حزنت و أنا أقرأ حكايات الأخ/ ( سعيد) مع نظام الانقاذ الذي ( أشقاه) فهرب مع الكفاءات و الخبرات الهاربة بعد أن تم فصله مع الكفاءات و الخبرات المفصولة للصالح العام!..
الباشمهندس/سعيد محمد عدنان كان زميلاً لي في الفصل بخور طقت الثانوية.. و أخوه التوأم البروفيسير/ سعد محمد عدنان زميلاً في داخلية ( ود تكتوك) بالمدرسة.. و كانا من أذكى تلاميذ الدفعة.. أيام كان للسودان معنى الإباء و الشمم! و إن أنسى لا أنسى توأمه سعداً الذي حزن جداً حين تم فصلي من المدرسة.. و لما آن أوان مغادرتي المدرسة إلى الأبيض ومنها إلى الأبيض، قال لي:- ( عليك الله يا عثمان ما تخلي القراية!" و أهداني قاموس أوكسفورد ( إنجليزي/إنجليزي).. فقد كنا من زبائن القنصلية البريطانية المواظبين على استلاف كتب منها في مختلف علوم المعرفة، بالرغم من وجود مكتبة ثمينة و ( سمينة) بالمدرسة..
حكايات سعيد عن ما حدث لمشاريعه في السودان أهاجت الشجون، شجون الاغتراب، أيامها، و العودة في الاجازات.. و الخوف من عدم الوصول إلى الأهل و أنت في مطار الخرطوم.. و فجأة تسمع صوتاً ينادي اسمك الثلاثي في الميكرفون الداخلي.. تذهب إلى مكتب، داخل المطار، حيث طُلب منك الذهاب.. فيقولون لك أنك لستَ المطلوب.. تتنفس الصعداء..! تنقضي فترة الاجازة، تعود إلى عملك.. و تقضي الفترة المنصوص عنها في عقد العمل لأخذ الاجازات.. تعد نفسك لقضاء الاجازة في السودان.. و أنت في الطائرة ، تبدأ تفكر طوال الرحلة في ( المجهول) و ( اللا متوقع) في مطار الخرطوم.. و تتكرر المشاهد.. إجازة بعد إجازة.. تفتيش سخيف و رعب عام داخل المطار و ( العيون) الوقحة تراقب تحركاتك ذهاباً و جيئة داخل الصالة..
العديد من المغتربين كانوا يتحاشون المجيئ إلى السودان بسبب التعقيدات التي تقلق إجازاتهم، فيذهبون لقضائها في مصر.. و ربما في جنوب شرق آسيا أو أي مكان عدا ( أحب مكان...!)
و حين تعود لتستقر في السودان ، نهائياً، تبدأ مأساة جديدة، أهمها البحث عن الحقوق.. حقوق لك تغتصبها اجراءات تمت شرعنتها ل( تهميشك) و ( تمكين) ذوي الصلة ب( إسلام الانقاذ) رغم أنف الدين الاسلامي الحنيف.. و تبدأ صحيفة أعمالك تسجل كلمة ( رِاشٍ).. و ربما فكرت أنت في الآخرة و الحساب و أنت ( تدفع).. و لا يفكر المرتشي بالنار التي سوف يدخلها، و لا يكتفي بما ( تدفع) بل يطلب المزيد، و المزيد دائماً، فهناك ( رؤوس) تقاسمه ما تعطيه من رشىً تفضي به و بِهم أجمعين إلى نار جهنم في يوم الفصل.. يومٌ آتٍ لا ريب فيه.. و ربما يكون المرتشي و جماعته ( خالدين مخلدين فيها أبداً)!.. فهُم الذين يتشدقون، في إصرار:- " لا لدنيا قد عملنا....!"
إن المرتشين من الموظفين كُثر.. و السماسرة من غير الموظفين أكثر، و منهم شيخ الملجة في سنار، و الذي تحدثت عنه اخي سعيد.. و كلهم ( جوكية ) يعملون عند مانحي ( التصاديق) المختبئين خلف الترابيز داخل المكاتب الفخيمة.. يأتيهم الريع، آخر كل يوم ، في شكل رِزم من ملايين مؤلفة من الجنيهات..
أخي سعيد، ( ليس من رآى كمن سمع).. و ليس من عاش مثل تلك الأحداث التي سردتَ كمن قرأ عنها.. بون شاسعٌ.. شاسع يفصل بين الحدث و معايشته.. بين أن تروي للسامعين وقائع جرائم يحرسها القانون.. و بين أن تكون أنت الضحية.. و القانون المسْتَجَد يقف من حيث ( الشكل و الموضوع) ضدك..
و حالك مثل حالي و حال إيليا أبو ماضي، و هو يناجي البحر:-".. أشبهت حالك حالي و حكى عذريَ عذرَك.. أنت مثلي أيها الجبار لا تملك أمرك!" وهي حال الغالبية الغالبة ( المغلوبة) من السودانيين..
فمن منا يملك أمره سوى شياطين الانس اللاهين في ملاعب يحسبونها ثغرات في الدين ينفذون منها إلى الدنيا ببساطة متناهية؟!
و حين قلتَ ما قلتَ عن الملجة في سنار:- " و هنالك سوق المَلَجة حيث تقوم ببيع منتجاتك، وهي مكانٌ جُبِل على المؤامرات لمحاصرتك لابتزازك ثم تحطيمك أو نهبك"... أخذتَني إلى الملجة في أم درمان.. حيث الذين ينتجون لا يربحون و و أصحاب الرخص التجارية هم الرابحون دون كد و لا عرق.. إذ يتحكمون في أسعار ( المنتوجات) ارتفاعاً و انخفاضاً في غياب نظرية العرض و الطلب..
و مع كل عدم العلمية في الاقتصاد ( العلماني)، يصر نظام الانقاذ على الانضمام لمنظمة التجارة العالمية ( العلمانية بعد أن أطاح بالقطاع العام خصخصة في خصخصة طابعها ( تمكين) الموالين له..
أخبرت أحد معارفي ذات مرة أن مجهودي الخاص باستعادة بعض حقوقي على وشك أن يؤتي ثماره.. ضحك ضحكة مجلجلة ثم أردف في ثقةً:- "مش ديل..؟ ديل ناسي و أنا عارفهم كويس! ما حيدوك حقك كان طرت السما!" .. فالرجل كان حكومة.. لكنه صار معارضة بعد انقصال ( الحبيس) عن ( الرئيس).. و قد صدق حتى الآن!
إن كل جدية في التخطيط و كل اجتهاد في محاولة التنفيذ تصطدم بجدار ( التمكين للصالح العام) في سودان ( الانقاذ) و إذا سألت عن مدلول الصالح و مدلول العام في إبعاد الكفاءات الخبرات و تقريب أنصاف الكفاءات و الخبرة، فسوف تعرف أن كلمة ( العام) تشير إلى سدنة النظام حصرياً.. و لا تدل على كائن عداهم في السودان بأي شكل من الأشكال!
و لم يتبقَ أمامنا إلا حمل السلاح.. أو الانتفاضة.. و ليس من الحكمة أن نربِّع أيادينا ( في انتظار جودو).. ليس من الحكمة إطلاقاً!
أخي عثمان ... إنني أغالب أدمعي وأنا في دهشتي أقرأ كلامك القوي العفيف كشخصك الذي لم يبرح ذاكرتي ولا هدأت عنه هواجسي... إنني في كل مجلس أحكي مأساة فصلك من المدرسة ظلماً وغياً ورياءاً، ولعله كان أول تجربة لظلم الحياة نعيشها في عمرنا الهش ذاك، فمكّنت من حساسيتنا للفساد وللرياء وللظلم لقد كنت أنت ولا زلت من أمثلة تشريد الكفاءات النادرة التي كان ينبغي أن تكتنزها أمتنا وتحميها بدمائها ودموعها، بدلاً من ذبحها كرامةً للسفهاء واللصوص حياك الله أخي الغالي وإنني أناشدك أن نتواصل لمعرفة كيف عيار الصبر والإيمان يا أخي، وساتصل بأخي سعد هذه اللحظة لأطلعه على مقالك الحي ذاك إنني أقول يا أخي عثمان قد بعثت مقالتك هذي في نفسي طمأنينة صادقة بأن النفوس الكبيرة بخير، رغم أن في مقالات سودانيز أون لاين ما يبين معادن رجال كثر، إلا أن هذه الطمأنينة من مقالك ازدانت وازدادت عمقاً لمعايشتنا كلنا سوياً اول تجرابنا منذ زمن الصبا في الكفاح والصبر والجلد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة