طالعتُ ما جادت به قريحتكِ يا عبير سويكت في سودانيز أون لاين بتاريخ 2/ 4/ 2017 م بعنوان النوبة و العنصرية البغيضة و الشعور بالدونية و ليتكِ قد راعيتي قواعد السلوك الأدبي و الخطابي عند تناول القضايا العامة بمجهر التبصر و التعقل و بزاوية المهنية الرصينة في وصف الأمور وتشخيص الإعتلالات - كما تدَّعين، بدقة حتى يأتي تقييمكِ مُتّسِقاً مع قراركِ فيما يخص مقالكِ المنشور. و بلا رتوش أو مصوغ كريمتي عبير، فإن النوبة شعب يشهد له التاريخ بقِدَم الوجود في السودان قِدَم أرضه - و لو كانت لديكِ أدلة أو إستنتاجات أخرى تدحض ما أقول فعليكِ بها. النوبة كما يعرف جُلّ أهل السودان – إلا من أبى، لهم القدح المعلّى في نضالات السودان قبل و بعد الإستقلال و لهم صولاتهم البطولية داخلياً و خارجياً بدءً من شمال أفريقيا حتى الشام و من القرن الإفريقي و منطقة البحيرات و غرب أفريقيا حتى المكسيك في قارة أمريكا الشمالية فخلَّدوا تاريخ بطولاتهم بتلك الأصقاع و تركوا بصمتهم المميزة فيها عن طريق مكوناتهم الاجتماعية الحاضرة في مجتمعاتها. لم نسمع يوماً بأن النوبة و هم ملوك و مماليك و أصحاب سلطان قد داسوا على نُبُل الخصال و طيب اللسان فأذلُّوا بذلك أحداً أو أهانوا قوماً أو خيَّبوا مكارم النخوة فلم يجيروا ملهوفاً أو مستجيراً. عاشوا دوماً و أياديهم بيضاء كبيض قلوبهم و تعايشوا أوفياء تحفُّهم قيم أصالتهم سِلماً و حرباً و حقائق التاريخ أروع الأمثلة على ما أقول؛ فدونكِ ثورة الإمام محمد أحمد المهدي لمّا إشتدَّت عليه الأهوال و تكالبت عليه المصائب لم يُممّ وجهه شطر الشمال حيث بني جلدته و لا الشرق و لكنه يممّ وجهه شطر النوبة فأتى قديراً فوجد فيها النصرة و المناصرة حتى دانت له الخرطوم و أتاها فاتحاً العام 1885 م. كريمتي عبير؛ إن سكوت النوبة لا يعني بالضرورة أن بهم إضمحلالاً عقلياً أو صمماً فهمياً أو خرساً لسانياً بلاغياً و لكن لحكمة أودعها الخالق سبحانه و تعالى في نفوسهم و بها يتحوَّرون الألم صبراً و تجلداً، فإن إعتصر أحدهم الألم و تأوه و تفوه و أتى أنين كلماته في غير محلها، فلا يعني ذلك بأن كل النوبة عنصريين بغيضين بل يعني ذلك بأن السيل قد بلغ به الزبى و أن الكيل قد طفح. أستحلفكِ بالله و أسألكِ يا عبير، أتعرفين تاريخ السودان جيِّداً رغم ما به بتر و نقص واضحٍ جليٍ ؟ أقرأتِ عن ثورة المناضل علي عبد اللطيف و صحبه و ما صاحبت تلك الثورة من مآلات سياسية و تنظيمية؟ و أتعرفين كيف نُعِتت هذه الثورة من أصحاب النفوس المتعالية؟ أمررتِ مرور الكرام على تاريخ الكتلة السوداء لمؤسسها الدكتور أدهم و العنضرية الممنهجة التي مُورست على حزبه حتى صار الحزب الأوحد الذي لم يتم دعوته لحضور مؤتمر القاهرة؟ أسمعتِ يوماً بكلمة " آر.دي. إف "؟ وهي إختصاراً ل " جنود الدفاع المتقاعدين " التي أصبحت أسماءً لأحياء في مدن سودانية خاصة و لماذا تكوّنت و ما المفهوم و المغذى منها؟ هل سمعتِ بالدِقنية (و تعني الفرد في عائلة) و ماهيتها و التي أُلْغِيت فقط في سبعينات القرن الماضي؟ أتعلمين بأن شعب النوبة الشعب الأوحد الذي حمل فضلات البشر فوق رأسه في منظر يُنْدَى لها جبين الإنسانية حتى سبعينات القرن الماضي أيضاً؟ أتعرفين يا عبير من هم النخاسة الذين مارسوا تجارة الرقيق في السودان؟ وجُلّها كانت بمناطق جبال النوبة؟ أتعرفين كيف مرَّ مؤرخو السودان على ثورة السلطان عجبنا في الدلنج على الرغم من كونها أقوى المعارك العسكرية التي واجهها المستعمر طيلة فترة وجودها في السودان و أفريقيا؟ و كذلك ثورة الفكي علي الميراوي بكادوقلي و كيف تمَّ إختزالهما في بضع سطور؟ حديثاً كريمتي عبير قد يكون نما لمسامعكِ الفتوى الذي أطلقته حكومة المؤتمر الوطني من مدينة الأبيض العام 1992 م بجهاد النوبة على أنهم كفرة مرتدين دون غيرهم ممن حملوا ذاك السلاح من الشماليين في شرق السودان وغربه. وحتماً لن يخفى عليكِ وصف السيد الرئيس البشيرلمنسوبي الحركة الشعبية بالحشرات – ذلك الإنسان الذي كرَّمه الله وعلّا من شأنه. بالله عليكي يا عبير؛ هل رأيتِ نوباوياً أطلق كلمةً نابيةً ضد الجعليين أو الشوايقة أو غيرهم ونعتهم بالعنصرية؟ وهل سمعتِ بأن النوبة قد أقاموا دعوةً ضد المهدية أو ورثتها بإنتهاكاتها لإنسانية النوبة فيما يختص بضريبة الدقنية ومن قبلها تجارة الرق ونخاستها من الشماليين وهم كُثُر معروفين؟ و أين كنتِ أنتِ من كل هذه الإنتهاكات اللا إنسانية حديثها وقديمها وأين كان مداد يراعكِ؟ ألا يدل صمتكِ الوقور ضمناً مساندتكِ لتلك الإنتهاكات الدَّالة يقيناً على العنصرية؟ إعلمي بأنني لا أسمح لضميري بإصطباغ الآخرين بنعوت وكلمات قد تستصغِر نفسي وقيمتي لأن قلمي يسمو عن زبد الكلام ونحوه ولكن أن ينبري أحدٌ من النوبة بكتابة شيء لا يتَّسق مع فهمكِ، فهذه تنُم على أنّ مرارته قد فُقِعَت مما يراه و يسمعه أو يعايشه ولا ينسحب ذلك بالضرورة على كل النوبة و وصمهم بالعنصرية. أما كلمة الدونية التي أتيتِ بها بهتاناً و زوراً وأصبغتِ بها النوبة إجمالاً، فلا أقول فيها سوى أننا كنوبة لم نولد بأنياب الأنانية ولم نُنَشّأ على غريزة التكالب، فنحن بطيب قلوبنا وعدم إقرارنا لنقيصة الخيانة مبدأً ومنهجاً، نتنازل عن حقوقنا للآخرين طوعاً الأمر الذي وَقَرَ في نفوس أمثالكِ و خُتِمَ في قلوبهم بأن هذه السماحة هي دونية وصماء في هاماتنا، فلكِ الثناء على ذلك من قبل ومن بعد. ختاماً ي عبير؛ قلتِ بأنكِ قد حجبتِ أسماء من كتبوا تلك القصاصات لدواعي أمنية وهذه فرية، أو لا ترين أن قولكِ هذا هي كلمة باطلٍ أريد بها حقاً. فهل تريدين إيهام العامة من القراء بمقدرتكِ على إنتشال معلومات يعجز الأمن و رجاله عن الوصول إليها وسبر أغوارها؟ أم أنكِ تريدين إدخال الرعب في نفوس النوبة بالأمن حتى تُخْرس ألسنتهم؟ لقد كتبتُ في هذه الصفحة الغراء عن السيد الرئيس البشير بعنوان " إقتصاد الشفير و مأزق الرئيس البشير 1-2" و كتبتُ عن السيد الطيب مصطفى رغم إحترامي لوجهات نظره مقال بعنوان "الطيب مصطفى ...مريض وكفى" و هما قامتان لهما وزنهما في السلطة و في الحياة السياسية، فهل صدر منهما ما ينم عن ضيق صدر؟ فالحجة لا تقارع إلا بالحجة و الحق أبلج. إعلمي كذلك بأن أجواء تنقية الساحة السياسية الداخلية في أوج صفائها وأن الفضاوات التي تحلِّقين فيها لهي متاحة لمن يريد التحليق فيها دون خوف أو رهبة. كان الأحرى بكِ تسمية الأشخاص بعينهم حتى تُعْرف و تكوني بذلك قد نأيتِ بنفسكِ عن التعميم و ما لحق بنا من إساءة بالغة. أرجو تصويب سهامكِ لأهدافكِ بعناية ولمن لكِ خصومة معه دون رميها في كل حدبٍ و صوبٍ لأن النوبة أكبر من مداد يراعكِ.
ألا هل بلَّغتُ، اللهم فاشهد د. النور الزبير [email protected] النرويج، الثلاثاء 4/4/2017
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة