(1) ما زلنا عند موقفنا الراكز بشأن سلطات وصلاحيات جهاز الأمن والمخابرات لا نبغى عنه حِوَلا، في مواجهة الداعين إلى التجريد والخلع تحت شعارات تكريس الحريات وتأمين الحقوق.
وها نحن نرى الحملة تتقهقر، وأصحابها تضيق بهم الأرض بما رحبت، وينبهم عليهم الطريق، وقد تكالبت الأسئلة الصعبة فحاروا في مواجهتها، إذ لم يكن لهم في الأصل من حافز أو دافع بخلاف مرارات المواجهات والاعتقالات وذكريات المهانة والإذلال في زنازين الزمن القديم الذي نازعوا فيه الدولة سلطانها وطلبوا صولجانها بدعوى العهد. رحم الله (إمام حرياتهم) القائل: العهد من الإسلام. وقد عاهدتمونا على تنفيذ الانقلاب ثم تسليمنا زمام السلطة عندما نطلبها، وها أنتم قد خنتم العهد!
وأعجب معي، أعزك الله، لمن صنعوا وحش فرانكشتاين فلما أعياهم ترويضه، طالبوه بأن يخلع أسنانه ويتخلى عن أنيابه!
(2) وكنا قد تساءلنا بالأمس: من إذن الذي سيواجه الخلايا، النائمة منها والمستيقظة، تلك التي لم ينزع الله ما في قلوبها من غلٍّ في أطراف السودان، بل وربما في قلبه النابض على حفافي مدن الوسط والشمال. ونسأل اليوم: من الذي سيجابه تجارة وتهريب السلاح، آفة عالمنا الماثل، والذي تقف من ورائه المافيا الدولية المتحالفة مع العصابات المحلية؟ وهو المشروع الأمني الأكثر ضخامة اليوم والذي يتعامل معه بصاصونا وجلاوزتنا بالتنسيق مع شركائهم الدوليين.
وكلنا نعلم بطبيعة الحال عن الكميات المهولة من الأسلحة المنهمرة على بلادنا من مناطق النزاعات الإقليمية. وتلك التي تلج إلى عمق الداخل السوداني عبر الحدود على يد سماسرة السلاح من مختلف الجنسيات، ووكلائهم المحليين أمثال الحبيب مني أركو مناوي وقومه من أفاضل الزغاوة أهل الحركات المتمردة، وقد اتخذوا من تجارتها مورد رزقٍ هاطل الوبل مُغدق، وجنوا من ورائها عبر السنوات رطباً جنياً. وأرقام حسابات بعض هؤلاء المتمردين الدارفوريين في بنوك هولندا وبلجيكا تكاد تنافس أرقام وارين بافيت وبيل غيتس. بعد أن قاموا بالتخلص من الفقراء البؤساء، الذين سخّروهم في السابق لتشغيل ماكينة الموت في دارفور، بتأجيرهم من الباطن إلى لورد الحرب خليفة حفتر؛ إذ لم يعد بوسعهم وقد سَدَّ عليهم اللواء حميدتي وقوات دعمه السريع أبواب دارفور ونوافذها سوى الإيجار من الباطن، وتفرغوا هم لتجارة السلاح والسمسرة ونكاح نساء البيضان في دول البنيلوكس!
(3) ومثلما بلغت مضبوطات البصاصين والجلاوزة من أسلحة الكلاشنكوف والقرونوف والذخائر والمركبات أعداداً لا تقع تحت حصر، كذلك كان أمر الجموع من القائمين على تجارة المخدرات الذين تكتظ بهم معتقلات جهاز الأمن والمخابرات. ويقف اليوم أمام نيابة أمن الدولة وساحات القضاء عدد غفير من المتورطين في تهريب السلاح والمخدرات وتزييف الدولار واليورو وغسل الأموال، فضلاً عن ناشطي الجماعات الإرهابية التكفيرية وهم أكثر من الهم على القلب، وذلك على نحو ما ظلت تكشف الصحف وأجهزة الإعلام.
والحال كذلك فليبيّن لنا دعاة خلع الأسنان: من الذي سيحمي السودان إذن في مواجهة مثل هذه المخاطر التي باتت الهاجس الأول الذي يقلق منام كثير من دول العالم المتقدمة منها والنامية باعتبارها المفاصل الأكثر ضعفاً في استراتيجياتها الأمنية؟
(4) السودان دولة مترامية الأطراف والتحديات الأمنية التي تواجهها، داخلياً وخارجياً، لا يكاد يبلغها الإحصاء. ولكن البعض منا لا يرون إلا مدينة الخرطوم وما حولها. ثم أنهم، غفر الله لهم، لا يحسون إلا المرارات الذاتية التي تغص بها الحلوق، والمواجد المستكنة في أعماق الصدور تجاه من نهضوا إليهم ذات يوم فأنزلوهم من صياصيهم، واقتادوهم أسارى ليضعوهم في الزنازين الضيقة. ومن هنا كان الاندفاع وراء دعوى تجريد جهاز الأمن والمخابرات من سلطاته وصلاحياته.
ولو عقل هؤلاء وتساموا وتكابروا على جراح الماضي لأدركوا أن مصائر الأوطان ومقدرات أمنها القومي تعلو وتجلّ عن أن تكون محلاً للإحن والغبائن والارتهان إلى رغائب الانتقام.
وهناك على الطرف الآخر خصوم الهوية والآيديولوجيا من الأحزاب والتنظيمات المجهرية، يتمنى أصحابها في قرارات نفوسهم أن يخسف الله الأرض بنظام الإنقاذ بعد أن أعيتهم محاولات إسقاطه عبر تهييج الشارع وتعبئته باتجاه الانتفاضة الموعودة، فتقاصرت منهم الهمم وتدنت العزائم، وانخفضت أسقف الطموحات من اقتلاع النظام إلى اقتلاع أسنانه!
ولو أنصف هؤلاء وأولئك لأدركوا بأن النظام شيء والوطن شيء آخر. ولعرفوا أن حماية الأمن القومي للسودان غاية عظمى لا تتعالى عليها ولا توازيها غاية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة