كلمة تنمية ، من النماء أو النمو الذي يعني ، الزيادة ولا يعني بأية حال من الأحوال النقصان ، والتنمية بمعناها الواسع تتضمن معنى التحسين ، أي الإنتقال من حالة أو وضع سيء أو وضع في مستوى معين إلي وضع أحسن . تعرّف منظمة الأمم المتحدة التنمية بأنها " العملية المرسومة لتقدم المجتمع كله إجتماعياً وإقتصادياً والمعتمدة بأكثرقدر ممكن على مبادرة المجتمع . " وبالرجوع إلي مشروعات التنمية في السودان ، لأول مرة نجد أن كلمة تنمية يكون لها معنى مضاد لمعنى النماء والزيادة والتقدم ، أو التحسين ، بما يعني النقصان ، والتقهقر أو التخلف . وإذا بحثنا عن السبب نجد أن السبب الرئيس هو تبني الدولة نظام إقتصادي شرس هو إقتصاد السوق الحر ، فهل كانت الدولة عندما تبنت هذا النظام لم تكن تعلم أن التنمية وقوانين إقتصاد السوق الحر يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان ، لأن التنمية عملية تستهدف أن ترتقي بحياة الأفراد في المجتمع كله والجماعات ، في حين أن إقتصاد السوق الحر يستهدف تراكم وزيادة رأسمال شريحة معينة من المجتمع هي صاحبة رأس المال . فمثلا الخصخصة التي تمت لمؤسسات القطاع العام ، والتي كانت أحدى سياسات إقتصاد السوق ، حيث أنتزعت منفعة عامة من المجتمع وأعطتها لبعض الأفراد ، كانت هذه الخطوة أول مسمار يُدق في نعش التنمية ، إذ أصبح لكل شيء ثمن وأنتهى عهد المجانية . إذ أصبحت خدمات التعليم والصحة ، وإصحاح البيئة يدفع المواطن في مقابلها ومن قبل ذلك كانت بالمجان ، فإنتشر التعليم الخاص بدل التعليم الحكومي المجاني وكذلك المستشفيات الخاصة ، وأصبحت الدولة نفسها تسعى للربح في الخدمات التي تقدمها مثلها مثل المؤسسات الخاصة . ومن الواضح أن التنمية بمفومها الذي يعرفه بها الشخص العادي ، لن تتحقق في ظل إقتصاد همه الأول الربح الفاحش ، فما معنى أن تدمر السكة حديد وهي غير ماتقدمه من خدمة النقل للركاب والبضائع بأسعار زهيدة تضمن العمل لآلاف من المواطنين وتسهم بذلك في القضاء على البطالة ، فكم من الأشخاص يعملون في هذا المرفق الهام ؟ وبالتالي الأسر التي تعتمد عليها . وكذلك مشروع الجزيرة الذي يعيل ويوفر العمل لمئات الألوف من السكان وأسرهم ، وغيرها من المؤسسات التي أسهمت في تنمية البلاد . كثيرا ما يتحدث المسئولون في الحزب والحكومة أن الإنقاذ أحدثت تنمية غير مسبوقة في البلاد ، يتحدثون عن الالآف الكيلومترات من الطرق ، وعشرات الجامعات وعدد من السدود والكباري في العاصمة ومدنها ، لكن هذه التنمية التي يتحدثون عنها بعملية جرد بسيطة نجد أنها لم تحقق التقدم والتحسن في حياة الناس ، وإن ما صرف عليها من أموال لا يتناسب مع العائد والهدف المنشود منها وهو التحسن في حياة المواطنين والإرتقاء بالبلاد وسنجد أنها كانت خصما على البلاد ومواردها وإنسانها . فخلال الثمان وعشرين عاما التي تربعت فيها الإنقاذ على سدة الحكم ، إذا أحصبنا المشاريع التي قيل إنها مشاريع للتنمية نجدها تعد على أصابع اليدين ، أما تكاليفها فكانت بعشرات المليارات من الدولارات في شكل قروض تزداد أرباحها مع السنوات ، أما العوائد من البترول ومن بعده الذهب فلا أحد يعرف أين ذهبت . مشروع طريق الإنقاذ الغربي الذي لم يكتمل حتى الان كان تمويله من بيع حصص السكر للولايات التي يمر بها الطريق ، وذهبت الأموال المتحصلة إلي مصارف أخرى قال المسئول عنها عندما سئل " خلوها مستورة ! " والطريق الآخر هو طريق شريان الشمال وطرق أخرى في أماكن مختلفة ، ولن نجرد هذه الطرق من المنافع ، لكن ما صُرف عليها من أموال ، كان يمكن أن يشيد طرق بمواصفات عالمية إذا ما نفذتها شركات عالمية ذات خبرات في تشييد مثل هذه الطرق ، هذه الطرق غير مطابقة للمواصفات كما ذكر المسئولين في إداراة المرور من حيث التصميم الهندسي والتنفيذ مما يعني تناقص عمرها الإفتراضي ، يؤكد ذلك الحوادث الكارثية في هذه الطرق ، هذا غير تكاليف الصيانة ، وإستهلاك قطع الغيار للمركبات التي تستخدم الطريق نتيجة لرداءة التنفيذ . أما السدود وأولها سد مروي الذي قيل أنه سيوفر الكهرباء لكل السودان وسيصدر الفائض إلي دول الجوار، والذي كان تمويله بقروض خارجية بفوائد عالية أصبح سداد القروض زائداً فوائدها يشكل أحد أسباب دخول الإقتصاد في غيبوبة لم يفق منها حتي اليوم ، ورغم ذلك فإن إنتاجه الذي قيل أنه سيكفي البلاد ويصدر الفائض منه ، لم يكفي للإستهلاك المحلي ، ونفس الحال ينطبق على بقية السدود الأخرى التي شيدت في ظل معارضة من أهالي تلك المناطق ، والتي قيل عنها ما سبق أن قيل عن سد مروي الذي جعلوا منه أيقونة للتمية الإنقاذية ، فكم بلغت تلك الديون لبناء تلك السدود التي لم تحقق الإكتفاء الذاتي من سلعة الكهرباء للبلاد ، والتي سيكون سدادها على هذا الجيل وسيستمر إلي لأجيال القادمة ، و الأدهى من ذلك بدلا من أن تنخفض تعريفة الكهرباء للمستهلك بعد دخول تلك السدود الخدمة ، نجد إن تعريفة الكهرباء طرأت عليها زيادات كبيرة أضافت عبئا جديدا على المواطن . أما التوسع في التعليم الذي أسمته ثورة التعليم حيث أُنشئت جامعات في كل الولايات تقريبا ، فإن معظم هذه الجامعات غير مستوفية للشروط وإنها تفتقر لأبسط متطلبات التعليم الجامعي ، بداية من مقار هذه الجامعات ، ومن وجود هيئة التدريس المؤهلة ، والمعامل وقاعات المحاضرات ، والإفتقار إلي منشآت الأنشطة التربوية ، وقد إعترف البروفسير إبراهيم أحمد عمر عرّاب هذه الثورة التعليمية بأن هناك تعجل في هذا التوسع ، وأن إنتشار العنف الطلابي في الجامعات ، جاء من التعجل في هذا التوسع ، وأن ثورة التعليم تحتاج لمراجعة . أن هذه الزيادة في أعداد هذه المؤسسات التعليمية المفترض أن ترتقي بالمجتمع للأمام لا أن تأتي له بمشكلات جديدة ، فأي تنمية هذه ؟ فما هو الهدف من التنمية إذا لم تحقق الرخاء للإنسان ؟ فإذا كان هدف التنمية تحسين أوضاع الناس وتحقيق الرخاء في معاشهم والإنتقال بالبلاد إلي مرحلة متقدمة من الرقي ، فإن ما نفذته لإنقاذ من مشروعات قالت أنها تنموية لم تحقق الهدف الذي من أجلة قامت . فمعظم هذه المشروعات كانت تكلفتها باهظة ، وبعضها ظهرت به عيوب إنشائية مثل بعض الكباري التي أثرت في قواعدها " الجقور " كما قيل ، وطرق الأسفلت التي شاخت وهي في بدايتها ، ثم إن الكباري الخمس التي تتباهى بها الإنقاذ هل هي من الأولويات التنموية ؟ هل التنمية هي المظاهر السطحية مثل الأكلات التي لم نكن نعرفها من قبل ؟ أم هي عربات الصفيح التي تمتليء بها شوارع المدن ، أم هي الهواتف الذكية التي أصبحت بنداً مهما في ميزانية الفرد والأسرة ، أم هي العمارات الجديدة التي يمتلكها المفسدون والطفيليون الذين أوجدتهم سياسات التحرير الإقتصاي الذي رأينا عرابها قبل أيام ينتقد الأوضاع الإقتصادية وكانه لم يكن يوما في الكرسي الذي يدير عجلة الإقتصاد في هذه البلاد . أما إذا كانت التنمية في نظرهم تعني الوفرة في السلع الإستهلاكية مثل الصابون والملابس البلاستيكية ، فمعظم السلع التي يستوردها رأسماليو التمكين الإقتصادي الذين تزداد ثرواتهم مع تردي صحة المواطن من جراء هذه السلع والتي لا تطابق المواصفات ، مثل هذه السلع لا يسمح بها في البلاد الحريصة على صحة مواطنيها . فهل التنمية أن يعيش المواطن في بيئة غير صحية تنعدم فيها أبسط المقومات الصحية وما معنى أن يبحث المواطن عن الرعاية الصحية ولا يجدها في المستشفيات الحكومية ؟ وما معنى أن يكون التعليم سلعة بعد أن كان خدمة . والسؤال هل ما قامت به الإنقاذ يمكن أن نطلق علية مصطلح تنمية ؟ أما كان الأجدى أن تصرف هذه المبالغ الطائلة في تطوير المشاريع التي كانت قائمة أصلا وتمثل العمود الفقري للتنمية الإقتصادية في البلاد ؟ ، كأن تطور نظام الري في مشروع الجزيرة مثلاً وهو من مشاريع التنمية الحقيقية ليصبح صرحاً إقتصاديا يمكن أن يقدم للبلاد أضعاف ما يمكن أن يقدمه البترول ؟ أوأن تجعل للخطوط الجوية السودانية تمتلك أسطولاً من الطائرات لتكون أحدى أكبر شركات الطيران في أفريقيا ، أو أن تطور السكك الحديدية وتجلب لها أحدث القطارات لتسهم في خدمة الإقتصاد وتقليل تكاليف النقل وبالتالي أسعار السلع ، كان هذا هو الشيء المتوقع لدولة ترفع شعار التنمية ، لكن يبدو أن الإنقاذ تعتبر هذه الصروح الإقتصادية التي كانت موجودة قبلها وشهد لها من حولنا بأنها كانت رائدة في المنطقة ، وأحيانا على مستوى العالم ، مثل مشروع الجزيرة ، أنها من صنع المستعمر وبالتالي هي لا تريدها ، مثل ما قالت من قبل عن القوانين الإستعمارية ! ! هذا في إعتقادي السبب الذي دمرت به الإنقاذ تلك المشاريع وللأسف فإن ما قالت الإنقاذ إنه مشروعات تنمية لم يكن تنمية بالمعنى الذي يعرفه بها الجميع ، فقد كانت تنمية باهظة الثمن ، وفوق ذلك عادت بالبلاد للوراء .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة