اتفقت الدول الأفريقية على تقديم نموذج العدالة الانتقالية كبديل للمحكمة الجنائية الدولية، يأتي هذا الأمر في إطار خطوات متصاعدة وبروز موقف أفريقي جماعي من المحكمة الجنائية الدولية، قد ينتهي بانسحاب جماعي، بعد قراري كل من بورندي وجنوب أفريقيا. للدول الأفريقية المنضوية تحت إطار الاتحاد الأفريقي ملاحظات ضاجة بالشكوى من المحكمة الجنائية الدولية لاعتقاد سائد بأنها تستهدف الحكومات الأفريقية وحدها، ولهذا برز هذا الموقف الجماعي، ولهذا أيضاً برز الاتجاه لفكرة العدالة الانتقالية. يشير تعريف العدالة الانتقالية إلى مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات. ويأتي هذا لأن أجهزة العدالة التقليدية غير قادرة على معالجة كثير من الظلامات والانتهاكات، إما لقصور في القوانين، أو لطريقة تركيبة وعمل هذه الأجهزة. ويصلح هذا النموذج للدول التي تخرج من حرب أهلية أو صراعات مسلحة أو أزمات سياسية كبيرة بسبب نظم الحكم الشمولية، وهي المجتمعات التي تعرف بمجتمعات ما بعد النزاع، أو الديمقراطيات المستعادة. ويعني هذا أن العدالة الانتقالية لا بد أن تتم في إطار مصالحة واتفاق وطني شامل، تستلزم إجراءات انتقالية وإرادة سياسية حقيقية في الانتقال من مرحلة سياسية إلى مرحلة أخرى جديدة مختلفة تماماً. وهناك تجارب أفريقية وعالمية ناجحة يمكن الرجوع إليها والاقتداء بخطواتها، ومنها تجربة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا، وتجربة الإنصاف والمصالحة في المغرب، وغيرها. العدالة الانتقالية فكرة سامية وعملية لمعالجة جراحات الماضي وتطهيرها، وتمهيد الأرض لمرحلة جديدة، لهذا تقتضي عملية تحقيق وتحرٍ وبحث حقيقي عن كل ما جرى، وإحالة المسؤولين عن الانتهاكات والجرائم للقضاء، وتعويض المتضررين فيما يعرف بجبر الضرر. في بعض الدول تحملت الدولة مسؤولية ما حدث وأجرت تعديلات كبيرة في السياسات والقوانين وتحملت تعويضات المتضررين، وقدمت اعترافات واعتذار صريح لهم عن كل ما حدث. معرفة هذه الأمور مهم، حتى لا يظن البعض أن العدالة الانتقالية مجرد فكرة ومناورة لتجاوز المحكمة الجنائية الدولية والإفلات من العقاب. هي مسألة تحتاج لإرادة وعزم ومعرفة وخبرة. وهنا في السودان كانت هناك مبادرات كثيرة بعد توقيع اتفاق السلام الشامل لطرح الفكرة ودعوة الدولة والأطراف السياسية لتبنيها، استناداً على المادة (21) من الدستور التي تنص على " تبتدر الدولة عملية شاملة للمصالحة الوطنية وتضميد الجراح من أجل تحقيق التوافق الوطني والتعايش السلمي بين جميع السودانيين." ولدينا خبراء وطنيون لهم كتابات وبحوث وإسهامات إقليمية ودولية في مسألة العدالة الانتقالية، منهم الدكتور أمين مكي مدني والأستاذ كمال الجزولي، وهما يجوبان العالم يتحدثان ويحاضران في العدالة الانتقالية، دون أن يطرب لهما وطنهما. مرحباً بالعدالة الانتقالية إن توفرت الجدية والإرادة السياسية والأجواء المناسبة altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة