جاء فى الأخبار بأن الحركة الشعبية - قطاع الشمال أعلنت الوقف الفوري للتفاوض وكل أشكال الاتصال السياسي مع حكومة السودان، استناداً إلى إتهامات ضد الجيش السوداني وذلك بإستخدامه لأسلحة كيماوية في منطقة "جبل مرة" و منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق . فالحركة الشعبية-قطاع الشمال،شأنها شأن التنظيمات الأخرى في السودان،سلمية كانت أومسلحة،بحيث أن جميعها،أصابها داء التشرزم والإنقسامات الأميبية،من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار،ولا شك ان هذه الانقسامات التى حدثت في التنظيمات المذكورة أعلاه،وبالطبع الحركة ليس مستثناة منها،أسبابها كثيرة لا حصر لها،وعلى سبيل المثال لا الحصر،إنعدام المؤسسية داخل هذه التنظيمات،عدم وضوح الأهداف التى قامت من أجلها،تفشى القبلية والجهوية بصورة مزرية،عدم الوعى السياسى وانعدام الوعى الدينى ،ضعف النفوس في مقاومة الوظيفة العامة والتى تأتى بطرق ملتوية،وإنعدام الضمائر في العمل الجاد من أجل الوطن أولاً والحزب ثانياً. لاشك أنه ليس من أحد ينكر أو ينتقص من معظم الأفكار النيرة التى تطرحها الحركة الشعبية -قطاع الشمال في برنامجها (المنفستو)،ليس من أجل أهل المناطق المأزومة بالحروب والتى تمثلها فحسب،ولكن من أجل كل أهل السودان،لكى ينعموا بدولة المواطنة ،حيث يتساوى جمع المواطنين فى الحقوق ،وتظل المبادئ السامية من مساواة وعدالة وحرية،هى ركائز سودان المستقبل وشعبه الأبى. ولكن بالرغم من قيام الحركة الشعبية-قطاع الشمال مع القوى السياسية والعسكرية الأخرى ،والتى تكون نداء السودان،بالرغم من قيامها بالتوقيع على خارطة الطريق مع حكومة السودان،مما جعل الشعب السودانى،يتفاءل بقرب وصول البلاد لسلام دائم،ووقف الحرب الأهلية والتى طال أمدها وقضت على الأخضر واليابس،وتشرد أبناء المناطق المأزومة بالحرب من بين لاجئ ونازح ،أو مفقود أو مقتول ،وهنا قطعاً الضرر الأكبر ،أم الضرر الأخف فى المناطق الأخرى والتى تعيش حالة من السلم،فنجده فى الغلاء الفاحش لأسعار السلع الضرورية،والسبب هو توجيه أو رصد نسبة كبيرة من الميزانية للأمن والدفاع،أى للحروب الأهلية التى تدور رحاها اليوم فى المناطق المذكورة أنفاً،مما يجعل كل الحاجيات الضرورية التى يحتاجها المواطن العادى صعبة المنال،وذلك لأنها من غير دعم من الدولة،بل تسعى الدولة لفرض سياسة تحرير السوق في بلدٍ،لم تتوفر فيها ادنى مقومات السوق الحر بعد. وبلا ريب فإن توقيع الحركة الشعبية -قطاع الشمال مع بقية قوى نداء السودان لخارطة الطريق ،تعتبر خطوة في الإتجاه الصحيح والسليم حسب مؤشرات السياسة ذات القراءة الدقيقة،وهذه الخطوة وجدت التشجيع والترحيب،وعلى كافة المستويات ،محلياً وإقليمياً وعالمياً،لأن هذا الإتفاق الإطارى سيقود بعد محادثات حتى ولو كانت عسيرة،سيفضى إلى وقف إطلاق النار،والبدء في فتح المسارات من أجل إغاثة المحتاجين بالمناطق المأزومة للغذاء والدواء والكساء والمأوى،وغنى عن القول فإن المكسب الذى يأتى عن طريق التفاوض أو السلم أفضل وأكبر من المكسب الذى يأتى عن طريق فوهة البندقية،حيث ستكون الخسائر من الطرفين ،والخاسر الأكبر هو الوطن ،فالحركة الشعبية ستخسر الكثيرفى المستقبل القريب إن هى راهنت على الحرب كبديل للحل السلمى لقضايا السودان أو المناطق المأزومة والتى ترفع السلاح بإسمها،أو التذرع والمناورة السياسية غير المدروسة بإستخدام الجيش السودانى لأسلحة محرمة فى جبل مرة وجبال النوبة ،وقطعاً ليس هنالك إنسان سوى وعاقل يقبل إستخدام سلاح محرم ضده أخيه الإنسان ،ولكن كان من الأجدى والأنفع للحركة ترك هذا الأمر لجهات محايدة للتحقيق فى هذا الأمر ،ولكن أن تقوم الحركة بتبنى موقف يؤدى لوقف المفاوضات مع الحكومة فهذا يدل على فقدان الحركة للبوصلة التى يمكن أن تصل بها إلى أهداقها المنشودة وتقنع بها قواعدها ،وقد يقول قائلٌ إن رفض الحركة للتفاوض مع الحكومة لأنها مازالت ممسكة بزناد البندقية ،وها يساعدها كثيراً في كسب نقاط عند الجلوس للتفاوض مع وفد الحكومة مجدداً،هذا القول قد يكون صائباً 100%عند إستمرار الحركة فى المفاوضات مع الحكومة وتستفيد الحركة من هذا الزخم المحلى والإقليمى والعالمى ،والذى يتجه بكلياته نحو التسوية السلمية لقضايا السودان،ولكن عندما ترفض الحركة التفاوض مع الحكومة،بسبب الاتهامات التى وجهت للجش السودانى بإستخدام السلاح الكيماوى في جبل مرة وجبال النوبة،فهنا تكون قد خسرت الكثير من المكاسب التى حققتها أخيراً،وهذا الرفض غير المقبول،سيجعل الحكومة تضع خططها العسكرية،مع عكس هذا التعنت الذى أبدته الحركة للعالم اجمعإعلامياً،وتوضح فيه ان الحركة الشعبية غير جادة ،في التوصل لسلام دائم في السودان،فالمجتمع الدولى سبق أن صفق للحكومة عندما وقعت منفردة على خارطة الطريق،وأدان في الوقت نفسه إمتناع المعارضة بشقيها(السلمى والمسلح)لعدم توقيعهما على خارطة الطريق،وستأتى الإنتقادات للحركة من جميع أنحاء العالم ،لرفضها الجلوس مع وفد الحكومة من أجل التوصل لسلام دائم ووقف الحرب في السودان،فعلى الحركة الشعبية وحتى لا تسقط البوصلة من يدها بالكلية ،عليها أن تقرأ الواقع السياسى الراهن الداخلى بدقة،وأن يكون ذلك حتماً مقروناَ بمجريات الأحداث إقليمياً وعالمياً. وبالله الثقة وعليه التُكلان د/يوسف الطيب محمدتوم/المحامى [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة