في 27 نوفمبر 2016 ، دخل الشعب السوداني في عصيان مدني شامل لمدة ثلاثة أيام ألقن فيها النظام السوداني درسا في النضال والمقاومة الشعبية جعله يهلوس ويهضرب ليلاحق بالإعنقال النساء واستهداف الناس داخل منازلهم وبيوتهم بحجة الغياب عن العمل وتُهم أخرى. لم يكن تنظيم العصيان المدني عملا حزبيا على الاطلاق ، بل تم تنظيمه من قبل نشطاء ومقاومة شعبية احتجاجا على السياسات الإقتصادية للنظام الحاكم ، وكان تنظيما رائعا مذهلا وناجحا بكل المقاييس السياسية والإقتصادية لدرجة بدأ النظام متخبطا تجاه الإجراءات التقشفية التي اتخذها قبل 27 نوفمبر. ولمّا كان العصيان المدني قد حقق هدفه المرسوم في مرحلته الأولى ..عقد تجار السياسة والبلطجة من الأحزاب والحركات السودانية الخائبة اجتماعات طويلة قررت فيها عرض بضاعتها التي انتهى مفعولها وتخرج منها رائحة نتنة تزكم الأنوف وتقفل أبواب العقول للشعب السوداني البطل الذي انهى للتو عصيانه المدني. جاءت البضاعة النتنة والفاسدة في شكل بيانات تهنئة وتأييد واشادة والطلب بالتنسيق والتواصل مع منظمي العصيان المدني...هكذا تصرفت المجموعات السياسية المنتشرة في أسواق عواصم العالم بدءاً بالإمام الصادق المهدي وحزبه الأمة القومي في جمهورية مصر ، مروراً بحركة العدل والمساواة وحركة مناوي في مكان ما في أفريقيا ، وصولاً إلى حركة عبدالواحد محمد نور بالعاصمة الفرنسية باريس ، دون أن ننسى بعض مجموعات المعارضة الداخلية كقوى الجماع الوطني والمليشيات المدنية التي تدعي المعارضة وبعض الشخصيات الوهمية. الشعب السوداني الأبي صبر 27 وعشرين عاما من حكم الفاشية الإسلامية الوقحة ، وخلال هذه السنوات العجاف لم تكن القوى التي تسمي نفسها بالمعارضة جادة في احداث التغيير المطلوب ، بل كان من أكبر نكباتها وخيباتها هي محاولة التعايش مع نظام الحكم بدل اسقاطه، والأكثر بؤساً من كل ذلك تكشف إفلاس هذه المعارضة السياسية من امتلاكها أي مشروع سياسي يمكن أن يرضي طموح الشارع السوداني ، وهي بالتالي غير جديرة بأن تقود هذا الشعب العظيم الذي وجد لنفسه طريقا لإسقاط البشير ونظامه عبر العصيان المدني. الشعب السوداني ليس سلعة معروضة للبيع حتى تتقاذفه المعارضة الخائبة في مزادات الأسواق اللاأخلاقية، وعليها عدم التعامل معه بعقلية التاجر الذي يرهن سلوكه لمن يدفع أكثر..فهل هناك ما هو أكثر إجراماً من هذا؟.. أين كانت همة هذه المعارضة ولسبع وعشرين عاما عانى خلالها الشعب السوداني أشد المعاناة وذاق فيها مرارة الديكتاتورية البشيرية لتأتي اليوم بعد أن أخذ الشعب مقاليد شئونه لتقول انها مستعدة للتنسيق مع لجان المقاومة في الداخل من أجل اسقاط النظام؟.. ليست المرة الأولى أن تسرق الأحزاب السياسية ثورة الشعب السوداني العظيم ، فقد سبق لها ان سرقت أكتوبر 1964 وأبريل 1984 ، وهي إذن معروفة كونها تعيش بعقلية التاجر لإشباع رغباتها دون النظر إلى مصالح وحقوق الشعب، وما الشعارات السياسية التي تطرحها سوى غطاءً لأهداف شيطانية تتلاعب في مصير ومستقبل الشعب، وتعتقل عقل الإنسان البسيط الذي لا يستطيع أن يرى سوى ما يلمع من هذه السلع السياسية النتنة المعروضة. الشعب السوداني لا يحتاج إلى معارضة خائبة لا تقدم ولا تؤخر ، ولا لتجار السياسة والأفكار المزيفة، لأن كل ما نسمعه ونقرأه من خطب وبيانات تصدر عن الأحزاب التي تسمي نفسها بالمعارضة بعيدة كل البعد عن أحلام الشعب السوداني ، وقادتها أبعد ما يكونون عن الإيمان بهذا الشعب وأحلامه، بل ما يؤمنون به هو إشباع رغباتهم في السلطة والنفوذ بخداع من يسير وراءهم. من يعتقد أن المعارضة في السودان تستطيع انقاذ الشعب من نظام البشير فهو يخدع نفسه ويخدع معه غيره ، فمن فشل في إيجاد مشروع سياسي بديل لسبع وعشرين عاما لا يمكنه أن يقدم نفسه اليوم منقذا ً... وكفى استهبالا ونفاقا وخداعا ...فقد سئم الشعب السوداني الوعود الكاذبة التي تطلقها المعارضة لإسقاط النظام من وقت لآخر. لقد أثبت العصيان المدني الأخير بجدارة متناهية بأن المعارضة السياسية غير مؤهلة وغير قادرة على اسقاط نظام الحكم ، وأنها تعيش معزولة عن أنين وتوسلات الفقراء واليتامى والارامل والعاطلين عن العمل ، وعليها ان لا تخرب على الشعب حراكها السلمي الذي انتهي يوم 29 نوفمبر في مرحلته الأولى ومراحل أخرى قادمة حتى ذهاب البشير وعصابته المستبدة ...لقد سئم الشعب جعجعة المعارضة وخذلانها ، فالبلاد تقف على مرجل يغلي بهموم الناس ، فالتسويف والكذب لن يخدم شيئا ، بل الإذعان إلى مطالب الشعب وتلبيتها دون تأخير ، وإلا فإن هذا المرجل الذي يغلي سينقلب ويصلي رؤوس النظام والمعارضة معاً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة