة المحدودة أو فقط التمتع بمناخ الحريات وانتظار الانتخابات العامة..كما أن علي الحاج يصر على أن يختار حزبه الوزارات التي تمكنهم من إحداث التغيير..حتى الوزراء يتم اختيارهم بمواصفة حزبية تنسجم مع المواصفات العامة المتفق عليها..تلك المعاني أكدها بالأمس علي الحاج في حواره الممتد مع الصحافيين . في تقديري أن هذه المواقف القوية ستعيد للحوار عافيته ..من المهم إعادة الحوار الوطني إلى مساره الصحيح باعتبار أن وجهته النهائية يجب أن تجيب على سؤال كيف يحكم السودان ..اعتبار الحوار مجرد كيكة لذيذة صالحة للالتهام لا يفرغه من محتواه بل يجعله مجرد مسرحية طويلة . بصراحة علينا الإقرار أن عودة علي الحاج للدوري السوداني ربما تكون فرصة جيدة لإنقاذ الحوار الوطني..مثل هذه المواقف يمكن أن تسوق حتى للمتشككين في جدوى الحوار الوطني مع حكومة قابضة على كل المفاصل. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة