شغلتنا الأحداث الداخلية عن المتابعة والاهتمام بما يجري في مدينة حلب السورية، حيث استعاد نظام بشار الأسد سيطرته على معظم أجزاء المدينة وريفها، ولكن بثمن إنساني هائل وبشع. الصور التي تنقلها وكالات الأنباء والفضائيات العالمية تكشف عن وجود مأساة إنسانية، فقد تم تدمير معظم مباني المدينة على وجوه ساكنيها، وعدد الضحايا من المدنيين لا يمكن حصره حتى الآن. إجرام النظام السوري لا يحتاج إلى دليل جديد، فهو قد بدأ ذلك منذ بداية الانتفاضة الشعبية السلمية التي انتظمت عدة مدن سورية مع حراك الربيع العربي، فاستخدم ضدها أبشع وسائل القمع والتنكيل، وألقى بالآلاف في معتقلاته سيئة السمعة، وصفى بعضهم في السجون. وهنا وجدت كثير من الدول، بعضها من المنطقة وبعضها من خارجها، الفرصة سانحة لتصفية حسابات قديمة مع النظام السوري، فقامت بتمويل الجماعات المسلحة، وكثير منها من الجبهات الإسلامية المتطرفة. ولم يعد سراً إن دول الخليج لعبت دوراً كبيراً في تمويل التكوينات الأولى لحركة داعش وجبهة النصرة، وكذلك وجدت دعماً بالسلاح والمعدات من الدول الغربية، وسرعان ما تحولت الأرض السورية لساحة معركة بين القوى الدولية. تقف روسيا وإيران وحزب الله بشكل واضح مع النظام السوري وصل لمشاركة الطيران الروسي في القصف، ووجود مقاتلين من إيران وحزب الله على الأرض، ومن ناحية ثانية تدعم الدول الغربية من خلال التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا وبريطانيا وفرنسا، إلى جانب تركيا وبعض الدول العربية المجموعات المعارضة بالسلاح والمال والدعم اللوجستي والخبراء. الثابت أيضاً إن قوى المعارضة، وبالذات المتطرفة منها، ارتكبت مجازر وانتهاكات كثيرة بحق المدنيين في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، سكت عنها الإعلام الغربي، كما كشف ذلك الصحفي البريطاني الشهير والخبير في شؤون الشرق الأوسط روبرت فيسك في مقاله الأخير في صحيفة "الإندبندت" البريطانية. كتب فيسك تحت عنوان "الحقيقة الأخرى في قصة حلب" قائلاً... "حان الوقت لقول الحقيقة الأخرى بأن الكثير من المتمردين الذين دعمناهم في الغرب هم من أكثر المقاتلين قسوة في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي كنا نعبر عن رفضنا وانزعاجنا من شناعة داعش خلال حصار الموصل، وهو الحدث المشابه جداً لحلب علماً بأنك لن تتلمس ذلك في قراءة روايتنا للقصة، تجاهلنا عمداً سلوك المتمردين في حلب." ويمضي فيسك للقول إن الدول الغربية تعاملت مع داعش في العراق بطريقة مختلفة عن تعاملها مع داعش في سوريا، فهم كانوا حريصين على دعم الدولة العراقية في وجه تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، لكنهم في حالة سوريا إما دعموا نفس الجماعات المسلحة، أو سكتوا عن انتهاكاتها، لحين انتهائها من إسقاط النظام السوري. تحولت الحرب في سوريا من حرب تحرير لحرب بالوكالة لتنفيذ أجندات دولية وإقليمية وتقاسم نفوذ، بحيث يصعب الدفاع عن أي طرف. للشعب السوري الحق في الحرية وإقامة نظام ديمقراطي والتمتع بالأمان والاستقرار والحق في الاختيار، لكن يبقى الحلم مؤجلاً لحين بروز قوة سورية مدنية يمكن الرهان عليها وعلى إرادتها المستقلة. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة