تننفست الصعداء بعد توضيح مطمئن من مجلس الصحوة الذي يرأسه الزعيم القبلي موسى هلال أزال كثيراً من المخاوف حول مواقف الرجل الأخيرة سيما وأنه كان قد أصدر بياناً ملتهباً أرغى فيه وأزبد وأبرق فيه وأرعد وتوعد وتجاوز فيه الخطوط الحمراء. لم أكن أتوقع أن يصدر ذلك البيان الغاضب من الرجل الذي ظللت أرى فيه حكمة وبعد نظر والذي جمعتني به عدة جلسات بعضها في بيتي وأخرى في بيته ظننت بعدها أنني أعرفه كما أعرف نفسي ولكن ! على كل حال فقد تعلمنا في دنيا السياسة خلال عمرنا هذا الطويل أن هذه المضغة التي تحملها أجسادنا تتقلب كما الليل والنهار ولا لاجم لتقلباتها بين الخير والشر إلا إيمان لا يتزلزل وتجرد ونكران ذات لا تزحزحه الأهواء وحظوظ النفس الأمارة كيف وقد عصا أبونا آدم خالقه سبحانه واستجاب رغم التحذير الرباني إلى إغراء إبليس الذي تسلل إليه من خلال نقطة ضعفه الكبرى المتمثلة في شهوة السلطة (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) ولذلك فإن معظم مغاضبات الرجل كانت مرتبطة بالموقع الذي يطلبه في هرم السلطة سيما بعد أن تابع الصعود الكبير لتلميذه وابن عشيرته قائد الدعم السريع حميدتي الذي وصل إلى رتبة الفريق ومنح من الإمتيازات ما أسال لعاب أصدقائه وأعدائه. ظل موسى هلال منذ أن بدأ إطلالته على مسرح السياسة السودانية متأرجحاً بين الرضا والقبول إلا أنه يبدو أن ما فجّر غضبته الأخيرة مطاردة قوات الدعم السريع لبعض من استجاروا به من المتمردين الفارين من معركة وادي هور وبالرغم من أن هلال خفّف من حدة بيانه الأول وأوضح أنه أبعد أو طرد الذين لاذوا به إلا أن مجرد احتماء هؤلاء المتمردين به يطرح عدة أسئلة حول تلك العلاقة المثيرة للتساؤل ؟! مما زاد من وتيرة التكهنات ذلك البيان الذي صدر عن المتمرد النزق المدعو علي مجوك الذي حاول أن يجد له موطئ قدم ومكانة يمارس من خلالها طيشه المعروف لإثارة الفتنة ووالله أنني لحزين أن تمرد دارفور استغل بشكل بشع من قبل كثير من ضعاف النفوس لتحقيق مآرب ومكاسب شخصية ولا عزاء للوطن الجريح. فقد هرف علي مجوك بساقط القول مانحاً نفسه دور حامي الحمى والمدافع الأكبر عن هلال وأضاف أنه ، إذا قُتل هلال أو حدث له مكروه فإنهم سينقلون المعركة إلى الخرطوم وخاطب كل قبائل دارفور لتتحد لتحرير المركز . نحمد الله أن حزب علي مجوك أنكر عليه غضبته التي نشرها في الوسائط الإلكترونية وقال إن الرجل خرج على النظام الأساسي للحزب وذاك يقتضي في رأيي إجراء عقابياً يجرده من الصفة التي يحاول أن يصطاد بها في عكر ماء الأزمة . نرجع للمهم لأقول إن أول ما لفت نظري في شخصية موسى هلال ، منذ أن عرفته ، أناة وحكمة وعدم تعجل في إصدار الأحكام والقرارات ولعل تلك الصفات مما جعله يقفز متخطياً أشقاءه الكبار لينال ثقة والده لوراثة زعامة قبيلة المحاميد فتخيلوا حروب داحس والغبراء التي يمكن أن تنفجر بين القبائل لو تولى قيادتها النزقين وقصار النظر ممن لا يستحقون مواقع الزعامة. تلك الحكمة والأناة التي يلحظها من يجالس هلال هي التي جعلته يراجع نفسه في اليوم التالي ليسحب البساط من تحت أقدام من أخذوا يتكأكؤون عليه خاصة من أعدائه من لوردات الحرب الذين دب فيهم أمل جديد بعد الهزائم النكراء التي تجرعوها فقد وجدوا ضالتهم في الرجل بعد أن تحطمت كل آمالهم ولكن هل يمكن لهلال أن يضحي بالإستراتيجي في مقابل التكتيكي وبالثابت في سبيل المتغير وهو يعلم أن هؤلاء يبغضونه بأكثر مما يبغضون الحكومة التي يحاربون؟ لا يمكن لهلال أن ينسى أنه كان يعرف في أدبيات وشعارات وخطابات متمردي دارفور وفي حملات تنظيمات (انقذوا دارفور) التي كانت تجوب عواصم العالم بزعيم الجنجويد الأكبر الذي لطخ اسمه بأحاديث الإفك كما لطخ اسم السودان كما كان يشغل حيّزاً كبيراً في تقارير السفارات الغربية. أعلم أن هلال قد تعرض خلال فترة الحرب الطويلة منذ عام 2003 لإغراءات كثيرة من سفارات غربية كانت تسعى إلى تأجيج الصراع من خلال توظيفه في مقابل تخفيف الحملة عليه وأعلم أنه صمد بعزة وشموخ في وقت كان أحوج ما يكون إلى ما يبرئ ساحته أمام أولئك الأشرار . ذلك كله وغيره ما يجعلني أثق في أنه لن يضعف مهما تزايد شعوره بالغبن ومهما تواترت عليه إغراءات شياطين الإنس والجن فوالله أن تجربة لوردات الحرب والمتمردين الذين تسببوا في تقتيل أهليهم في دارفور وفي تشريد عشرات وربما مئات الآلاف من النساء والشيوخ والأطفال وفي تدمير البنى التحتية وفي الإضرار باقتصاد البلاد وفي تشويه سمعتها بين الأمم بدون أن يجنوا من ذلك أدنى فائدة بل عكس ذلك تماماً إذ فقدوا رضوان ربهم وشعبهم وسطروا أبشع صفحات التاريخ الذي لن تنساه ذاكرة هذا الجيل وأجيال المستقبل ..إن ذلك كله سيجعله يتردد ألف مرة قبل أن يُقدم على ما يزيد من الفتنة التي تمرغ وطننا في وحلها وتقلب في جمرها. أني لأطلب من الرئيس البشير شخصياً أن يُوفد من يلتقي بموسى هلال ويستمع إليه فمعظم النار من مستصغر الشرر. أخيراً فإن التعامل مع الدعم السريع سيما بعد الإنجازات العظيمة التي حققها لوطننا المأزوم تحتاج إلى بصيرة نافذة فهلا تعاملنا مع الأمر بحكمة تجنب البلاد مآلات لا يعلم بها إلا الله ؟! assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة