*كنت في معية زميلين نجلس إلى الشيخ الترابي رضي الله عنه وأرضاه ..كان ذلك قبيل شهر من رحيله عن دنيانا ..غضب الترابي كما لم أره من قبل حينما أبديت عدم تفاؤلي بمبادرة الحوار الوطني، بل كاد أن يرمي الألواح في وجهي..طلب مني في حدة تقديم أي تصورات بديلة ..في خاتمة اللقاء طلب مني والزميلين عثمان ميرغني وإمام محمد إمام دعم هذه المبادرة باعتبارها المخرج الوحيد الآمن..حينما زار الترابي مكتبه لآخر مرة في صباح ذاك السبت كان يحاول أن يضع اللمسات الأخيرة التي تنقذ الحوار المتعثر. * مضت أيام طويلة بعد أن رفعت الأقلام وجفت الصحف في قاعة الصداقة.. لجان الحوار الست رفعت توصياتها النهائية، وبتنا في انتظار انعقاد الجمعية العمومية للحوار الوطني لحسم الخلافات.. أبرز توصيات الحوار الوطني تعيين رئيس وزراء يكون مسؤولاً أمام البرلمان..كما شملت ذات التوصيات توسيع البرلمان الحالي بحيث تجد قوى الحوار نصيباً في الجهاز التشريعي، وكذلك في الجهاز التنفيذي ..كما شملت التوصيات إصلاحات حقيقية في مجال الحريات وتوطين دولة القانون. * أسابيع عديدة مضت ولم يعد أحد يتذكر الحوار الوطني ..حتى الحديث عن تزوير بعض المخرجات بات أمراً خارج اهتمام النخب..بل هنالك ملفات أخرى نالت اهتماماً على شاكلة استفتاء دارفور ..كان من الممكن أن تغير مخرجات الحوار مسرح الأحداث هنالك بالكامل، ولكن السلطة مضت في إنفاذ ترتيبات وثيقة الدوحة متجاهلة أن قضية دارفور ذاتها تم قتلها بحثاً في أضابير الحوار. نالت قضية الحوار بعض الاهتمام مطلع هذا الأسبوع بعد أن دفعت بعض الشخصيات القومية بمذكرة لرئيس الجمهورية.. هنا فقط انتبه أهل الحكم إلى الحوار المجمد في الثلاجة الحكومية..ولأن اللسان الحكومي عاجز عن الإبانة تمت الاستعانة بخدمات الأستاذ كمال عمر المحامي والأمين السياسي للمؤتمر الشعبي.. كل دفاعات الفريق الحكومي أن المذكرة لم تصل إلى الرئيس، وأنها مازالت بين يدي وزير رئاسة الجمهورية. * في تقديري أن الحوار الوطني فقد قوة دفعه الذاتية بوفاة الشيخ حسن الترابي ..وان المشروع برمته كان من بنات أفكار الشيخ التي وجدت هوى عند رئيس الجمهورية .. برحيل الشيخ الترابي بات الحوار بطاقة ضغط تستخدمها الحكومة عند اللزوم .. الآن الحكومة مهتمة جداً ولها الحق في ذلك بخارطة الطريق التي أعدها ثامبو امبيكي ووقعت عليها، وامتنعت أطراف المعارضة المسلحة والمدنية من التوقيع عليها..وبما أن خارطة الطريق وجدت التأييد من الاتحاد الأفريقي والأوربي وعدد من الدول ذات الوزن، فبدأت الحكومة تراهن على تلك الخارطة ..إلى هنا سيكون الحوار محفوظاً في الثلاجة الحكومية..إن نجحت مساعي لجنة أمبيكي فسيلحق الحوار بصاحبه ..إن لم تنجح مساعي الخارطة الأفريقية فسيفرغ الحوار من مضامينه، ويصبح مجرد حكومة جديدة موسعة، تتسع لبعض من القوى السياسية التي تنادت إلى قاعة الصداقة تبحث عن مخرج فوجدت وظائف رابحة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة