ربما لا أبالغ إن قلت إن ما أكتبه اليوم يمثل أس ورأس وأساس أزمتنا السياسية والاقتصادية رغم أنه لا يحظى بعشر معشار ما ينبغي أن يستحقه من اهتمام ولو توجهت الدولة إلى معالجته لربما تبدل حالنا وعبرنا بحر التيه والظلمات الذي نوشك أن نغرق في خضمه المتلاطم الأمواج إلى بر الأمان. هل تعلمون قرائي الكرام أن الشركات الحكومية هي مراكز القوى الحقيقية التي ظللنا ندندن حول خطرها الماحق الساحق والتي تقبض بخناق هذا الوطن المأزوم وتلعب دوراً محورياً في تحطيم اقتصاده وصناعته الوطنية وقطاعه الخاص بل وفي الفتك بمناخ الاستثمار وطرد المستثمر المحلي والأجنبي؟! لست أدري بأيهما ابدأ .. بتقليب المواجع من خلال الزفرات الحرى التي أطلقها الأمين العام العام للغرف الصناعية عباس علي السيد نحو حشر الدولة أنفها فيما لا يعنيها وتدخلها الجائر والسافر بل واحتلالها (واستعمارها) لأرض القطاع الخاص، أم ببشائر الخبير الاقتصادي بروف أحمد مجذوب رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان والذي وعد بخصخصة ما تبقى من شركات الجيش والأمن وقطاع السكر خلال هذا العام؟. أحمد مجذوب أكد بكلمات حاسمة أن الدولة يجب أن تتخلص من أي مشروع حكومي مشيراً إلى أن (الحكومة لم تخلق للزراعة ولا للتجارة ولا الصناعة وإنما يقتصر دورها على تقديم الخدمات العامة وأن سياسة الخصخصة تستهدف تمليك المؤسسات للقطاع الخاص لأنه أكثر كفاءة في مجال الإدارة. تعالوا بنا نرى بعضاً من الأوجاع التي يتلظى بها الاقتصاد السوداني بفعل تدخل الدولة في شأن لا يعنيها، فقد قال عباس علي السيد في حممه التي أطلقها باتجاه تدخل الحكومة في العمل التجاري إن (الحكومة الآن لديها شركات في كل قطاعات الانتاج والخدمات سواء شركات حزبية أو تابعة للأمن) مضيفاً بأن الشركات الحكومية تزداد يومياً وتتمدد في أهم قطاعات الصناعة وفي مجال لم يكن للحكومة وجود فيه هو قطاع النسيج لكن الحكومة الآن مع شركائها احتكرت القطاع وتنافس في قطاعات الصناعات الجلدية والتعدين. المؤسف أن الرجل بلغ به التشاؤم درجة أن يزهد في أن تقوم الحكومة بتصفية شركاتها حيث قال : (خلوا شركات الحكومة العاملة الآن تواصل عملها لكن امنحوا القطاع الخاص الحق في منافسة عادلة مع تلك الشركات الحكومية التي يجب أن تعامل بنفس الشروط وبذات الظروف التي يعامل بها القطاع الخاص ونحن نعتقد أن كثيراً جداً من شركات الحكومة محمية لذلك هي قادرة على تجاوز الصعوبات التي تعطل القطاع الخاص ولا توجد عدالة في المنافسة معها). صدق عباس علي السيد ووضع يده على الجرح النازف الذي دمر الصناعة الوطنية أو كاد وأدى إلى تعطيل أكثر من 80 % من المصانع. في إحدى زيارات منبر السلام العادل إلى القضارف استأجرنا إحدى عربات الليموزين التابعة لإحدى شركات الجهات الحكومية النافذة وكان السائق كلما مر بإحدى نقاط التفتيش يقدم بطاقته ولا يدفع الرسم المقرر فكيف بربكم تنافس شركات الليموزين الخاصة هذه الشركة الحكومية المعفاة من الرسوم؟. ما ضربت هذا المثال التافه مقارنة بالمجالات الكبرى التي تدر المليارات إلا لأبين أن الحكومة وبعض جهاتها النافذة لم تترك شاردة ولا واردة إلا ودخلتها منافسة للقطاع الخاص وطاردة له من السوق السوداني الذي بات حكراً لها ولم تنس تلك الجهات حتى إنشاء شركات الدلالة بل أنها تعين النافذين في بعض الوزارات المهمة مثل وزارة المالية لكي يحتكروا لها العمل في الحكومة ولذلك لا غرو أن يقول عباس علي السيد إن الشركات الحكومية محمية ومدعومة. وبالرغم من ذلك تنشأ وزارة للاستثمار بغرض جذب المستثمرين ورجال الأعمال الأجانب في وقت يهرب فيه رأس المال السوداني إلى دول أخرى قريبة مثل إثيوبيا أو بعيدة مثل ماليزيا ودبي. هل فهمتم قرائي لماذا تتوافر الأموال (الترليونية) لبعض مراكز القوى التي تتكرم بالتبرع بالمليارات دعما لبعض الأنشطة الاجتماعية في الأحياء بالرغم من أن جزءا كبيراً من موازنة الدولة تصرف عليها؟. أعود غداً بإذن الله لبشريات بروف أحمد مجذوب لأسال إن كان بمقدور الرجل الوفاء بما وعد به. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة