قلنا منذ البداية وقال معنا آخرون ، أن المشهد العام لآليات العمل واللجان التي (إبتدعتها) حكومة المؤتمر الوطني لتدشين أعمال حوار الوثبة ومنذ البداية كانت تحمل في طياتها مؤشرات واضحة لما يمكن أن يحدث من (مماطلات) و(إلتفافات) حول أعناق الحقائق ، ولكن الحصيفين وبعيدي النظر هم ذات الأشخاص الذين إستطاعوا أن يروا تلك الإشارات منذ البداية فقرَّروا البُعد وعدم المشاركة ونحمد الله أنهم فعلوا ذلك لأنهم لو لم يفعلوا لفقدنا الأمل في مستودع الحكمة في بلادنا هذه التي بات يتناوشها الوجع من كل جانب ، أقول هذا وقد بدأت الشكاوى تترى من الكثير من الخبراء والمختصين والمقررين والمُحلِّلين في العديد من اللجان المتخصصة العاملة في صياغة ما تم الإتفاق عليه عبر عشرات بل مئات من الجلسات (الحوارية) التي جمعت الفرقاء (المُختلف) عليهم من حيث الفعالية والتأثير والمكانة الشارعية ، حيث صرّحوا وقالوا أن أغلب أو مُجمل ما تم الإتفاق عليه بشق الأنفس في تلك الجلسات الشائكة ، قد ضُرب به عرض الحائط وتم تعديله بما لا يتوافق والمضامين والأشكال التي تم التواثق عليها فضلاً عن أن بعضاَ منها قد تم تحويله إلى النقيض تماماً بلا حياءٍ ولا خجل ، ومثال على هذا ما تباكى عليه الكثير من المنتمين إلى لجنة الحريات التي (أفرغت) بنودها تعديلات بدرية سليمان من محتواها وأدواتها وأهدافها التي سعت إليها ، ثم ماذا بعد هذا .. على ما أظن لم يتبقى إلا أن يعترف الذين شاركوا في حوار الوثبة بأنهم كانوا (حالمين) أو (طامعين) لأن معظم الذين شاركوا لم ينطلقوا في إلتفافهم حول مشروع الحوار إلا من باب الأمل في الحصول على ميزة المشاركة في حكومةٍ قادمة والتمتع بلذة المنصب والسلطة والنفوذ وربما (التكسُب) مُتعدِّد الأوجُه من حيث شرعيته أو عدمها ، وجب على هؤلاء أن يعلموا أن الحوار مع حكومة المؤتمر الوطني التي على ما يبدو إختارت ورجَّحت كفة حلفائها القدامى على المستوى الفكري والتنظيمي على من جاءوا يلهثون وراء مشاركتهم الإستحواز على مُقدَّرات البلاد و العباد ، أن الحقيقة المطلقة التي لا يشوبها الشك أو الإحتمالات أن مبدأ أن الحوار مع الوطني كان ينبغي أن يكون فقط حول (كيفية تنازله عن السلطة) لإضفاء روح الشرعية بأمر القانون والدستور بحسب ما يتم الإتفاق عليه عبر فترة إنتقالية تُمهِّد لمبدأ التداول السلمي و(الشرعي) للسلطة ، أما ما قامت به اللجان المتخصصة فيما أسموه الحوار ليس سوى عمل فني ومتخصص في مجالات صحيح أنها هامة ومُلِّحة و لكنها لن تفيد إلا الإستدلال عبر التوافق والإتفاق لتحرير دستور نهائي شامل ومُتفق عليه يُعبِّر عن الإرادة القومية السودانية ، إذن فالحوار إن كان المقصود منه إعادة صفة الشرعية لمنصة السلطة وإنهاء الحروب الإقليمية المُستعرة وبسط الأمن العرقي والفكري والثقافي عبر الدستور فهو لن يحتاج إلى لجان فرعية ولا بحثية عامة أو متخصصة ، بقدر ما يحتاج إلى توافق القوى (الفاعلة) الحقيقية والمؤثرة على الواقع الميداني السياسي والعسكري والثقافي على حلول تستطيع أن تستشرف آمال وطموحات البلاد والعباد المستقبلية ، أما ما تبقى من تفاصيل فكفيل به من سيُنتخبون لإعداد الدستور الجامع من شتى الإتجاهات السياسية والعلمية والفكرية والثقافية و هُم كُثر في بلادنا ومعظهم لا تشوبهم شائبة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة