تصنت إلي حديث لسيدتين متقدمتان في السن في سوق الخرطوم بحري، قالت الأولي بكره إجازة عشان كدي الليلة جيت السوق اشتري بعض الحاجات، ردت الثانية بتساؤل إجازة شنو؟ قالت الأولي و الله قالوا بكرة دايرين يسقطوا الحكومة، فكان للثانية بعض الإلمام بالسياسة، فقالت بكره العصيان، دي ما إجازة لكن الناس بدل من ترسل أولادها للمظاهرات و بعد ناس الحكومة يطلقوا عليهم الرصاص، قالوا نقعد في البيت و الحياة بتقيف. هذه المحادثة البسيطة جدا توضح إلي أي درجة وصل وعي المواطنين في أيام معدودات. كانت السيدتان تتحدثان بصوت عالي دون خوف أو وجل، مما يؤكد إن الدعوة للعصيان بالفعل قد بدأت تأتي آكلها، فالحديث عن العصيان ليس في الغرف المغلقة، أو وراء جدار، أنما في الهواء الطلق، و بصوت جهوري، دون أي حساب لمن يتصنت، و يتجاوز آذان البصاصين، إن الدفع باكبر قطاع من الجماهير للساحة السياسية، و توعية هؤلاء بحقوقهم و واجباتهم هو أكبر نصر للوطن، لأن القضية السياسية تحتاج إلي انتعاش جماهيري، و خلق قيادات جديدة لها قدر عالي من الخيال الواسع، و مدركة لدورها الاجتماعي و السياسي، و تستفيد من كل التجارب السابقة و الخبرات، دون أن ترث الثقافة السياسية السابقة التي قادت لهذا الفشل، باعتبار كل المواعين السياسية في البلاد، أصبحت خربة و تحتاج إلي تجديد و تحديث، كما أن الظرف نفسه يحتاج أن تبرز قيادات جديدة تتجاوز أرث الماضي و ما خلفه من فشل. إن العصيان دعوة حضارية سلمية، و لكنها تؤكد أن السودان ما يزال عامر بعقلياته المبدعة، حيث أصبح الكل اليوم مع أو ضد للعصيان يتحدث عن السياسة، و يجادل عن الحقوق و الواجبات، و يريد أن يفهم حتى المفردات السياسية، فتعميم الحوار حول القضايا المطروحة هو الذي يخلق الوعي، و ينشط العقل الساكن، الحراك الذي لا تقبله العقلية الشمولية في أية وضع كانت. و كما ذكرت في مقال سابق أن الدعوة للعصيان ليس انتظار النتيجة، أنما تبرز نتائجها قبل يوم الحدث، بنعكاسها و فرض ذاتها علي الحوار الدائر في المجتمع، اليوم الكل يتحدث عن العصيان باعتبار موقفا سياسيا من كل سياسات الإنقاذ، و حتى الذين يرفضون العصيان و أغلبيتهم من الإسلاميين الذين تورطوا في فساد أو ممارسات غير إنسانية، لا يجدون تبرير لرفضهم غير إنهم يعتقدوا إن التغيير سوف يكون نكبة عليهم، و هذا الخطاب مهزوم لأنه هو الذي قاد للفشل و تقسيم البلاد، إن العصيان يعني رفض للسياسات الأيديولوجية الفجة التي لا تحمل أية قيمة في مضامينها، إن العصيان من أجل إعادة الوطن لكل أبنائه دون أن تكون هناك أمتيازات لأهل ولاء أو مصالح حزبية ضيقة، العصيان من أجل التحاكم للقانون و سيادته، العصيان من أجل بسط الحريات و حق التعبير و التظاهر، العصيان من أجل استرداد أموال الدولة المنهوبة، و وقف ما يسمي بالتحلل و مبدأ التقية، العصيان من أجل سيادة العدل و الحق. فلماذا يرفض هؤلاء التغيير لكي يكون السودان وطن للجميع، إن الفساد الذي استشرى في الدولة قد ضرب عقول البعض الذين هيئوا انفسهم لمزيد من النهب، لذلك يرفضون التغيير و يخافون من العدالة، و ليس هؤلاء وحدهم، حتى الذين تحالفوا مع هذا النظام يصيبهم الزعر إذا تحدث القوم أمامهم عن العصيان، هي معركة بين الحق و الباطل، و هي معركة سياسية و ليست دينية، بين عقليتين، عقلية منفتحة تنادي بأن يكون الوطن للجميع من خلال تحول ديمقراطي، يفكك دولة الحزب الواحد إلي دولة التعددية السياسية، و عقلية مع دولة الحزب الواحد هذه العقلية لا تستطيع أن تعيش إلا في ظل النظم الشمولية، و تخاف من الديمقراطية، عقلية ليس في ثقافتها هذا المصطلح بتاتا، هي معركة بين عقليتين واحدة فشلت تماما رغم إنها حكمت قرابة الثلاثة عقود و عقلية ما تزال تناضل من أجل وطن يسع الجميع و تداول سلمي للسلطة. نسأل الله حسن البصيرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة