سيرة أحمد زويل انطلقت من تعليمه في وطنه ثم هجرته إلى إحدى عواصم المعرفة في العلوم الطبيعية (أمريكا)، حيث البيئة العلمية والمعامل المؤهلة والفرص المتاحة للإنسان على أساس قيمة الإنسان ما يحسنه،. وهي ظروف غير متوافرة في الوطن الأم. هذه السيرة تنطبق على أكثر من هاجروا إلى الخارج من نوابغ أمتنا إذ جعل الواقع دار "الحرب" في نظر الاعتقاد التقليدي هي دار العلم بل حتى في المجال الاجتماعي صار المهاجرون يجدون فيها الكرامة وسائر حقوق الإنسان.
كان أحمد زويل عالماً نابغاً أفاد بأبحاثه الإنسانية والمعرفة في مجال الكيمياء رحمه الله رحمة واسعة وتقبله مع الصالحين فهو القائل (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ)[1]. وجاء في حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: "الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ"[2].
كتب سخاروف العالم السوفيتي كتاباً بعنوان "بلادي والعالم" جاء فيه أننا الأكثر اهتماماً بالعلوم الطبيعية وما نخرج في الطب والهندسة أكثر مما يخرج الغربيون. ومع ذلك فأغلب الاختراعات في كل المجالات حدثت في الغرب. لماذا؟ قال السبب هو مناخ الحرية المتاح فيها. نحن نقيد البحث العلمي لصالح الأيديولوجيا وهم يكفلون حرية البحث العلمي بلا قيود.
وفي مجتمعاتنا العربية الإسلامية تسيطر قيود أمنجية، وقيود ثقافية منكفئة تحاسب الإبداع والمبدعين في كل مجالات الأداء.
هذه الظروف جعلت أغلب النوابغ مهاجرين إلى ديار "الكفار" ليس هذا فقط بل يهاجر النوابغ وتهاجر الأموال. أموال المواطنين في بلداننا المهاجرة للخارج ودائع واستثمارات تساوي أضعاف الدخل القومي في بلدانهم الوطنية.
كان أحمد زويل عالماً نابغاً وعالماً عاملاً أقام المدينة العلمية التي يمكن أن تؤهل الآلاف.
جائزة نوبل التي نالها في عام 1999م ليست كجوائز نوبل الأخرى في السياسة والأدب إذ اتسمت هذه الجوائز بطابع سياسي، منحوها لأعمال أدبية أو سياسية لمكافأة إنجاز مناسب لثقافتهم أو لسياساتهم. ولكن جائزة فقيدنا خالية من هذه الاعتبارات، ذات قيمة موضوعية.
العالم الراحل أحمد زويل مفيد حياً، وهو مفيد ميتاً لا فقط لخلود اكتشافاته، ولكن أيضاً للدرس من سيرته بأن من شروط النبوغ كفالة حرية الإنسان وكفالة حرية البحث العلمي وأن النبوغ يتطلب بيئة مواتية وأدوات مساعدة.
المهاجرون من أبناء وبنات دولنا لا ينقصهم الولاء لأوطانهم ولثقافاتهم ولكن البيئة الجاذبة لعقولهم وأموالهم شدتهم إليها. كم هي أعداد نوابغنا ذوي الجنسية المزدوجة؟ كم هي أعداد أثريائنا ذوي الرصائد والاستثمارات في الخارج؟ هؤلاء جميعاً صوتوا نازحين بأقدامهم وأموالهم. ولا يرجى أن تعود رؤوس الأموال البشرية والمادية هذه. بل سوف تزيد ما لم تتوافر ظروف تماثل أو تفوق البلاد الغربية في كفالة حقوق الإنسان، والنظم الاقتصادية القائمة على أسس موضوعية، والثقافات المجتمعية الخالية من التعصب.
هذا هو درس النعش القادم من أمريكا، وعنوان القبر المدرسة.
أحسن الله عزاء زوجه وأولاده وأسرته الخاصة وعزاء وطنه الذي أحب وعزاء أمته بل العالم الذي ساهم في تقدمه.
قيمةُ الإنسانِ ما يُحسنُهُ أكثرَ الإنسانُ فيهُ أمْ أقَلْ
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة