◀مشكلة القانون الجنائي أنه يحاكم على الفعل الإجرامي وليس على العقل الإجرامي. ولذلك فإن القاعدة الجنائية قد تفشل في تحقيق الأمن الاجتماعي عبر الردع العام والخاص . فمثلا جريمة تعذيب أطفال في دار للأيتام كما حدث بالفعل هذا الفعل الاجرامي يكشف عن عقل إجرامي شديد الخطورة ، فهو عقل لا يملك وازع أخلاقي أو عاطفي وبالتالي فإن احتمال ارتكاب نفس الجريمة أو أشنع منها يكون كبير الاحتمال . مع ذلك فإن معيارية القاعدة الجنائية التي تقضي بعقوبة أخف من عقوبة القتل العمد تعني أن هذه القاعدة لا تعاقب على العقل الإجرامي وإنما على نسبة فعل إجرامي كالتعذيب على فعل إجرامي آخر كالقتل العمد والخطأ ، وتسبيب الجراح...الخ . كما أن القاعدة الجنائية -بهذا الشكل الصارم- تعيق تفريد العقاب ، فمثلا لا يمكن أن تكون عقوبة اغتصاب قاصر من قبل مراهق مماثلة لما لو كان الجاني راشدا فوق الثمانية عشر عاما. فالدوافع الغريزية للمراهق طبيعية جدا في حين أن الجريمة الواقعة من راشد ثلاثيني أو أربعيني تكشف عن عقل إجرامي بحت ، وبالتالي فإن جرعة العقوبة يجب أن تختلف من حيث القسوة واللين ولا تتساوى. العقل الإجرامي يعني رجحان كبير لإمكانية اقتراف جريمة مماثلة أو أكبر ، لعدم وجود وازع أخلاقي أو عاطفي ، والقاعدة الجنائية -للأسف-لا تعاقب على الاحتمالات الراجحة ، بل على ما قد وقع وتم بالفعل ، إلا في حالات نادرة كالعود وتستلزم بالتالي وقوع جريمة جديدة ، وهذا يعني أن ننتظر الجاني حتى يقارف جريمة جديدة لنشدد عليه العقوبة، إن مبدأ المشروعية ، وهو لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص يخاطب المشرع قبل القضاء بوضع حدود لتفريد العقاب ، ومع ذلك فإن التكوين الخارجي للبرلمان أي باعتباره خارج إطار الصورة الحقيقية للجريمة - والذي يختلف عن وضع القضاء الذي يتعامل مع وقائع ماثلة-يجعل تقديرات البرلمان توقعية اي بتوقع اقصى ما يمكن أن يصل إليه السلوك من قسوة خلافا للقضاء الذي يقيس درجات العقل الإجرامي بوقائع ماثلة أمامه. فمبدأ المشروعية إذن؛ يعيق تفريد العقاب ويعيق محاكمة العقل الإجرامي ، على سبيل المثال؛ توظف الأجهزة الأمنية عادة أشخاص شديدي القسوة للقيام بعمليات تعذيب باردة أي لا تصل الى القتل أو ساخنة قد تصل الى إزهاق الروح ، هؤلاء الأشخاص يتم محاكمتهم-بعد سقوط الأنظمة التي تحميهم- كمجرمين عاديين ، رغم أنه لا يمكن منطقيا وعقليا أن نساوي بين جريمة تعذيب وبين جريمة تسبيب جراح أو حتى القتل شبه العمد او الخطأ ، فالتعذيب يتطلب قلبا باردا وعقلا إجراميا لا وازع له ولا رادع ، وبالتالي فإن استئصال هذا العقل من الوجود عبر عقوبة الإعدام يكون أولى من اعدام قاتل بالصدفة أو لأول مرة أو للعاطفة ، لا يمكن أن نساوي بين عقل إجرامي وعقل لا إجرامي كانت الجريمة بالنسبة له مجرد حظ عاثر وقع فيه. 29نوفمبر2016
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة