· فعلاً صار دم السوداني أرخص من حفنة تراب. · وبتنا نتحرك لما دون الدم أكثر، فيما تمر حكايات وقصص قتل الأنفس - التي حرم الله إلا بالحق- مرور الكرام وكأن الأمر لا يعنينا في شيء. · للدليل على ذلك أشير إلى أن رسائل واتساب عديدة وصلتني بالأمس بقصة المعلم المكلوم في فلذة كبده وتأذيه من غطرسة وتكبر أحد المسئولين (وهو ما سأعود له لاحقاً)، لكن لم تصلني ولا رسالة واحدة حول مذبحة نيرتتي. · بالطبع ليس لحدوتة المركز والهامش - التي أكره سماعها- علاقة بذلك، لأن الهم واحد سواءً في قلب عاصمة البلد أو بأي طرف قصي من بلدنا المسروق. · لكن ربما ارتبط الأمر بمقولة ( الحي أبقى من الميت). · فأهلنا درجوا على الاهتمام أكثر بمن ما يزال على قيد الحياة، وهو أمر طبيعي ومفهوم. · لكن ما لا يمكن فهمه أو قبوله هو أن تمر أخبار وروايات القتل وسفك الدماء مرور الكرام. · فهذا سيؤدي بالطبع لافراغ مقولة ( الحي أبقى من الميت) من معناها، لأن بشراً كثر ممن يعيشون بيننا قد يلاقون حتفهم نتيجة لهذه الجرائم المستمرة دون مساءلة. · جموع قُتلت في نيرتتي التي كانت هادئة وجميلة وساحرة في عمل انتقامي من قوات نظامية!! · لا للهول! · كيف يتجرأ جنود حتى لو كانوا من الجن وليس الإنس أن يحملوا أسلحتهم ويصوبوا ذخائرهم تجاه النساء والأطفال والرجال في قراهم ومدنهم من أجل الانتقام لزميل قبل أن يتأكدوا من ملابسات قتله! · يعني إن عاقر مثلاً جنديان الخمر وتعاركا فيما بينهما وصوب أحدهما سلاحه ليردي زميله قتيلاً، يتحمل وزر الجريمة أهل مدينة أو قرية بالكامل؟! · إلى متى سيستمر هذا الظلم والطغيان والاستهتار بحياة البشر؟! · ظني أنه، أي الظلم سوف يستمر طويلاً ما لم يتغير هذا النظام الجاثم على صدورنا جميعاً. · فليس هناك ما يشير إلى أدنى رغبة للحاكمين في الكف عن ظلمهم وإيقاف مثل هذه الجرائم الشنيعة. · فها هو وزير الدفاع السوداني يقول - دون استحياء- أنه لا علم له بحجم القتلى! · مواطنون سودانيون أبرياء يُقتلون في مدينتهم دون ذنب جنوه، ووزير الدفاع يقول " لا علم لي بحجم القتلى"، وكأن الناس يتحدثون عن حظيرة دجاج انهدت على رؤوس بعض الكتاكيت! · طيب يا سعادة الوزير الدفاع إن لم تكن لديك احصائية بأعداد من تقتلهم قواتكم، فما هو الدور الأكثر أهمية الذي تقومون به؟! · حتى إن كان القاتل عدواً ظاهراً يفترض أن يبدي المسئول شيئاً من التعاطف مع أهل الضحايا، لكن الباحث عن مثل هذه المشاعر في سودان اليوم كمن يسعى للحصول على لبن الطير. · وإمعاناً في الاستخفاف بأرواح البشر يقول الوزير بالفم المليان أنه يستبعد تشكيل لجنة تحقيق بشأن الإعتداء! · المفارقة أن الوزير نفسه يقول في ذات لقائه بنائب رئيس المجلس الوطني " الزول المتضرر يمشي يشتكي القانون بيديهو حقو"!! · ونذكر الوزير بمقولة أهلنا " الجواب بكفيك عنوانو". · وها هو العنوان يتضح بجلاء. · فحين يقول وزير الدفاع في بلد أنه لا يعلم بحجم القتلى في مجزرة بهذا الشكل.. وحين يؤكد أن الأحداث (police case) قبل أن يتحقق من ذلك ( بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق)، على ماذا يعول المتضررون؟! · من الذي حاسبه قانونكم من قبل حتى يجد أهالي ضحايا مجزرة نيرتتي حقهم؟! · وكيف يطيب لك وأنت الوزير المسئول عن شئون الدفاع في البلد أن تقول " المتضرر يمشي يشتكي"! · فهذه أرواح بشر! · وفي مثل هذه الحالات يفترض أن تنفروا خفافاً وثقالا إلى حيث وقعت الجريمة وتتحققوا بأنفسكم حتى قبل أن ترتفع أصوات المتضررين. · هذا طبعاً بافتراض أننا ما زلنا نعيش في بلد يحكمه بشر لديهم قلوب ومشاعر وأحاسيس. · لكن حينما يسمع المسئولون بجرائم القتل والاغتصاب والتشريد ولا يتفاعلون معها بأكثر من الانتقال من مكتب فاخر إلى آخر ليس أقل رفاهية لمناقشة ما جري ربما خلال دقائق ومن ثم يعودون إلى ممارسة حياتهم الطبيعية وكأن شيئاً لم يكن.. عندما يحدث ذلك أمام مرأى ومسمع بقية أهل السودان فلا تتوقع أن يتقدم متضرر بشكاوى لجهات عدلية يعرف أنها لن تنصفه. · نعود لقصة المعلم التي أشرت لها في بداية المقال. · قال الأستاذ الجليل أحمد سعيد أنه عندما كان يعالج طفله المريض ( الذي انتقل إلى جوار ربه لاحقاً) ومع ضيق ذات اليد أرسل له أحد الأخوة مبلغاً من المال مع شخص آخر، وحين ذهب المعلم أحمد لاستلامه أعطاه الرجل شيكاً، رفض البنك صرفه له بسبب تغيير العملة حينذاك وطالبوه ببعض الإجراءات من ضمنها توقيع نائب والي نهر النيل. · وبعد أن استحال عليه مقابلة محمد الحسن الأمين الذي كان يشغل منصب نائب الوالي وقتها في مكتبه، دله أحد الأشخاص إلى سائقه الخاص فذهب إلى السائق وروى له قصته ليجد منه تعاطفاً كبيراً ونصيحة بأن يحضر إلى بيت الوالي ويرابط بالقرب من بابه الخارجي في انتظار خروج المسئول- الذي ظن أنه امتلك الدنيا بما فيها- ليحكي له قصته عسى ولعل أن يساعده في حل المشكلة. · عمل المعلم بالنصيحة وذهب إلى منزل محمد الحسن الأمين وانتظر بجوار المدخل وحين خروج الأمين من المنزل لم يعره اهتماماً أو يلقي عليه تحية. · لكن صاحب الحاجة بادر بالتحية، فتجاهله أيضاً. · يبدو أن المعلم لم يكن يملك طريقة أخرى غير الضغط على مشاعره، فمرض فلذة الكبد أشد إيلاماً فحاول أن يقول لنائب الوالي قاسي القلب " عندي ولد..."، لكنه لم يتركه يكمل جملته ليخاطبه بغلظة مألوفة في مثل هذه الكائنات " ده ما مكان شغل تعال لي في المكتب". · فقال المعلم المغلوب على أمره " لكن سيادتك في المكتب ما بدخلوني.." · إلا أن ذلك أيضاً لم يحرك في المسئول أية مشاعر وكيف تتحرك المشاعر فيمن لا يملكها أصلاً، فأنهى المحادثة بجفاء قائلاً " الموضوع انتهى يا سيد" وتوجه صوب عربته! · ولك أن تتخيل عزيزي القارئ المشهد وتسأل نفسك: هل حقاً يحكمنا بشر مثلنا؟! · ومع كل هذا يُطالبنا نائب رئيس المؤتمر الوطني لولاية الخرطوم ومساعد رئيس الجمهورية ابراهيم محمود أن نكف كمغتربين عن الوطن عن معارضة حكومتهم، وإلا فسوف يمنعوننا من دخول السودان! · ونسأله: هل امتلكت البلد ببشرها وترابها وأطيانها حتى تحدد من يدخل ومن لا يدخل؟! · وهل تعتقد أيها الواهم أن شخصاً مثلي تحرك تجاه الواقعتين، بل قل الجريمة الكبرى والحادثة المؤسفة اللتين تناولتهما هنا بتحفيز ودفع من الشيوعية العالمية مثلاً! · والشيوعية التي تخوفون بها البسطاء دي يا ربي نفسها التي تحكم جمهورية الصين التي تربطكم بها أوطد الوشائج أم واحدة غيرها!! · أم تظن أن ما يحركنا باتجاه التفاعل مع مثل هذه القضايا والقصص المؤلمة هي الصهيونية العالمية أو المنظمات اليهودية! · ما يحركنا كسودانيين - نعيش خارج وطننا بفعل خرابكم ودماركم وجرائمكم المستمرة منذ أكثر من عقدين- وما يحرك أهلنا وشبابنا داخل البلد وكل عضوية أحزابنا المعارضة هو هم الإنسانية التي تجردتم منها تماماً. · أنتم تظلمون وتتغطرسون وتفتكون بالبشر وتقتلون وتغتصبون وتسرقون وتُفسدون، وبعد كل ذلك تريدون من الآخرين أن يصمتوا، وهذا ما لا يمكن تحقيقه حتى إن ( لحستم جميعاً أكواعكم). · فالساكت عن الحق شيطان أخرس، ونحن نربأ بأنفسنا ونستعيذ بالله أن نكون من الشياطين. · سنظل نتفاعل مع قضايا شعبنا طالما بقيت فينا قلوب تنبض، ولن تصرفنا عنها مثل هذه الترهات التي تصدر من شخصيات لم يعرف لها السودانيون وزناً ولا جذوراً راسخة في البلد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة