حديث المدينة الاثنين 6 يونيو 2016 الأول من رمضان 1437 هـ
لماذا نتعامل مع شهر رمضان وكأنّه (فاصل مداري) تتوقّف فيه المشروعات والأعمال وربما حتى الخاصة.. ويختمر في القلب أن التقرب إلى الله في الشهر الكريم رهنٌ بتعطيل الحياة العامة. بالله انظروا في التاريخ.. كم عدد الفتوحات الإسلامية العظيمة التي جَرت مَعاركها في عز الصيام والقيام في شهر رمضان.. على رأسها فتح مكة.. أعظم الفتوحات والتي أكرمها القرءان بتخليد ذكرها في آياته الكريمة.. وحتى في التاريخ المعاصر.. حرب 6 أكتوبر 1973 وافقت العاشر من شهر رمضان.. أنجز فيها الجيش المصري أعظم حروبه في التاريخ المعاصر وأخرج الجيش الاسرائيلي من أرض سيناء بعد عبور أقوى مانع طبيعي وصناعي معاً (خط بارليف) في رابعة النهار.. والجنود المصريون الأبطال صائمين رفضوا الإفطار. قيمة العبادة أن تكون دافعاً للعمل وإلّا أصبحت العبادة نفسها فصلاً للدين من الدنيا.. فلم يخلق الله رمضان مُوسماً لتعطيل الأعمال العامة.. بل كل النصوص المُقدّسة والشريفة التي شرَّعت لرمضان أكّدت على معاني العمل في مقابل التعطل.. فالعبادة ما جُعلت لتكون اعتزالاً لتكليف عمارة الأرض واستخلافها.. بل لتعزيز قيم العمل والسعي في دُروب الدنيا بالمعروف. لكنّ الناظر لحالنا في رمضان.. يدهش للإحساس الكبير في دواخل الناس بأنّهم مُقبلون على موسم الضجر نهاراً والتُخمة والتسلية ليلاً.. لا أفهم لماذا تعلن الحكومة تخفيض ساعات العمل في نهار رمضان.. صحيحٌ البعض من كبار السن أو من لا يقدرون على احتمال الصيام لأسباب صحية قد لا تُساعدهم أحوالهم على العمل نفس الساعات قبل رمضان.. لكن الأصح أنّ ذلك هو الاستثناء الذي يجب التأكيد على كونه استثناءً بدلاً عن تكريسه وتعميمه.. فالإعلان الرسمي عن تخفيض ساعات العمل هو إيحاء لكل المُجتمع بأنّ هذا الشهر الكريم تضمحل فيه قيم العمل.. فيختلط فهم الناس بأنّ التقرب إلى الله في الابتعاد وهجر العمل والسعي في دروب إعمار الأرض.. الأجدر أن تستمر الأعمال العامة (وخاصة دواوين الحكومة) في نفس تواقيتها قبل رمضان.. بل التنافس والسباق في إظهار القدرة على العمل أكثر.. والإخلاص فيه خلال رمضان هو الأولى.. على نقيض ما يفعله الموظفون في الأرض.. الذين يتركون حاجات الناس ويتباطأون في العمل.. فيطيلون فترات البقاء داخل المساجد المُكيّفة في مواقع العمل، بينما الناس من طالبي الخدمات الحكومية يَنتظرونهم أمام مكاتبهم بلا جدوى. وبعض مكاتب الحكومة تمعن في استقطاع الزمن للتلاوة مثلاً.. أو دروس شرعية خلال ساعات العمل.. وفي القلب إحساس أنّهم يتقرّبون إلى الله بابتعادهم عن خدمة الناس.. هذا فهم معتل للدين أولاً ولرمضان ثانياً.. ولمعنى العبادة ثالثاً.. مارس عملك كالمُعتاد.. وأعلم أنّ الله فضّل العاملين على القاعدين درجة.. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة