لا يمكنني -واقعيا - أن أميز بين ما إذا كنا قد تجاوزنا الحداثة أو اقتربنا منها ؛ هناك ملامح حداثية في الهندسة المعمارية داخليا وهناك -على وجه الاستهلاك- حداثة على مستوى الاتصالات والمواصلات والتكنولوجيا ؛ صحيح أنها ممنوحة بسطحها الخدمي لنا وليس عملية انتاج ذاتية لها من قبلنا إلا أنها جعلتنا نتشارك أشياء كثيرة مع العالم ونتبادل معه علاقات متنوعة.إننا نصدر المواد الأولية حتى على مستوى القوى والموارد البشرية هناك هروب إلى الخارج وهو تصدير ضعيف في المقابل نستورد الحداثة وهي ليست بالتالي جزء من جوهر مكوناتنا الذاتية. ولكن على المستوى الإنساني لم نتأثر بشكل كبير ثقافيا ، فمن المفترض أن دخولنا الخدمي للحداثة أن يطور مفاهيمنا الخاصة تجاه الاقتصاد والادارة والسياسة والتعليم والدين ؛ فهذه مقومات أساسية لكشف مدى انغماسنا في عمق الحداثة ؛ أن يكون هناك وعي مجتمعي بضرورات التحول والتغيير لكي نحدث قطيعة مع الماضي المفاهيمي لنا. إن معاييرنا لازالت كلاسيكية ومحلية بل شديدة القصور ولا تواكب العصر ، فنحن من هذه الناحية متخلفون بوضوح سافر . وأرى أيضا أنه لم تخرج لنا -في القطاع الثقافي- رؤى ابداعية حقيقية ؛ رغم أنه القطاع الأكثر حرية ، وهذا ما يجعل أقل الناس تشاؤما يتساءل عن مدى وجود عيب جيني عام. كان من المفترض في نقدنا الابستمولوجي للعقل أن يكون قد انتهى إلى توصيات أساسية ؛ لكن النقد لم يتجاوز النقد ؛ أي جلد الذات . وهناك -حتى في هذا الحقل النقدي- شتاتا وعشوائية وعدم تركيز للجهود ، نحن في الواقع نحتاج لتطوير حسن النية أولا وقبل كل شيء. نحن قادرون على الانفتاح على الحداثة والعولمة وذلك بمجهود ذاتي بسيط إذا كان بإرادة واعية ومستنيرة ولكنه يحتاج إلى مجهود ضخم إذا كان مجهودا فرديا ومفتعلا . أعتقد أن الانفتاح الآن أضحى ضرورة قصوى على أن يواكبه تطوير للإدارة هنا ستسير الأمور على ما يرام اقتصاديا وسياسيا وثقافيا .إنها ضرورة ملحة ﻷننا متأخرون جدا بل متخلفون في آخر الركب وهذا يفضي إلى شعور عدمي جماعي وانهزام كامل أمام تدفق الزمن. إنها ليست أزمة بل معضلة حقيقية . وهي -وأنا متأكد تماما من كلامي- معضلة ابستمولوجية ؛ أي أنها في عمق المكون المعرفي الجماعي. أنها جزء من التراث والتاريخ ولا أحب أن تكون معضلة بايولوجية فهذا يعني نهايتنا ودمارنا المؤكد. هناك جيل جديد أرى فيه بوارقة الأمل ، يعافر ويصارع من أجل أن يعكس لنفسه -أولا- صورة إيجابية ليؤكد اعتداده بذاته المرهقة ، شباب شارع الحوادث وغيرهم ومضة حقيقية في هذا الظلام الدامس ويمنحوننا الأمل في التغير ويؤكدون أن معضلتنا ليست بايولوجية بل ابستمولوجية فقط وأنها قابلة للإنحلال مع مرور الوقت. 17 اكتوبر 2016
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة