دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض
|
في نقد المشهد البنيوي – قراءة في شهادة أسامه الخواض - 1
سررت جدا بالمقال المطول الذي أدلى فيه أسامه الخواض بشهادته عن ملابسات نشوء الحركة البنيوية وما بعدها في السودان والأثر الذي أحدثته في الساحة الثقافية ومصدر سعادتي وسروري أن تأتي هذه الشهادة من أهم الأسماء التي مهدت لدخول هذه التيارات النقدية للحركة الثقافية السودانية ، رغم أن المقال قد كتب تحت إحساس طاغ بالخذلان والتهميش وأخذ الحديث فيه عن النسيان كلازمة من لوازم الذاكرة السودانية ، حيزا كبيرا إلا أن أهميته تأتي من أنه أول محاولة لتقييم الأثر الذي خلقته تيارات الحداثة في الساحة الثقافية في السودان ، سلبا كان هذا الأثر أم إيجابا .
وأول ما لفت نظري في مقال أسامه الخواض ، التغيير الذي طرأ على خطابه ، فقد كتب المقال بلغة مباشرة لا تختلف عن اللغة الإخبارية والتقريرية المتداولة . وهذا شئ لم نعهده في خطاب الحركة البنيوية وما بعدها حيث أتسم خطابها دائما بلغة المراوغة المتعالية التي تلفت النظر إلى ذاتها أكثر مما تلفت النظر إلى موضوعها ، كذلك لفت نظري حديثه عن قضايا إنسانية واجتماعية عامة مثل الوظيفة البنائية للكاتب في المجتمع ومسؤولية الدولة ودورها في تهيئة المناخ للكاتب والحديث عن الحقوق والواجبات وخذلان الأصدقاء ، وخياناتهم إلى غير ذلك من المواضيع فالحديث عن مثل هذه القضايا بهذا الوضوح من الأمور الممقوتة في عرف البنيويين وما بعدهم .
فالمعروف أن البنيوية تقوم أصلا على إحلال الأبنية اللاواعية مثل " النسق والنظام اللغوي والأسطوري واللاشعوري محل الوعي الفردي والجماعي في صناعة وتغيير التاريخ . لذلك فهي تعمل جاهدة لتنقية النشاط الأدبي والإبداعي عموما من تلوث المعنى الاجتماعي والسياسي . أما بعد البنيوية فتقوم على تدمير مبدأ الإحالة المرجعي ، سواء كان هذا المرجع التقاليد والأعراف اللغوية والاجتماعية أو المعارف الإنسانية المشتركة ، وبالتالي يصبح في هذا السياق الحديث عن أي دور للكاتب في المجتمع حديث بلا قيمة . ولكن أسامه لا يشير من قريب أو بعيد إلى هذا التحول الذي طرأ على خطابه من حيث الشكل والمضمون وذلك رغم ما ينطوي عليه هذا التحول من مغزى عميق ، وربما يرجع هذا التحول إلى تخصص أسامه في دراسة التحليل السسيولوجي للنصوص الأدبية ، ونحن من جانبنا نرد هذا التحول الذي طرأ على خطاب أسامه إلى التحولات التي طرأت على مجمل خطاب تيارات الحداثة الغربية . ففي الوقت الذي يدلي فيه أسامه الخواض بشهادته عن منجزات البنيوية وما بعدها ، تجهر فيه تيارات الحداثة الغربية البنيوية وما بعدها وتعود مرة أخرى
إلى نقطة البداية التي انطلقت منها البنيوية في الخمسينيات . فبعد كل الحديث المفرط في حماسه عن عزل النص الأدبي عن سياقه التاريخي والاجتماعي والتعامل معه بمثابة بنية مغلقة وبعد كل الحديث عن ( موت المؤلف ) و ( سحر الدال ) ومطاردة العلامات تعود هذه التيارات وترد الاعتبار مرة أخرى للسياق التاريخي والاجتماعي ويبدأ الحديث من جديد عن التحليل السسيولوجي للأدب وعن نظريات التلقي والقراءة والتأويل " الهيرمونطيقا " .
ولعله من المصادفات السعيدة أن يأتي تخصص أسامه الخواض في دراسة التحليل السسيولوجي للنصوص الأدبية متزامنا مع هذه التحولات ، ولكن مما يؤسف له أن أسامه ، لا يتعرض مطلقا للحديث عن هذه التحولات والنقلات التي تركت أثرها على خطابه هو نفسه وبدون التعرض لهذه التحولات ومناقشتها ، فإن المحاولة لتقييم تجربة البنيوية وما بعدها ستكون ناقصـة .
إن إغفال أسامه الإشارة إلى التحولات التي طرأت على الخطاب الحداثي ، تفسر بإحدى أمرين : فأما أنه غير واع بحقيقة هذه التحولات وهذا احتمال بعيد أو يفترض كذلك ، وأما أنه ينظر إلى هذه التحولات كأنما كلها تسير في خط مستقيم لتصب في خانة البنيوية وما بعدها . وهذا هو الاحتمال الأقرب ، بدليل أنه ختم شهادته بالحديث عن تطور المشهد البنيوي في المهجر بفضل توفر الكتب والمراجع :إن المنافي والمهاجر ساهمت في إضفاء حيوية فائقة على المشهد البنيوي وما بعده . فقد تم التغلب على كثير من العقبات والعراقيل التي كانت تحد من تطور وثراء ذلك المشهد .
إن ظاهرة انتقال كتاب الحداثة من خطاب إلى آخر دون التمهيد أو التنويه لهذا الانتقال ، ظاهرة لا تخصنا في السودان بل تشترك فيها كل تيارات الحداثة العربية فهم بعد أن بدأوا في الترويج للبنيوية في حماس يحسدونهم عليه أهلها ، انتقل خطابهم فجأة إلى ما بعد البنوية ( التفكيكية ) ثم ها هو خطابهم ينتقل مرة أخرى إلى السيسيولوجيا دون تمهيد أو إشارة إلى هذه الردة . وسبب ذلك في رأي أنهم ينظرون إلى هذه التيارات كأنها تكمل بعضها بعضا لتسير في خط مستقيم إلى غاية معينة ، بينما الواقع على العكس من ذلك تماما ، فتيارات الحداثة لا تسير في خط صاعد بحيث يمكن اعتبار كل تيار امتداد طبيعي للتيار السابق له ، لكنها متضاربة وتقوم أصلا على تناقضات بعضها البعض .
والدليل على أنصار الحداثة عندنا يتعاملون مع تيارات الحداثة على اعتبار أنها امتداد طبيعي لبعضها البعض دون الوعي بحقيقة التناقضات التي تنطوي عليها، شهادة أسامه الخواض في قوله ( قمنا في البداية بكتابة بيان إبداعي يوضح المقاربات النقدية الحديثة وكان ذا طابع بنيوي . وبعد فترة قصيرة تعرفنا علـى ما بعد البنوية فقمنا بتعديل البيان ) .
فهم ، أسامه وعبد اللطيف على الفكي ومحمد عبد الرحمن حسن ، تعرفوا أولا على البنوية فتبونها وقاموا بصياغة بيان تبشيري بها ، على طريقة الحركات الأدبية والفنية في أوربا ، وقبل أن يظهر البيان في الناس قاموا بتعديل محتوياته بعد أن نمى إلى علمهم فجأة أن هنالك منهج أو تيار جديد ظهر اسمه ما بعد البنيوية،على حد تعبير اسامة، ، دون أن يتعرفوا على حقيقة هذا التيار الجديد . فكل اهتمامهم كان محصورا في مجاراة هذه التيارات الحديثة وركوب أي موجة جديدة من موجات الحداثة بغض النظر عن اتجاه هذه الموجة أو تلك . وهذا ما يؤكده قول أسامه بطريقة غير مقصودة : أهم المنجزات التي حققتها تلك المقاربات في نظرنا ربط الحقل الثقافي السوداني بهذه التيارات"اذن لم يكن الهدف إقامة حوار مع هذه التيارات لاعادة توظيفها والإفادة منها لدفع مسيرة الحركة الثقافية . لقد كان عبد الله بولا محقا عندما قال أن هؤلاء الشباب يطبقون مناهج النقد ، البنيوي ولكنهم لا يحاورونها ولا يساهمون في نقدها وإعادة صياغتها .
ومن المفارقات التي تظهرها مجاراة البنيويون لتيارات الحداثة العالمية دون تمييز ، هي أنهم في الوقت الذي كانوا فيه يرفعون شعارات معاداة الإمبريالية والصهيونية العالمية ومناهضة التبعية السياسية والاقتصادية نجدهم في نفس الوقت بذات الحماس يهللون ويكبرون لتيارات الحداثة الأدبية دون الوعي الكافي بحقيقة هذه التيارات القائمة على التشكيك في النزعة العقلانية والروح العلمية التي أنتجت الحضارة الغربية والتي نحن أحوج ما نكون إليها .
ومما يعمق هذه المفارقة أن معظم إن لم يكن كل الذين انضموا تحت لواء الحركة البنيوية وما بعدها في السودان ، كانوا من التيار الماركسي . وهذا ما يؤكده حديث أسامه عن ( المزاج اليساري الذي يصبغ الحقل الثقافي السوداني ) والوضعية الطبقية لمنتجي تلك المقاربات ، والحقيقة إن الصبغة الماركسية لحركة الحداثة لا تميز الحقل الثقافي السوداني فحسب بل أن كل تيارات الحداثة في العالم العربي ذات صبغة ماركسية ، صحيح أن السبب في ذلك أن مبدعي هذه المذاهب في أوربا كانوا أصلا ماركسيين ولكن هذا وحده ليس كافيا لعدم اتخاذ اليسار الماركسي في البلدان العربية موقفا نقديا جدليا من هذه المذاهب . أن مسؤولية اليسار الماركسي عموما عن هذه التيارات الحداثويـة التـي كادت أن تنتهي بالحركـة الأدبيـة إلى نوع من العدمية والعبثية ، رغم الانجازات التى لا يمكن نكرانها، في حاجة إلى المزيد من المناقشة وتسليط الأضواء . ومما يزيد المشهد البنيوي ما بعده بؤسا ، هو أننا لم نبدأ في التعريف على هذه المناهج في العالم العربي ، إلا في أوائل الثمانينات أي في الوقت الذي انحسرت فيه هذه التيارات تماما في البلدان التي شهدت مولدها . فالبنيوية لم تدم أكثر من عشر سنوات في فرنسا وتم تجاوزها عقب ثورة الطلاب عام 1968م وهجرها الناس هي الأخرى في فرنسا منذ أوائل السبعينات ثم انتقلت إلى أمريكا حيث خبأ بريقها مع نهاية السبعينات ، أقول هذا وأنا أنظر إلى تطور الفكر البشري نظرة جدلية أن الأفكار لا تموت نهائيا وإنما يحدث لها تمثل ولكن قصدت بذلك القول إن انحسار هذه التيارات الحداثوية في بلدانها كان حريا به أن يجعلنا نقف موقفا نديا يقوم على الأخذ والرد والمساءلة والنقد ولكنا بدلا عن ذلك وقفنا منها موقف الانبهار والتسليم المطلق بكل مقولاتها .
عبد المنعم عجب الفيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت بجريدة الخرطوم في 27/10/1999م ردا على مقال أسامه الخواض ملابسات نشوء الحركة البنيوية وما بعدها فى السودان- مشهد النسيان-الخرطوم14 17،18 اكتوبر1999
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
أعتقد أن كتابة اسامة الخواض الإبداعية الشعرية تختلف عن ما يطرحه من فكر نقدي ففي حين استمتع بقصائده لحد بعيد لا أوافق ولا على جملة واحدة من مواقفه النقدية د.بشري الفاضل
فالمعروف أن البنيوية تقوم أصلا على إحلال الأبنية اللاواعية مثل " النسق والنظام اللغوي والأسطوري واللاشعوري محل الوعي الفردي والجماعي في صناعة وتغيير التاريخ . لذلك فهي تعمل جاهدة لتنقية النشاط الأدبي والإبداعي عموما من تلوث المعنى الاجتماعي والسياسي . أما بعد البنيوية فتقوم على تدمير مبدأ الإحالة المرجعي ، سواء كان هذا المرجع التقاليد والأعراف اللغوية والاجتماعية أو المعارف الإنسانية المشتركة ، وبالتالي يصبح في هذا السياق الحديث عن أي دور للكاتب في المجتمع حديث بلا قيمة .
Agab Alfaya
وأول ما لفت نظري في مقال أسامه الخواض ، التغيير الذي طرأ على خطابه ، فقد كتب المقال بلغة مباشرة لا تختلف عن اللغة الإخبارية والتقريرية المتداولة . وهذا شئ لم نعهده في خطاب الحركة البنيوية وما بعدها حيث أتسم خطابها دائما بلغة المراوغة المتعالية التي تلفت النظر إلى ذاتها أكثر مما تلفت النظر إلى موضوعها ، كذلك لفت نظري حديثه عن قضايا إنسانية واجتماعية عامة مثل الوظيفة البنائية للكاتب في المجتمع ومسؤولية الدولة ودورها في تهيئة المناخ للكاتب والحديث عن الحقوق والواجبات وخذلان الأصدقاء ، وخياناتهم إلى غير ذلك من المواضيع فالحديث عن مثل هذه القضايا بهذا الوضوح من الأمور الممقوتة في عرف البنيويين وما بعدهم .
Agab Alfaya
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
أعتقد أن كتابة اسامة الخواض الإبداعية الشعرية تختلف عن ما يطرحه من فكر نقدي ففي حين استمتع بقصائده لحد بعيد لا أوافق ولا على جملة واحدة من مواقفه النقدية د.بشري الفاضل
فالمعروف أن البنيوية تقوم أصلا على إحلال الأبنية اللاواعية مثل " النسق والنظام اللغوي والأسطوري واللاشعوري محل الوعي الفردي والجماعي في صناعة وتغيير التاريخ . لذلك فهي تعمل جاهدة لتنقية النشاط الأدبي والإبداعي عموما من تلوث المعنى الاجتماعي والسياسي . أما بعد البنيوية فتقوم على تدمير مبدأ الإحالة المرجعي ، سواء كان هذا المرجع التقاليد والأعراف اللغوية والاجتماعية أو المعارف الإنسانية المشتركة ، وبالتالي يصبح في هذا السياق الحديث عن أي دور للكاتب في المجتمع حديث بلا قيمة .
Agab Alfaya
وأول ما لفت نظري في مقال أسامه الخواض ، التغيير الذي طرأ على خطابه ، فقد كتب المقال بلغة مباشرة لا تختلف عن اللغة الإخبارية والتقريرية المتداولة . وهذا شئ لم نعهده في خطاب الحركة البنيوية وما بعدها حيث أتسم خطابها دائما بلغة المراوغة المتعالية التي تلفت النظر إلى ذاتها أكثر مما تلفت النظر إلى موضوعها ، كذلك لفت نظري حديثه عن قضايا إنسانية واجتماعية عامة مثل الوظيفة البنائية للكاتب في المجتمع ومسؤولية الدولة ودورها في تهيئة المناخ للكاتب والحديث عن الحقوق والواجبات وخذلان الأصدقاء ، وخياناتهم إلى غير ذلك من المواضيع فالحديث عن مثل هذه القضايا بهذا الوضوح من الأمور الممقوتة في عرف البنيويين وما بعدهم .
Agab Alfaya
سلام ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
العزيز تراث انا سعيد جدا بمشاركتك لانو دى اول مرة يحدث فيها هذا التواصل. كنت اتمنى اخى تراث ان تقرا المقال قراءة بنيوية،اى ان تقراه من الداخل وفق نسقه الداخلى دون النظر الى خلفية النقاش الحاد بينى وبين اسامة.وافتكر دا جوهر البنيوية المتداول عندنا، ولا شنو؟.اما ان تقيم ما ورد فى المقال على ضوء ذلك النقاش،هذا يوكد المفارقة التى تحدثت عنهافى الخطاب البنيوى ،وان كثيرا من اطروحاته مجرد كلام.ان نشر المقال يوكد ان اسامة كان يتعامل معى على خلفية هذا المفال
استغربت وصفك لى اخ تراث بالعداء للبنيوية،انا لست عدو للبنيوية الا اذا كان اى نقد ،او مسأءلة اى فكر هو عداوة.فى مقال اصداء سيرة الطيب طالح ،اشرت الى اطروحة ؛موت المؤلف، عند رولان بارت،واثبت بالدليل ما قلته ،وهو ما قاله الان روب غرييه،فى حواره المنشور فى مجلة الكرمل،من ان ما كان يقوله بارت عن روايات غرييه كونها تجسد نظريته حول ؛موت المؤلف ،كله كان خدعة ،شارك هو نفسه فيها.وقد اثبت ذلك
لم تنشا البنيوية فى كنف الماركسية،ولكن من تبنوها وروجوا لها فيما بعد وانتشرت افكارهم فى العالم العربى ،كلهم ذوى خلفيات ماركسية: -لوسيان جولد مان -لوى التوسير -ميشيل فوكو -رولان بارت -جاك دريدا -جاك لاكان -جوليا كريستيفا واخرون كثر
مفهوم البينة ،ماركسى،ولكن البنى فى الديالتيك الماركسى،متداخلة ومنفتحة ومؤثرة فى بعضها البعض كما هو معروف.فى البنيوية، البنية مستقلة، مغلقة .فى ما بعد البنيوية ،لا توجد بنية اصلا
محمود امين العالم، فى ثلاثية الرفض والهزيمة،ويمنى العيد، وجابر عصفور واخرين ،هؤلاء فريق من النفاد العرب اقاموا حوارا جدليا مع البنيوية،فافادوا واستفادوا، انا اكتب وامامى الساعة تشير الى موعد الدوام الصباحى، ارجو ان نواصل الحوار
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
الأخ منعم والحاضرون هنا سلام أولا أود أن أعبر عن تقديري لكم ولأهمية موضوع هذا البوست، ولأني أعتقد أنه ـ أحيانا ـ لا تكفي الاقتباسات من مقال أصيل مثل مقال الأخ أسامة الخواض، ولما يحتويه من عناصر أخرى غير مسألة طرائق تبني المناهج ومضامينها، رأيت أنه من الأفضل نشره ضمن هذا البوست حتى تعم الفائدة، فربما ساهم ذلك في إعطاء فرصة ـ للذين لم يطلعوا على المقال ـ للإطلاع، الأمر الذي قد يحفز للمزيد من التعمق والمناقشة. ونود أن ننوه إلى أن النص الوارد أدناه، نقلا عن كتاب الأخ أسامة الخواض: "خطاب المشاء؛ نصوص النسيان" الصادر عن مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1999م؛ مشهد النسيان البنيوية وما بعدها في السودان نموذجا محاولة شهادة
"وقت للهزائم وفي المنافي يطيب الحديث عن التاريخ أو وهم التاريخ" عبد الرحمن منيف ـ مدن الملح ـ تقاسيم الليل والنهار
"الويل للبنيوي إذا ما ظهر في الشارع" أحد شعارات أحداث مايو 1968م في فرنسا
(1)
من عتمة الروح إلى عتمات النسيان المضيء ظلال المشهد في الصباح الباكر من يوم 12/11/1992م هبطت مصر قادما من صوفيا، فتركت عينيّ ـ مرارا ـ لأتأكد فعلا من أنني هبطت مصر!!! كانت عيني اليسرى متورمة إثر هجوم عنيف شنه علي ـ ذات مساء حزين ـ النازيون البلغار الجدد. كان مطار القاهرة الدولي مغمورا بنور لطيف، وكانت أطياف الدهشة تحوم حول نبع الخلاص الذي غمر روحي. إذن لقد خرجت فعلا من الجب، فقد كنت غير قادر على إيجاد منفى مناسب بعد تخرجي من جامعة صوفا. كان أمامي ـ حينها ـ إما الجنون أو الموت ـ ونجحت ـ أخيرا ـ جهود أصدقائي في المنافي في تجنيبي مغبة السقوط في الجب. بعد أيام من وصولي إلى القاهرة، وأنا بين الدهشة والإنهاك، اكتشفت أن جيلنا لم يصبح ـ بعد ـ في طي النسيان. كانت هناك مقدمة عبد الله بولا لنصوص صلاح الزين القصصية (1) كتأسيس للسياق التاريخي لكتابات صلاح الزين وكتابات رفاقه "أُبّان خرتايات" ـ ص 11 ـ كما صدرت مقدمة العدد الثاني من مجلة "كتابات سودانية" (2)؛ تحدثت مقدمة بولا عن البنيوية في السودان، وأنجزت المقدمة الأخرى ما أسميه تحليلا سوسيولوجيا موجزا لتجربة جيلنا الإبداعية؛ فرحت لذلك بقدر ما حزنت، فرحت لأن اجيلنا استطاع أن يترك بعض البصمات على جسد ثقافتنا السودانية المعاصرة؛ وحزنت لأنني اكتشفت أن النسيان يلف حياتنا كلها بغلالة سميكة. لقد اكتشفت مفهوم النسيان بعد تجربة شخصية مريرة انطلاقا من السؤال الذي انتصب بعد ذلك: لماذا ينسى الصديق صديقه؟ قادتني فكرة نسيان الصديق لصديقه ـ بعد تأمل ـ إلى فكرة نسيان العالم كله لوطني السودان، وبعد ذلك توصلت إلى قناعة مفادها أن أية مقاربة جادة للمشهد الثقافي السوداني المعاصر، ومن ضمن ذلك تجربة جيلنا، لا يمكن أن تكون متماسكة بدون تبني مفهوم (النسيان) كمفهوم مركزي لا غنى عنه. لقد انبثق ذلك المفهوم من عتمة الروح، وهو يسير إلى عتمة النسيان المضيء بقوته وحيويته وغناه في فهم مشهدنا الثقافي المعاصر. وسأحاول في هذا الدفتر من (دفاتر الأعوج) تأسيسي مفهوم النسيان إنطلاقا من المقدمتين المذكورتين، وعبر إشارات موجزة من تاريخنا السياسي والثقافي، وسأمزج كل ذلك بمحاولة تقديم شهادة بغية التأريخ لبعض تجارب جيلنا، حتى رحيلي من السودان في 21/9/1986م. أحب ـ بهذه المناسبة ـ أن أنبه إلى المحاذير الأخلاقية التي ارتبطت بمفهوم الشهادة، وهي محاذير تتراوح بين "التواضع" و"العارف عزه مستريح"، وذلك أدى إلى النظر بارتياب إلى مفهوم "الشهادة" لكننا سنتخطى كل ذلك. كما أحب أن أنبه ـ ايضا ـ إلى أن شهادتي ليست شهادة كاملة، ولكنها محاولة شهادة ـ لماذا؟؟ لأن شهادتي نفسها ستكون محاصرة بالنسيان الذي تحاول التأسيس له. فالمهاجر، ورائحة المنافي الاختيارية والإجبارية معا، ووقع الهزائم، وخيانات الأصدقاء، كل ذلك قد أرهق ذاكرة هذه الشهادة. ولذلك أطلب ممن عاصروا تلك الفترة أن يصلحوا ما أفسده النسيان (3)؛
ـــــــــــــــــــــــــ هوامش؛ ـ(1) صلاح الزين؛ عنها والإكليل والإنتظار، الطبعة الأولى، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، نوفمبر1992م ـ (2) كتابات سودانية، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، بدون رقم وتاريخ، وقد أشار إلى ذلك عبد السلام سيد احمد في العدد الثالث من كتابات سودانية، أبريل 1993م، حين قال مستطردا "ولكن يلاحظز صدور العدد من غير رقم ولا تاريخ (نحن نتحدث فقط بمعرفة أنه العدد الثاني)" ص104 ـ(3) صوّب محمد عبد الرحمن ـ في اليمن كثيرا من التفاصيل التي وردت في المسودة الأولى
يتبــــــــع
(عدل بواسطة أبكر آدم إسماعيل on 06-12-2003, 07:39 AM)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: الجندرية)
|
الأعزاء بشرى، عجب الفيا، أبكر وأسامة الخواض وتراث وكل المشاركين في هذا البريد،
سأقتحم عليكم حواركم دون مقدمات رغم اشتياقي لكم جميعاً - لم التق من بينكم سوى بشرى بمنزله بجدة صيف 1999، كما عاصرت أسامة بجامعة الخرطوم دون أن تمتد علاقتنا للتعارف الوثيق، فقد كان بالصيدلة رغم غرامه بالأدب ولا أزال أذكر حائطيته التي كان يصدرها بانتظام. طبعاً أعرفكم جميعكم، تقريباً، بأعمالكم الأدبية والنقدية.
أظن أن أسامة يقدم قي مقاله الذي يعيد أبكر آدم إسماعيل نشره هنا شذرات من "سيرة ذاتية" أكثر من تقديمه تاريخا لظاهرة، أولاً لأن الاسهامات الفكرية لطلائع البنيويين السودانيين كما هو واضح من "شهادته" جنينية متواضعة وشفاهية في مجملها. وثانيا لأن تيارات مابعد الحداثة لا زالت مسيطرة على المشهد الفكري والنقدي بشكل عام مما يجعل التأريخ لها عملاً مبكراً جداً.
كيف تنتظر "سيرة ذاتية" بلغة مراوغة، متعالية، عجب الفيا؟ فالسيرة هي "خبر" نموذجي، إذ تتوخى، قبل كل شيء، الإبانة والإشهار وإجلاء الوقائع.
من ناحية أخرى، رغم الإشارات العديدة في شهادة أسامة لعبد الله بولا، وهذا يستتبع مباشرة تذكر حسن موسى والباقر أحمد عبد اللة وباردوس وهاشم محمد صالح وغيرهم، لا نجد بشهادة أسامة تصنيفاً للحركة النقدية التي دشنوها ولا ذكر للعاصفة التي أثاروها واكتسحت أمامها كل شيء فلم تستثن أدباً ولا تشكيلاً ولا سياسة. أتساءل هل مهدت الأرض بأي شكل للانفتاح المابعد حداثوي الذي أتى على أعقابها؟ رغم القسوة التي ميزت الخطاب النقدي لتلك الحركة يمكن القول أنها كانت من أثرى التيارات النقدية التي ميزت واقع النقد السوداني على مدى تاريخه، السابق واللاحق لها.
أسامة الخواض أشار لتقليدية المؤسسات الأكاديمية ومحافظتها، وهذا ينطبق على وجه الخصوص على أقسام اللغة العربية والفلسفة بجامعة الخرطوم. لقد لعب دكتور عبدالله الطيب دوراً أساسياَ في تكريس قيّم المحافظة التي تسم المناهج ومواضيع البحث وطرق التدريس ونوع الأساتذة بقسم اللغة العربية مما أدى في رأيي لتخلف أدوات النقد الأدبي بالجامعة وبالسودان على نحو عام. لكن لا يمكن نسيان الاسهامات الفكرية والنقدية المتميزة التى قدمها آخرون من جامعة الخرطوم؛ مثلاً، عبد الحي ومحمد أحمد محمود وعلى عبد الله عباس في دراساته الرصينة بالإنجليزية لأدب الطيب صالح.
واحدة من عقابيل هيمنة "الشلة" ، والتي يمكن توسيع مفهومها لتشمل الجماعات الأدبية والسياسية المختلفة، هو هذه الحدة التي لا تزال حوارتنا الفكرية تتسم بها وهي فيما أظن امتداد للصراعات ذات الصبغة السياسية التي شهدتها حركة اليسار السوداني خاصة حيث قصد المشاركون فيها القضاء بشكل منظم وممنهج على مخالفيهم في الرأي (مثل الصراع الرهيب الذي نشب بين صلاح أحمد إبراهيم وعمر مصطفى المكي في الستينات.) بالإضافة للغيرة غير المبررة التي تسيطر على المبدعين السودانيين بشكل عام، كما أشار بشرى، رغم قلة النتاج الأدبي بكافة المقاييس وقلة أعداد الكتاب أنفسهم وبؤس المردود المادي والمعنوي للكتابة كما بيّن أسامة في مقاله. وعلى كل هي ظاهرة ذات بعد إقصائي، قمعي وتتنافى بشكل من الأشكال مع قواعد حرية التعبير.
فيما يتعلق بأزمة المصطلح النقدي البنيوي فهذا في رأيي ينطبق على خطابات ما بعد الحداثة ( وليس الحداثة فيما أظن – الأزمة!) عموماً. فهذه المناهج لا ترتبط بمدارس نقدية بقدر ما ترتبط بمفكرين أفراد عديدين يصيغ كل واحد منهم مصطلحاته حسب ما يروق له. في حقل الدراسات الألسنية وتحليل النصوص مثلاً ابتكر ماك هاليداي في النحو التحويلي عشرات المصطلحات اللغوية الجديدة كما قدم تعريفات مغايرة لمصلحات متعارف عليها وكذا ينبطق الأمر على أستن قبله وكتاب البراقمتيكس عموماً والهولندي فانديك وكتاب ما بعد الحداثة بأمريكا، إيهاب حسن مثلاً. هذا لا ينفي رسوخ مصطلحات ما بعد حداثوية تم تداولها بشكل مكثف وعلى مدى سنوات متصلة، كبعض المصطلحات التى أتى بها دي سوسوار أو تلك التي سكها البنيويون والتفكيكيون الفرنسيون. في العالم العربي يزيد الأمر تعقيداً وجود مدارس اصطلاح متعددة بسبب انتشار مؤسسات التعريب (المغرب، مصر، سوريا، العراق، والسودان مؤخراً) وهي مدارس تختلف في مناهج صياغة المصطلح وتعمل كل واحدة بشكل منفصل إضافة إلى افتقار العالم العربي إلى بنك خاص بالمصطلحات.
لكني لا أرى تناقضاً في استخدام مناهج نقد مابعد الحداثة مجتمعة مثلما يفعل محمد أركون خاصة أو كما فعل إدوارد سعيد في دراسته للاستشراق. أود ختاماً أن أنوه بالإسهامات النقدية النشطة لعجب الفيا وأعتقد أنها تستحق التقدير والإشادة، خصوصاً أنها تأتي في ظروف السودان الفكرية والسياسية التي نعرفها جميعاً.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: أبكر آدم إسماعيل)
|
(3) البنيوية وما بعدها في السودان رواية منهكة لسيرة مشهدها المتوضع
تكتسب روايتي المنهكة ـ بفعل النسيان ـ أهميتها من كونها محاولة للتأريخ للمشهد البنيوي وما بعده في السودان. ذلك المشهد الذي سيبدو متواضعا مقارنة بالمراكز الثقافية العربية على الأقل؛ وفي اعتقادنا أن التأريخ لبدايات المشهد البنيوي وما بعده، كما تجلى في مجهودات جماعة "تكوين"، هو تاريخ الزخم الأكبر الذي كان تأسيسا للمقاربات النقدية الحديثة في السودان. صحيح، أن بعض الكتابات النقدية الحديثة استندت على المقاربات النقدية الحديثة بأوجه متفاوتة(13). لكن دخول تلك المقاربات بقوة ملموسة تم على أيدي جماعة "تكوين"، والتي اجتذبت مجهوداتها مجموعة كبيرة من الكتاب الشباب في ذلك الوقت؛ كما المشهد الإبداعي السوداني كله، كانت العصامية شرطا رئيسا ووحيدا في سيرورة جماعة "تكوين"؛ ولكي يكتمل فهم الدور الأول للعصامية، سنحاول تقديم سرد موجز للسياق الذي حكم المشهد البنيوي، وما بعده في السودان. تلخص مقدمة "كتابات سودانية" ذلك حين تقول "فهذا الجيل لم تخلق له مدارس فكرية صارمة في منهجيتها ومعارفها، ولا تراث وطني يتطور بالتراكم والاستمرارية، ولا تاريخ ممتد بالفخر والمجد والشرف، ولا فنون سمعية وبصرية ترتقي بحسه الجمالي، حتى ولا تنظيمات ديمقراطية صاعدة، ومؤسسات مجتمع مدني تحميه من شرور الدكتاتوريات وفكر القرون الوسطى" ص8. قد لا نتفق حول دقة بعض الأحكام مثل غياب التاريخ الممتد بالفخر.. إلخ وغياب الفنون السمعية والبصرية، لكننا نتفق مع التحليل السوسيولوجي الموجز في عموميته التي تشير إلى بؤس السياق السياسي والاجتماعي الذي شكل إطارا لتجربتنا المتواضعة لتواضع السياق نفسه؛ ضمن ذلك السياق البائس، كان المشهد المؤسساتي قاتما وبائسا. فالمؤسسات الأكاديمية غارقة في تقليديتها ومحافظتها. والمؤسسات الثقافية تمتلئ بالبيروقراطيين والمحافظين والمنبتّين إبداعيا. لذلك انطلقت المقاربات النقدية الحديثة من الهامش الثقافي. وكان ذلك الهامش يشهد صحوة واضحة في أوائل الثمانينات. فقد انتشرت الجماعات الصغيرة ـ كما يسميها محمد خلف ـ ونذكر على سبيل المثال لا الحصر؛ جماعة تجاوز بمعهد الموسيقى والمسرح، وجمعية الصحوة الأدبية بجامعة الخرطوم، وندوت الفتيحاب وندوة الصافية. كما ازدهر نشاط الجمعيات الثقافية الإبداعية في أقاليم السودان الأخرى، وكان أهمها رابطة الجزيرة للآداب والفنون ورابطة سنار الأدبية؛ كما شهد هامش آخر ـ في الجامعات والمعاهد العليا في العاصمة ـ صحوة إبداعية مماثلة من خلال الأعمال الدرامية والموسيقية المتأثرة بتجربة معهد الموسيقى والمسرح. ونشأت فئة من الشباب ذات ثقافة فرعية لها روح راديكالية يسارية (ليس بالمعنى السياسي فقط)، من خلال ارتباط تلك الفئة بأشعار حميد والقدال ومحجوب شريف، وعشقها لرموز مثل مصطفى سيد أحمد وفرقة "عقد الجلاد" الموسيقية، وقد أشارت إلى ذلك مقدمة "كتابات سودانية" حين قالت عن هؤلاء الشباب "ويسرون ليلا على صوت مصطفى سيد أحمد وعقد الجلاد إلى عوالم سامية لفن إنساني بسبب محليته" ص8؛ ضمن ذلك السياق التقينا أنا وعبد اللطيف على الفكي في بداية الثمانينات ـ لا أذكر التأريخ بالضبط ـ كان كل منا قد لفتت إنتباهه المقاربات النقدية الحديثة. وقد تعرفنا عليها من خلال الكتابات والترجمات العربية، ومن خلال بعض المراجع الإنجليزية. لم يكن لقاؤنا الحميم والمتحمس مع تلك المقاربات بداعي الإنبهار وبعجمة المصطلح ولعبة الأشكال والتخطيطات التجريدية وإنما لشعورنا المشترك بحاجة حقلنا الثقافي لتلك المقاربات. هجرة تلك المقاربات إلي السودان اقتضتها ضرورة ربط حقلنا الثقافي المحلي بما يدور في الحقل الثقافي العالمي؛ كانت هناك حاجة ملحة لتجاوز المشهد الثقافي السوداني والذي اتسم بهيمنة المناهج التاريخية والإجتماعية كنسخة محسنة من الواقعية الإشتراكية، كما ساد المنهج البيوغرافي والكتابات التي تفتقر إلى الخطاب النقدي وتتمترس بالبلاغة الطنانة في الحديث عن النصوص؛ التقينا بعد فترة قصيرة بمحمد عبد الرحمن حسن، وكان له ـ أيضا ـ اهتمام عميق بالمقاربات النقدية ولكن من وجهة نظر الخطاب التشكيلي؛ اكتشفنا ـ ثلاثتنا ـ أننا نحتاج إلى مراجع باللغة الإنجليزية، تشاركنا مبلغا من المال، وذهبنا إلى أحد "الخواجات" وهو صاحب مكتبة خرطوم بوكشوب ـ على ما أظن ـ فقام بتوفير بعض الكتب، من بينها كتابان لجاك دريدا، وكتاب "قراءة رأس المال"، و"مطاردة العلامات" لجوناثان كلر، وكتب أخرى لا أذكرها؛ وقمنا، أنا وعبد اللطيف ـ بكتابة رسالة إلى كمال أبوديب، ولم نتلق منه رداً. وعلمت من عبد اللطيف ـ بعد ذلك ـ إنه استلمها ـ كما أرسلت رسالة إلى محمد بنيس ـ بعد أخذ عنوانه من محمد عبد الحي ـ وعرضت عليه فكرة الذهاب إلى المغرب؛ أحد المراكز العربية المهمة المشتغلة على المقاربات النقدية الحديثة. وقام محمد بنيس بالرد على الرسالة، وإندهش من أنه معروف بدقة فائقة في السودان. ونبه إلى غلاء المعيشة في المغرب، فصرفنا النظر عن فكرة الذهاب إلى هناك؛ وقد قام عبد اللطيف أثناء زيارته للقاهرة بزيارة "سيزا قاسم" والتي أهدته معجما قامت بإعداده بالعربية عن المصطلحات السيموطيقية. وقد قمت بنشره مسلسلا على صفحات "السياسة" بعد أن رفض "الميدان الثقافي" نشره لأسباب غير واضحة إلى الآن؛ في إطار التعريف بتلك المقاربات، قمنا بتقديم أوراق من خلال قنوات الهامش الثقافي مثل جمعية الصحوة الأدبية بجامعة الخرطوم ـ والتي ساهمتُ في تأسيسها عندما كنت طالبا بكلية الصيدلة ـ وجماعة تجاوز وندوة الفتيحاب والصافية، كما عقدنا ندوات في مدني وسنار؛ وفي الجانب التشكيلي، كان محمد عبد الرحمن نسيج وحده في اهتمامه بالمقاربات النقدية الحديثة. فقد قدم في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في الخرطوم؛ قراءة سيميولوجية بنيوية للوحتين لموديلياني وغوغان مستخدما الشرائح في قراءته تلك. وعلمت من محمد عبد الرحمن ـ بعد ذلك ـ أن تلك الشرائح ضاعت. كما استفاد محمد عبد الرحمن من تلك المقاربات في معرض تخرجه في عام 1985م. وقدم في معرضه ذاك نماذج سيميولوجيا الصفحة الشعرية بإبراز علاقة الفضاء البصري بالفضاء الدلالي من خلال نصوص شعرية من بينها "إنقلابات عاطفية" لكاتب هذا الدفتر. والجدير بالذكر أن مفهوم سيميولوجيا الصفحة الشعرية كان مجهولا حتى لبعض الأكاديميين السودانيين(14)؛ كما استند بحث محمد عبد الرحمن على المقاربات النقدية الحديثة، وكان بعنوان "خطاب الحداثة في النقد التشكيلي"؛ وعلى المستوى الأكاديمي، حاول عبد اللطيف إنجاز رسالة ماجستير عن الخطاب القصصي والروائي للطيب صالح إنطلاقا من المقاربات النقدية الحديثة مثل البنيوية وعلم الدلالة والسيميولوجيا. لكنه لم يجد من الأكاديميين من يشرف على رسالته، بل أن أحدهم، وكان عميدا لإحدى كليات الآداب، نصحه قائلا "يا ابني مالك ومال النقد البنّاء والنقد الهدّام"!!! وانتظر عبد اللطيف حتى التحاقه بمعهد الخرطوم الدولي لتعليم العربية لغير الناطقين بها أو للناطقين بغيرها!! آنذاك أنجز رسالته للماجستير عن "الجرجاني" بإشراف أكاديمي مصري ـ لا أذكر أسمه متخصص في علم الدلالة؛ وسعيا وراء تأسيس منبر مستقل يهتم ـ اساسا ـ بالمقاربات النقدية الحديثة، اتفقنا ثلاثتنا على إصدار مجلة بالرونيو كما كان يفعل الجمهوريون في إصدارهم لمطبوعاتهم، وسمينا المجلة "تكوين" (15) وشجعنا على ذلك إتقان عبد اللطيف للطباعة على الآلة الكاتبة محتذيا في ذلك حذو كبار الكتاب العالميين؛ قمنا ـ في البداية ـ بكتابة بيان إبداعي يوضح فهمنا للمقاربات النقدية الحديثة، وكان ذا طابع بنيوي. وبعد فترة قصيرة تعرفنا على المناهج ما بعد البنيوية. فقمنا بتعديل البيان وأكدنا في البيان على ضرورة إعادة إنتاج مفهوم "الشلة" ليتضمن العمل الإبداعي الجماعي ضمن مشروع مشترك؛ وحوى العدد ـ الذي لم يصدر ـ ترجمات عن المقاربات النقدية الحديثة للخطاب الأدبي، والسينمائي والتلفزيوني والتشكيلي. وعندما تعرفنا على "محمد خلف" من خلال فعاليات الهامش الثقافي، قام بكتابة عرض لكتابات أدوار سعيد "الإستشراق" ترجمة كمال أبوديب فإضفناه للعدد؛ ولتوفير الدعم المالي اللازم لإصدار "تكوين" قام عبد اللطيف بطباعة تذاكر للتبرع، وتمكنا من جمع ما يساوي خمسين دولارا. وفي ذلك الوقت كان عليّ الذهاب للدراسة في جامعة صوفيا في بلغاريا. وكان جيبي خالي الوفاض، فاستأذنت عبد اللطيف في أخذها فوافق على ذلك. وفي ليلة 22/9/1986م استقليتُ ـ مع مجموعة من الأصدقاء ـ سيارة الصديق الشاعر "عبد المنعم رحمة الله"، وقمنا بأكل سندوتشات فول من "أبو العباس"، وقمت بإلقاء النظرة الأخيرة على شوارع الخرطوم، وعلى المشهد البنيوي وما بعده؛
يتبـــــــــع
ـــــــــــــــــــــــــــ هوامش؛ ـ (13) نذكر مثالا على ذلك كتاب يوسف نور عوض "الطيب صالح في منظور النقد البنيوي" وكتيب أحمد عبد الرحيم نصر "أسطورتان"؛ ـ (14) يتحدث صلاح الدين المليك ـ ساخرا ومستغربا ومحتارا ـ عن السيميولوجية الشعرية لـ"العودة إلى سنار" حين ييقول أنها "كتيب من إثنين وأربعين صفحة، طول الصفحة الواحد يقل قليلا عن اثنتي عشر بوصة وعرضه ثماني بوصات. والكتاب في هذا الشكل يشبه إلى حد كبير كراسات الرسم التي عهدناها في سني دراستنا الأولى. وإخراج الكتيب في هذا الشكل يفرض عليك أن تقرأه وهو مبسوط أمامك في مكتب أو منضدة، أما حمله بين يديك أو يد واحدة لتقرأه وأنت مستلق في مقعد مريح أو أنت مسافر في قطار أو طائرة فأمر غير يسير. ولهذا لنا أن نستغرب إخراج الكتيب في هذا الحجم وبهذه الصورة وربما نستغرب أكثر عندما نتصفح الكتيب فنجد أن نصف كل صفحة منه خلا تماما خلوا كاملا من اية كلمة، وأن الأبيات طبعت في النصف الأيمن فقط من كل صفحة وظل النصف الأيسر خاليا أبيض ناصعا في وقت ندر فيه الورق الأبيض الناصع الصقيل وغلا ثمنه وهذا أيضا ما يدعونا للاستغراب والحيرة. إننا تساءلنا وسألنا عن كل ذلك فلم نجد جوابا مقنعا ولا ردا شافيا ولايسعنا إلا أن نخلص إلى أن هذا الأمر ـ أمر إرخراج الكتاب في هذه الصورة ـ أمر شكلي لكننا لا نشك في أن حجم الكتاب مهما كان موضوعه وشكله لاذي يخرج به يعينان القارئ على تناوله للقراءة ويتوقف على القراءة الفهم والاستيعاب والاستفادة. ولو لم نكن من المشغوفين بالأدب عامة، والسوداني خاصة، لو لم نكن من المشتغلين بدراسته وتدريسه والنظر في كل ما ينشر عنه لما شرينا هذا المؤلف مع أن ثمنه زهيد فهول لا يعدو الثلاثين قرشا لكن الموضوع هام لأنه يمس جانبا مشرقا من تاريخ السودان القديم كما أن المؤلف مثقف مشهور" صلاح الدين المليك، فصول في الأدب والنقد، الطبعة الأولى، مطبعة التمدن، الخرطوم، 1978م، ص 42 ـ (15) الإسم في الأصل كان لجريدة حائطية كنت أصدرها في كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم، بين عامي 1978 و1980م
(عدل بواسطة أبكر آدم إسماعيل on 06-13-2003, 04:33 AM) (عدل بواسطة أبكر آدم إسماعيل on 06-13-2003, 04:52 AM)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: أبكر آدم إسماعيل)
|
(4) إضاءات... عتمات .... مميزات جردة سريعة للبنيوية وما بعدها في السودان
رغم تواضع المشهد البنيوي وما بعده في السودان، إلا أنه أحدث زلزلة قوية في الحقل الثقافي السوداني. وهذا ما أشارت إليه مقدمة بولا حين قالت "وكان أصدقائي القدامى يلعنون البنيوية واليوم الذي "جاب" البنيوية في السودان، ويصبون هذه اللعنات في صورة نقد قريبة من الشجار" ص5. تلك الزلزلة لا تعني أن المقاربات النقدية الحديثة في السودان لم تكن مبرأة من الهنات والعيوب؛ ورغم قصر الفترة الزمنية التي حاولنا التأريخ لها، إلا أننا سنحاول تقديم جردة سريعة لتلك المقاربات. وتلك الجردة قد تمهد لجردة أكثر دقة وإنصافا، إذا رصدنا تجربة الثلاثة عشر عاما التي تلت هذه الجردة السريعة.
ـ (أ) إضاءات؛ تحدثت مقدمة بولا عن "الأصالة" التي يتمتع بها جيلنا حين قالت "لم يكن من بين أولئك الشبان "أبان خرتايات" من يمكن أن تلصق به صفة الزيف. وكان بينهم صلاح الزين وأسامة الخواض، وعبد اللطيف علي الفكي ومحمد خلف الله، محمد عبد الرحمن حسن، وأمفريب والفاتح مبارك وغيرهم" ص6؛ وللتدليل على تلك "الأصالة" تتحدث مقدمة بولا قائلة "إن المفاهيم النقدية التي جلبها الشبان إلى الحقل الثقافي السوداني تستحق وقفة فاحصة من كل الأطراف، كما أن تطبيقهم لها في كل مستويي إبداعية النص النقدي والإبداعي يمثل إضافة أصيلة لحركتنا الثقافية" ص11؛ أهم المنجزات التي حققتها تلك المقاربات ـ في نظرنا ـ تتمثل في ربط الحقل الثقافي السوداني بتيارات الثقافة العالمية المعاصرة. ولا يمكن فهم هذه المسألة فهما عميقا إلا في ضوء الثقافة الرسمية النميرية الظلامية والتي كانت معادية للعقلانية والتنوير والتفكير النقدي الضدي؛ ولقد ساهمت تلك المقاربات في إعادة الاعتبار لمفهوم النص كمفهوم مركزي لابد منه لأية مقاربة نقدية. فالتيارات النقدية التي كانت سائدة ـ آنذاك ـ بوضعيتها التي وصفناها، كانت تنفي النص الأدبي وتهمشه. واعادة الاعتبار للنص، وخاصة النص الأدبي، أعادت الاعتبار لبنيته اللغوية. وفي هذا الصدد تقول مقدمة بولا "لقد أعطى مبحث البنيوية اللغوي الذي أزال القداسة عن أية بنية لغوية، شبابنا جسارة على الخروج من مألوف اللغة لم تتوفر لسابقيهم من دعاة التجديد. كان التجديد يأتي "عفو الخاطر" من احتياجات وضرورات التطور الاجتماعي والسياسي والثقافي الموضوعية العامة. أما بعد مباحث اللغة الحديثة التي أسقطت القداسة، فقد أصبح للتجديد والخروج على المألوف نظرية أو نظريات تعطيه مشروعية مسبقة" ص7؛
لقد نبهت مقدمة بولا إلى حقيقة مهمة، وهي أن المقاربات النقدية الحديثة وظفت للدفاع عن تجربتنا الإبداعية، وفي هذا السياق أذكر أنني كتبت مقالا مطولا للدفاع عن كتابتنا للقصيدة المدورة والتي كانت تلقى هجوما عنيفا من بعض الرموز الشعرية الهامة في ذلك الوقت. كما كتبت دفاعا عن تجربتنا الشعرية مقدمة موجزة لديوان محمد محي الدين "الرحيل على صوت فاطمة"، الذي صدر عن دار جامعة الخرطوم للنشر؛ إن حديثنا عن النص كبنية لغوية لم يجعلنا نقع في شراك الشكلية التي تتبناها بعض تيارات البنيوية، كما أننا لم نقع تحت تأثير النزعة التكنوقراطية العلموية الفرنسية كما ذكر بولا في مقدمته. ولقد انتقدنا تلك النزعة، كما انتقدنا ـ أيضا ـ الشكلانية البنيوية. وأظن أن غياب بولا خارج السودان، لم يعطه الفرصة لمتابعة ما نشرناه في هذا الصدد. فقد كتبت مقالة مطولة عن الماركسية والبنيوية. واعتقد أن النزعة التاريخية التي ميزت الحركة النقدية السودانية، و"المزاج" اليساري الذي يصبغ الحقل الثقافي السوداني، والوضعية الطبقية لمنتجي تلك المقاربات، أعتقد أن كل ذلك ساهم في مضادات الشكلية والعلموية النجومية؛ لا يمكن لجردة الإنجازات أن تكتمل بدون الحديث عن إعادة إنتاج مفهوم "الشلة"، والتي فُهِمت في الحقل الثقافي السوداني كعلاقة مرتكزة على العلاقات الشخصية والمصالح والمحاباة ومعاداة الآخرين ـ فقط ـ لأنهم لا ينتمون إلى تلك الشلة، حاولنا مضاداة ذلك الفهم، وتوسيع مفهوم "الشلة" ليتضمن العمل الجماعي القائم تحت مظلة مشروع إبداعي مشترك ووسيلته المساءلة، والحوار مع "الآخر" و"المختلف"، والتفكير النقدي الضدي؛
ـ(ب) عتمات؛ مآخذ المقاربات النقدية الحديثة في السودان كثيرة. ومأخذها الأكبر سياق "النسيان" و"التخلف" الذي ولدت فيه. وهذا ما طبعها بطابع التواضع والهزال إذا ما قارناها برصيفاتها في المراكز الثقافية العربية؛ ومن بين المآخذ الكثيرة، تورد مقدمة بولا هذا المأخذ ـ حين تقول ـ "إن شبابنا يطبقون مناهج النقد الحديث، والبنيوي بالذات، لكنهم لا يحاورونها ولا يساهمون في نقدها هي نفسها وإعادة صياغتها" ص11. ما يطالب به "بولا" صحيح، لكن ذلك يستوجب حقبة زمنية معقولة لتمثل تلك الاتجاهات البنيوية وما بعدها ـ وما قلناه عن شح المصادر وبؤس السياق الثقافي الذي أنتجنا، لا يوفر بيئة مناسبة يمكن من خلالها تحقيق ما يطالب به بولا. فإنتاج المعرفة يتطلب شروطا أخرى، ولا يمكن تحقيق ذلك الإنتاج المعرفي بالموهبة و"العصامية" فقط؛ وهناك عامل آخر لم يمكننا من تحقيق ما يطالب به بولا، وهو أننا كنا منشطرين بين نشر المفاهيم وشرحها، والشغل على النصوص. كما أن قنوات النشر المتاحة لا تسمح بنشر النصوص الطويلة ـ حتى خروجي من السودان لم أستطع نشر دراستي عن "التناص"، ودراستي عن "القصيدة المدورة" لم تنشر إلا بعد سنوات من تقديمها على أحد مدرجات كلية الطب ـ جامعة الخرطوم. ولم يستطع محمد عبد الرحمن أن يجد جهة تقبل نشر قراءته للوحتي موديلياني وغوغان ـ وهذا يقودنا للحديث مرة أخرى عن "العصامية". يمكن للعصامية أن تحطم الأسوار، وأن تجعلنا ننفتح على آفاق معرفية جديدة، لكن عطاءها لا يمكن أن يتعدى هذا الدور المحدود، إذ أن محاورة الأفكار المعاصرة، وإعادة إنتاجها، وإنتاج مفاهيم مضادة جديدة، كل ذلك يحتاج إلى سياق آخر ليس في مقدور "العصامية" أن توفره؛ يورد بولا مأخذا آخر يعلق بمسألة "المجايلة" حين يقول متسائلاً "فبأي منطق يحاصرنا جيل الشبان في السبعينات ويستبعدنا عن الثمانينات والتسعينات بل وإبداعية المستقبل؟" ص9؛ ولا يمكن ـ إلا لقصير النظر ـ أن يتبنى مثل هذه الأحكام الاستبعادية. لكن هناك من ساهموا في أن يتوصل البعض إلى هذه الأحكام. ففي حوار مفتوح بمعهد الموسيقى والمسرح ـ مع أحد الذين عاشوا في السبعينات والثمانينات في فرنسا ـ قال أنه لم يقرأ أي نص لشتراوس. وما دفع البعض إلى الوقوع في فخ تلك الأحكام، فهمهم الخاطئ لمسار الفكر الإنساني باعتباره موضات وحلقات يجب بعضها بعضا إلى الأبد؛ تنبه مقدمة "كتابات سودانية" ـ أيضا ـ إلى نفس المأخذ حين تحدثت عن نزوع بعض شباب ذلك الزمان إلى إلغاء الآخرين والتراث كله... تقول المقدمة "ورغم أن لكل ثقافة تاريخها، وأن أي قطيعة مع الماضي لا يمكن أن تكون كاملة، يحاول هؤلاء الشباب أحيانا تهديم كل المعابد" ص8؛ بالتأكيد أننا لا نتبنى تلك الأفكار حول "المجايلة"، وذلك لسبب بسيط جدا، أننا اليوم أو غدا سنشرب من نفس الكأس المستبعدة للآخرين بالإستناد على المجايلة فقط. وكما قالت مقدمة بولا فإن الناس ليسوا سواء في تعاملهم مع المجايلة، فهناك من يتمترس ـ طوال عمره ـ خلف مفاهيم وصور ثابتة، وهناك من يسير وراء منطق الإبداع المحكوم بالثغرات والإختلاف والإنقطاعات؛
ـ (ج) مميزات؛ ساهمت بنية التخلف والنسيان في إكساب المنهج البنيوي وما بعده في السودان مميزات خاصة، ومنها أن ذلك المشهد لم يتم في سياق أكاديمي ـ كما حدث في المراكز الثقافية العربية مث مصر ولبنان والمغرب ـ ومرد ذلك إلى التقليدية والمحافظة التي وسمت المؤسسة الأكاديمية بطابعها. ولذلك انتشرت تلك المقاربات بواسطة طلاب وموظفين ومدرسين وعاطلين عن العمل كما في حالتي. لم تنطلق تلك المقاربات من القاعات والمكاتب الأكاديمية وإنما من الهامش الثقافي، لم ينشرها أكاديميون، وإنما نشرها "أولاد أُبّان خُرتايات" كناية ـ كما يقول بولا ـ عن "تقليد الحقائب التي كان يحملها الشبان معلقة على أكتافهم" ـ كان الشبان في ذلك الوقت يؤمنون بشعار "بيتي خرتايتي" ـ لقد انتشرت تلك المقاربات بواسطة هؤلاء "المشردين" المنطلقين من الهامش الثقافي. وهذا ما أدى إلى ذيوع مفاهيم تلك المقاربات، لأن وسيلة التوصيل كانت الندوات المنزوية في أعماق الهامش الثقافي، لذلك أمكن خلق صلة حميمة مع كثير من الشباب. وهذا ما لاحظه بولا حين تحدث في مقدمته عن لغة البنيوية التي وجدها "شائعة بين شبابنا من الكتاب، والمتحدثين ممن لا يكتبون" ص3. وامتد ذلك التأثير وسط الشبان ممن يتحدثون ولا يكتبون، ليطال لغتهم الذكورية، فقد كان يتم الحديث عن النص المفتوح والنص المغلق في إشارة إلى المرأة الجميلة والقبيحة على التوالي، كما تم توظيف مصطلح الألسنية كمرادف للإغواء الكلامي للمرأة؛ إن نفورنا من المؤسسة الأكاديمية بوضعيتها تلك جعلنا نحتقرها، وكان ذلك احتقارا في غير محله. وقد تراجعتُ عن ذلك الاحتقار عندما رجعت مرة أخرى للدراسة في جامعة صوفيا، وجلس محمد عبد الرحمن مرة ثانية للامتحان للشهادة السودانية ليدرس علم اللغة في قسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة الخرطوم ـ عبد اللطيف ـ وحده ـ كان الذي أدرك أهمية المؤسسة الأكاديمية، وكان يعد نفسه ليصبح محاضرا جامعيا، وتمكن من تحقيق ذلك؛
ومن المميز لتجربتنا أنه لم تكن هناك مجلات متخصصة تهتم بتلك المقاربات مثل مواقف، فصول، ألف، الكرمل... إلخ. فقد انتشرت تلك المقاربات من خلال قنوات الهامش الثقافي، وبعض المقالات في الصحف السيارة؛ ومن المميز ـ أيضا ـ لتلك المقاربات، أن البنيوية اختلطت بما بعد البنيوية. وهذا أمر يعود إلى انقطاعنا الطويل وتخلفنا عن الفكر المعاصر. واختلاط البنيوية بما بعدها يمكن أن يحدث، ولكن في سياق آخر، كما في السياق الثقافي الأمريكي، إذ أن "البنيوية وما بعدها قد دخلتا إلى الجامعات الأمريكية في آن واحد بحيث أن الوقت لم يتوفر للبنيوية لكي يتم استيعابها قبل أن تحل ]ما بعد[ البنيوية محلها"(16)؛ (ملاحظة أخ أسامة؛ يبدو لي أن هناك خللا في معنى هذا الاقتباس، ربما سقطت كلمة (ما بعد)، من بين كلمة تحل والبنيوية في آخر الجملة، لذلك وضعتها من عندي، أما إذا كان النص كما هو يحمل معنى آخر، فيمكن حذف الإضافة)؛
ومن اللافت للنظر في تجربة تلك المقاربات، أن بداية تطبيقها لم تكن في مجال الخطاب الأدبي، كما يخبرنا التاريخ، بل وكان في مجال الخطاب التشكيلي عبر القراءة التي قام بها محمد عبد الرحمن والتي سبق الحديث عنها؛
(5) خاتمة المشهد أشواك تثمر فاكهة
بالتأكيد إن خاتمة مشهد النسيان ـ إذا سار المشهد بنفس وتيرته البائسة ـ ستكون مفجوعة. "فالعصامية" لن تجد لها ورثة صالحين، إذا ظل سياقنا الثقافي محاصرا ومحكوما بقانون "التطور الهابط"؛ لكن بالمقابل نجد أن المنافي والمهاجر ساهمت في إضفاء حيوية فائقة على المشهد البنيوي وما بعده. فقد تم التغلب على كثير من العقبات والعراقيل التي كانت تحد من تطور وثراء ذلك المشهد. فقد توفرت للبعض إمكانية الحصول على الكتب، كما في حالة محمد خلف في بريطانيا. وتوفر للبعض الآخر مزيد من الوقت، كما في حالة محمد عبد الرحمن في اليمن. فقد تمكن من إنجاز ترجمات مهمة لعدد من نقاد الحداثة وما بعدها وعلى رأسهم الأمريكي المعروف فردريك جيمسن؛ وهكذا نجد أن أشواك السودان قد أثمرت فاكهة في المنافي والمهاجر؛ وفي هذا المقام يجب ألا ننسى المجهودات التي يقوم بها عدد من النقاد الذين تلونا في السودان، وعلى رأسهم معاوية البلال؛ إذن، ما زال هناك ما يجب قوله حول تطور المشهد البنيوي وما بعده في السودان وخارجه. وهذا ـ بالتأكيد ـ يحتاج إلى قراءة متعمقة نأمل من المهتمين إنجازها، حتى يبدو المشهد واضحا ومكتملا؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هامش؛ ـ (16) بول هيرنادي؛ ما هو النقد، ترجمة سلافة حجازي، دار الشئون الثقافية العامة، بغداد، 1981م، ص 79
(عدل بواسطة أبكر آدم إسماعيل on 06-13-2003, 05:02 AM)
| |
|
|
|
|
|
|
فى نقد المشهد البنيوى (Re: Agab Alfaya)
|
الاخ عجب الفيا لك الشكر على هذه الكتابات الدسمة من الافكار الاساسية فى تعليقك الحديث عن الانتقال فى كتابات الخواض من خطاب نقدى الى اخر دون تمهيد كتابات الخواض عن البنيوية فى السودان كانت قبل مايزيد عن 20 سنة ولاشك ان هناك مياة كثيرة عبرت فى النهر ايضا فى حديثك عن الانتقال من البنوية الى التحليل السيولوجى وكأنك تقول بحالة فصام بينهما غير ان البنوية التكوينية جسرت ما بينهما والبنيوية هى بنيويات من البنيوية التى تشكلت جذورها من الاهتمام باللسانيات واسهامات الشكليين الروس والبنيوية التى ارتبطت بالدراسات الانثربولوجية الى البنيوية التكوينية كذلك فان الفصل بين المدارس والتيارات النقدية لايبدو انه ممكنا فكل مدرسة نقدية تخرج مت
اثرة بالمدارس السابقة اليوم فى صحيفة الخليج حوار مع الناقد صبحى الحديدى الذى تحدث عن التداخل بين التيارات النقدية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
اولا اعتذر للاخ ابكر للتعدى على المساحة التى اعلن عن حجزها لانزال بقية كلام مقال اسامة فيها.كنت سوف التزم برغبته لولا ان بعض الاخوان اعطونى العذر للمزيد من التعدى،فله العتبى حتى يرضى
اقول للاخوان ابكر والجندرية وتراث وباقى الاخوان اننى كنت قد طلبت من الاخ اسامة اعادة نشر مقاله فى هذا المنبر،وكان ذلك فى بوست الذى نشره عن عباس بيضون وامل دنقل.الا اننى تفاجات بالرد العنيف لاسامة، وكان ما كان والذى كنتم انتم شهود عليه.لذلك اشكر الاخ ابكر على المبادرة على نشر المقال لكى تكتمل الصورة
اخى واستاذى بشرى عندما تحدثت عن انعدام التواصل بين الاجيال فى اتحاد الكتاب لم اكن اقصد التصنيف المدرسى ،لاننى اعلم تماما انك كنت مدرسة لوحدك.كما انك كنت اقرب الاعضاء الى هؤلاء الشباب ابان خرتويات ،على حد تعبير بولا ،لا من حيث التصنيف المدرسى ،ولكن من حيث التواصل الانسانى
الاخ محمد سيد احمد ما تفضلت بذكره ،حول التداخل بين المناهج تعرضت له انا فى الجزء الثانى من المقاله والذى سوف اقوم بانزاله بعد قليل
لكم مودتى جميعا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
في نقد المشهد البنيوي – قراءة في شهادة أسامه الخواض – 2
يقول أسامه الخواض بأنهم لـم يقعـوا ( في شراك الشكلية التي تتبناها بعض تيارات البنيوية ) ولكن هذا ما حدث بالضبـط . صحيح أنهم تبنوا في البداية ماعرف بالبنيوية التكوينية أو التوليدية وهي بنيوية عالم الاجتماع البلغاري لوسيان جولدمان . وهي في الحقيقة لا تحمل من المنهج البنيوي سوى الاسم ،ونظريته ( رؤية العالم ) لا تعني أكثر من المعنى أو المغزى الذي يرمي إليه العمل الأدبي وفي أحسن حالاتها لا تختلف عن نظرية الانعكاس وبالتالي لا تعدو أن تكون صورة من صور الواقعية الاشتراكية .
لكن المشهد البنيوي قد انفتح بعد عام 1986م على كل المذاهب شكلانية وغير شكلانية ولم تعد لدى دعاة البنيوية ( قشة مرة ) في سعيهم المحموم لالتهام كل ما تقع عليه أعينهم طالما أنه حداثي أو يمت إلى الحداثة بصلة . والحق أن الانفتاح على مجمل تيارات الحداثة حدث حتى قبل أن يغادر أسامه السودان ، بدليل أن أسامه قد أشار في حديثه عن البيان التبشيري الذي كانوا ينوون إصداره ، أنهم قاموا بتعديل البيان عندما نمى لعلمهم أن هناك منهج جديد يسمى ما بعد البنيوية فضموه إلى البيان ، أن مجرد تبني ما بعد البنيوية في ذلك البيان ينسف دفاع أسامه في القول بأنهم لم يقعوا في شراك المناهج الشكلية . وهل تعني ما بعد البنيوية شيئا غير البنيوية الشكلية ؟
ولا أدري كيف يتم الجمع بين البنيوية وما بعدها في بيان تأسيس واحد فالمنهجان يناقضان بعضهما البعض ولا يكملان بعضهما البعض . فإذا كانت البنيوية تنظر إلى النص كبنية لغوية لا تستمد دلالتها إلا من نظامها الداخلي فإن ما بعد البنيوية لا تعترف بنظام البنية أصلا . فالمعنى ليس حاضرا في بنية العلامة أو النص وإنما هو نتاج الاختلاف بين سلسلة من العلامات ، فالعلامـة أو الكلمة لا تعني شيئا سوى ليست هي غيرها من العلامات . لذلك يمكن القول أنه إذا كانت البنيوية تفصل بين النص وسياقه الاجتماعي ، فإن ما بعد البنوية تفصل بين الدال والمدلول أو بين النص ومعناه ، ومن هنا يأتي الحديث عن ، مطاردة العلامات واللعب الحر بالدوال . والنتيجة غياب المعنى والمعرفة المشتركة .
والمعروف أن مصطلح ما بعد البنيوية يطلق على التفكيك والتفكيكية التي دشنها الفرنسي جاك دريدا عام 1966م . وقد لاحظت من خلال متابعتي لخطاب الحداثة أن البنيويين عندنا يخطلون بين التفكيك والتحليل والحق أنه لا يوجد علاقة بين الاثنين اللهم إلا العلاقة الظاهرية التي يوحي بها اللفظ . والتحليل من أبغض الكلمات في عرف ما بعد البنيوية او التفكيك . فالتحليل يعني إحالة الشيء وإرجاعه إلى أصله أي بنيته ، بينما التفكيك يقوم أصلا على تدمير مبدأ الإحالة المرجعية .
ويعتبر أسامه الخواض أن أهم منجزات البنيوية وما بعدها هي إعادة الاعتبار لمفهوم النص كبنية لغوية ، يقول : ( فالتيارات التي كانت سائدة تنفي النص وتهمشه ) . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل البنيوية أول منهج أدبي يركز على مفهوم البنية اللغوية ؟ ألم يسبقها إلى ذلك مدرسة ( الفن للفن ) عند أوسكار وايلد وكروتشه ؟ ألم يسبقها إلى ذلك النقد الجديد في الثلاثينات الذي يركز على الوحدة العضوية للعمل الأدبي ؟ ألم يسبقها الشكليون الروس في العشرينات في طرح مفهوم بنية النص اللغوية ؟ وماذا يكون النقد البلاغي العربي القديم سوى التركيز على العلاقة بين المبنى والمعنى للنص الشعري ؟
ولكن مع ذلك إلى أي مدى يمكن القول أن البنيوية وما بعدها قد ركزت على بنية النص اللغوية في مقاربتها للنص الأدبي ؟ الحقيقة بالرغم من كثرة الحديث عن ، مقاربة ، و ( إضاءة ) النص إلا أن العلاقة بين النص الإبداعي والنص النقدي تقوم في أغلب الأحيان على ، المباعدة ، وليس على ، المقاربة ، . أو يتخذ الناقد من النص الأدبي مجرد مناسبة الاحتفال بمهارته اللغوية واستعراض حصيلته المعرفية من المصطلحات والمفاهيم الحداثوية . والنتيجة نص موازي للنص الإبداعي لا علاقة له بالنص المراد ، مقاربته . فالهدف أصلا أن يلفت النص النقدي الأنظار إلى نفسه أكثر من لفت الأنظار إلى النص موضوع المقاربة .
وتمشيا مع تدمير البنية المرجعية الذي طرحته ما بعد البنيوية رفع الحداثيون شعار ، القطيعة المعرفية . وقد أدى تطبيق هذا الشعار بطريقة غير جدلية وغير تاريخانية إلى الاستهتار بالقيم والتقاليد الأدبية والفنية وإلى الاستخفاف بالتراث الثقافي والأدبي الأمر الذي قاد إلى غياب المعايير حتى اختلط الحابل بالنابل وصار من الصعب جدا أزاء نزعة التجريب المحمومة التي سادت كل النشاط الأدبي ، التمييز بين النص الجيد والنص الرديء إذ أصبح كل نص مهمـا كان حظه من النجاح ، إبداع . وهنا يأتي المأخذ الذي أشار إليه دكتور حيدر إبراهيم في مقدمة العدد الثاني من مجلة ( كتابات سودانية ) في محله تماما حينما قال : ( رغم أن لكل ثقافة تاريخها وإن أي قطيعة مع الماضي لا يمكن أن تكون كاملة ، يحاول هؤلاء الشباب أحيانا تهديم كل المعابد ) .
أذكر أنه في عام 1987م ومن خلال منتدى الأحد الذي كان يقام بدار الكتاب السودانيين ، قدم أحمد طه امفريب أحد أبرز رمـوز النقد البنيــوي ومـا بعده ، قراءة لما أسماه ( جسد إبداعي ) أرتكب فيه خطأ نحويـا ، فقـرأ كلمـة ( كموج ) بالضم وليس بالكسر المنون ، وعندما أحتج عليه البعض بالتصحيح ، رد عليهم بأن ليس ذلك خطأ وأنما مخالفة مقصودة لقواعد النحو والإعراب ، وأنه لا يؤمن بأية مرجعية لغوية أو غيرها . وأذكر أنني رددت عليه بمقـال نشـر حينـها بجريـدة ( الأيام ) بعنوان الحداثة ومأزق التجريب .
ومن الاشكالات التي أثارها شعار ( القطيعة المعرفية ) مسألة لتواصل بين الأجيال في الحركة الثقافية . لقد أدت القطيعة المعرفية إلى قطيعة بين الأجيال . وقد أنعكس لك بصورة واضحة في أداء اتحاد الكتاب في فترة الديمقراطية الثالثة فكان جيل الحداثة في وادي وبقية الأجيال في واد آخر . ولا يمكن طبعا قيام أي نهضة ثقافية حقيقة بدون تواصل فاعل بين مختلف الأجيال .
أعتقد أنه آن الأوان لمراجعة مثل هذه المفاهيم وأي محاولة لتقييم مسار الحركة البنيوية لابد أن تقف لمسألة مفهوم ، القطيعة المعرفية . فهل هنالك حقا قطيعة معرفية أم تراكم معرفي ؟ وإذا كانت هنالك قطيعة فما درجة هذه القطيعة ؟ وهل تتم هذه القطيعة في الزمن وعبر السيرورة التاريخية أم تتم بقرارات فوقية ارتجالية ؟
أشار أسامه كذلك أنهم اعتمدوا في العمل للتبشير بالمناهج الحديثة على إعادة تثوير مفهوم الشلة . وبالرغم من الحديث عن تثوير مفهوم الشلة إلا أن ذلك لم يتعد التعبير عن النوايا الحسنة ، وظل المفهوم القديم للشلة هو السائد . ولقد أضرت الشلليات بالحركة الثقافية ضررا بليغا . فالولاء للشلة مقدم دائما على حساب مبدأ النقد والمساءلة والأمانة العلمية والأخلاقية .
ومهما يكن من أمر فقد فتح أسامه الخواض بمحاولته جرد حصاد الحركة البنيوية الباب على مصراعيـه للجميع للإدلاء بشهاداتهم حول هذه التجربة سواء كانوا من داخل المشهد البنيوي أو من خارجه . وأرجو أن نتخذ من نهاية القرن وبداية الألفية الجديدة مناسبة لمحاسبة النفس بلا هوادة أو مجاملة حتى نمضي في الانطلاق بخطى أكثر ثقة وثبات ينبغي ألا تسقط شهادة أسامه في هوة النسيان التي تتسع لها بلادنا مثلما تتسع لكل عوامل الإحباط والخذلان .
عبد المنعم عجب الفيا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
شكرا للجميع لاهتمامهم بالمناهج النقدية الحديثة وهجرتها المؤلمة الى فضائنا الثقافي .والشكر الخاص موصول للمبدع ابكر ادم اسماعيل لنشره للمقال ولتهذيبه الرائع في استئذاني البارحة ونحن اونلاين في نشره.فالمقال سيكفيني مؤونة الرد على بعض ما جاء في مقالة الفياوالتي_اي مقالة الفيا- هي في الاصل بعض من رماد كتاب المرايا المحدبة.ساعود بعد ان افرغ من انجاز بعض الفروض الاكاديمية لكشف الشتارة المنهجية للفيا كما وصفه بصدق الاستاذ حسن موسى في جهنمه الرائعة عبداللطيف علي الفكي سيساهم ايضا .ولانه ليس عضوا ساقوم بارسال مساهمته الشكر اجزله مرة ثانية ارقدوا عافية المشاء
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
فعلا يازمراوي هذا البوست يستحق المتاوقة والمتابعة رغم ما يكتنفه من الغموض الذي ربما تسلل اليه من البنيويه وخطابها المتسم بالغموض والتجريد ، او بسبب عدم اطلاعنا للمقال محل الخلاف الخاص بالاخ اسامة ويا ريت لو نزلتو هذا المقال ليشارك الجميع في الاخذ والرد في هذا البوست القيم الذي الذي تشارك فيه اقلام لا يستهان بها مثل بشرى الفاضل وغيرومن الاخوة الذين لم اتعرف عليهم قبل . بخصوص المقال الواحد ما اقدر اقول عنو اي حاجه نسبة لغيابه الاخ عبد المنعم يلمس نقطه في غاية الاهمية وهي نقطة النقل عن الاخر دون محاورته واظننا في السودان نقع في نفس المطب الذي يقع فيه الخطاب النقدي العربي الحديث الذي اعتمد التقليد ونقل المصطلح الغربي دون ان يوسس لمصطلحه الخاص مما خلق قدر من الفوضى والاضطراب لدى الناقد والمتلقى الذي حدثت له قطيعة ما بين ما يمتلكه من موروث ادبي ونقدي وبين ما يجده عند منظري الحداثة الذين يختلط عليهم الامر لعدة اسباب ، منها تدفق العلوم الحديثه ومصطلحاتها وصراع المناهج والنظريات والعلوم السيكولوجية والاجتماعية والعلوم اللسانية والسيمياءكعلم يهتم بدراسة الظواهرالاشارية من حيث خواصها وانساقها .عموما انا لست ضد التواصل مع الموروث الانساني بل ادعو لحوار مع هذا الموروث واثرائه والتلاحم معه من خلال موروثي العربي الافريقي دون تهميش دوري كفرد سوداني في رقعه جغرافية محددة يحكمها تاريخ وواقع سياسى يهمش المثقف ويعمل على ازاحته بشتي الطرق وتهميشه لاسيما نحن نمثل واقع لبلد يعاني من التخلف السياسي بمعنى تسيطر علينا نظم لا تؤمن اصلا بالحوار ولا بالمثقف لانها تخشى تعرية مواقفها الا انسانية . اذن نحن في حوجة لتاسيس مصطلح مشترك غير غامض يجعلنا نتواصل ونمد جسورنا الابستمولوجية اي المعرفيه في حوارنا مع الاخر حتى نؤسس لخطاب تواصلي يفصح ويكشف لا يعمي ويذر الرماد علي العيون . ارجو ان يتواصل هذا الحوار ويتوسع حتى نسطيع من خلاله مد الجسور والتغلب على القطيعة التي يعاني منها المثقف السوداني. ودمتم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: عشة بت فاطنة)
|
الأعزاء : ان المساهمة الجادة في مثل هذه البوستات تحتاج قدرا كبيراً من الجهد والوقت والكتابة لا تتفق مع طبيعة البورد بإيقاعه السريع ، وغالباً لا تسمح لنا ظروف حياتنا اليومية بتوفير هذا الوقت والجهد للمساهمة في موضوعات البورد . لقد إهتممت قبل نحو شهرين تقريباً ببوست أنزله حينها عجب الفيا أعتقد أن عنوانه (أصداء السيرة الذاتية في روايات الطيب صالح) ، لقد حاولت حينها أن أعلق على ما جاء فيه ، فشرعت في الكتابة ، فإذا بكتابتي تسترسل كثيراً ، وإذا بي أجد نفسي في حاجة لمراجع للاستناد عليها ، ثم كان كل مرجع يستدعي مرجعاً ، أو مراجع أخرى ، وهكذا ، ومن يومها وأنا حتى الآن لازالت أقرأ وأكتب حول نفس الموضوع ، وموضوعات أخرى ، ذات صلة ، جرني اليها مشروع تعقيبي الذي ظننت في البدء انه سياتي سهلاً ومقتضباً . وهذه محمدة أشكر العزيز عجب الفيا لجرني بالسلاسل اليها . لا شك ان صديقنا أسامه الخواض بذل جهداً كبيراً ونال وقتاً أطول ، من المتاح لنا هنا ، لكتابة دراستة أو مقاله القيم وشهادته الهامة : (مشهد النسيان / البنيوية وما بعدها في السودان نموذجاً / محاولة شهادة) ويبدو أن عجب الفيا نال ذلك أيضاً في إعداد مقاله النقدي موضوع هذا البوست . وعليه أخشى ان أظلم الجهدين بمثل مساهمتي العاجلة هذه ، والمساهمة الأعجل التي أوردتها سابقاً في نفس البوست , وفي نفس الوقت اعترف ان ظروفي لا تسمح الآن بمساهمة أكثر جدية . ولذلك اسمحوا لي بايراد عدد من الملاحظات والتعليقات العاجلة على موضوع البوست الأساسي وعلى ماورد في تعقيب عجب الفيا على تعليقي الأول : قبل أن اقرأ تعليق أسامة الخواض وإشارته إلى كتاب المرايا المحدبة ، خطر في ذهني ، خاصة وانا اقرأ الجزء الثاني من مقال الفيا ، ان هذا الكلام يمت بصلة قوية لكتاب عبد العزيز حموده الذي أمطر فيه البنيوية شتائم وسخرية ، في معركة دونكشوتية ضد مايراه "خطراً يهدد الهوية الثقافية العربية" , وهو مثله ومثل أبطالنا العرب لم يكن يملك من الأسلحة ما يكفي لمواجهة العدو ، الذي فرض عليه الاستعداء ، فخاض أم معارك خاسرة . وأصبح لزاماً على تلك الام أن تنجب أبناءً خاسرين . للوقوف على حجم التشابه بين مقال الفيا وكتاب الدكتور عبد العزيز حمودة ، قمت لمكتبتي فأحضرت كتاب الدكتور الصادر ضمن سلسلة عالم المعرفة الكويتية ، قرأت أول ماقرأت تاريخ صدروه ، فإذا هو صادر في أغسطس 2001م . راجعت تاريخ نشر مقال عجب الفيا في جريدة الخرطوم فقرات انه نشر في اكتوبر 1999م . لاحقاً وبعد ان قرأت اشارة اسامة الخواض لكتاب عبد العزيز حمودة ، وتعليق الفيا عليه ، إكتشفت أنني ، عندما رجعت لكتاب المذكور ، لم ارجع الى كتابه المرايا المحدبة ، بل لكتاب أخر له صدر ضمن نفس سلسلة عالم المعرفة بعنوان المرايا المقعرة . ثم تأكدت ان كتاب المرايا المحدبة / من البنيوية الى التفكيك كان قد صدر قبل هذا الكتاب في أبريل 1998م .
تمنيتَ ياعزيزي الفيا لو جاءت قراءتي لمقالك قراءة بنيوية ، وقلت إنه كان عليّ أن أقرأه من الداخل وفق نسقه الداخلى دون النظر الى خلفية النقاش الحاد الذي حدث بينك وبين اسامة. واشرتَ الى ان هذا هو جوهر البنيوية المتداول عندنا ، وإعتبرتَ ان تقييم ما ورد فى المقال على ضوء ذلك النقاش يؤكد ما تسميه المفارقة فى الخطاب البنيوى ، وان كثيراً من اطروحاته مجرد كلام. وما أريد التأكيد عليه هنا باختصار ان قرءاتي لنصلك على خلفية الحوار الحاد مع أسامة ، لم يكن خروجاً من النص الى ماهو خارجه ، إذ أن مفهوم السياق هنا يضم أيضاً نصوص تلك الحوارات السابقة ويجمعها في بنية واحدة ، أو بالأقل مجموعة بنى متداخلة في بنية أعم ، ومفهوم السياق في منهج البنيوية وما بعدها أعقد مما يمكن ان يتصوره الكثيرون ، ويمكن ان تكون هناك عناصر خارج اللغة تشارك في تحديد هذا السياق : إن دلالة الزهرة التي تقدمها لشخص مريض ، وتقدمها للحبيبة وهي في كامل صحتها ، وتقدمها لمن توفى له عزيز ، أو تقدمها لمن تريد الإعتذار له ، هذه الدلاله تختلف وفقأ لعناصر الحالة التي تقدمها فيها ، وهذا أيضاً يدخل ضمن السياق الذي تحدث عنه الكثيرون ممن اعتمدوا البنيوية كمنهج للبحث . وهذا يقودني لملاحظة أخرى ، فقد لاحظت ان في مقالك تكررت مفردة البنيويين أو البنيويون ، حسب موقعها النحوي ، عفواً أتحاشي إستعمال الأقواس لأنها تربك تنسيق النص في البورد ، ولا أعرف كيف أعالج هذه المشكلة . ان استعمال مثل هذه المفردات يشير الى اعتقاد عجب الفيا ، هو اعتقاد سائد لدي الكثيرين يصور البنيوية وكأنها مذهب أو أيديولوجيا . لقد رفض رواد استعمال المنهج البنيوي ومن لحقهم ، اطلاق هذه الصفة عليهم ، وقاوموها بشدة ، حتى تأكد للجميع ان البنيوية ليست مذهباً ، بل هي منهج بحث ، طريقة لتناول المعطيات في حقل ما من حقول المعرفة . وبالتالي لا يمكن للشخص ان يكون بنيويا مثلما يمكن أن يكون ماركسيا أو وجودياً مثلا . لاحظتَ في مقالك ان إسامة الخواض كتب مقاله بلغة وصفتها بأنها مباشرة لا تختلف عن اللغة الإخبارية والتقريرية المتداولة . وقلت إن هذا شئ لم نعهده في خطاب الحركة البنيوية وما بعدها ، الذي وصفته بأنه أتسم بلغة المراوغة المتعالية التي تلفت النظر إلى ذاتها أكثر مما تلفت النظر إلى موضوعها . وأريد هنا القول ان ليس كل من أتبعوا المنهج البنيوي كانت كل كتاباتهم معقدة ، فجميع رموز المنهج تقريباً كتبوا في بعض الأحيان لغة سهلة مبسطة تشبه اللغة الصحفية. ومع ذلك فان خطاب الحركة البنيوية الذي وصفته بالمراوغة المتعالية ، صحيح انه في كثير من الأحيان كان خطابا صعبا ومعقداً ، ولكن هذا التعقيد لا ينتج عن أية صنعة مفتعلة بل يعود بدرجة أساسية الى تعقد الموضوعات والأفكار التي يحاول التعبير عنها ، وهو بذلك خطاب طموح وليس مراوغاً . وفي كل الأحوال فإن اعلام البنيوية لا يعتقدون ان الوضوح سمة إيجابية كما يعتقد الكثيرون ، ويرون ان الوضوح يجعلنا نعتقد باننا نسيطر على اللغة , وهذا اعتقاد وهمي . إن واحداً من المشاريع التي كرس أولئك الأعلام حياتهم لها هو إقناعنا بأن للغة استقلالها الذاتي التام عنا وعن عالمنا ، إن لها عالم أخر تتحرك فيه . وبدون هذا التعقيد الذي يستنكره عجب الفيا ، لن نستطيع ايجاد أي نص لغوي ابداعي . وهنا دعوني اقول إنني أنحاز الى اللغة الصعبة الإقتناص . وارى ان هذا انحياز للابداع ، ولإمكانيات المستقبل . وعكس ذلك هو الركون للراهن ، ونفي الطموح . إن تعقد لغة النص وتراكيبها ، اكثر احتراماً للمتلقي واعترافاً بحقه في إضفاء ما يشاء من الدلالات عليه . وهذا كله مختلف عن نموذج مقال اسامة الخواض ، فهو لم يدعى ان هذا المقال هو عن المنهج البنيوى ، ولا هو نص ابداعي ، انه كتب مقالاً ، أو دراسة وصفيه وتأريخية ، حول تاريخ استعمال المنهج البنيوي في السودان كنموذج لاثبات فرضية ما أسماه (مشهد النسيان) . لا اعتقد ان مايسمى ما بعد البنيوية هو نقيض للبنيوية ، ان منهج التفكيك الذي اسسه جاك دريدا ، منهج نشأ داخل البنيوية ، واستند على نفس مصادرها ، ومن أهم تلك المصادر إسهامات السويسري فريدناند دي سوسير الهامة في علم اللغة وثنائياته الشهيرة . كما ان التفكيك لا يعني مفهوماً مناقضاً للبنيوية كما توحي دلالة المفردتين في لغتنا اليومية ، ان منهج التفكيكية الذي اتخذه دريدا يعني ببساطة اكتشاف التناقض في فرضيات الأعمال النظرية ، وخاصة الفلسفية ، من داخل نصوص تلك الأعمال نفسها ، أي ليس من خارجها . وقد استند دريدا في ذلك اعتمادا كبيراً على أفكار دي سوسير الذي يعد الأب الشرعي الأخير لميلاد البنيوية . إلحاقاً لما سبق ، اسمح لى عزيزي الفيا ، أن ألاحظ ، ان نكرانك ورفضك لمفهوم القطيعة المعرفية ، وتأكيدك على نفي هذا المفهوم لصالح التراكم المعرفي ، جاء مناقضأَ لاعتبارك ان منهج التفكيك ، وما بعد البنيوية ، لم يكن منهجاً مبنياً ومؤسساعلى ماقبله ، بل منبتاً عنه ومناقض له . وكذلك الأمر بالنسبة للسيميولوجا ، فهي وليدة المنهج البنيوى ، وأحد لوازمة . ان اعتراف عجب الفيا بأن من روجوا للمنهج البنيوي في العالم كانوا ذوي خلفيات ماركسية ، مثل لوسيان جولد مان ، لوى التوسير ، ميشيل فوكو ، رولان بارت ، جاك دريدا , جاك لاكان ، جوليا كريستيفا .. الخ يصبح حجة لصالح الخواض وزملائه في الترويج لهذا المنهج في السودان وليس حجة عليهم . كما حاول ان يصور عجب الفيا . وموضوع العلاقة بين الماركسية والبنيوية موضوع طويل جداً ومعقد ، وأقل ما يمكن قوله عن هذا الموضوع ان الكثيرين يعتقدون ان هناك تصالحاً قد تم منذ وقت بين الاثنين ، ويذهب اصحاب هذا الرأي الى ان الخصومة السابقة بين البنيوية والماركسية كانت خصومة مفتعلة ولا تقوم على أسس صحيحة ، فيما يرى أخرون ان التناقض لا زال قائماً بين الاثنين . ولكن الرأي الأول ترجحه حيثيات الواقع والفكر وله حتى الآن قدرة على إثبات صـحته أكثر من الرأي الأخر . سعدت بأن عرفت يا عزيزي عجب الفيا بأنك الذي كتب معقباً على إصرار الصديق العزيز أحمد طه أمفريب على رفع المجرور في مفردة كموج الواردة في (نصه الابداعي) (كيمياء الحلول) ، وأضحك دائماً واُضحك معي معارفي هنا بحكاية تلك القصة الطريفة ، وبذلك الذي كتب في إحدى الصحف (وربما أقصدك أنت) ان احمد طه ارتكب خطا فادحاً ، فرد عليه أمفريب ان رفعه للمجرور اذا كان خطأ فهو ليس خطأ فادحاً ، انما هو خطأ عادي يحدث يوميا في حياتانا وحتى في الأذاعة والتلفزيون ، وان الخطأ الفادح هو مثلاً : اسقاط طائرة ركاب مدنية ، أو تسريب مواد نووية من محطة تشرنوبل . وهو كان يشير يومها الى أيدلوجيات الذين أحتجوا على خطأه . لقد كنتُ جزءً من كل تلك الأحداث الحميمة في ذلك الزمان الجميل ، وأنا سعيد بأنك كنت تشاركني حضور نفس الأحداث والمشاركة فيها ، وبالتأكيد تشاركنا حينها قهوة مايكل الجميلة ، وليتك شاكتنا تقاسم طاولة واحدة تضمننا وعبد اللطيف علي الفكي ، وأخرين ممن نحب ، يالها من متعة .
العزيز الغالي بشري الفاضل ، قضيت جزء طويلاً من عمري وأنا أتمنى ان تعرفني ، حاولت ذلك وأنا اراك أمامي مباشرة ، عياناً ، بلحمك وشحمك القليل ، وكنت دائماً احس ان قامتي أقل من ذلك ، وكانت هناك اشياء اخرى تمنعني من هذا القرب الذي ظللت أتمناه ، ظللت ومنذ سنوات طويلة أحفظ عن ظهر قلب قصصك القصيرة جداً المنشورة في مجلة الخرطوم . وأحفظ حتى القصص الطويلة : البنت التي طارت عصافيرها ، ذيل هاهينا مخزن احزان ، واخرى غيرها ، واتلو كل ذلك بصوت عالٍ كلما تيقظت الروح . سعدت بأن أوردت إسمى في أحد تعليقاتك على هذا البوست ، ولكي يطئن قلبي قل لي في المرة القادمة اسمي القديم الأصلي : عثمان محمد أحمد عمر ، وهو المشهور باسم عثمان تراث .
خاطرة أخرى لابد ان أسجلها هنا ، وهي تتبع هاجس النسيان ، ولكنه نسيان مركب مارسه ضدي ، وضد أصدقاء حميمين ، أصدقاء آخرون ، تعرضوا أيضأ للنسيان ، ولكنهم عندما حاولوا الدفاع عن أنفسهم ضد نسيانهم إرتكبوا بدورهم نسياناً أخر ضدنا . لقد إكتسبت إسمي (عثمان تراث) من خلال ترؤسي ونشاطي في جمعية التراث والثقافة العربية التي تاسست ونشطت في جامعة القاهرة فرع الخرطوم في النصف الأول من ثمانينات القرن المنصرم . انا موقن تماماً بأن تلك الجميعة كانت الأنشط في فعالياتها الثقافية حينها داخل جامعة الفرع وخارجها ، وقد استطاعت ان تجذب الى نشاطها وفعالياتها معظم مبدعي جيل أواخر السبعينات وأوائل الثمانيان في السودان خلال ذلك الوقت . ومع ذلك فقد لاحظت ان كل المحاولات التوثيقة التي تمت لرصد الحركة الثقافية وأهم أطرها في عقد الثمانيات أهملت تلك الجميعة إهمالاً تاماً ومقصوداً . وأعتقد ان هذا التجاهل تم لأسباب سياسية وأيدلوجية بحته ، اذ ان تلك الجمعية كانت إحدى واجهات العمل السياسي لحزب البعث الموالي للعراق في السودان ، في حين ان المحاولات التوثيقية التي إطلعت عليها ، كتبها مثقفون هم في الأغلب ينتمون أو كانوا ينتمون ، للتيار الشيوعي أو الماركسي عموماً . وما اشد العداء بين الشيوعيين والبعثيين . لقد ظُلم الناشطون في تلك الجمعية كثيراً ، بسبب التصنيف الحزبي ، رغم أن الكثير منهم ، لم يكن يهمه سوى نشاطه الثقافي والابداعي . ومن أعضاء الجمعية والناشطين في فعالياتها من ليكن له صلة ابداً بحزب البعث مثل السر السيد ، وحسن دوكة وفريد ومحمد محمد خير وآخرين كثيرين . كما ان الكثير من البعثيين أعضاء الجمعية تطهروا لاحقاً من بعثيتهم السابقة ، كما فعلت انا منذ سنوات طويلة، لقد ندمنا على ذلك الانتماء المخذيء وسفينا التراب ، ومع ذلك ظل النسيان يلفنا جميعاً ، حتى من الذين يعانون من نسيان أخر . الأعزاء ان المشاركة في مثل هذه البوستات ، تحتاج مذاكرة ، وهي أمر لا اقدر عليه ، فارجو التكرم بتحمل ما قلته بدون بدون مذاكرة , أعطوني صفراً لو رايتم . فقط اعتمدوا عدم غيابي . (عدل بواسطة تراث on 06-15-2003, 10:22 PM) (عدل بواسطة تراث on 06-15-2003, 11:04 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: تراث)
|
الحقيقة لا أعرف كثيرا عن مناهج النقد الحديث ربما لقلة توفر المراجع هنا لكن يستوقفني سؤال للأخ عجب الفية والاخوة المشاركين والجميل الخواض : تظل مفاهييم القرأة البنوية غامضة في أسقاطها على النص الديني فأعتقد وحسب ما فهمته من أستاذي ( تراث ) أنه وفقا للنبنوية التوليدية يكون النص محملا في داخلة بكل تفاصيلة ( تاريخه ) ولسنا في حوجة نص أخر تاريخي كتوطئة لقراءة النص الديني ( أسباب النزول ) ...ما يخطر علي بالي الأن ... وفقا لهذة المناهج يكبف يمكن للماركسسين المتبنيين الديالكتيك كمنهج نهائي للنقد أن يتفقوا مع منهج يتناقض معهم ؟ أرجوا أن تتسع صدوركم فنحن نترصد المعرفة منكم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
اشكر الاخوان الذين انضموا الينا موخرا زوربا عائشة بنت فاطمة هدهد
الاخ تراث دعك من المرايا هل هى محدبة ام مقعرة،ولا تشغل نفسك بها واشغل نفسك بمنافشة الافكار والنتائج التى يمكن ان يخرج بها كل من تعامل مع هذه المناهج بعقل وعيون مفتوحة وهذه الافكار والنتائج ممكن مناقشتها بالقناعات كما قال الاخ بشرى دون مراجع لو تعذرت هذه الاخيرة،واعتقد ان التعاطى مع هذة المناهج طوال هذه المدة كافى لتولد قناعات تكفى لادارة حوار حولها لذلك استغربت كما استغرب بشرى،قولك انك كنت تريد المشاركة،فى بوست، اصداء السيرة الذاتية فى ادب الطيب صالح،الذى انزلته انا فبل نحو شهرين،ولكنك حتى الان لم تتمكن من اعداد مشاركتك بسبب عدم توفر المراجع.فنحن لسنا بصدد اعداد بحوث علمية،وليس بالضرورة ان يبذل الشخص المشارك نفس الجهد الذى بذله الكاتب،فاشارة او ملاحظة واحدة حول ما كتب يمكن ان تفجر افاق من النقاش لا حدود لها
لا ادرى ما هو الطريف حول ما كتبته من تعليق حول اصرار امفريب على ارتكاب خطا نحوي متعمد محتجا بانه لا يقر باى مرجعية،وما علاقة ذلك بتحطم طائرة او وقوع كارثة نووية،فسياق الكلام كان عن خطا نحوى فادح وليس عن اي كارثة فادحة ،مرة اخري ارجع واذكرك بضرورة الالتزام بالمقولات البنيوية التى تستميت في الدفاع عنها
هناك ملاحظة لا بد من التاكيد عليها وهى التطبيقات الذكية للمنهج البنيوى وما بعده التى تاخذ احسن ما فيه وتترك ما عداه وقد اشرت اليها فى بداية هذا البوست فى غير هذا المكان،وضربت مثلا بكتابات، يمنى العيد وجابر عصفور وامين العالم في ثلاثية الرفض والهزيمة
من هذه التطبيقات الذكية ،بحث الاخت الجندرية،حول روايات الطيب صالح فهى لم ترهن نفسها للتسليم المطلق بكل مقولات هذه المناهج ولكنها تقيم حوارا بين المنطق الداخلى للنص وبين السياق للمرجعي للعمل الادبى او ما يسمي بالزمن الخارجي وهو الزمن الذى كتب فيه العمل الادبى،وربما يرجع ذلك الى تتلمذها على، يمنى العيد، كما ذكرت لى في احدي البوستات
فكما تري اخ عثمان انا لست عدوا لهذه المناهج،بل كثير من الاصدقاء والقراء يظنون اننى بنيوى.لقد افدت من هذه المناهج ولكننى لم اسلم بكل ما قالت به،
اترك الحديث عن العلاقة بين الماركسية والبنيوية ،والفرق بين البنيوية ما بعدها الى سانحة اخري
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Bushra Elfadil)
|
المبدع بشرى الفاضل أحس مرارة واضحة في تعقيباتك وتعليقاتك . واتمنى لو استطعت ، على الأقل ، إسقاط اسباب هذه المرارة ، على الذين تسببوا فيها , وليس على مناهج النقد الحديث ، فمثل هذه المناهج لو طبقت على نصوصك بشكل صحي فستكون الأكثر قدرة على انصافها ورؤية ما فيها من جمال أخاذ وابداع في حدوده القصوى . العزيز عجب الفيا: لدى كلام كثير أود ان اقوله تعقبيا على تعقيباتك ، الوقت لا يمسح به الأن ، ولكني لا زلت اتساءل عن سر هذا الانفعال والغضب الذي يتملكك ، أوردت مثال العزيز أمفريب ، لتلطيف ألأجواء بحادثة أراها طريفة ، ولم اقل ابدا ان موقفك كان هو سبب هذه الطرافة ، بل أوحيت بوضوح الى ان تمسك امفريب بخطائه اللغوي هو السبب في تلك الطرافة. كما أنني أوردت ذكر ذلك الحدث ، لكي أوسس لعلاقة بيني وبينك تاريخها اقدم مما كنت اعتقد . فإاذا بك تفاجئني بهذا الرد الرسمي وقد اتخذ صورة سؤال قاس : "لا ادرى ما هو الطريف حول ما كتبته من تعليق حول اصرار امفريب على ارتكاب خطا نحوي متعمد.. الخ"
اؤكد لك انني لم اقل إنني كنت أريد المشاركة،فى بوس أصداء السيرة الذاتية فى أدب الطيب صالح ولكني لم استطع ذلك بسبب عدم توفر المراجع. ويمكنك ان ترجع لما قلته في نفس هذا البوست لترى ماذا قلت . ولتتأكد بنفسك ان انفعالك الطاغي يحرمك حتى من رؤية الأشياء كما هي . هون عليك ياصديقي . حاول الخروج من حالة التحفز هذه حتى نستطيع الحوار بهدوء وود ، فليس بيينا الا مشتركات عظيمة يمكنها ان تقودها الى الصداقة الحقة والمحبة الكاملة , تلك التي نحسها قبل ان نكتبهاأو ندعيها .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: تراث)
|
العزيزة عشة بت فاطنة أقلقتيناعلى احمد طه امفريب . لم ارى مبدعأً في حياتي اكثر صدقاًُ منه . انه لايبدع عمداًً بل يقول ، أو يكتب ، كلامه العادي اليومي فيراه كل الأخرين إبداعاً . انقطع تواصلي معه منذ ان غادرت السوادن قبل اربعة عشر عاما تقريباً ، واناشد الأخرين في هذا المنتدى الجامع ان يطمئنونا عليه ، ويدونا أخباره .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
د. بشرى الفاضل الاستاذ عثمان تراث فى عام 96 القيت قصيدة فى جلسة خاصة وفى تقديمى لها قلت قصيدة فاذا باحدهم يقول بصوت منزلق نص وقلت انها باسم كذا فقال نفس الشخص بنفس درجة الصوت عنوان اذا هذه هى تسميات المناهج الجديدة لماذا كان فرضها على سالت بعد الجلسة واخبرت بانها شروط الحكومة اى نعم هى هكذا تكون القصيدة نصا وبذلك هى نوع كتابة ادبية غيرمحدد وياخذ الامر تمويها وتصعب المرجعية عندما يقال نص ياسر اى نص
وكذلك عنوان العنوان يدل على مكان هو فى اصله وليس منه لانه عنوان له ولكن الاسم اكثر ارتباطا بالشئ هو اصل الشئ الملتزم به باسم القصيدة نكون امام تحديدين مسمى لكتابة ادبية هى قصيدة يخدع الداخلون فى حقول الكتابة بتسميات المناهج الجديدةويعتقدون فيها رفعة ويرفضون التسميات القديمة كانما ان الكتابة الجديدة تشترط تسميات جديدة ليت اصحاب المناهج الجديدة يعلمون انهم مدعومون اما المعارض فقد زرت الكثير منها ووجدت مانبه اليه د.بشري الفاضل اننا لانستطيع ان نصنع مرجعية لاحدى اللوحات ونحن لاندرى لها اسما فى الامر مرارة فعلا ياتراث وليتنى استطيع ان ادور على الكتاب جميعا واقول ماكتبت اشدد مرة اخرى انها شروط الحكومة والتى واجهونى بها عند كل قصيدة اقراها ولعل ابكر ادم يزكر اشتراط التسمية نصا فى مكتبة البشير الريح بمنتداها الموقوف حاليا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Bushra Elfadil)
|
الأخوات والإخوة الحاضرون هنا سلام أظنكم تعلمون أن أي كاتب مسئول، ولكن، في الواقع، بقدر أهمية الكاتب، تكون مسئوليته، وأظن أن ذلك هو ما قاد، وما قد يقودنا إلى تحميل مقولات الأخ أسامة الخواض ـ ما يبدو أنه ـ أكثر مما تحتمل. ومهما يكن من أمر، فالجيد هو أننا صرنا على مقدرة من أن نلتقي وأن نتحاور، بقدر ما يسمح به وقت كل منا، وأرجو أن تتسع الصدور، وتطول الأنفاس؛ الإبداع والإتباع؛الحقيقة أنا أرى، أن الأخ منعم، لديه الحق في (بعض) أحكامه على (بعض) مقولات الأخ أسامة الخواض، لأنها فعلا تحتمل أن يتم تأويلها كما ذهب منعم. وخاصة في مسألة الإنتقال من منهج إلى الآخر. وطالما أن الأخ أسامة الخواض لم يقدم تبريراته لذلك، وتركها عائمة في السياق العام للمقال؛ أو لحسن نوايانا، فهو يتحمل المسئولية. ولكني أرى أن هناك نقطة فيها نوع من التحامل على الأخ أسامة الخواض، وهي المتعلقة بمحاورة المناهج والإضافة إليها، والحقيقة أنا لا أرى أن من ذكرهم الأخ منعم كأمثلة للتحاور مع تيارات الحداثة؛ كذلك، ومع احترامي لمحمود أمين العالم ويمنى العيد وغيرهم، إلا أنني أرى أن ما قدموه لا يخرج عن السقوف المصنوعة أصلا في المنابع، والسبب في رأيي هو الوضعية الحضارية، وضعية اللاحق والملحوق، التابع/المتبوع، وفي رواية أخرى المراكز/الهوامش، التي لا تتيح للتابع/اللاحق/الهامش ـ خارج إطار المعجزات ـ إلا هامشا لـ"اللحاق"، إذا وضعنا في الإعتبار واقع وسائل الحركة وسرعتها عند الملحوق مقارنة بما يتوفر لـ"اللاحق"؛ وأظنكم تعرفون أن نفس هذه الأحكام والاتهامات، ظل يتعرض لها أشخاص تتوفر لديهم إمكانيات لا تقارن مع إمكانيات (الحداثيين) السودانيين؛ وعلى سبيل المثال محمد عابد الجابري، الأكاديمي المرموق، الذي ظل يواجه الاتهام بابتساره للمناهج الحديثة، والبنيوية بالتحديد؛ وكذلك محمد أركون باللاإضافة وهو يعترف بذلك ولديه مبرراته. أنا أرى، هكذا، أن القضية، المتعلقة باستلاف المناهج واتباعها وتطويرها، مرهونة لحد كبير، بالشروط التاريخية التي تحف بنا. ولا أعتقد أن الأخ أسامة الخواض أو غيره، من (الحداثيين) السودانيين، بمقدورهم تجاوز هذه الشروط بالبساطة التي يوحي بها النقد الموجه إليهم. إذن ما العمل؟ ولماذا لم نقم نحن الذين نقدم نقدنا لهم بالتحاور مع هذه التيارات، وإضافة ما يمكن إضافته إليها؟ هذه الأسئلة تكشف أنهم، ورغم كل شيء، يقفون أمامنا! وبالمنطق الإيجابي، أننا ندفعهم إلى الأمام، أو في أحسن الأحوال، نقوم بما نقوم لكي لا نعبر فوق تجربتهم، دونما استفادة، ولذلك أرجو أن يقدم لنا الأخ أسامة الخواض والآخرين المزيد من الشهادات والمرافعات حول تجربتهم، وخاصة فيما يختص بـ"عضم" القضية؛ ألا وهو كيف يتبنون المناهج وكيف يطبقونها وكيف يبدلونها؟ لأن في كل عتبة من هذه العتبات ضرورة ما تستدعي الإنتقال إلى ما بعدها، وأظن أنه هنا يكمن جوهر المسألة، حتى وإن اكتفينا بتبني هذه المناهج/التيارات ولم نساهم في تطويرها. وأنا إذ أقول قولي هذا، أرمي لأن يكون طموحنا مؤسسا فحسب؛ وتظل المشكلة قائمة؛يقول الأخ منعم Quote: فالمعروف أن البنيوية تقوم أصلا على إحلال الأبنية اللاواعية مثل " النسق والنظام اللغوي والأسطوري واللاشعوري محل الوعي الفردي والجماعي في صناعة وتغيير التاريخ . لذلك فهي تعمل جاهدة لتنقية النشاط الأدبي والإبداعي عموما من تلوث المعنى الاجتماعي والسياسي . أما بعد البنيوية فتقوم على تدمير مبدأ الإحالة المرجعي ، سواء كان هذا المرجع التقاليد والأعراف اللغوية والاجتماعية أو المعارف الإنسانية المشتركة ، وبالتالي يصبح في هذا السياق الحديث عن أي دور للكاتب في المجتمع حديث بلا قيمة |
هل هذا الوصف للبنيوية وما بعدها صحيح يا أخ منعم؟ وبالتالي، هل الأحكام التي قررتها صحيحة؟ أشك في ذلك يا أخ منعم، فأنت تقول (المعروف) وتذهب إلى ما تعتبره (أصل) البنيوية، حسنا، فقولك، يدل أن هناك أشياء أخرى في البنيوية، ليست أصلا أو لا تعتبرها أنت كذلك. وهذا في حد ذاته يتيح فرصا للدخول في تفاصيل أخرى، فأنا (أعرف) أن البنيوية منهج أو طريقة للبحث، تتعامل مع وضعيات معينة على أساس أنها (بنيات) ولا تعتبر هكذا أو تسمى بهذا الإسم إلا لأن عناصرها تنتظم في أنساق، بنتها، وما تزال تواصل إعادة بناءها. وأن لكل بنية وظيفة، وتتميز بالكلية Totality والتحول الدينامي Dynamic Transformation والضبط الذاتي Self-Regulation ولذلك يعتبر الأمر الأكثر أهمية هو التعامل مع هذه البنية من داخلها، وفي داخلها هذا، يتم الإعتداد أكثر باللاشعوري ـ أن جازت التسمية، لأنه الأهم معرفيا، والأهم هذه ترجع ـ حسب ما أفهمه عن البنيوية ـ إلى دوره في عمليات التحول الدينامي والضبط الذاتي من جانب، وإلى أنه ليس ملقى على الطريق لأخذه، وإنما يحتاج إلى بذل الجهد لمعرفته. ولهذا السبب، ترى البنيوية "لا جدوى" (النضالية) المفروضة على العلوم والإبداع الأدبي، وليس "المعنى الإجتماعي والسياسي" مطلقا هكذا. أما ما بعد البنيوية، ومنهجها "التفكيكي" Deconstruction وأرجو أن تقبلوا تحفظي على المصطلح العربي "تفكيك" لأنه مع الأسف لا يوفي المعنى المقصود بكلمة ديكونستركشن، والتي هي، حسب فهمي لها، من استعمال دريدا وفوكو، إنها لا علاقة لها بما توحي به فكرة التفكيك، أو الهدم المباشرة، وإنما هي أقرب إلى فكرة التمثيل الغذائي في الجسد، فهو يعني تزامن عمليات الهدم والبناء في نفس الوقت، بحيث لا يكون هناك أي معنى من أرجاع وظيفة أي جزئية إلى ما كانت تحتله سابقا، قل مثلا؛ الحامض الأميني في سلسلة البروتين البقري في الشواء، عندما يتم تحويله إلى جزئية في البروتين البشري، ليعمل ضمن عضو في جسم الإنسان. فمن الواضح أننا لا نجني شيئا من إرجاع الجزيء إلى أصله البقري، في هذه الحالة. ومع أن مثالي هذا مبتسر، إلا أنه الأقرب لتوضيح فكرتي حسب إمكانياتي؛ وبالفعل هناك تعارض في هذه النقطة بين البنيوية وما بعدها (التفكيكية). ولكن يا أخ منعم إذا سألنا السؤال؛ ما الذي يتم تحليله "بنيويا" أو تفكيكه "ما بعد بنيويا"، ومن يقوم بالتحليل أوالتفكيك، ولماذا؟ الأجابة على هذه الاسئلة هي التي تجعل من الحديث عن دور الكاتب في المجتمع حديث ذو قيمة. بل أنني أفهم أن واحدة من (غايات) هذه المناهج النقدية، أن تعمق دور الكاتب في المجتمع، وليس نفيه، كما ذهبت أنت، ولذلك لا أرى تناقضا في موقف ومقولات الأخ أسامة الخواض في هذه النقطة من وجهة نظر بنيوية. ولكني لا أنفي عبثية بعض التطبيقات. وكل ما أوده هنا، ألا نحكم بناء على جانب واحد من المسألة، وهي مسألة متعددة الأوجه كما ترى. هناك نقاط أخرى متعلقة بـ؛ العلاقة بين الماركسية والبنيوية ومفهوم القطيعة التاريخية أو المعرفية واللغة والتجريب سأحاول أن أعود أليها تصبحون على وطن وللجميع مودتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: أبكر آدم إسماعيل)
|
اخذت مني كلمه البنيوية رداحاً الزمن باحثاً عنها بعد ان استعصت علي وذادت الغربه والبعد عن المكتبات المهمه ..حاولت ان استخلصها من بين حديثكم .. تداخلت علي .. لذا اسمحو لي ان اشرك معي كل الذين علي شاكلتي ..
مقاطع من كتاب .. المتنبي في المناهج النقدية الحديثة ل..محمد ايت لعميم
الكتاب كامل في الوصله التاليه المتنبي .. في المناهج النقدية الحديثة
المنهج البنيوي أسسه ومفاهيمه
الأسس الجمالية والفلسفية للمنهج البنيوي :
توطئة :
حاولت في الباب الأول والثاني أن أبحث في طبيعة كل من منهج تاريخ الأدب والمنهج النفسي وتطبيقاتهما على المتنبي، وأبرزت بان السمة المشتركة بين هذين المنهجين ، هي أنهما منهجان خارجيان، يدرسان الظاهرة الأدبية من خارجها ويفسران العمل الأدبي، أما برده إلى الشروط التاريخية أو إلى العوامل الباطنية للمؤلف، وذلك أن السياق الفكري الذي ترعرعت فيه هذه المناهج سادت فيه النزعة التاريخية ، حيث كانت تفسر كل الظواهر من خلال التاريخ، فالسابق يتحكم دائما في اللاحق، وحول هذه النقطة اتفق مفكرون كانوا يختلفون فيما بينهم في مسائل أساسية ، فقد قدم " داروين تفسيرا لتطور الأحياء من منظور تاريخي ونقل " سبنسر " نظرية داروين من المجال البيولوجي إلى جميع المجالات الاجتماعية والروحية والعلمية والمادية، واتخذ نتيشه من فكرة التاريخ أساسا لفلسفة كاملة تؤمن بان للأخلاق والمعرفة والقيم تاريخا، وبان حاضر هذه المعاني لا يفهم إلا من خلال ماضيها، وبان الإنسان كائن تاريخي في صميمه، وطبق كارل ماركس فكرة التاريخ على العلاقات الإنتاجية بين البشر في مراحلها المختلفة ... بل يمكن القول من وجهة نظر معينة، أن العلوم الطبيعية ذاتها كانت تضفي على الفكرة الرئيسية فيها، وهي فكرة السببية طابعا تاريخيا أو زمنيا ، وأصبح النقاد الفنيون والأدبيون يفسرون عمل الكاتب من خلال تاريخ حياته ويبنون نظرتهم إلى الفنان على وقائع نفسية أو اجتماعية أو سياسية لها كلها موقع محدد في التاريخ. أي أن التاريخ أصبح متغلغلا في كل شيء .
بالإضافة إلى هيمنة التاريخ، كانت هذه المرحلة خاضعة لأطر الفلسفة الوضعية التي وضع صيغتها الأولية الفيلسوف الفرنسي " اوعست كونت " الذي أصدر بين 1830-1846 دراسته " بحث في الفلسفة الوضعية "، والى النزعة التجريبية، حيث أكد " فرانسيس بيكون " على أهمية الملاحظة والرصد الدقيق للوقائع.
لقد كانت غاية الفلسفة الوضعية هي نقل مناهج ومبادئ العلوم الطبيعية إلى مواضيع الفن فكان " الفيلسوف الوضعي أكثر اهتماما بالحقائق المدركة حسيا منه بالأفكار، وبالكيفية التي تنشأ بها هذه الأفكار منه بأسبابها، ونبذت كل معرفة لا ترتكز على دلائل حسية باعتبارها تأملا تافها، وكان لهذا النوع من الوضعية، في أواخر القرن 19 تأثير كبير في الفكر الأوربي بوجه عام وفي دراسة الأدب بوجه خاص.
وبموجب هذا التصور أصبح هدف الدراسة الأدبية هو تفسير النصوص سببيا، من خلال علاقاتها بالمحيط الخارجي، و الغاية من ذلك هي محاكاة مناهج العلوم الطبيعية من اجل أحداث تاريخ علمي للظواهر الأدبية.
إن هذه الطريقة في الدراسة الأدبية اقتصرت على البحث في الأسباب الوقائعية والتكوينية كحياة المؤلف والبيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية، حيث لم ترق إلى ملامسة الجوهري في النصوص، فالتجأت إلى فقه اللغة وفروع التاريخ بهدف تفسير معاني الكلمات المفردة وشرح الإحالات والتلميحات مغيبة قيمة الأدب وخصائصه النوعية، حيث عاملت النصوص باعتبارها آثارا ووثائق تاريخية.
لقد هيمن هذا المنظور الوضعي للأدب ردحا من الزمن في أوربا، ولدى العرب المحدثين، وتجلى ذلك من خلال الكم الهائل للمؤلفات التي تدرس المؤلف وأعماله ، وقد أسفرت هذه الدراسات على مجموعة من القضايا تتمثل في الاهتمام المتزايد بتوثيق النصوص وشرحها، وتحقيقها، وبأخبار الكتاب والشعراء والاهتمام بالمؤلفين البارزين بدل المغمورين، وقد نجم ذلك عن غياب لتحديد موضوع الأدب ومفهوم النص. فالأدب كان أرضا بلا مالك ، لذلك كان عرضة للعديد من المناهج والاختصاصات بعيدة كل البعد عن طبيعة الموضوع المدروس، لذلك أصبح لزاما أن يستقل الأدب بموضوعه وبمنهجه. فما هو المنهج الذي تقلد على عاتقه تخليص الأدب من تطاول مناهج العلوم على أرضه :
إنه المنهج البنيوي ، الذي يعتبر تجليا للتحول الجذري الذي عرفته العلوم الإنسانية في القرن العشرين، ورؤية جديدة لمراجعة التصورات السائدة والتقاليد التي رسختها الأفكار السابقة للقرن 19.
ولكي نستجلي الأسباب المفضية لبروز هذا المنهج لا بد من معرفة الأسس الفلسفية التي تمده والتطورات الحاصلة في الدراسة اللغوية والتحول المنهجي الذي أحدثه حركة الشكلاسنين الروس.
أ- المهاد النظري لظهور البنوية :
حركة الشكلاسنين الروس و التثوير المنهجي :
يكاد يجمع مؤرخو الحركة الشكلانية أن البدايات الأولى للشكلانية الروسية بدأت حينما نشر " فكتور شكلوفسكي " مقالته عن الشعر المستقبلي عام 1914 تحت عنوان " انبعاث الكلمة ". أما الانبثاق الفعلي لهذه الحركة فقد جاء نتيجة للاجتماعات والنقاشات ومنشورات جماعتين من الطلاب، الجماعة الأولى أطلق عليها " حلقة موسكو اللغوية "، تأسست عام 1915، وكانت اهتماماتها بالأساس لغوية ، حيث وسعت نطاق اللسانيات لتشمل اللغة الشعرية، ويعد رومان جاكبسون أبرز منظري هذه الحلقة.
أما الجماعة الثانية فقد أطلقت على نفسها اسم " جمعية دراسة اللغة الشعرية " عام 1916 ببطرسبورغ، كانت تتكون من طلبة يهتمون بالأدب، وما كان يوحدهم هو ضجرهم من إشكال الدراسة الأدبية السائدة، بالإضافة إلى اهتمامهم بحركة الشعراء المستقبليين، ويعد فيكور شكلوفسكي وبوريس ايخنباو أهم منظري هذه الحلقة.
لقد اعتبر الشعر المستقبلي كخلفية جمالية انطلقت منها آراء الشكلانيين الروس في تحديدهم لمفهوم الأدب والشعر، حيث أن " المستقبليين كانوا لا يختلفون عن الرمزيين في موفقهم العدائي من الواقعية، فشعار " الكلمة المكتفية بنفسها " الذي تبناه المستقبليون كان يعني التركيز على التنظيم الصوتي المستقل للكلمات، بوصفه شيئا يتميز بذاته عن قدرة الكلمات على الإشارة إلى الأشياء.
لقد الهم هذا التصور المستقبلي مفكري حركة الشكلانين الروس ليهتموا بالصوغ التقني للكاتب ومهارته الحرفية. مما أضفى على نظريتهم طابعا راهنيا، وذلك لارتباطهم بمدرسة ظهرت في مطلع القرن العشرين، كحركة في الرسم ثم انتقلت إلى الإبداع الفني والأدبي واعتبرت كتمرد ضد الفن المتحذلق الذي تطغى فيه الكلمات الفضفاضة والسطحية والابتذال ، مركزين اهتمامهم على الملموس من الحياة اليومية المعاصرة ، وتفجير الشكل الفني والبحث عن لغة فنية جديدة.
كان هم الشكلانين هو إرساء دعائم الدراسة الأدبية على قاعدة مستقلة. حيث حولت مركز الاهتمام من الشخص إلى النص. فكان السؤال الأول بالنسبة لهم ليس " كيفية دراسة الأدب، وإنما الماهية الفعلية لموضوع بحث الدراسة الأدبية .
فأولى خطوات المنهج الشكلي هو تحديد الموضوع، لان هذه العملية هي التي ستتحكم في تحديد النظرية. لقد انطلقت الشكلانية من استبعاد كل التعريفات التي تحدد الأدب باعتباره محاكاة وتعبـــــيرا أو تفكيرا بالصور. لان هذه التعريفات تغفل خصوصية السمات الأدبية. لذا، فان التعريف المقترح للأدب سيركز على أسس فارقية، فالأدب يتكون " ببساطة، من الفرق بينه وبين نظم الواقع الأخرى. ويتبين في الحقيقة أن موضوع علم الأدب ليس موضوعا على الإطلاق وإنما مجموعة من الفروق . ويصبح مفهوم التغريب هو الأداة الإجرائية لتحديد الطابع الفارقي، بحيث يصير الأدب مضادا لكل معتاد. يزيل أقنعة الألفة عن الأشياء فتصبح غريبة تثير فينا الإحساس بالحياة. فالأمر شبيه بالمشي والرقص، حيث أن الأول لا نحس به، لأنه مألوف بالعادة ، أما الثاني فيجدد إحساسنا بحركات المشي.
إن مهمه النظرية الشكلية هي تحليل الفروق المتعارضة بين اللغة العملية - لغة التواصل اليومي - واللغة الشعرية. إذ يستحيل تعريف الشعر من الداخل فليس هناك مواضيع شعرية أصيلة، ففي العصر الحديث تراجعت المواضيع الشعرية للشعر الرومانتيكي (مثل ضوء القمر - البحيرات - العنادل - القلاع ... ) أمام أكثر المواضيع ابتذالا، وبالمثل فلا يمكننا رسم معالم الشعر كمجال محدد للتحليل إلا من خلال مقارنته بما ليس شعرا.
فما هو الأساس الذي سيبنى عليه تحديد الموضوع ؟
يطرح جاكسبون السؤال الماهوي التقليدي ما الشعر ؟ فيجيب إنه " ينبغي لنا إذا أردنا تحديد هذا المفهوم أن نعارضه بما ليس شعرا، إلا أن تعيين ما ليس شعرا ليس اليوم، بالأمر السهل . إن هذا الإشكال المطروح من طرف جاكسبون يستضمر تاريخيا طويلا ساهم في تشييد نظرية حول استقلالية الأدب بموضوعه، فقد كان الأدب منذ القديم جزءا من موضع خطابات نظرية مختلفة، كالخطابة التي تضمنت بطريقة ما بعض مظاهر الأدب الموجودة فيها، ونظرية التأويل التي اهتمت بالنصوص المقدسة وكانت تناقش البنيات اللفظية الموجودة في الأدب كالرمز والمجازات الشعرية والتأمل حول الأجناس الأدبية ثم أخيرا ظهور فكرة وحدة الفن التي سيبلورها علم الجمال.
إن هذه التطورات لم تسفر عن تأسيس مفهوم للأدب إلا أنها مهدت الطريق لظهور هذا المفهوم، فمفهوم الأدب لم يأخذ استقلالية إلا " مع حلول النزعة الرومانسية (الألمانية)، وسيكون ذلك بداية نظرية الأدب بالمعنى الدقيق. (وبدون تحفظ هذه المرة). لقد توقفت مفاهيم التمثيل والتقليد عن دورها المهيمن لتعوض في قمة الهرم بالجميل، وكل ما ارتبط به من غياب الغائبة الخارجية والانسجام المتناغم بين أجزاء الكل وعدم قابلية العمل للترجمة، كل هذه المفاهيم اتجهت نحو استقلالية الأدب، وأفضت إلى تساؤل حول مميزاته الخاصة.
إن حركة الشعراء المستقبلين في روسيا، وكتابات الرومانسيين الألمان ستوجه اهتمام النظرية الأدبية نحو التركيز على جانب الانسجام الداخلي للنصوص الأدبية، وستفسح المجال للإعلان عن ميلاد علم للأدب، منذ أن طلق جاكبسون عام 1919 قولته التي أصبحت فيما بعد كبيان يختزل عمل الشكلانين والشعرين والبنيويين حيث قال " ليس موضوع علم الأدب هو الأدب وإنما الأدبية أي ما يجعل من عمل ما عملا أدبيا . فما المقصود بالأدبية ؟ يجيب تودوروف في كتابه الشعرية عن تحديد هذا المفهوم المركزي بقوله " ليس العمل الأدبي في حد ذاته هو موضوع الشعرية، فما تستنطقه هو خصائص هذا الخطاب النوعي الذي هو الخطاب الأدبي، وكل عمل عندئذ لا يعتبر إلا تجليا لبنية محددة وعامة، ليس العمل إلا إنجازاتها الممكنة ولكل ذلك فان هذا العلم لا يعنى بالأدب الحقيقي بل بالأدب الممكن، وبعبارة أخرى يعنى بتلك الخصائص المجردة التي تصنع فرادة الحدث الأدبي، أي الأدبية .
إذن، فاستراتيجية علم الأدب أو الشعرية ستتقدم نحو المقاربة المجردة والباطنية للأدب الممكن وليس الإنجازات الكائنة بحثا عن القوانين المنظمة للأدب من الداخل.
سيضفي مفهوم الأدبية على النظرية الشكلانية طابع العلمية والنسقية، والاهتمام بالخصائص الشكلية للأدب فيسهم في إيجاد أجوبة حول القضايا التي تخص الأدب من الخارج.
2/ قضية المؤلف والفكر والواقع الخارجي من المنظور الشكلاني :
لقد طرح على الشكلانيين كيفية التعامل مع المؤلف والأفكار والواقع باعتبارها مكونات أساسية في العملية الأدبية. فكيف أجابت عن هذه الإشكالية ؟
ستحاول الشكلانية إعادة صياغة هذه العناصر لتخضعها إلى تحول جذري نتيجة للتصورات الجديدة حول مفهوم الأدب باعتباره تقنية، وباعتباره تطورا في الإشكال.
لم يعد للمؤلف نفس الدور الذي كان يلعبه في النقد السيري، لان ما يشكل موضوع الدراسة الأدبية ليس الأعمال الأدبية المفردة وإنما الأدبية، بحيث أن العمل الأدبي يرتبط بالنسق الأدبي بصورة عامة وليس بشخصية مؤلفة، فالشاعر في النظرية الشكلانية لم يعد ينظر إليه كصاحب رؤى أو عبقرية وإنما نظر إليه " كعامل ماهر يرتب، أو بالأحرى يعيد ترتيب المادة التي يصادق وجودها في متناوله، إن وظيفة المؤلف هي أن يكون على معرفة بالأدب، أما ما يعرفه عن الحياة أو ما لا يعرفه، فأمر غير ذي أهمية لوظيفته تلك ، إن هذا التصور يذكرنا بالمنجز النقدي العربي القديم خصوصا عند نقادنا الذين قالوا بأن الشعر صناعة وأن الشاعر يقوم بوظيفة السبك والصوغ ولا اعتبار بالمادة التي يصوغ فيها.
فتطور الأدب لا يتوقف على ظروف المؤلف أو تكوينه النفسي، وإنما على الإشكال الأدبية السابقة، بتجديد الأدوات عن طريق التغريب.
أما قضية الواقع التي اعتبرت حجر الزاوية في نظرية المحاكاة، فان الشكلانيين تعاملوا معها تعاملا مختلفا، وذلك انطلاقا من مفهومهم لعملية الإنتاج الأدبي الذي ينبني على قاعدة أساسية وهي أن الأدب ينشأ من الأدب، حيث يتوارى الواقع ويصبح غير ذي جدوى، فالتغيير الأدبي " لا يقرره تبدل الواقع وإنما الحاجة لإنعاش الإشكال الأدبية. ويمثل الإدراك المتجدد للأدوات الشكلية جانبا جوهريا من جوانب الأدبية، أما مقياس مشابهة الواقع فهو في نظر المشروع الشكلاني مقياس يجانب الموضوع، ويقوم الشكلانيون الشكل الأدبي من خلال امتلاكه قابلية الإدراك الحسي وليس من خلال قدرته على المحاكاة .
إن الأديب لا يحاكي الواقع وإنما يغربه وينزع عنه طابع الألفة. ففهم النصوص لا يعود إلى ربطها بمرجعها الواقعي، وإنما بربطها بنصوص أخرى، فقد أبرز " تينيانوف " في دراسة حول ( نظرية المحاكاة الساخرة ) " استحالة الفهم العميق لنص من نصوص دوستوفسكي دون العودة إلى هذا النص أو ذاك من نصوص غوغول ، فالواقع يلعب دورا ثانويا في بناء الأدب ، مثله مثل باقي المعطيات التي يبدأ بها الكاتب. فالشكلانيون ينظرون إلى أفكار القصيدة وموضوعاتها وإشاراتها على أنها مجرد ذريعة خارجية يلجأ إليها الكاتب لتبرير استخدامه الوسائل الشكلية ، وهم يطلقون على هذا الاعتماد على العناصر الخارجية غير الأدبية اسم " التحفيز " "motivation" .
أما بالنسبة للأفكار ، فإن الشكلانية لم تعرها اهتماما لأنها تندرج ضمن مواد البناء. فقد أعطت الشكلانية الأولوية للشكل على حساب المضمون ، حيث أعيد النظر في هذه الثنائية القديمة التي كانت تعتبر الشكل وعاء للمضمون ، وبذلك " يصبح المضمون متوقفا على الشكل دون أن يكون له وجود مستقل ضمن الأدب ، فليس بوسع التحليل الأدبي استقراء المضمون من الشكل إذ أن الشكل لا يتقرر بفعل المضمون وإنما بفعل الأشكال الأخرى . فالفن لا يعبر عن نفسه في العناصر المشكلة للعمل الأدبي وإنما من الاستعمال المتميز لتلك العناصر ، وبذلك اكتسى مفهوم الشكل معنى جديدا " إنه لم يعد غشاء ولا غطاء " ، وإنما وحدة دينامية وملموسة ، لها معنى في ذاتها خارج كل عنصر إضافي ، وها هنا يبرز الفرق بين المذهب الشكلاني والمبادئ الرمزية التي ترى أنه يجب أن يستشف ، عبر الشكل شيء من المضمون، كذلك تم تذليل عقبة النزعة الجمالية ، وهي الإعجاب ببعض عناصر الشكل بعد عزلها عن المضمون ".
سيبلور هذا التحول الجذري من مواطن الاهتمام لدى الشكلانيين مجموعة من المفاهيم والأدوات الإجرائية لدراسة الأدب دراسة عملية، فبعد أن حددت الشكلانية موضوعها و - هو الأدبية- ستبحث عن منهج يتلاءم مع الموضوع ، ومادامت مواد البناء من الأدب تستقي من اللغة. فإن الاهتمام سينصب على الجانب التقني فيها، لذلك نجد أن الشكلانيين الروس قد استهلوا أعمالهم بدراسة الأصوات لأن هذه المسألة كانت في عصرهم من أعقد المسائل المتعلقة بدراسة البناء الصوتي للشعر. وقد ظهر هذا الاهتمام بالأصوات من دراسة ( تروبيتزكوى ) ومن النظرية التي قدمها جاكسون حول الفونيم phoneme فالمحاضرات التي ألقاها حول " الصوت والمعنى " اعتبرت مدخلا نقديا للأفكار الشائعة حول الصوات وأثرها من المعاني ، حيث أن هذه المحاضرة شكلت أساسا لعلم اللغة البنيوي.
المفاهيم المتعلقة بدراسة الشعر عند الشكلانيين :
1- الدراسات الصوتية :
يعد رومان جاكسبون أول من تحدث عن الفونيم، أي الوحدة الصغرى في اللغة ، وهو تلك الوحدة غير القابلة للانقسام ، أو التحليل ، بل هو الوحدة غير القابلة لأن تعوض بوحدة أخرى ، لأن بناء كل فونيم مختلف ضرورة عن بناء فونيم آخر ، ولم يتوقف جاكبسون عند مستوى الوصف الدقيق للأصوات بل تجاوز ذلك إلى الربط بين الصوت والمعنى ، إذ أن كل مشابهة ظاهرة في الصوت ، خصوصا في الشعر ، تقوم بمنطق المشابهة أو المغايرة في المعنى . " فرمزية الصوات عبارة عن علاقة موضوعية لا تنكر ، وهي علاقة قائمة على ربط ظاهراتي بين مختلف الوسائل الحسية التي أجريت في هذا المجال ، غامضة وأحيانا قابلة للنقاش. فإن ذلك يعود إلى نقص في العناية من مناهج البحث النفسي و/أو اللساني " .
فالشعر عند ياكبسون منطقة تتحول فيها العلاقة بين الصوت والمعنى من علاقة خفية إلى علاقة جلية. فالتراكم المتواتر لمجموعة من الفونيمات أو التجميع المتباين لطائفتين متعارضتين في النسيج الصوتي لبيت شعري أو مقطع أو قصيدة يلعب دور تيار خفي.
2- مفهوم التوازي :
يعد مفهوم " التوازي " إحدى الركائز الجوهرية في تحليل الشعر عند الشكلانيين خاصة عند جاكبسون ، الذي استهواه هذا المفهوم منذ أن كان طالبا ، أي في الفترة التي كانت فيها حلقة موسكو تتخذ من الشعر الفلكلوري الروسي كموضوع أول للدراسة .
لقد لفتت دراساته حول التراث الشفوي الروسي انتباهه إلى التنظيم الداخلي وإلى التوازي الذي يربط الأبيات المتجاورة.
يذكر جاكبسون في حوار له ، أن الشاعر " جيرار مانلي هوبكنس " (1844-1889) هو أول من انتبه إلى هذا المفهوم حيث يقول " إن الجانب الزخرفي في الشعر ، بل وقد لا نخطئ حين نقول بأن كل زخرف يتلخص من مبدإ التوازي. إن بنية الشعر هي بنية التوازي المستمر الذي يمتد مما يسمى التوازي التقني للشعر العبري والترنيمات التجاوبية للموسيقى المقدسة إلى تعقيد الشعر اليوناني والإيطالي والإنجليزي " فالوزن هو الذي يفرض التوازي في الشعر ، " فالبنية التطريزية للبيت ، والوحدة النغمية وتكرار البيت والأجزاء العروضية التي تكونه تقتضي من عناصر الدلالة النحوية والمعجمية توزيعا متوازيا ، ويحظى الصوت هنا بالأسبقية على الدلالة حتما ".
يقدم مفهوم التوازي في الشعر سندا للتحليل اللساني لبلورة أدوات صارمة يمكنها أن تستجلي مختلف تجليات هذا التوازي في مختلف الأشكال الشعرية ، يقول جاكبسون " إننا نستطيع أن نفسر اعتمادا على الإمكانات الخصبة للتأليف الشعري الوثيق للاتحادات والتعارضات ، والانتشار الواسع والدور الذي يمكن أن يكون بالغ الأهمية لانساق التوازيات في الشعر العالمي الشفوي والمكتوب (يكفي أن نذكر بالهيمنة القديمة للتوازيات في الشعر الصيني). يكتشف الباحثون باستمرار في العالم كله انساقا أخرى من الإبداع الشفوي القائمة على التوازي المعقد ، والأكثر من هذا إننا نكتشف بفضل أبحاث الأنتربولوجيين الذين استوعبوا مبادئ المنهجية اللسانية، وجود علاقة حميمة فيما يتصل بالتوازي بين الشعر والمتيولوجيا ".
يمكن التمييز بين التوازي المعقد الذي يتجلى في نسق التناسبات المستمرة في مستوى تنظيم وترتيب البنى التركيبية والمقولات النحوية وتأليف الأصوات. حيث أن هذا النسق يضفي على النصوص الانسجام والتنوع. وبين التوازي الخفي الذي أبرزه دوسوسير في حديثه على الجناس الــتـصحـيـفي Anagrames حيث يخضع التوازي للتوزيع لا لمبدإ التعاقب يقول سوسير " إنه لمن المسلم به مسبقــا أنه يمكن استئناف زوج ما في البيت الموالي أو في حيز عديد من الأبيات " بمعنى أن الدلالة المحورية للقصيدة قد تكون مستضمرة في توزيع الصوات داخل فضاء القصيدة ، وأن المحلل يعيد تركيب هذه الأصوات للظفر بالنواة المركزية للنص.
3-وظائف اللغة والوظيفة المهيمنة :
لقد عملت مدرسة براغ على صوغ النظرية الأدبية الشكلانية ضمن إطار لسانيات تتفق مع دورسوسير في معظم مبادئه الساسية. وبذلك نحتت مصطلح البنية ، وتكون بذلك هي المدرسة السباقة لوضع هذا المفهوم، فبالرغم من أن دوسوسير يعتبر رائدا اللسانيات فإنه لم يستعمل هذا المصطلح بل كان يستعمل مفهوم النظام والنسق système . ففي المؤتمر الذي انعقد عام 1929 ببراغ ، قدم مصطلح بنية كمصطلح حاسم في برنامج البحث حول اللغة والأدب. وأصبح موضوع اللسانيات هو دراسة القوانين البنيوية للمنظومات اللغوية. أي دراسة العلاقات المتبادلة بين العناصر الفردية. ومن تم صرح فانتيك بوجوب " النظر إلى العمل الشعري أيضا على أنه بنية وظيفية ، لا يمكن فهم عناصرها المختلفة إلا من خلال ارتباطها بالمجموع.
لقد حل مفهوم البنية محل النظام عند دوسوسير ، والشكل والأداة عند الشكلانيين. حيث تتضمن البنية كل أوجه النص. إلا أن هذا المفهوم لدى مدرسة براغ لا يميز بين النصوص الأدبية وأفـعال الاتصال العادية، لأنها هي الأخرى تشتمل على بنيتها الخاصة، لهذا ستقـــترح المدرســــة مصــــطلح " الوظيفة " للتميز بين هذه الأنواع من الخطابات. وفي هذا السياق نادى جاكبسون في محاضرته " اللسانيات والشعرية " بأن اللغة يجب أن تدرس في كل تنوع وظائفها. ولكي تتضح طبيعة هذه الوظائف لا بد من تقديم صورة مختصرة عن العوامل المكونة لكل سيرورة لسانية ولكل فعل تواصلي لفظي.
إن المرسل يوجه رسالة إلى المرسل إليه ، ولكي تكون الرسالة فاعلة فإنها تقتضي سياقا تحيل عليه وهو المرجع ، سياقا قابلا لأن يدركه المرسل إليه. وهو إما أن يكون لفظيا أو قابلا لأن يكون كذلك وتقتضي الرسالة بعد ذلك سننا مشتركا ، كليا أو جزئيا بين المرسل والمرسل إليه، وتقتضي الرسالة أخيرا اتصالا أي قناة فيزيقية وربطا نفسيا يسمح لهما بإقامة التواصل والحفاظ عليه.
إن هذه العوامل الستة تتولد عنها وظائف لسانية مختلفة ، وكل رسالة تتضمن هذه الوظائف بشكل من الأشكال ، ويكمن اختلاف الرسائل من تراتبية هذه الوظائف حيث تتعلق البنية اللفظية لرسالة ما، بالوظيفة المهيمنة.
أ- العوامل ووظائفها :
1- تهدف الوظيفة التعبيرية أو الانفعالية المركزة على المرسل إلى التعبير بصفة مباشرة عن موقف المتكلم اتجاه ما يتحدث عنه ، وهي تنزع إلى تقديم انطباع عن انفعال معين صادق أو خادع.
2- أما التركيز في الرسالة على المرسل إليه فيولد وظيفة إفهامية تجد تعبيرها النحوي في النداء والأمر.
3- وإذا استهدفت الرسالة المرجع واتجهت نحو السياق فإن الوظيفة ستكون مرجعية ، ويناسب هذه الوضعية استخدام ضمير الغائب أي الحديث عن شخص ما أو شيء ما.
4- هناك بعض الرسائل توظف لإقامة التواصل وتمديده أو فصمه ، وللتأكد مما إذا كانت دورة الكلام تستعمل الكلمة التالية ( آلو ! أتسمعني ؟ أفهمت ؟ ) وتوظف لإثارة انتباه المخاطب أو التأكد من انتباهه وتدعى هذه الوظيفة بالانتباهية.
5- أجرى المناطقة المعاصرون تمييزا بين مستويين للغة : " اللغة - الموضوع " أي اللغة المتحدثة عن الأشياء ، " واللغة الواصفة " أي اللغة المتحدثة عن اللغة نفسها وهي اللغة الشارحة. إلا أن هذه اللغة ليست فقط أداة عملية ضرورية لخدمة المناطقة واللسانيين بل هي تلعب دورا هاما في اللغة اليومية، فحينما يتحدث شخصان ويريدان التأكد من الاستعمال الجيد لنفس السنن فإن الخطاب يكون مركزا على السنن ، وبذلك يشغل وظيفة ميتا-لسانية أي وظيفة الشرح.
6- إن استهداف الرسالة بوصفها رسالة والتركيز عليها هو ما يطبع الوظيفة الشعرية للغة وإن هذه الوظيفة لا يمكن اختزالها فقط في دراسة الشعر بل هي حاضرة في جميع الأجناس الأدبية التي تصبح فيها الرسالة هي الموضوع .
ب- خطاطة العوامل و الوظائف :
سياق
( مرجعية )
مرسل .................. رسالة ..................... مرسل إليه
(انفعالية) (شعرية) (إفهامية)
اتصال
(انتباهية)
سنـــن
(ميتالسانية)
تعكس هذه الخطاطة أثر الرياضيات والفلسفة وعلم النفس على النظرية التواصلية عند جاكبسون فمع تقدم الأبحاث الرياضية والهندسية سيتوصل المهندسون إلى وضع نظرية للتواصل في مجال الاتصال الهاتفي، حيث تركز اهتمامهم على السياق المادي لإيصال المعلومات. ولم ينحصر أثر الرياضيات عند جاكبسون في ربط العلامات اللغوية باستعمالها الرمزي بل تعدى الأمر ذلك إلى التوسع في دراسة مفهوم البنية. فقد احتل هذا المفهوم في الرياضيات الصدارة منذ عام 1870 إثر التطور الذي حصل في حساب التحولات." فقد بلغ التفكير الرياضي حول مفهوم البنية أوجه في الثلاثينيات عندما وضع " بورباكي "ومجموعته نظرية " البنيات الأم " structures-mre" ، وهي بنيات يكفي أن نميز فيما بينها وأن نخلط بين عناصرها لنحصل على كامل البنيات المتخصصة في مختلف فروع الرياضيات.
إن أهم ما استخلصه جاكبسون من الرياضيات البنيوية هو أهمية مفهوم الثبات ، حيث أن التحولات التي حددت داخل مجموعة عناصر تتضمن خصائص قابلة للتغير وأخرى ثابتة ، وقد قدمت الرياضيات أمثلة على هذه العملية بين الجوهري والعرضي من علم الفلك حيث أن خصائص بنية الفضاء تبقى ثابتة رغم تحركات المجرات القضائية وانعكاساتها.
أما أثر الفلسفة على جاكبسون فيتجلى في إبقائه على عنصر الذات في العملية التواصلية ، وقد جاء ذلك نتيجة تأثره بالفلسفة الظاهراتية " فعديد من تلاميذ هوسرل نشطوا بشكل كبير داخل الحلقة اللسانية في براغ ؛ وذلك بدعوة من جاكبسون ويظهر تأثير هوسرل بشكل بارز في أعمال جاكبسون خاصة في ثلاثة مجالات : في تحديد العلاقة بين اللسانيات وعلم النفس ، وفي برنامج " النحو الكلي " ، وفي الدفاع عن أن علم الدلالة semantique يعتبر جزءا مدمجا في اللسانيات.
إن أثر الفلسفة الظاهراتية في أعمال جاكبسون جعله يخالف مقولة البنيويين في تغييب الذات ، من خلال الخطاطة يظهر لنا جليا حضور الفاعل الذات الذي يتخذ أشكالا عديدة : المرسل والمتلقي والمبدع اللاواعي للرسالة.
فردناند دو سوسير كمقدمة لظهور المنهج البنيوي :
1- النسق مجال الدراسة اللغوية :
سيقلب مجيء دوسوسير ميدان البحث اللغوي رأسا على عقب ، فقد أعاد التأمل في الظاهرة اللغوية ، محاولا تجاوز أطروحات فقهاء اللغة ، وذلك من خلال إجابته النوعية حول الأسئلة القديمة المتداولة في حقل الدراسات اللغوية. لقد واجه سوسير سؤالين أساسيين هما : ما موضوع البحث اللغوي؟ وما هي العلاقة بين الكلمات والأشياء ؟ لتفادي الإجابات القديمة سيحدث دوسوسير نسقا ثنائيا من خلاله سيميز بين مستويات في دراسة اللغة ، بين " اللغة " و " الكلام " أي بين " نسق اللغة الذي هو سابق في وجوده عن استخدام الكلمات ، والممارسة الفعلية التي هي تلفظ فردي. أما اللغة فهي الجانب الاجتماعي أو النسق المشترك الذي نعول عليه لا شعوريا بوصفنا متكلمين ، والكلام هو التحقق الفردي لهذا النسق في الحالات الفعلية في اللغة. فهذا التمييز هو المهاد الذي تنطلق منه كل النظريات البنيوية اللاحقة ، بمعنى أنه إذا كان الموضوع الحق للدراسة اللغوية هو النسق الكامن وراء أية ممارسة لسانية دالة وليس التلفظ الفردي ، فإن الموضوع ألحق للدراسة في العلوم الإنسانية هو اكتشاف النسق الكامن من القواعد المستخدمة في القصائد أو الأساطير أو الممارسات الاقتصادية.
إن الهدف من وراء تحديد موضوع علم اللغة في دراسة النسق التجريدي الذي يستمد منه الكلام اختياراته الفعلية ، هو تخليص هذا العلم من خليط الموضوعات التي تدخل من اهتمامات علم النفس أو علم الاجتماع أو المنطق والفلسفة.
إضافة إلى إبراز أن الإنسان يمتاز عن باقي الكائنات في امتلاكه لنسق من القواعد يمكنه من إنتاج عدد لا نهائي من الجمل.
2- الفصل بين الكلمات والأشياء :
لقد كانت الدراسات اللغوية قبل سوسير ترى في اللغة أداة لتسمية الأشياء ووسيلة تعبيرية فردية ، وقد كان هذا المنظور يغيب دراسة العلامة في حد ذاتها ، لهذا سيميز سوسور بين وجهي العلامة : الدال signifier ، وهو الصورة السمعية للكلمة، والمدلول signifiant وهو المفهوم الذي نتصوره أو نعقله من الكلمة، فلا مكان للشيء في النموذج السوسيري لأن اللغة لا تكسب معناها نتيجة الصلة بين الكلمات والأشياء بل نتيجة إجراء نسق من العلاقات. لذا فالعلاقة بين الاسم والمسمى علاقة اعتباطية ، أي لا تلازم تعليلي motivé بين الاسم وما يشير إليه ، إذ لو كان الأمر كذلك لما تعددت اللغات، ومن هذا المنطلق تغدو العلامات اصطلاحية وليست توفيقية اجتماعية وليست فردية.
في هذا الإطار وضع الفيلسوف الأمريكي بيرس تمييزا مفيدا بين ثلاثة أنماط من العلامة وهي : "النمط التصويري ( الأيقوني ) حيث تتشبه العلامة مرجعها مثل صورة السفينة أو إشارة مرور عن صخور متساقطة ، والمؤشر index حيث تترابط العلامة مع مرجعها برباط يمكن أن يكون رباط بسببية، كالدخان من حيث هو علامة على النار، والرمزي symbolique تكون فيه العلاقة بين العلامة ومرجعها اعتباطية كما يحدث في اللغة. "
إن خصيصة اللغة عند سوسور هي الاختلاف ، فما يميز العلامة هو الاختلاف الذي يحصل لها داخل نسق التعارضات والتقابلات ، ففي نظام إشارات المرور مثلا ليست هناك علاقة طبيعية بين اللون الأحمر والتوقف ، إضافة إلى أن كل لون لا تتحدد دلالته إلا من خلال علاقة اختلافية مع اللون الآخر.
إن النسق الثنائي الذي تأسست عليه لسانيات سوسير ، سيلقى صدى كبيرا في ميادين أخرى غير لسانية ، وسيعتبر نموذجا يحتذى به ، تجلى ذلك في الدراسات الأنتروبولوجية البنيوية خاصة عند كلود ليقي ستراوش الذي نقل نموذج اللسانيات السوسورية إلى حقل الأنتروبوجية ، فهو يصرح في كتابه " الأنتربولوجية البنيوية بأنه " توصل إلى ثلاثة نتائج في دراسته لبنية الأسطورة :
1- إذا كانت الأسطورة تنطوي على معنى ، فلا يمكن أن يتعلق هذا المعنى بعناصر معزولة تدخل في تكوينها بل بطريقة تنسيق هذه العناصر.
2- إن الأسطورة تتعلق بنظام اللسان وتشكل جزءا لا يتجزأ منه ، إلا أن اللسان في الأسطورة يظهر بعض الخصائص النوعية.
3- لا يمكن البحث في هذه الخصائص إلا على مستوى العبارة اللغوية المعتاد بعبارة أخرى إن هذه الخصائص ذات طبيعة أعقد من تلك التي تصادف في عبارة لغوية من طراز معين .
وقد كان يهدف هذا النقل للنموذج اللساني إلى طرح أسئلة جديدة في ميدان دراسة نظام القرابة والأساطير والشعائر ، إذ لم يعد السؤال الأساس هو البحث عن علل التحريم أو أصول الأساطير بل البحث عن نسق الاختلافات الذي يكمن وراء الممارسة الإنسانية المحددة.
وقد تعممت مثل هذه المقاربات في ميادين شتى من الممارسات الحياتية كنظام الموضة والأزياء والطهو والقصص والسينما والأساطير ، كما قام بذلك المفكر الفرنسي رولان خاصة في عملية " أساطير " 1957 - و " نظام الموضة " - 1967.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Elkhawad)
|
المنهج البنيوي: جذوره، ومفاهيمه
1- تحديد مصطلح البنية structure :
قبل الشروع في الحديث عن المنهج البنيوي كتيار فكري ظهر ليتجاوز النزعة التاريخية والفلسفات التي تعتمد الذات كخلفية مثل الوجودية أو الظاهراتية ، لا بد من تحديد مصطلح البنية لغة واصطلاحا.
أ- الدلالة الاشتقاقية لكلمة بنية :
تشتق كلمة بنية من الفعل الثلاثي " بنى " الذي يدل على معنى التشييد والعمارة والكيفية التي يكون عليها البناء. وفي النحو العربي تتأسس ثنائية المعنى والمبنى على الطريقة التي تبنى بها وحدات اللغة العربية ، والتحولات التي تحدث فيها، ولذلك فالزيادة في المبنى زيادة في المعنى ، فكل تحول في البنية يؤدي إلى تحول في الدلالة.
وفي اللغة الفرنسية تشتق كلمة structure من الفعل اللاتيني struere ويعني بنى وشيد أيضا والبنية موضوع منتظم ، له صورته الخاصة ووحدته الذاتية، لأن كلمة بنية في أصلها تحمل معنى المجموع والكل المؤلف من ظواهر متماسكة ، يتوقف كل منها على ما عداه ، ويتحدد من خلال علاقة بما عداه
ب- الدلالة الاصطلاحية :
سبق لنا الذكر بأن مصطلح البنية قد تبلور لدى لسانيي حلقة براغ حيث تم " تأكيد مبدأ البنية " كموضوع للبحث قبل سنة 1930على يد مجموعة صغيرة من اللسانيين الذين تطوعوا للوقوف ضد التصور التاريخي الصرف للسان، وضد لسانيات كانت تفكك اللسان إلى عناصر معزولة ، وتنشغل بتتبع التغيرات الطارئة. لقد أطلقنا على سوسور ، وبحق رائد البنيوية المعاصرة وهو كذلك بالتأكيد إلى حد ما ، ويجمل بنا أن نشير إلى أن سوسور لم يستعمل أبدا ، وبأي معنى من المعاني كلمة " بنية " إذ المفهوم الجوهري في نظره هو مفهوم النسق.
لقد عرف تحديد مصطلح البنية مجموعة من الاختلافات ناجمة عن تمظهرها وتجليها في أشكال متنوعة لا تسمح بتقديم قاسم مشترك ، لذا فإن بياجيه ارتأى في كتابه " البنيوية " أن إعطاء تعريف موحد للبنية رهين بالتمييز " بين الفكرة المثالية الإيجابية التي تغطي مفهوم البنية في الصراعات أو في آفاق مختلف أنواع البنيات ، والنوايا النقدية التي رافقت نشوء وتطور كل واحدة منها مقابل التيارات القائمة في مختلف التعاليم " إذ ينفي الاعتراف " بوجود مثال مشترك من الوضوح يصل إليه أو يحاول إيجاده جميع البنيويين . فيما تختلف نواياهم النقدية إلى ما لا نهاية فيرى البعض أن البنيوية كما في الرياضيات
تتعارض مع تجزئة الفصول غير المتجانسة محاولين إيجاد الوحدة بواسطة التشاكلات. أما اللغويين فيرون أن البنيوية تجاوزت الأبحاث التطورية التي تتناول ظواهر منعزلة لذلك أخذوا بطريقة المجموعات للنظام اللغوي المتزامن . أما في علم النفس فقد زادت البنيوية من معاركها ضد ميول النزعة الذرية atomistique التي كانت تسعى لجعل المجموعات مقتصرة على روابط بين عناصر مسبقة.
إن جان بياجيه يسعى من وراء هذه الإشارات إلى التمييز بين تجليات التطبيق البنيوي في ميادين معرفية مختلفة وبين المثل الأعلى الذي تنشده البنيوية ، فهو يميز في تعريفه للبنية بين ما تنتقده البنيوية وما تهدف إليه. ولذا فهو لا يعرف البنيوية بالسلب أي بما تنتقده البنيوية لأنه يختلف من فرع إلى فرع في العلوم الحقة والإنسانية. إنه يركز بالأساس في تعريفه البنية على الهدف الأمثل الذي يوحد مختلف فروع المعرفة في تحديد البنية باعتبارها سعيا وراء تحقيق معقولية كامنة عن طريق تكوين بناءات مكتفية بنفسها، لا نحتاج من أجل بلوغها إلى العناصر الخارجية.
وبذلك يقدم جان بياجيه تعريفا شاملا للبنية باعتبارها نسقا من التحولات : " يحتوي على قوانينه الخاصة ، علما بأن من شأن هذا النسق أن يظل قائما ويزداد ثراء بفضل الدور الذي تقوم به هذه التحويلات نفسها ، دون أن يكون من شأن هذه التحولات أن تخرج عن حدود ذلك النسق أو أن تستعين بعناصر خارجية ، وبإيجاز فالبنية تتألف من ثلاث خصائص هـــــــــي : الكـــــــلية totalité و التحولات transformations وبالضبط الذاتي auto-reglage . "
يتضمن هذا التعريف جملة من السمات المميزة ، فالبنية أولا نسق من التحولات الداخلية ، ثانيا لا يحتاج هذا النسق لأي عنصر خارجي فهو يتطور ويتوسع من الداخل ، مما يضمن للبنية استقلالا ويسمح للباحث بتعقل هذه البنية.
إن خاصية الكلية تبرز أن البنية لا تتألف من عناصر خارجية تراكمية مستقلة عن الكل بل هي تتكون من عناصر خارجية خاضعة للقوانين المتميزة للنسق وليس المهم في النسق العنصر أو الكل بل العلاقات القائمة بين العناصر.
بينما خاصية التحولات فإنها توضح القانون الداخلي للتغيرات داخل البنية التي لا يمكن أن تظل في حالة ثبات لأنها دائمة التحول.
أما خاصية التنظيم الذاتي فإنها تمكن البنية من تنظيم نفسها بنفسها كي تحافظ على وحدتها واستمراريتها. وذلك بخضوعها لقوانين الكل.
أماالانتروبولوجي الفرنسي كلود ليفي ستراوش فإنه يحدد البنية بأنها نسق يتألف من عناصر يكون من شان أي تحول يعرض للواحد منها أن يحدث تحولا في باقي العناصر الأخرى " ومن خلال هذا التعريف يتجلى أن وراء الظواهر المختلفة يكمن شيء مشترك يجمع بينها ، وهو تلك العلاقات الثابتة التجريبية ، لذلك ينبغي تبسيط هذه الظواهر من خلال إدراك العلاقات لأن هذا الأخير أبسط من الأشياء نفسها في تعقدها وتشتتها. ومعنى هذا " أن المهمة الأساسية التي تقع على عاتق الباحث في العلوم الإنسانية إنما هو التصدي لأكثر الظواهر البشرية تعقدا وتعسفا واضطرابا من أجل محاولة الكـــشف عن " نظام " يكمن فيما وراء تلك الفوضى وبالتالي من أجل الوصول إلى " البنية " التي تتحكم في صميم " العلاقات" الباطنية للأشياء ، ولكن المهم في نظر ليفي ستراوش هو أننا لا ندرك البنية إدراكا تجريبيا على مستوى العلاقات الظاهرية السطحية المباشرة القائمة بين الأشياء ، بل نحن ننشئها إنشاء بفضل " النماذج التي نعمد عن طريقها إلى تبسيط الواقع وإحداث التغيرات التي تسمع لنا بإدراك البيئة ".
إن أهم ما نستشفه من هذا التصور هو النقد الشديد للنزعة التجريبية التي تقوم على أهمية الملاحظة والرصد الدقيق للوقائع ، واستبدال ذلك بالتفسير العقلي للظواهر التجريبية. فالبنيويون يؤمنون بأسبقية العقل عن الواقع الخارجي ، فكلود ليفي ستراوش في أبحاثه البنيوية لا يهدف إلى الوصول إلى " عادات متشابهة وسط عدد هائل من الملاحظات الأنتروبولوجية التي يتم إجراؤها في ثقافات متباينة ، بل يؤكد أن ما هو مشترك بين الثقافات لا يهتدى إليه بوضوح على مستوى الملاحظة ، وإنما على مستوى البناء العقلي، فالبناء هو الذي يشكل العنصر الكلي الشامل في الثقافة البشرية وهذا البناء الخفي لا يوجد على السطح الخارجي ، وإنما يكتشف عقليا .
من خلال تعريف بياجيه وليفي ستراوش يتضح بجلاء أن الاتجاه البنيوي اعتمد خلفية عملية وفلسفية هي التي أكسبته نسقية منهجية وشمولية ميدانية. فما هي هذه الخلفيات الأيبستيمولوجية لظهور المنهج البنيوي خاصة في فرنسا.
خلفيات ومسوغات المنهج البنيوي :
إن المنهج بصفة عامة هو حصيلة لمجموعة من التحولات والتغيرات تقع في الأنساق المعرفية ، وتكون نتاجا لسيرورة جدلية وحوارية مع المفاهيم السابقة المعرفية ، ولا بد والأمر كذلك أن يستند المنهج إلى منظومة فكرية وبعد فلسفي وعلمي. وللإجابة عن السؤال الذي طرحناه أعلاه لا بد من استحضار المناخ الثقافي والعلمي التطورات الحاصلة في بداية القرن العشرين الذي تبلور فيه المنهج ورست معالمه وخطته.
في البداية يجدر بنا أن نفصل في الحديث عن المنهج بين مستويين :
الأول يتعلق بالبعد المعرفي والثاني بالجانب الأيديولوجي ، فلا ينبغي أن نخلط بين هذين المستويين حتى نتمكن من تقويم المنهج من خلال كفايته الوصفية والتفسيرية.
1- النزوع اللامادي وتبعثر المعرفة :
إن السياق التاريخي والمعرفي الذي تبلورت فيه المفاهيم اللغوية عند سوسير باعتباره الممهد الرئيسي لظهور البنيوية - عرف أزمة عامة في العلوم بشكل عام ، ففي الفيزياء بدأ الشك يثار حول مفهوم الذرة بوصفها مادة. وقد انتقل هذا النزوع اللامادي إلى مفهوم النسق عند سوسير الذي أصبح فيه الشكل هو المضمون وأضحت العلاقة بين الدال والمدلول تدرس في بنيتها الداخلية ، واستبعد المرجع الخارجي المادي. لأن الحقل الإبستيمولوجي تغير من مقولة الكينونة والوجود إلى مقولة العلاقة.
إن إلغاء الواقع المادي يستجيب لتصور يعتبر أن معيار الصدق في المعرفة هو البنية الداخلية ، وقد كان النموذج الرياضي هو المثال الذي احتذته البنيوية حيث أن الرياضيات لا تحتاج إلى تحقيق خارجي للتدليل على صحة قضاياها.
إن طبيعة الفكر العلمي والفلسفي تحيل إلى البحث عن نموذج شامل يعمم على مختلف أنواع المعرفة من أجل توحيدها ، وقد بدا هذا الطموح جليا في المراحل التي قطعها التفكير الإنساني ، بحيث أن كل مرحلة يهيمن فيها نموذج خاص ، " فالمثالية اختارت نموذج " المطلق " والنزعة الرومانسية اختارت نموذج " العضوي " ، في حين أن القرن 18 اختار كلمة " الميكانيك " و في النصف الثاني من القرن 19 وبداية القرن العشرين بدأ النموذج اللغوي يتسرب لجميع فروع المعرفة. " 2.
إن نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين مرحلة كانت في حاجة ماسة لظهور حركة فكرية تلم شعت المعرفة المبعثرة في ثقافات منعزلة لأن السمة التي ميزت هذه المرحلة هو التبعثر المعرفي الموغل في التخصص " ففلاسفة اللغة يؤكدون أنه ليس بالإمكان خلق تطابق بين لغتنا والعالم الذي وراءها.
نظرية التــلقي : أسسها ، سياقها ، مفاهيمها
إن الحديث عن نظرية التلقي كقصدية و كوعي منهجي ، يقتضي تناول محدودية الممارسات النقدية والإجراءات المنهجية السابقة، فتاريخ المنهج خاصة في أوربا عرف مسارا تطوريا، بحيث أن المنهج اللاحق يتجاوز السابق محدثا شبه قطيعة مع أسسه النظرية وأدواته الإجرائية.
فقد رأينا في الفصول السابقة أن منهج تاريخ الأدب منذ مدام دوستايل في كتابها " النظر للأدب في علاقاته بالمؤسسات الاجتماعية " المنشور عام 1800، ومرورا بسانت بوف وهيبوليت تين ، ووصولا إلى غوستاف لانسون ، كان يعتمد خلفية له الفلسفة الوضعية التي تهتم بدراسة الأسباب والعلل التي تنتج الظواهر ، ومن تم راح المنهج التاريخي للأدب يدرس ويحلل علاقات الأدب بالمكونات الاجتماعية والأخلاقية والسياسية ، ويعلي من شأن المؤلف ، فسانت يوف يعتبره الوسيط بين العمل الأدبي والمجتمع ، ولهذا السبب يذهب رولان بارت إلى أن المؤلف شخصية حديثة إذ " يمكننا القول أنها ابتدعت من طرف منهج تاريخ الأدب من طرف سانت بـــوف ولانسون ، لأنه وإن وجد دائما شخص يكتب لم يكن دائما مهما أن نعرفه: فهو ميروس لا يعرف هل وجد فعلا ، وأناشيد البطولة في العصر الوسيط كانت مجهولة المؤلف ، فلم يصبح المؤلف صورة مركزية إلا ابتداء من القرن 19 بحيث يرى فيه النقد التاريخي مكان التقاء الأدب بالمجتمع ، وفي الوقت نفسه فالعصر كله قد رقى الفرد المبدع إلى مصاف الإله .
لقد وجهت انتقادات لأسس المنهج التاريخي ، ولمحدوديته التأويلية ، وقد كانت أبرز هذه الانتقادات هي تلك التي وجهها رولان بارت في مقالاته الثلاثة 1 المنشورة بين 1960-1963 .
فقد أبطل ادعاء تاريخ قول الحقيقة حول أعمال راسين بفرضه عليها معنى واحدا ، أي مقصدية المؤلف ، فهو يرى أن العمل الأدبي ماض وحاضر في الآن نفسه ، إذ يستمر ويبقى وإن اختلف الحدث التاريخي الذي أنجزه ، وإن هذه الاستمرارية لهي حجة تثبت أن العمل لم يستنفد كل عطائه في لحظة ظهوره. فليس هناك " راسين في جد ذاته أو " راسين حقيقي " ، عرف بطريقة نهائية من طرف تاريخ الأدب ، وإنما هناك فقط فراءات لراسين لها نفس القيمة شريطة أن تكون منسجمة وشاملة.
وفي مستوى آخر يوجه نقده لغوستاف لانـسون ، مطورا تثريب المؤرخ لوسيان لوفيفر الذي اتهم تاريخ الأدب اللانسوني بأنه لم يكن بتاتا " تاريخا بحق " لأنه كان يؤمن " بجوهر زمني للأدب " ، وهو مع ذلك تاريخ نسبي ويتغير حسب العصور.
وأخيرا ، يبين بارت ، عجز لانسون ، عن فهم العمل الأدبي ضمن سلسلة من الحقائق التاريخية والاجتماعية والثقافية ، لأن نموذج التفسير لديه قديم فهو موصوم بوصمة الوضعية ، الموصومة بإيديولوجية وبمفهوم للإبداع عفى عنهما الزمن اليوم.
وحينما تحول النموذج من سلطة المؤلف إلى سلطة النص عرفت الدراسات الأدبية نقلة نوعية ، ساهم فيها التطور الذي عرفته اللسانيات والدراسات الانتربولوجية البنيوية. وقد كان للفلسفة الكانطية والحبشطلتية وللرياضيات دور كبير في تغيير الرؤية للأدب ، وفي إعادة تحديد المفاهيم ؛ كمفهوم الأدب والأجناس الأدبية والنص والتركيز على مفهوم العلاقة بدل المرجع ، والاهتمام بالكشف عن أسرار العمل الأدبي من داخله متلافية كل بحث عن التكون المرتبط بالعالم الخارجي أو التاريخ.
وبالموازاة مع هذا التأثير الفلسفي والعلمي في تحويل وجهة النظر اتجاه الأدب واستقلاليته عن العالم الخارجي ، كانت هناك بعض الحركات الإبداعية كالمستقبليين على سبيل المثال. تذلل الطريق أمام المنظرين وتوفر لهم مجالا خصبا للتطبيق، إضافة أن بعض الأدباء النقاد 1 قد سبقوا إلى التأكيد على استقلالية النص واعتباره تمرينا لغويا صرفيا.
إن تركيز البنيوية على النص بدل المؤلف سيقود إلى فرضيات أولية حول القراءة في علاقتها بالكتابة، وهذا ما حدا برولان بارت إلى أن يذهب إلى أن موت المؤلف إيذان بميلاد القارئ
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Elkhawad)
|
المشاركون جميعا لكم التحية الواقع أن هذه القراءات المتشاكلة للبنيوية ، والمناهج النقدية الحديثة فى السودان ، فى هذا البوست تشكّل أرضية خصبة جدا لحوار معمّق ومفيد جدا ، وليست كثافة المشاركات هى الدليل على أهمية هذا البوست ، بل أن الدليل الأقوي هو أن جميع الاسهامات كانت غنية جدا ومكثّفة ما يجرني للاعتراف بصدق ان هذا واحد من أكثر البوستات التى ارهقتني الى درجة صعوبة القدرة على المواصلة بذات القدر من انفتاح الذهن وقدراته الاستيعابية عموما سأعود ، لأن الشهية لا شك تنفتح لهكذا حوارات
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
نرحب بالاخ الحسن بكري مداخلة مهمة من انسان عارف كنت اتمني انزال المساهمة في اخر البوست حسب الترتيب انني واعي اخ الحسن بالفرق بين الحداثة وما بعد الحداثة ولكني غير مقتنع بهذا التفريق
الاخ ابكر اري انك تتفق معي في نقطتين ، وتختلف معي في الثالثة النقطة الاولي،هي الانتقال من منهج الي منهج دون مبرر والنقطة الثانية،وجود تعارض بين البنيوية وما بعد البنيوية لذلك لا يمكن الجمع بينهما في بيان تاسيسي واحد
اما النقطة الثالثة التي تختلف معي فيها،هي التعريف الذي اوردته انا لكل من البنيوية وما بعدها.وكما تعلم كل تعريف نسبي وهذه النسبية هي التي تترك المجال للاضافات والاختلاف،واتمني ان يكون في ما اوردته في المداخلة اعلاه ،في الحديث عن مقولة جاك دريدا اضافة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
[B]الأعزاء بشرى، عجب الفيا، أبكر وأسامة الخواض وتراث وكل المشاركين في هذا البريد،
سأقتحم عليكم حواركم دون مقدمات رغم اشتياقي لكم جميعاً - لم التق من بينكم سوى بشرى بمنزله بجدة صيف 1999، كما عاصرت أسامة بجامعة الخرطوم دون أن تمتد علاقتنا للتعارف الوثيق، فقد كان بالصيدلة رغم غرامه بالأدب ولا أزال أذكر حائطيته التي كان يصدرها بانتظام. طبعاً أعرفكم جميعكم، تقريباً، بأعمالكم الأدبية والنقدية.
أظن أن أسامة يقدم قي مقاله الذي يعيد أبكر آدم إسماعيل نشره هنا شذرات من "سيرة ذاتية" أكثر من تقديمه تاريخا لظاهرة، أولاً لأن الاسهامات الفكرية لطلائع البنيويين السودانيين كما هو واضح من "شهادته" جنينية متواضعة وشفاهية في مجملها. وثانيا لأن تيارات مابعد الحداثة لا زالت مسيطرة على المشهد الفكري والنقدي بشكل عام مما يجعل التأريخ لها عملاً مبكراً جداً.
كيف تنتظر "سيرة ذاتية" بلغة مراوغة، متعالية، عجب الفيا؟ فالسيرة هي "خبر" نموذجي، إذ تتوخى، قبل كل شيء، الإبانة والإشهار وإجلاء الوقائع.
من ناحية أخرى، رغم الإشارات العديدة في شهادة أسامة لعبد الله بولا، وهذا يستتبع مباشرة تذكر حسن موسى والباقر أحمد عبد اللة وباردوس وهاشم محمد صالح وغيرهم، لا نجد بشهادة أسامة تصنيفاً للحركة النقدية التي دشنوها ولا ذكر للعاصفة التي أثاروها واكتسحت أمامها كل شيء فلم تستثن أدباً ولا تشكيلاً ولا سياسة. أتساءل هل مهدت الأرض بأي شكل للانفتاح المابعد حداثوي الذي أتى على أعقابها؟ رغم القسوة التي ميزت الخطاب النقدي لتلك الحركة يمكن القول أنها كانت من أثرى التيارات النقدية التي ميزت واقع النقد السوداني على مدى تاريخه، السابق واللاحق لها.
أسامة الخواض أشار لتقليدية المؤسسات الأكاديمية ومحافظتها، وهذا ينطبق على وجه الخصوص على أقسام اللغة العربية والفلسفة بجامعة الخرطوم. لقد لعب دكتور عبدالله الطيب دوراً أساسياَ في تكريس قيّم المحافظة التي تسم المناهج ومواضيع البحث وطرق التدريس ونوع الأساتذة بقسم اللغة العربية مما أدى في رأيي لتخلف أدوات النقد الأدبي بالجامعة وبالسودان على نحو عام. لكن لا يمكن نسيان الاسهامات الفكرية والنقدية المتميزة التى قدمها آخرون من جامعة الخرطوم؛ مثلاً، عبد الحي ومحمد أحمد محمود وعلى عبد الله عباس في دراساته الرصينة بالإنجليزية لأدب الطيب صالح.
واحدة من عقابيل هيمنة "الشلة" ، والتي يمكن توسيع مفهومها لتشمل الجماعات الأدبية والسياسية المختلفة، هو هذه الحدة التي لا تزال حوارتنا الفكرية تتسم بها وهي فيما أظن امتداد للصراعات ذات الصبغة السياسية التي شهدتها حركة اليسار السوداني خاصة حيث قصد المشاركون فيها القضاء بشكل منظم وممنهج على مخالفيهم في الرأي (مثل الصراع الرهيب الذي نشب بين صلاح أحمد إبراهيم وعمر مصطفى المكي في الستينات.) بالإضافة للغيرة غير المبررة التي تسيطر على المبدعين السودانيين بشكل عام، كما أشار بشرى، رغم قلة النتاج الأدبي بكافة المقاييس وقلة أعداد الكتاب أنفسهم وبؤس المردود المادي والمعنوي للكتابة كما بيّن أسامة في مقاله. وعلى كل هي ظاهرة ذات بعد إقصائي، قمعي وتتنافى بشكل من الأشكال مع قواعد حرية التعبير.
فيما يتعلق بأزمة المصطلح النقدي البنيوي فهذا في رأيي ينطبق على خطابات ما بعد الحداثة ( وليس الحداثة فيما أظن – الأزمة!) عموماً. فهذه المناهج لا ترتبط بمدارس نقدية بقدر ما ترتبط بمفكرين أفراد عديدين يصيغ كل واحد منهم مصطلحاته حسب ما يروق له. في حقل الدراسات الألسنية وتحليل النصوص مثلاً ابتكر ماك هاليداي في النحو التحويلي عشرات المصطلحات اللغوية الجديدة كما قدم تعريفات مغايرة لمصلحات متعارف عليها وكذا ينبطق الأمر على أستن قبله وكتاب البراقمتيكس عموماً والهولندي فانديك وكتاب ما بعد الحداثة بأمريكا، إيهاب حسن مثلاً. هذا لا ينفي رسوخ مصطلحات ما بعد حداثوية تم تداولها بشكل مكثف وعلى مدى سنوات متصلة، كبعض المصطلحات التى أتى بها دي سوسوار أو تلك التي سكها البنيويون والتفكيكيون الفرنسيون. في العالم العربي يزيد الأمر تعقيداً وجود مدارس اصطلاح متعددة بسبب انتشار مؤسسات التعريب (المغرب، مصر، سوريا، العراق، والسودان مؤخراً) وهي مدارس تختلف في مناهج صياغة المصطلح وتعمل كل واحدة بشكل منفصل إضافة إلى افتقار العالم العربي إلى بنك خاص بالمصطلحات.
لكني لا أرى تناقضاً في استخدام مناهج نقد مابعد الحداثة مجتمعة مثلما يفعل محمد أركون خاصة أو كما فعل إدوارد سعيد في دراسته للاستشراق. أود ختاماً أن أنوه بالإسهامات النقدية النشطة لعجب الفيا وأعتقد أنها تستحق التقدير والإشادة، خصوصاً أنها تأتي في ظروف السودان الفكرية والسياسية التي نعرفها جميعاً.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
نرحب ببيان وشاتنتير قلوبنا مع الاخ امفريب ونسال الله ان يرد غربته ويديه الصحة والعافية
اشار كل من الاخ ابكر والاخ الحسن بكرى الى تطبيقات محمد اركون وعابد الجابري ،مناهج الحداثة في قراءة ونقد العقل العربى والاسلامي كذلك اشاروا الى ادورد سعيد فى الاستشراق
هنا احب ان اوضح نقطة فى غاية الاهمية وهى ان منطلق النقاش هو تطبيقات البنيوية وما بعدها علي النقد الادبى والنص الابداعى ولذلك لم تاتي الاشارة الي الحقول الاخرى.ان مناهج الحداثة تنظر الي الظاهرة الادبية كنص،غير قابل للاستنطاق.ولكنها تنظر الي العلوم الانسانية الاخري كخطابات او ايدلوجيات قابلة للاستنطاق
في مجال العلوم الانسانية كثيرا ما تتم الاحالة الي ميشيل فوكو والي مفهوم الخطاب عنده،كما طرحه في اركيولوجيا المعرفة ،ونظام الاشياء ،والانضباط والعقوبة.ثم انفتح مفهوم الخطاب علي الهيرومنطيقيا اي التاويل؛ ونظريات القراءة والتلقي وهي من بنات المدرسة الالمانية
ادورد سعيد طبق في الاستشراق نظريات ميشيل فوكو كما وردت فى اركيولوجيا المعرفة والنظام والعقوبة:ولكني اري ان ادورد سعيد لم يوفق في ذلك -وهذا راي شخصي اتحمل المسؤلية عنه وحدي-واضاع موضوعه علي حساب المنهج،حيث وضع نفسه في خدمة المنهج وليس العكس
اعتقد ان الجابري كان اكثرا تحررا في تعاطيه مع هذه المناهج في نقد العقل العربي،لذلك كان موفقا جدا في محاولته ،بغض النظر عن راينا في النتائج التي خلص اليها، والسبب في راي ان الجابري لم يرهن نفسه لنظرية محددة رغم انه اشار الي اثنين او ثلاثة من اصحاب هذه النظريات
محمد اركون اعتقد انه مزج بين مفهوم الخطاب و الهيرومنطيقيا ونظريات القراءة والتلقي، و نفس الشي فعله نصر حامد ابوزيد ،فجاءت نتائج تطبيقاتهم اكثر ثراء وخصوبة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد المشهد البنيوى-قراءة فى شهادة اسامة الخواض (Re: Agab Alfaya)
|
الاعزاء .. سعيد جداً بهذه المساهمات المفيدة التي وردت في هذا البوست القيم ، واشكر أصحاب المساهمات التي خاطبتني بالإسم . ارغب في التعليق على كلام الكثيرين منكم ، ولكن أسمحوا لي بتخصيص هذه المساهمة للتعقيب على ماورد في تعقيبات العزيز عجب الفيا على ما قلته ، اذ أن هناك لبس واضح أرغب بشدة ازالته :
عزيزي عجب الفيا : لم أرد السخرية منك في أي حرف مما كتبته هنا ، اؤكد ذلك ، وانا اكره كثيراً السخرية ، واكره أن يمارسها ضدي الأخرون كما أكره ان أمارسها ضدهم ، وإذا وصلتك أي إشارة سخرية في كتاباتي فتأكد إنها غير ما أقصد . عندما قلت ان الدكتور عبد العزيز حمودة خاض أم معارك خاسرة ، وكان لزاما على تلك الأم ان تنجب أبناء خاسرين ، كنت أشير الى المؤلفات التي أصدرها بعد كتابه المرايا المحدبة ، وتحديدا كتابه المرايا المقعرة ، الذي أعتبره إبناً لكتابة المرايا المحدبة . وأقسم انه لم يخطر ببالي قط ان جملتي تلك تشير اليك أو الى أي شخص أخر . نبهتني الجندرية ان صياغة الجملة يمكن ان تشير الى ما إعتقدته أنت ، ولذا فإنني أعبر عن كل الآسف لعدم توضيح مقاصدي للدرجة التي أدخلتي في سوء الفهم هذا . حديثي عن المراجع يمكن أيضأ ان يدل على مافهمته أنت والدكتور بشرى الفاضل ، ولكن في كل الأحوال فقد قصدت القول ان محاولة تعقيبي على مقالك بوستك (اصداء السيرة الذاتية للطيب في روايات الطيب صالح) جرني الى كتابة مسترسلة وانني استعنت في تلك الكتابة ببعض المراجع ، وان بعضاَ من تلك المراجع كان يجرني الى قراءة مراجع أخرى ، ولم اقل البتة انني لم استطع انجاز ذلك التعقيب لعدم توفر المراجع عندي ، فجميع المراجع التي تحدثت كانت موجودة في مكتبتي الخاصة ، ولقد شكرتك وشكرت بوستك المذكور على ذلك ، وقلت انك جررتني الى تلك المحمدة بالسلاسل ، في إشارة الى قول أحد أعلام الصوفية بأن بعض الناس يقادون الى الجنة بالسلاسل . عذرا إذا اوصلت اليك كلماتي معنى غير الذي أقصده ، فلقد تعودنا المشافهة ، حيث ظلت تعابير الوجه ونبرة الصوت وايماءات الجسد توصل جزءاً كبيرا مما نود قوله وظل حضور المتلقي يعفيك عن عبء جزء كبير من التوضيح ، ويسمح لك بإزالة أي التباس يحدث في التو واللحظة . لك العتبى
| |
|
|
|
|
|
|
|